الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فهذه الحلقة الثالثة من سلسلة النصائح والتوجيهات المتعلقة بالمولود لعلّ الله أن ينفع بها :
تعريف العقيقة لغة :
للغويين في معنى العقيقة قولان:
أحدهما: أنَّها اسمٌ للشَّعر الَّذي يحلق عن رأس المولود، فهو مرتهنٌ بأذاه حتَّى يحلق، فسمِّيت الشَّاة عقيقةً تجوَّزًا وبه قال ابن منظور وأبو عبيد والأصمعي ، وغيرهم.
وقال زهير يذكر حمارًا وحشيًّا:
أذلك أم أقب البطن جار ... عليه من عقيقته عفاء
قال امرؤ القيس :
يا هند لا تنكحي بوهةً …عليه عقيقته أحسَبَا
وهي مأخوذة من عق ، يَعِقُ ويعَقُ فنقول عق عن ابنه بمعنى حلق عقيقته أي شعر رأسه أو ذبح الشاة المسماة عقيقة
قال أبو عبيد: أصله الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد، وإنما سميت الشاه التي تذبح عنه في تلك الحال عقيقه؛ لأنه يحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح، فسميت الشاة عقيقه لعقيقه الشعر عنه وكذلك كل مولود من البهائم فإن الشعر الذي يكون عليه حين يولد عقيقة.[1]
والثَّاني: أَنَّ الشَّاة المذبوحة سمِّيت عقيقة لأنَّها تُعقُّ مذابحها،
أي: تُشقُّ. قاله الأزهري ورجحه ابن عبد البر والهروي وابن الأثير وغيرهم
قال ابن منظور :وقيل للذبيحة عقيقة لأنها تذبح فيشق حلقومها ومريئها وودجاها قطعاً كما سميت ذبيحة بالذبح وهو الشق.
وقال الخطابي. العقيقة اسم الشاة المذبوحة عن الولد سميت بذلك لأنها تعق مذابحها.[2]
وقال الجوهري :وشعر كل مولود من الناس والبهائم الذي يولد عليه عقيقة ... ومنه سميت الشاة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه عقيقة
اصطلاحا : هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم سابعه وهي شكراً لله على ما وهبه من الولد ذكراً كان أو أنثى .
مشروعية العقيقة :
ثبتت سنة العقيقة عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا في أحاديث كثيرة منها :
1 ـ عن سلمان بن عامر الضبي ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى.[3]
2 ـ وعن الحسن عن سمرة بن جندب ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل غلام مرتهن بعقيقته ، تُذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه ويسمى .[4]
3 ـ وعن أم كرز الكعبية رضي الله عنهاـ قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : عن الغلام شاتان ، وعن الأنثى واحدة ، ولا يضركم ذكراناً كنَّ أم إناثاً.[5]
4 ـ وعن يزيد بن عبد الله المزني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يُعق عن الغلام ولا يُمس رأسه بدم .[6]
5 ـ وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق.[7]
6 ـ وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أيضاـ رضي الله عنه ـ قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة ، فقال : " لا أحب العقوق " . وكأنه كره الاسم ، فقالوا : يا رسول الله إنما نسألك عن أحدنا يولد له ، قال : من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة .[8]
7 ـ وعن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان[9] وعن الجارية[10] شاة[11] .
وفي لفظ : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن نعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتين.[12]
8 ـ وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :عن الغلام عقيقتان وعن الجارية عقيقة.[13]
9 ـ وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أيضا أن رسول صلى الله عليه وسلم: عق عن الحسن والحسين بكبشين كبشين.[14]
10ـ وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حسن وحسين يوم السابع وسماهما وأمر أن يماط عن رأسهما الأذى.[15]
11 ـ عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : العقيقة عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة .
العقيقة قبل الإسلام :
سنة العقيقة كانت معروفة وذلك قبل الإسلام وقد أقرها ديننا العظيم وحث ورغب فيها،
و مما يدل على ذلك مايلي :
1 ـ عن عبد الله بن بريدة قال : سمعت أبي بريدة ـ رضي الله عنه ـ يقول : كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران.[16]
2 ـ ولما روت عائشة رضي الله عنها قالت: كانوا في الجاهلية يجعلون قطنة في دم العقيقة، ويجعلونها على رأس المولود، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلوا مكان الدم خلوفا.[17]
والخلوف : بفتح الخاء هو طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة ، قاله النووي .[18]
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: ولما أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم العقيقة في الإسلام وأكد أمرها وأخبر أن الغلام مرتهن بها . نهاهم أن يجعلوا على رأس الصبي من الدم شيئاً وسن لهم أن يجعلوا عليه شيئاً من الزعفران لأنهم في الجاهلية إنما كانوا يلطّخون رأس المولود بدم العقيقة تبركاً به فإن دم الذبيحة كان مباركاً عندهم حتى كانوا يلطخون منه آلهتهم تعظيماً لها أنفع للأبوين وللمولود وللمساكين وهو حلق الرأس بالزعفران الطيب الرائحة الحسن اللون بدلاً عن الدم الخبيث الرائحة النجس العين ، والزعفران من أطيب الطيب وألطفه وأحسنه لوناً [19].
قال الماوردي ـ رحمه الله ـ فأما العقيقة فهي شاة تذبح عند الولادة كانت العرب عليها قبل الإسلام.[20]
وقال ولي الله الدهلوي ـ رحمه الله ـ واعلم أن العرب كانوا يعقون عن أولادهم وكانت العقيقة أمراً لازماً وسنةً مؤكدةً ، وكان فيها مصالح كثيرة راجعة إلى المصلحة الملية والمدنية والنفسانية ، فأبقاها النبي صلى الله عليه وسلم وعمل بها ورغب الناس فيها.[21]
عدم كراهية تسميتها بالعقيقة :
ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا تسمى الذبيحة التي تذبح عن المولود في اليوم السابع من ولادته بالعقيقة وقالوا الأولى أن تسمى نسيكة أو ذبيحة ،وذلك لما ورد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ـ رضي الله عنه ـ قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة ، فقال : " لا أحب العقوق " . وكأنه كره الاسم ، فقالوا : يا رسول الله إنما نسألك عن أحدنا يولد له ، قال : من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة .
1 ـ والذي يظهر والله تعالى أعلم أنه لا كراهة في ذلك لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل اسم العقيقة في أحاديث منها :
أ ـ عن سلمان بن عامر الضبي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى .
ب ـ عن عائشةـ رضي الله عنها قالت : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتين .
ت ـ عن أم كرز ـ رضي الله عنها ـ أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال : عن الغلام شاتان ، وعن الأنثى واحدة ، ولا يضركم ذكرانا كن أم إناثا.
ث ـ وعن سمرة بن جندب ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل غلام مرتهن بعقيقته ، تُذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه ويسمى .
ففي هذه الأحاديث استعمل النبي صلى الله عليه وسلم لفظ العقيقة فدل على الإباحة لا على الكراهة لكن الأولى أن تستعمل لفظة " النسيكة" بدل " العقيقة " للحديث المتقدم .ولا زال أهل العلم يستعملون هذه اللفظة في كتبهم و دروسهم لفظ العقيقة ولا يستعملون لفظة النسيكة .
2 ـ الكراهة الواردة في الحديث ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي مدرجة من كلام الراوي ، وهذا الفهم من الراوي جاءت نصوص أخرى بلفظ "العقيقة" تردّه.
وقد أجاب الملا علي القاري ـ رحمه الله ـ عن ذلك بقوله :وكأنه –أي: النبي صلى الله عليه وسلم -كره الاسم هذا كلام بعض الرواة أي أنه عليه السلام يستقبح أن يسمى عقيقة لئلا يظن أنها مشتقة من العقوق وأحب أن يسمى بأحسن منه من ذبيحة أو نسيكة على دأبه في تغيير الاسم القبيح إلى ما هو أحسن منه كذا في النهاية قال التوربشتي : هو كلام غير سديد لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر العقيقة في عدة أحاديث ولو كان يكره الاسم لعدل عنه إلى غيره ومن عادته تغيير الاسم إذا كرهه أو يشير إلى كراهته بالنهي عنه كقوله :"لا تقولوا للعنب الكرم"، ونحوه من الكلام وإنما الوجه فيه أن يقال : يحتمل أن السائل إنما سأله عنها لاشتباه تداخله من الكراهة والاستحباب أو الوجوب والندب وأحب أن يعرف الفضيلة فيها ولما كانت العقيقة من الفضيلة بمكان لم يخف على الأمة موقعه من الله وأجابه بما ذكر تنبيهاً على أن الذي يبغضه الله من هذا الباب هو العقوق لا العقيقة ، ويحتمل أن يكون السائل ظن أن اشتراك العقيقة مع العقوق في الاشتقاق مما يوهن أمرها فأعلمه أن الأمر بخلاف ذلك ويحتمل أن يكون العقوق في هذا الحديث مستعاراً للوالد كما هو حقيقة في المولود وذلك أن المولود إذا لم يعرف حق أبويه وأبى عن أدائه صار عاقاً فجعل إباء الوالد عن أداء حق المولود عقوقاً على الاتساع فقال : لا يحب الله العقوق أي ترك ذلك من الوالد مع قدرته عليه يشبه إضاعة المولود حق أبويه ولا يحب الله ذلك.[22]
وقال التوربشتي ـ رحمه الله ـ: هذا الكلام وهو كأنه كره الاسم غير سديد أدرج في الحديث من قول بعض الرواة ولا يدري من هو وبالجملة فقد صدر عن ظن يحتمل الخطأ والصواب والظاهر أنه ها هنا خطأ لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم ذكر العقيقة في عدة أحاديث ولو كان يكره الاسم لعدل عنه إلى غيره ومن سنته تغيير الاسم إذا كرهه والأوجه أن يقال يحتمل أن السائل ظن أن اشتراك العقيقة مع العقوق في الاشتقاق مما يوهن أمرها فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي كرهه الله تعالى من هذا الباب هو العقوق لا العقيقة ويحتمل أن العقوق ها هنا مستعار للوالد بترك العقيقة أي لا يجب أن يترك الوالد حق الولد الذي هو العقيقة كمالا يجب أن يترك الولد حق الوالد الذي هو حقيقة العقوق ولا يخفى أن المخاطب ما يهم هذا المعنى من الجواب ولذلك أعاد السؤال فقال إنما نسألك الخ فالوجه أن يقال أنه أطلق الاسم أولا ثم كرهه إما بالتفات منه صلى الله عليه وسلم إلى ذلك أو بوحي أو إلهام منه تعالى إليه والله تعالى أعلم[23]
قال ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ: كان الواجب بظاهر هذا الحديث أن يقال للذبيحة عن المولود في سابعه نسيكة ، ولا يقال عقيقة ، إلا أني لا اعلم خلافاً بين العلماء في تسمية ذلك عقيقاً - كذا والصواب عقيقةً - فدل على أن ذلك منسوخ ، واستحباب واختيار . فأما النسخ، فإن في حديث سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى.وفي حديث سلمان بن عامر الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى"، ففي هذين الحديثين لفظ العقيقة فدل ذلك على الإباحة لا على الكراهة في الاسم . وعلى هذا كُتب الفقهاء في كل الأمصار ، ليس فيها إلا العقيقة لا النسيكة ، على أن حديث مالك هذا ليس فيه التصريح بالكراهة ،وكذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما فيهما فكأنه كره الاسم وقال من أحب أن ينسك عن ولده.[24]
وقال الحافظ العراقي ـ رحمه الله ـ: لفظ نسيكة لا يدل على العقيقة لأنه أعم منها ولا دلالة للأعم على الأخص وليس في الحديث تصريح بأنه كره الاسم وإنما هذا من فهم الراوي ولم يجزم به وكأنه عليه الصلاة والسلام إنما ذكر قوله لا يحب الله العقوق عند ذكر العقيقة لئلا يسترسل السائل في استحسان كل ما اجتمع مع العقيقة في الاشتقاق فبين له أن بعض هذه المادة محبوب وبعضها مكروه وهذا من الاحتراس الحسن وإنما سكت عنه في وقت آخر لحصول الغرض بالبيان الذي ذكره في هذا الحديث أو بحسب أحوال المخاطبين في العلم وضده فيبين للجاهل ويسكت عن البيان للعالم ولعله كان مع عبد الله بن عمرو من احتاج إلى البيان لأجله فإن عبد الله بن عمرو صاحب فهم.[25]
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله ما نصه :ما حكم التسمية بالعقيقة ؟ والعقيقة من العقوق ؟
فأجاب بقوله :
هي اشتهرت بهذا الاسم ،ولابأس ، مثل ما قالت عائشة وأم كرزـ رضي الله عنهما : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعق عن الغلام شاتان.[26]
قال شيخنا عبد المحسن العباد ـ حفظه الله ـ:هذا الاسم يشبه العقوق؛ ولكنه قد جاء هذا اللفظ في كلامه صلى الله عليه وسلم كما مر في الأحاديث: كل غلام مرتهن بعقيقته"، ومعنى ذلك أنه سائغ ولكن كونه يطلق عليه نسيكة هو الأولى.
حكم العقيقة :
اختلف أهل العلم في حكم العقيقة ملخّصها ثلاثة أقوال :
1 ـ فمنهم من ذهب لوجوبها .
2 ـ ومنهم من ذهب إلى أنها سنة مؤكدة وهو الراجح.
3 ـ ومنهم من ذهب إلى أنها منسوخة يكره فعلها .
ـ القول الأول :
ذهب بعض أهل العلم أن العقيقة واجبة، وبه قال الحسن البصرى والليث بن سعد وداود وابن حزم وغيرهم .
أدلتهم :
1ـ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق.
2ـ وعن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتين.
3ـ وعن الحسن عن سمرة بن جندب ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل غلام مرتهن بعقيقته ، تُذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه ويسمى .
4ـ وعن يزيد بن عبد الله المزني ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يُعق عن الغلام ولا يُمس رأسه بدم .
5ــ وعن بريدة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال :إن الناس يعرضون يوم القيامة على العقيقة كما يعرضون على الصلوات الخمس.[27]
مناقشتها :
1 ـ حديث عائشة ـ رضي الله عنه ـ يفيد الوجوب لكن أتت قرينة تصرفه من الوجوب إلى الندب كما في حديث عمر بن شعيب عن أبيه عن جده ـ رضي الله عنه ـ فإنه علقها على محبة فاعلها حيث قال :من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فليفعل.
2 ـ أن حديث:"كل غلام مرتهن بعقيقته " ،فهو مختلف في معناه فقد قال أحمد بن حنبل : أنه إذا لم يعقّ عنه ، فمات طفلاً ، لم يشفع فى أبويه ، وقيل : معناه أن العقيقة لازمة لابد منها فشبه المولود فى لزومها وعدم انفكاكه منها بالرهن فى يد المرتهن ، أو أنه رهينة فى نفسه ممنوع محبوس عن خير يراد به ولا يلزم من ذلك أن يعاقب على ذلك فى الآخرة.[28]
وما استدل به من قول بريدة الأسلمى ـ رضي الله عنه ـ : إن الناس يعرضون يوم القيامة على العقيقة كما يعرضون على الصلوات الخمس "
فقد قال عنه الحافظ ابن حجر: وهذا لو ثبت لكان قولاً آخر يتمسك به من قال بوجوب العقيقة.[29]
3 ـ أنها لو كانت واجبة لكان هذا الوجوب معلوماً من الدين بالضرورة ، لأن ذلك مما تدعوا الحاجة إليه ، وتعم به البلوى.
القول الثاني :
ذهب جمهور أهل العلم إلى أنها سنة مؤكدة وهو القول الراجح ،وبه قال ابن عباس وابن عمر وعائشة وفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم وبريدة الأسلمي والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وعطاء والزهري وأبو الزناد وإسحاق وأبو ثور وابن تيمية وغيرهم.
1 ـ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ـ رضي الله عنه ـ: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتسمية المولود يوم سابعه ، ووضع الأذى عنه ، والعق.
ففي هذا الحديث دلالة واضحة أن العق عن المولود سنة مؤكدة لأن تسمية المولود يوم السابع وحلق رأسه ليس واجب بإجماع أهل العلم.
2 ـ وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ـ رضي الله عنه ـ قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة ، فقال : " لا أحب العقوق " . وكأنه كره الاسم ، فقالوا : يا رسول الله إنما نسألك عن أحدنا يولد له ، قال : من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة .
فعلّق ذبح النسيكة عن المولود على المحبة والاختيار فهذه قرينة منصوصة صرفت الأمر من الوجوب إلى الندب ، وأحاديث الأمر بها كما في حديث عائشة وغيرها ـ رضي الله عنها ـ محمولة على تأكيد الاستحباب جمعاً بين الأخبار عن المصطفى صلى الله عليه وسلم .
3 ـ ولو كانت واجبة لكان وجوبها معلوماً من الدين لأن ذلك مما تدعو الحاجة إليه ، وتعم به البلوى
قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ:أفرط فيها - أي في العقيقة - رجلان قال أحدهما : هي بدعة ، والآخر قال : واجبة.[30]
وقال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ :إنها من الأمر الذي لم يزل عليه أمر الناس عندنا.[31]
قال أبو الزناد ـ رحمه الله ـ : العقيقة من أمر الناس كانوا يكرهون تركه.[32]
وقال الثوري ـ رحمه الله ـ:ليست العقيقة بواجبة وإن صنعت فحسن.[33]
وقال ابن المنذرـ رحمه الله ـ:وهو - أي أمر العقيقة - معمول به بالحجاز قديماً وحديثاً ... وانتشر عمل ذلك في عامة بلدان المسلمين متبعين في ذلك ما سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : وإذا كان كذلك لم يضر السنة من خالفها وعدل عنها.[34]
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: فأما أهل الحديث قاطبة وفقهاؤهم وجمهور أهل السنة ، فقالوا : هي من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.[35]
وسئلت "اللجنة الدائمة للافتاء"ما نصه : هل العقيقة فرض أم سنَّة مستحبة ؟ وهل إذا تهاون الرجل في أدائها لمولوده وهو مستطيع آثم ؟ وكم المدة التي يجب أن يتمم فيها ؟وإذا أخرها لمدة شهرين أو شهر لعذر أو بدون عذر جائز أن يؤديها ؟
فأجابت بما يلي :العقيقة سنَّة مؤكدة عن الغلام شاتان تجزئ كل منهما أضحية ، وعن الجارية شاة واحدة، وتذبح يوم السابع، وإذا أخرها عن السابع جاز ذبحها في أي وقت، ولا يأثم في تأخيرها، والأفضل تقديمها ما أمكن.[36]
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الصحيح أن العقيقة ليست واجبة وأنها سنة مؤكدة، ولا ينبغي للإنسان تركها، حتى إن الإمام أحمد رحمه الله قال: إذا لم يجد فليستقرض ويخلف الله عليه إنه أحيا سنة، لكن قول الإمام أحمد: فليستقرض، مقيدٌ بما إذا كان يرجو الوفاء، كإنسان حلت عليه العقيقة وهو ما عنده دراهم، لكن يعرف أنه في آخر الشهر سيأتيه الراتب، هذا نقول: استقرض وادفع العقيقة في وقتها في اليوم السابع ،أما الإنسان الذي لا يرجو الوفاء فلا يستقرض؛ لأن العقيقة سنة، والدين واجب قضاؤه.[37]
وقال ـ رحمه الله ـ:العقيقة سنة مؤكدة، عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، تذبح في اليوم السابع، ويؤكل منها ويوزع على الأغنياء هدية وعلى الفقراء صدقة.[38]
قال شيخنا صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ: حكم العقيقة سنّة وهي ذبح شاتين عن المولود الذكر، وشاة عن المولودة الأنثى في اليوم السابع من ولادته أو فيما بعده من الأيام وهي سنة في حق والد الطفل شكرًا لله تعالى وتقربًا إليه وفكاكًا له من الشيطان ورجاء سلامة المولود وحلول البركة عليه.[39]
القول الثالث :
ذهب بعض أهل العلم أن العقيقة مكروهة منسوخة بالأضحية وأنها بدعة إذ هي من أمر الجاهلية قد محاها الإسلام وهو قول شاذ غير معتبر، وهو مروي عن أبي حنيفة.[40]
أدلتهم :
1 ـ احتجوا نسخها بحديث علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :"محا ذبح الأضاحي كل ذبح قبله".
2 ـ واحتجوا أيضا بما روي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت : نسخ صوم رمضان كل صوم كان قبله ، ونسخت الأضحية كل دم كان قبلها، ونسخ غسل الجنابة كل غسل كان قبله.
3 ـ واحتجوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ـ رضي الله عنه ـ قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة ، فقال : " لا أحب العقوق "،وكأنه كره الاسم ، فقالوا : يا رسول الله إنما نسألك عن أحدنا يولد له ، قال : من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة .
3 ـ واحتجوا كذلك بحديث أبى رافع ـ رضى الله عنه ـ أن الحسن بن علىّ أرادت أمه رضى الله عنها أن تعق عنه بكبشين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تعقي ، ولكن احلقي رأسه ، فتصدقي بوزنه من الورق ، ثم ولد الحسين ، فصنعت مثل ذلك.[41]
قال محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة ـ رحمهما الله ـ: أما العقيقة فبلغنا أنها كانت في الجاهلية وقد فعلت في أول الإسلام ثم نسخ الأضحى كل ذبح كان قبله.[42]
و بما رواه أبو يوسف في "الآثار" عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال : كانت العقيقة في الجاهلية فلما جاء الإسلام رفضت.[43]
وبما رواه أبو يوسف أيضاً عن أبي حنيفة عن رجل عن محمد بن الحنفية ـ رحمهما الله ـ :أن العقيقة كانت في الجاهلية فلما جاء الأضحى رفضت.[44]
وقال الخوارزمي ـ رحمه الله ـ:كان في الجاهلية ذبائح يذبحونها منها العقيقة ومنها الرجبية ... وكلها منسوخ بالأضحية.[45]
قال التهانوي ـ رحمه الله ـ:نص الروايات ظاهر في أن مذهب أبي حنيفة هو أن العقيقة منسوخة وغير مشروعة ، وما نقله الشامي - أي ابن عابدين - عن جامع المحبوبي أنها مباحة وشرح الطحاوي أنها مستحبة ليس بنقل للمذهب ، بل هو رأي منهما رأياه لما ورد في ذلك من الأخبار.[46]
قال الإمام البغوي ـ رحمه الله ـ : والعقيقة سنّة عند أكثر أهل العلم ، إلا أصحاب الرأي ؛ فإنهم قالوا : ليست بسنّة...[47]
مناقشتها:
1 ـ إن الحديث الذي احتج به الحنفية "أي: ما روي عن على بن أبي طالب " نسخت الأضحية كل دم كان قبلها ...) حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به ، وقد روي هذا الحديث من عدة طرق ذكرها الإمام الدارقطني ـ رحمه الله ـ في" سننه "وبين ضعفها كما يلي :
أ. حدثنا أبي أن محمد بن حرب نا أبو كامل نا الحارث بن نبهان نا عتبة بن يقظان عن الشعبي عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :محا ذبح الأضاحي كل ذبح قبله ... . هذا الحديث فيه عتبة بن يقظان وهو متروك كما قال الدارقطني[48] ، وقال الحافظ في التقريب : ضعيف[49].
ب. نا محمد بن يوسف بن سليمان الخلال نا الهيثم بن سهل نا المسيب بن شريك نا عبيد المكتب عن عامر عن مسروق عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نسخ الأضحى كل ذبح ... .
هذه الرواية فيها المسيب بن شريك قال فيه يحيى بن معين : ليس بشيء . وقال أحمد : ترك الناس حديثه . وقال مسلم : متروك .[50]،وضعفه الزيلعي أيضاً[51].
جـ . نا محمد بن عبد الله الشافعي نا محمد بن تمام بن صالح النهراني بحمص نا المسيب بن واضح نا المسيب بن شريك عن عتبة بن يقظان عن الشعبي عن مسروق عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن ونسخ صوم رمضان كل صوم ونسخ غسل الجنابة كل غسل ونسخت الأضاحي كل ذبح [52].
وفيه أيضاً المسيب بن شريك وعتبة بن يقظان وعرفت ما قيل فيهما فلا يحتج بهما .
وقال صاحب التعليق المغني على الدارقطني :حديث علي مروي من طرق وكلها ضعاف لا يصح الاحتجاج بها[53].
وقال النووي : اتفق الحفاظ على ضعفه .[54]
وقال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ -في الأحاديث المعارضة لأحاديث العقيقة- :ليست بشيء ولا يعبأ بها.[55]
وقال الحافظ ابن عبد البرـ رحمه الله ـ : ليس ذبح الأضحى بناسخ للعقيقة عند جمهور العلماء ولا جاء في الآثار المرفوعة ولا عن السلف ما يدل على ما قال محمد بن الحسن ولا أصل لقوله في ذلك.[56]
وأجاب ابن حزم ـ غفر الله له ـ عن احتجاجهم بنسخ الأضحى كل ذبح قبله بقوله :واحتج من لم يرها واجبة برواية واهية عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين : نسخ الأضحى كل ذبح كان قبله .
وهذا لا حجة فيه لأنه قول محمد بن علي ، ولا يصح دعوى النسخ إلا بنص مسند إلى رسول الله.[57]
وقال الألباني ـ رحمه الله ـ:ضعيف جداً، رواه الدارقطني في "سننه"(ص543 )من طريق الهيثم بن سهل المسبب بن شريك : نا عبيد المكتب عن عامر عن مسروق عن علي مرفوعاً . وقال : خالفه المسيب بن واضح عن المسيب -هو ابن شريك- وكلاهما ضعيفان ، والمسيب ابن شريك متروك .
ثم ساقه من طريق ابن واضح :نا المسيب بن شريك عن عتبة بن يقظان عن الشعبي عن مسروق به . وقال :
عتبة بن يقظان متروك أيضا ً .
ورواه البيهقي (9/261-262) عن ابن شريك بالوجهين . ونقل عن الدارقطني ما سبق من التضعيف الشديد وأقره عليه .
ومن آثار هذا الحديث السيئة أنه صرف جماً غفيراً من هذه الأمة عن سنة صحيحة مشهورة ، ألا وهي العقيقة ، وهي الذبح عن المولود في اليوم السابع ، عن الغلام شاتين وعن الأنثى شاةً واحدةً ، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة تراجع في كتاب تحفة الودود في أحكام المولود للعلامة ابن القيم ، اجتزئ هنا بإيراد واحد منها وهو قوله صلى الله عليه وسلم :"مع الغلام عقيقة ، فأهريقوا عنه دماً " رواه البخاري (9/486) . وغيره من حديث سلمان بن عامر الضبي مرفوعاً . لقد ترك العمل بهذا الحديث الصحيح وغيره مما في الباب حتى لا تكاد تسمع في هذه البلاد وغيرها أن أحداً من أهل العلم والفضل -دع غيرهم- يقوم بهذه السنة! ولو أنهم تركوها إهمالاً كما أهملوا كثيراً من السنن الأخرى لربما هانت المصيبة، ولكن بعضهم تركها إنكاراً لمشروعيتها ! لا لشيء إلا لهذا الحديث الواهي ! فقد استدل به بعض الحنفية على نسخ مشروعية العقيقة ! فإلى الله المشتكى من غفلة الناس عن الأحاديث الصحيحة ، وتمسكهم بالأحاديث الواهية والضعيفة[58]
2 ـ وأما احتجاجهم بحديث : "لا يحب الله العقوق"، فلا دلالة فيه على كراهة العقيقة لأن بقية الحديث تثبتها وهي :" من ولد له فأحب أن ينسك عن ولده فلينسك " .
قال البغوي ـ رحمه الله ـ:وليس هذا الحديث عند العامة على توهين أمر العقيقة ولكنه ( كره تسميتها بهذا الاسم على مذهبه في تغيير الاسم القبيح إلى ما هو أحسن منه فأحب أن يسميها بأحسن منها من نسيكة أو ذبيحة أو نحوها[59]
3 ـ وأما الجواب عن احتجاجهم بحديث :"لا تعقي"،على كراهيتها فلا دلالة عليه فيما ذهبوا إليه ، قال الحافظ العراقي ـ رحمه الله ـ في "شرح الترمذي" :يحمل على أنه كان عق عنه ثم استأذنته فاطمة أن تعق هي عنه أيضاً فمنعها.
وقال الحافظ ابن حجرـ رحمه الله ـ : ويحتمل أن يكون منعها لضيق ما عندهم حينئذ فأرشدها إلى نوع من الصدقة أخف ، ثم تيسر له عن قرب ما عق به عنه.[60]
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ:ولو صح قوله :"لا تعقي" عنه لم يدل ذلك على كراهية العقيقة لأنه عليه الصلاة والسلام أحب أن يتحمل عنها العقيقة فقال لها :( لا تعقي ) وعق هو عليه الصلاة والسلام عنهما وكفاهما المؤنة. [61]
وقال الشوكاني ـ رحمه الله ـ:قوله :"لا تعقي"، قيل يحمل هذا على أنه قد كان صلى الله عليه وسلم عق عنه ، وهذا متعين.[62]
ـ وأما ما قاله ابن حزم ـ رحمه الله ـ: ولم يعرف أبو حنيفة العقيقة فكان ماذا ؟ ليت شعري إذ لم يعرفها أبو حنيفة ما هذا بنكرة فطالما لم يعرف السنن.[63]
وقال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ: وجعلها أبو حنيفة من أمر الجاهلية وذلك لقلة علمه ومعرفته بالأخبار.[64]
قلت : فالأولى لهما أن يلتمسا العذر للإمام أبي حنيفة وترك مثل هذا اللمز، وقد أجاد الإمام الشوكاني ـ رحمه الله ـ حيث قال :وهذا إن صح حمل على أنها لم تبلغه الأحاديث الواردة في ذلك[65]
فائدة:
وبعض علماء الحنفية لم يتعصب لمذهبه بل خالف المذهب اعتماداً على ما صح من الأحاديث والآثار ومن هؤلاء القلّة العلامة أبو الحسنات اللكنوي ـ غفر الله له ـ حيث قال -معلقاً على قول محمد بن الحسن بنسخ العقيقة- : وإن أريد أنها كانت في الجاهلية مستحبة أو مشروعة ، فلما جاء الإسلام رفض استحبابها وشرعيتها فهو غير مسلم ، فهذه كتب الحديث مملوءة من أحاديث شرعية العقيقة واستحبابها ...[66]
ومما ينبغي معرفته أن الذي عليه العمل عند الحنفية في العصور المتأخرة هو استحباب العقيقة
قال التهانوي ـ رحمه الله ـ:وليعلم أن عمل الحنفية اليوم على استحبابها عملاً بما في شرح الطحاوي والأمر واسع لما فيه من الاختلاف ، فتدبر.[67]
وقال ـ رحمه الله ـ : هذا وإنما أخذ أصحابنا الحنفية في ذلك بقول الجمهور وقالوا باستحباب العقيقة لما قال ابن المنذر وغيره : إن الدليل عليه الأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين بعده ، قالوا : وهو أمر معمول به في الحجاز قديماً وحديثاً . قال : وذكر مالك في الموطأ : أنه الأمر الذي لا اختلاف فيه عندهم قال : وقال يحيى بن سعيد الأنصاري التابعي ، أدركت الناس وما يدعون العقيقة عن الغلام والجارية . وممن كان يرى العقيقة ابن عمر وابن عباس وعائشة وبريدة الأسلمي والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وعطاء والزهري وآخرون من أهل العلم يكثر عددهم قال : وانتشر عمل ذلك في عامة بلدان المسلمين.[68]
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه : عبد الحميد الهضابي.
الحواشي :
[1] ـ (2/284). وانظر "الصحاح" (4/1527) مادة عقق.
[2] ـ انظر "تحفة المودود"( ص60 )و"المغني" (13/393) وانظر "التمهيد" (10/182) و"الحاوي" (9/555) و"الفتح" (9/247)، و"شرح النووي" (9/217 )و"معالم السنن" (4/287) و"غريب الحديث" للخطابي (1/26
[3] ـ أخرجه أحمد ( 4 18 و 214 ) وأبو داود ( 2839 ) واللفظ له والترمذي ( 1515 ) وقال حسن صحيح، والنسائي (4214 ) وابن ماجة ( 3164 )،والحميدي (842)، والبيهقي في "السنن"(1840)،وعبد الرزاق في "مصنفه"( 795،وابن أبي شيبة في "مصنفه"( 24239)،والدارمي (2010)،والبزار (998،وعلقه البخاري (5471 ) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4185).
[4] ـ أخرجه أبوداود (283، والترمذي (1522)، والنسائي (4220)، وابن ماجه (3165)، والحاكم في "المستدرك" (7587)، وأحمد (19676)،وعبد الرزاق في "مصنفه"( 7965)،والبزار في "البحر الزخار"( 4549)،والطبراني في "الأوسط"( 3372)،والبيهقي في "السنن"( 19292).
والحديث قال عنه ابن حجر في "فتح الباري" (9/507): "رجاله ثقات"، وصححه ابن الملقن في "البدر المنير" (9/333)، والألباني في "صحيح الجامع" (4184).
[5] ـ أخرجه الترمذي ( 1516 ) وقال: حسن صحيح ، والنسائي ( 4217 ) وأبو داود ( 2835 )، وابن ماجه ( 3162 ) ،والبيهقي في "السنن"( 1844)،وعبد الرزاق في "مصنفه"( 7954)،والحميدي في "مسنده" (34،وابن أبي شيبة في "مصنفه"( 36304)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"( 4106).
[6] ـ أخرجه ابن ماجه (3166 )،والطبراني في "الأوسط"( 333)،وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه"( 3166 ) ، وفي "الصحيحة" ( 2452 )
[7] ـ أخرجه الترمذي (2832)،وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي"(2382)
[8] ـ أخرجه أحمد (6713)،وأبو داود (2842)،والنسائي (4212)، وصححه الألباني في "الصحيحة" (1655)
[9] ـ أي: مستويتان، أو متقاربتان.
[10] ـ وهذه إحدى المسائل الخمس التي تكون النساء على النصف من الرجال فيها، وهي:
1 ـ العقيقة.
2 ـ والدية.
3 ـ والميراث.
4 ـ والشهادة.
5 ـ والعتق من النار بعتق المملوك.
[11] ـ أخرجه الترمذي ( 1513 ) وقال : حسن صحيح ، وابن ماجه ( 3163 ) صحيح الترمذي ( 1221 ) .
[12] ـ أخرجه الترمذي ( 1513) ، وأبو داود ( 2834 ) وابن ماجه ( 3163 )،وابن أبي شيبة في "مصنفه"( 24246)، . وصححه الألباني في" الإرواء" (1166) وفي " الصحيحة" (6/2720).
[13] ـ أخرجه الطبرانى في "الكبير"(11327) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4107).
[14] ـ أخرجه النسائي (4219 )،وفي "الكبرى"( 4531)، وصححه الألباني في "صحيح سنن النسائي" (4219 ) ،وفي " الإرواء" ( 1164 )
[15] ـ أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"( 7963)،وأبويعلى في "مسنده"( 4521)،والطحاوي في "مشكل الآثار"( 1051)،وابن حبان في "صحيحه"(5311)،والبيهقي في "السنن"( 19272)،وصححه الألباني في "التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان"( 5287).
[16] ـ أخرجه أبو داود ( 2843 ) والطحاوي ( 1 / 456 ، 460 ) والحاكم ( 4 / 238 ) والبيهقي (1928 وقال الحاكم : ( صحيح على شرط الشيخين ) . ووافقه الذهبي، وقال الألباني : إنما هو على شرط مسلم "الإرواء" (4/389)
[17] ـ أخرجه أبو يعلى في "مسنده" ( 215 / 1 - 2 ) والبيهقي ( 9 / 303 )،وصححه النووي في "المجموع" (8/42،و الألباني في "الإرواء"( 4/389)
[18] ـ "المجموع" (8/429)
[19] ـ "تحفة المودود"( ص 71 ).
[20] ـ "الحاوي الكبير" (15/126)
[21] ـ "حجة الله البالغة" (2/223)
[22] ـ "مرقاة المفاتيح" (7/749) .
[23] ـ " حاشية السندي على سنن النسائي "(7/162ـ163)
[24] ـ "الاستذكار" (5/313).
[25] ـ "طرح التثريب في شرح التقريب" (5/216) .
[26] ـ"شرح بلوغ المرام "كتاب الأطعمة"(شريط رقم 4)
[27] ـ "المحلى" (6/637) ، وانظر "الفتح" (12/12) .
[28] ـ "زاد المعاد"(2/297)
[29] ـ "الفتح "(9/594)
[30] ـ "الفتح "(9/58
[31] ـ "عمدة القاري" (21/83) .
[32] ـ " المغني" (9/459)
[33] ـ "فتح المالك" (7/105).
[34] ـ "المجموع" (8/ 447) .
[35] ـ "تحفة المودود"( ص: 38 ).
[36] ـ " فتاوى اللجنة الدائمة " (11/439)
[37] ـ " مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين "(25/213)
[38] ـ" مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين"(25/284)
[39] ـ "المنتقى من فتاوى الفوزان"(س 304)
[40] ـ "المحلى"(6/334ـ337)و"المغني"(8/65،و"بداية المجتهد"(1/462)،و"الفتح"(9/482)،و"حاشية السندي "(7/165)
[41] ـ رواه أحمد (23877) والبيهقي في "سننه" (9/403)،وحسنه الألباني في "الإرواء"(4/403)
[42] ـ "الموطأ برواية محمد"( ص226) ، وانظر "الآثار" لأبي يوسف( ص 23 ، و"بدائع الصنائع" (4/204) ،و" بذل المجهود "(13/79) ،و" إعلاء السنن" (17/113).
[43] ـ "كتاب الآثار"( ص 23
[44] ـ "كتاب الآثار"( ص 23
[45] ـ "الكفاية على الهداية" (8/42 .
[46] ـ "إعلاء السنن" (17/113).
[47] ـ "شرح السنة"(11/263)
[48] ـ "سنن الدارقطني" (4/281) ، و"التعليق المغني على الدارقطني" (4/27.
[49] ـ "التقريب"( ص232 ).
[50] ـ "التعليق المغني على الدارقطني" (4/279) .
[51] ـ "نصب الراية" (4/20.
[52] ـ "سنن الدارقطني" (5/507)( 474 .
[53] ـ "التعليق المغني على الدارقطني" (4/27 .
[54] ـ "المجموع" (9/403) .
[55] ـ "تحفة المودود"( ص 46 ).
[56] ـ "الاستذكار" (5/316) .
[57] ـ "المحلى" (6/241) .
[58] ـ "الضعيفة" (2/304-305) .
[59] ـ "شرح السنة" (11/263) .
[60] ـ "الفتح" (9/596) .
[61]ـ "تحفة المودود"( ص: 74) .
[62] ـ "نيل الأوطار" (5/161) .
[63]ـ " المحلى" (6/241) .
[64] ـ "المغني" (9/459) .
[65] ـ "نيل الأوطار" (5/157) .
[66] ـ "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل "(ص :823)
[67] "إعلاء السنن" (17/121) .
[68] ـ "المجموع"( 8/447 )بتصرف يسير.
فهذه الحلقة الثالثة من سلسلة النصائح والتوجيهات المتعلقة بالمولود لعلّ الله أن ينفع بها :
تعريف العقيقة لغة :
للغويين في معنى العقيقة قولان:
أحدهما: أنَّها اسمٌ للشَّعر الَّذي يحلق عن رأس المولود، فهو مرتهنٌ بأذاه حتَّى يحلق، فسمِّيت الشَّاة عقيقةً تجوَّزًا وبه قال ابن منظور وأبو عبيد والأصمعي ، وغيرهم.
وقال زهير يذكر حمارًا وحشيًّا:
أذلك أم أقب البطن جار ... عليه من عقيقته عفاء
قال امرؤ القيس :
يا هند لا تنكحي بوهةً …عليه عقيقته أحسَبَا
وهي مأخوذة من عق ، يَعِقُ ويعَقُ فنقول عق عن ابنه بمعنى حلق عقيقته أي شعر رأسه أو ذبح الشاة المسماة عقيقة
قال أبو عبيد: أصله الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد، وإنما سميت الشاه التي تذبح عنه في تلك الحال عقيقه؛ لأنه يحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح، فسميت الشاة عقيقه لعقيقه الشعر عنه وكذلك كل مولود من البهائم فإن الشعر الذي يكون عليه حين يولد عقيقة.[1]
والثَّاني: أَنَّ الشَّاة المذبوحة سمِّيت عقيقة لأنَّها تُعقُّ مذابحها،
أي: تُشقُّ. قاله الأزهري ورجحه ابن عبد البر والهروي وابن الأثير وغيرهم
قال ابن منظور :وقيل للذبيحة عقيقة لأنها تذبح فيشق حلقومها ومريئها وودجاها قطعاً كما سميت ذبيحة بالذبح وهو الشق.
وقال الخطابي. العقيقة اسم الشاة المذبوحة عن الولد سميت بذلك لأنها تعق مذابحها.[2]
وقال الجوهري :وشعر كل مولود من الناس والبهائم الذي يولد عليه عقيقة ... ومنه سميت الشاة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه عقيقة
اصطلاحا : هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم سابعه وهي شكراً لله على ما وهبه من الولد ذكراً كان أو أنثى .
مشروعية العقيقة :
ثبتت سنة العقيقة عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا في أحاديث كثيرة منها :
1 ـ عن سلمان بن عامر الضبي ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى.[3]
2 ـ وعن الحسن عن سمرة بن جندب ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل غلام مرتهن بعقيقته ، تُذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه ويسمى .[4]
3 ـ وعن أم كرز الكعبية رضي الله عنهاـ قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : عن الغلام شاتان ، وعن الأنثى واحدة ، ولا يضركم ذكراناً كنَّ أم إناثاً.[5]
4 ـ وعن يزيد بن عبد الله المزني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يُعق عن الغلام ولا يُمس رأسه بدم .[6]
5 ـ وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق.[7]
6 ـ وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أيضاـ رضي الله عنه ـ قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة ، فقال : " لا أحب العقوق " . وكأنه كره الاسم ، فقالوا : يا رسول الله إنما نسألك عن أحدنا يولد له ، قال : من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة .[8]
7 ـ وعن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان[9] وعن الجارية[10] شاة[11] .
وفي لفظ : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن نعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتين.[12]
8 ـ وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :عن الغلام عقيقتان وعن الجارية عقيقة.[13]
9 ـ وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أيضا أن رسول صلى الله عليه وسلم: عق عن الحسن والحسين بكبشين كبشين.[14]
10ـ وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حسن وحسين يوم السابع وسماهما وأمر أن يماط عن رأسهما الأذى.[15]
11 ـ عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : العقيقة عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة .
العقيقة قبل الإسلام :
سنة العقيقة كانت معروفة وذلك قبل الإسلام وقد أقرها ديننا العظيم وحث ورغب فيها،
و مما يدل على ذلك مايلي :
1 ـ عن عبد الله بن بريدة قال : سمعت أبي بريدة ـ رضي الله عنه ـ يقول : كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران.[16]
2 ـ ولما روت عائشة رضي الله عنها قالت: كانوا في الجاهلية يجعلون قطنة في دم العقيقة، ويجعلونها على رأس المولود، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلوا مكان الدم خلوفا.[17]
والخلوف : بفتح الخاء هو طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة ، قاله النووي .[18]
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: ولما أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم العقيقة في الإسلام وأكد أمرها وأخبر أن الغلام مرتهن بها . نهاهم أن يجعلوا على رأس الصبي من الدم شيئاً وسن لهم أن يجعلوا عليه شيئاً من الزعفران لأنهم في الجاهلية إنما كانوا يلطّخون رأس المولود بدم العقيقة تبركاً به فإن دم الذبيحة كان مباركاً عندهم حتى كانوا يلطخون منه آلهتهم تعظيماً لها أنفع للأبوين وللمولود وللمساكين وهو حلق الرأس بالزعفران الطيب الرائحة الحسن اللون بدلاً عن الدم الخبيث الرائحة النجس العين ، والزعفران من أطيب الطيب وألطفه وأحسنه لوناً [19].
قال الماوردي ـ رحمه الله ـ فأما العقيقة فهي شاة تذبح عند الولادة كانت العرب عليها قبل الإسلام.[20]
وقال ولي الله الدهلوي ـ رحمه الله ـ واعلم أن العرب كانوا يعقون عن أولادهم وكانت العقيقة أمراً لازماً وسنةً مؤكدةً ، وكان فيها مصالح كثيرة راجعة إلى المصلحة الملية والمدنية والنفسانية ، فأبقاها النبي صلى الله عليه وسلم وعمل بها ورغب الناس فيها.[21]
عدم كراهية تسميتها بالعقيقة :
ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا تسمى الذبيحة التي تذبح عن المولود في اليوم السابع من ولادته بالعقيقة وقالوا الأولى أن تسمى نسيكة أو ذبيحة ،وذلك لما ورد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ـ رضي الله عنه ـ قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة ، فقال : " لا أحب العقوق " . وكأنه كره الاسم ، فقالوا : يا رسول الله إنما نسألك عن أحدنا يولد له ، قال : من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة .
1 ـ والذي يظهر والله تعالى أعلم أنه لا كراهة في ذلك لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل اسم العقيقة في أحاديث منها :
أ ـ عن سلمان بن عامر الضبي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى .
ب ـ عن عائشةـ رضي الله عنها قالت : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتين .
ت ـ عن أم كرز ـ رضي الله عنها ـ أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال : عن الغلام شاتان ، وعن الأنثى واحدة ، ولا يضركم ذكرانا كن أم إناثا.
ث ـ وعن سمرة بن جندب ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل غلام مرتهن بعقيقته ، تُذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه ويسمى .
ففي هذه الأحاديث استعمل النبي صلى الله عليه وسلم لفظ العقيقة فدل على الإباحة لا على الكراهة لكن الأولى أن تستعمل لفظة " النسيكة" بدل " العقيقة " للحديث المتقدم .ولا زال أهل العلم يستعملون هذه اللفظة في كتبهم و دروسهم لفظ العقيقة ولا يستعملون لفظة النسيكة .
2 ـ الكراهة الواردة في الحديث ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي مدرجة من كلام الراوي ، وهذا الفهم من الراوي جاءت نصوص أخرى بلفظ "العقيقة" تردّه.
وقد أجاب الملا علي القاري ـ رحمه الله ـ عن ذلك بقوله :وكأنه –أي: النبي صلى الله عليه وسلم -كره الاسم هذا كلام بعض الرواة أي أنه عليه السلام يستقبح أن يسمى عقيقة لئلا يظن أنها مشتقة من العقوق وأحب أن يسمى بأحسن منه من ذبيحة أو نسيكة على دأبه في تغيير الاسم القبيح إلى ما هو أحسن منه كذا في النهاية قال التوربشتي : هو كلام غير سديد لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر العقيقة في عدة أحاديث ولو كان يكره الاسم لعدل عنه إلى غيره ومن عادته تغيير الاسم إذا كرهه أو يشير إلى كراهته بالنهي عنه كقوله :"لا تقولوا للعنب الكرم"، ونحوه من الكلام وإنما الوجه فيه أن يقال : يحتمل أن السائل إنما سأله عنها لاشتباه تداخله من الكراهة والاستحباب أو الوجوب والندب وأحب أن يعرف الفضيلة فيها ولما كانت العقيقة من الفضيلة بمكان لم يخف على الأمة موقعه من الله وأجابه بما ذكر تنبيهاً على أن الذي يبغضه الله من هذا الباب هو العقوق لا العقيقة ، ويحتمل أن يكون السائل ظن أن اشتراك العقيقة مع العقوق في الاشتقاق مما يوهن أمرها فأعلمه أن الأمر بخلاف ذلك ويحتمل أن يكون العقوق في هذا الحديث مستعاراً للوالد كما هو حقيقة في المولود وذلك أن المولود إذا لم يعرف حق أبويه وأبى عن أدائه صار عاقاً فجعل إباء الوالد عن أداء حق المولود عقوقاً على الاتساع فقال : لا يحب الله العقوق أي ترك ذلك من الوالد مع قدرته عليه يشبه إضاعة المولود حق أبويه ولا يحب الله ذلك.[22]
وقال التوربشتي ـ رحمه الله ـ: هذا الكلام وهو كأنه كره الاسم غير سديد أدرج في الحديث من قول بعض الرواة ولا يدري من هو وبالجملة فقد صدر عن ظن يحتمل الخطأ والصواب والظاهر أنه ها هنا خطأ لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم ذكر العقيقة في عدة أحاديث ولو كان يكره الاسم لعدل عنه إلى غيره ومن سنته تغيير الاسم إذا كرهه والأوجه أن يقال يحتمل أن السائل ظن أن اشتراك العقيقة مع العقوق في الاشتقاق مما يوهن أمرها فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي كرهه الله تعالى من هذا الباب هو العقوق لا العقيقة ويحتمل أن العقوق ها هنا مستعار للوالد بترك العقيقة أي لا يجب أن يترك الوالد حق الولد الذي هو العقيقة كمالا يجب أن يترك الولد حق الوالد الذي هو حقيقة العقوق ولا يخفى أن المخاطب ما يهم هذا المعنى من الجواب ولذلك أعاد السؤال فقال إنما نسألك الخ فالوجه أن يقال أنه أطلق الاسم أولا ثم كرهه إما بالتفات منه صلى الله عليه وسلم إلى ذلك أو بوحي أو إلهام منه تعالى إليه والله تعالى أعلم[23]
قال ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ: كان الواجب بظاهر هذا الحديث أن يقال للذبيحة عن المولود في سابعه نسيكة ، ولا يقال عقيقة ، إلا أني لا اعلم خلافاً بين العلماء في تسمية ذلك عقيقاً - كذا والصواب عقيقةً - فدل على أن ذلك منسوخ ، واستحباب واختيار . فأما النسخ، فإن في حديث سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى.وفي حديث سلمان بن عامر الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى"، ففي هذين الحديثين لفظ العقيقة فدل ذلك على الإباحة لا على الكراهة في الاسم . وعلى هذا كُتب الفقهاء في كل الأمصار ، ليس فيها إلا العقيقة لا النسيكة ، على أن حديث مالك هذا ليس فيه التصريح بالكراهة ،وكذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما فيهما فكأنه كره الاسم وقال من أحب أن ينسك عن ولده.[24]
وقال الحافظ العراقي ـ رحمه الله ـ: لفظ نسيكة لا يدل على العقيقة لأنه أعم منها ولا دلالة للأعم على الأخص وليس في الحديث تصريح بأنه كره الاسم وإنما هذا من فهم الراوي ولم يجزم به وكأنه عليه الصلاة والسلام إنما ذكر قوله لا يحب الله العقوق عند ذكر العقيقة لئلا يسترسل السائل في استحسان كل ما اجتمع مع العقيقة في الاشتقاق فبين له أن بعض هذه المادة محبوب وبعضها مكروه وهذا من الاحتراس الحسن وإنما سكت عنه في وقت آخر لحصول الغرض بالبيان الذي ذكره في هذا الحديث أو بحسب أحوال المخاطبين في العلم وضده فيبين للجاهل ويسكت عن البيان للعالم ولعله كان مع عبد الله بن عمرو من احتاج إلى البيان لأجله فإن عبد الله بن عمرو صاحب فهم.[25]
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله ما نصه :ما حكم التسمية بالعقيقة ؟ والعقيقة من العقوق ؟
فأجاب بقوله :
هي اشتهرت بهذا الاسم ،ولابأس ، مثل ما قالت عائشة وأم كرزـ رضي الله عنهما : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعق عن الغلام شاتان.[26]
قال شيخنا عبد المحسن العباد ـ حفظه الله ـ:هذا الاسم يشبه العقوق؛ ولكنه قد جاء هذا اللفظ في كلامه صلى الله عليه وسلم كما مر في الأحاديث: كل غلام مرتهن بعقيقته"، ومعنى ذلك أنه سائغ ولكن كونه يطلق عليه نسيكة هو الأولى.
حكم العقيقة :
اختلف أهل العلم في حكم العقيقة ملخّصها ثلاثة أقوال :
1 ـ فمنهم من ذهب لوجوبها .
2 ـ ومنهم من ذهب إلى أنها سنة مؤكدة وهو الراجح.
3 ـ ومنهم من ذهب إلى أنها منسوخة يكره فعلها .
ـ القول الأول :
ذهب بعض أهل العلم أن العقيقة واجبة، وبه قال الحسن البصرى والليث بن سعد وداود وابن حزم وغيرهم .
أدلتهم :
1ـ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق.
2ـ وعن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتين.
3ـ وعن الحسن عن سمرة بن جندب ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل غلام مرتهن بعقيقته ، تُذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه ويسمى .
4ـ وعن يزيد بن عبد الله المزني ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يُعق عن الغلام ولا يُمس رأسه بدم .
5ــ وعن بريدة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال :إن الناس يعرضون يوم القيامة على العقيقة كما يعرضون على الصلوات الخمس.[27]
مناقشتها :
1 ـ حديث عائشة ـ رضي الله عنه ـ يفيد الوجوب لكن أتت قرينة تصرفه من الوجوب إلى الندب كما في حديث عمر بن شعيب عن أبيه عن جده ـ رضي الله عنه ـ فإنه علقها على محبة فاعلها حيث قال :من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فليفعل.
2 ـ أن حديث:"كل غلام مرتهن بعقيقته " ،فهو مختلف في معناه فقد قال أحمد بن حنبل : أنه إذا لم يعقّ عنه ، فمات طفلاً ، لم يشفع فى أبويه ، وقيل : معناه أن العقيقة لازمة لابد منها فشبه المولود فى لزومها وعدم انفكاكه منها بالرهن فى يد المرتهن ، أو أنه رهينة فى نفسه ممنوع محبوس عن خير يراد به ولا يلزم من ذلك أن يعاقب على ذلك فى الآخرة.[28]
وما استدل به من قول بريدة الأسلمى ـ رضي الله عنه ـ : إن الناس يعرضون يوم القيامة على العقيقة كما يعرضون على الصلوات الخمس "
فقد قال عنه الحافظ ابن حجر: وهذا لو ثبت لكان قولاً آخر يتمسك به من قال بوجوب العقيقة.[29]
3 ـ أنها لو كانت واجبة لكان هذا الوجوب معلوماً من الدين بالضرورة ، لأن ذلك مما تدعوا الحاجة إليه ، وتعم به البلوى.
القول الثاني :
ذهب جمهور أهل العلم إلى أنها سنة مؤكدة وهو القول الراجح ،وبه قال ابن عباس وابن عمر وعائشة وفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم وبريدة الأسلمي والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وعطاء والزهري وأبو الزناد وإسحاق وأبو ثور وابن تيمية وغيرهم.
1 ـ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ـ رضي الله عنه ـ: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتسمية المولود يوم سابعه ، ووضع الأذى عنه ، والعق.
ففي هذا الحديث دلالة واضحة أن العق عن المولود سنة مؤكدة لأن تسمية المولود يوم السابع وحلق رأسه ليس واجب بإجماع أهل العلم.
2 ـ وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ـ رضي الله عنه ـ قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة ، فقال : " لا أحب العقوق " . وكأنه كره الاسم ، فقالوا : يا رسول الله إنما نسألك عن أحدنا يولد له ، قال : من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة .
فعلّق ذبح النسيكة عن المولود على المحبة والاختيار فهذه قرينة منصوصة صرفت الأمر من الوجوب إلى الندب ، وأحاديث الأمر بها كما في حديث عائشة وغيرها ـ رضي الله عنها ـ محمولة على تأكيد الاستحباب جمعاً بين الأخبار عن المصطفى صلى الله عليه وسلم .
3 ـ ولو كانت واجبة لكان وجوبها معلوماً من الدين لأن ذلك مما تدعو الحاجة إليه ، وتعم به البلوى
قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ:أفرط فيها - أي في العقيقة - رجلان قال أحدهما : هي بدعة ، والآخر قال : واجبة.[30]
وقال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ :إنها من الأمر الذي لم يزل عليه أمر الناس عندنا.[31]
قال أبو الزناد ـ رحمه الله ـ : العقيقة من أمر الناس كانوا يكرهون تركه.[32]
وقال الثوري ـ رحمه الله ـ:ليست العقيقة بواجبة وإن صنعت فحسن.[33]
وقال ابن المنذرـ رحمه الله ـ:وهو - أي أمر العقيقة - معمول به بالحجاز قديماً وحديثاً ... وانتشر عمل ذلك في عامة بلدان المسلمين متبعين في ذلك ما سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : وإذا كان كذلك لم يضر السنة من خالفها وعدل عنها.[34]
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: فأما أهل الحديث قاطبة وفقهاؤهم وجمهور أهل السنة ، فقالوا : هي من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.[35]
وسئلت "اللجنة الدائمة للافتاء"ما نصه : هل العقيقة فرض أم سنَّة مستحبة ؟ وهل إذا تهاون الرجل في أدائها لمولوده وهو مستطيع آثم ؟ وكم المدة التي يجب أن يتمم فيها ؟وإذا أخرها لمدة شهرين أو شهر لعذر أو بدون عذر جائز أن يؤديها ؟
فأجابت بما يلي :العقيقة سنَّة مؤكدة عن الغلام شاتان تجزئ كل منهما أضحية ، وعن الجارية شاة واحدة، وتذبح يوم السابع، وإذا أخرها عن السابع جاز ذبحها في أي وقت، ولا يأثم في تأخيرها، والأفضل تقديمها ما أمكن.[36]
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الصحيح أن العقيقة ليست واجبة وأنها سنة مؤكدة، ولا ينبغي للإنسان تركها، حتى إن الإمام أحمد رحمه الله قال: إذا لم يجد فليستقرض ويخلف الله عليه إنه أحيا سنة، لكن قول الإمام أحمد: فليستقرض، مقيدٌ بما إذا كان يرجو الوفاء، كإنسان حلت عليه العقيقة وهو ما عنده دراهم، لكن يعرف أنه في آخر الشهر سيأتيه الراتب، هذا نقول: استقرض وادفع العقيقة في وقتها في اليوم السابع ،أما الإنسان الذي لا يرجو الوفاء فلا يستقرض؛ لأن العقيقة سنة، والدين واجب قضاؤه.[37]
وقال ـ رحمه الله ـ:العقيقة سنة مؤكدة، عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، تذبح في اليوم السابع، ويؤكل منها ويوزع على الأغنياء هدية وعلى الفقراء صدقة.[38]
قال شيخنا صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ: حكم العقيقة سنّة وهي ذبح شاتين عن المولود الذكر، وشاة عن المولودة الأنثى في اليوم السابع من ولادته أو فيما بعده من الأيام وهي سنة في حق والد الطفل شكرًا لله تعالى وتقربًا إليه وفكاكًا له من الشيطان ورجاء سلامة المولود وحلول البركة عليه.[39]
القول الثالث :
ذهب بعض أهل العلم أن العقيقة مكروهة منسوخة بالأضحية وأنها بدعة إذ هي من أمر الجاهلية قد محاها الإسلام وهو قول شاذ غير معتبر، وهو مروي عن أبي حنيفة.[40]
أدلتهم :
1 ـ احتجوا نسخها بحديث علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :"محا ذبح الأضاحي كل ذبح قبله".
2 ـ واحتجوا أيضا بما روي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت : نسخ صوم رمضان كل صوم كان قبله ، ونسخت الأضحية كل دم كان قبلها، ونسخ غسل الجنابة كل غسل كان قبله.
3 ـ واحتجوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ـ رضي الله عنه ـ قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة ، فقال : " لا أحب العقوق "،وكأنه كره الاسم ، فقالوا : يا رسول الله إنما نسألك عن أحدنا يولد له ، قال : من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة .
3 ـ واحتجوا كذلك بحديث أبى رافع ـ رضى الله عنه ـ أن الحسن بن علىّ أرادت أمه رضى الله عنها أن تعق عنه بكبشين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تعقي ، ولكن احلقي رأسه ، فتصدقي بوزنه من الورق ، ثم ولد الحسين ، فصنعت مثل ذلك.[41]
قال محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة ـ رحمهما الله ـ: أما العقيقة فبلغنا أنها كانت في الجاهلية وقد فعلت في أول الإسلام ثم نسخ الأضحى كل ذبح كان قبله.[42]
و بما رواه أبو يوسف في "الآثار" عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال : كانت العقيقة في الجاهلية فلما جاء الإسلام رفضت.[43]
وبما رواه أبو يوسف أيضاً عن أبي حنيفة عن رجل عن محمد بن الحنفية ـ رحمهما الله ـ :أن العقيقة كانت في الجاهلية فلما جاء الأضحى رفضت.[44]
وقال الخوارزمي ـ رحمه الله ـ:كان في الجاهلية ذبائح يذبحونها منها العقيقة ومنها الرجبية ... وكلها منسوخ بالأضحية.[45]
قال التهانوي ـ رحمه الله ـ:نص الروايات ظاهر في أن مذهب أبي حنيفة هو أن العقيقة منسوخة وغير مشروعة ، وما نقله الشامي - أي ابن عابدين - عن جامع المحبوبي أنها مباحة وشرح الطحاوي أنها مستحبة ليس بنقل للمذهب ، بل هو رأي منهما رأياه لما ورد في ذلك من الأخبار.[46]
قال الإمام البغوي ـ رحمه الله ـ : والعقيقة سنّة عند أكثر أهل العلم ، إلا أصحاب الرأي ؛ فإنهم قالوا : ليست بسنّة...[47]
مناقشتها:
1 ـ إن الحديث الذي احتج به الحنفية "أي: ما روي عن على بن أبي طالب " نسخت الأضحية كل دم كان قبلها ...) حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به ، وقد روي هذا الحديث من عدة طرق ذكرها الإمام الدارقطني ـ رحمه الله ـ في" سننه "وبين ضعفها كما يلي :
أ. حدثنا أبي أن محمد بن حرب نا أبو كامل نا الحارث بن نبهان نا عتبة بن يقظان عن الشعبي عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :محا ذبح الأضاحي كل ذبح قبله ... . هذا الحديث فيه عتبة بن يقظان وهو متروك كما قال الدارقطني[48] ، وقال الحافظ في التقريب : ضعيف[49].
ب. نا محمد بن يوسف بن سليمان الخلال نا الهيثم بن سهل نا المسيب بن شريك نا عبيد المكتب عن عامر عن مسروق عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نسخ الأضحى كل ذبح ... .
هذه الرواية فيها المسيب بن شريك قال فيه يحيى بن معين : ليس بشيء . وقال أحمد : ترك الناس حديثه . وقال مسلم : متروك .[50]،وضعفه الزيلعي أيضاً[51].
جـ . نا محمد بن عبد الله الشافعي نا محمد بن تمام بن صالح النهراني بحمص نا المسيب بن واضح نا المسيب بن شريك عن عتبة بن يقظان عن الشعبي عن مسروق عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن ونسخ صوم رمضان كل صوم ونسخ غسل الجنابة كل غسل ونسخت الأضاحي كل ذبح [52].
وفيه أيضاً المسيب بن شريك وعتبة بن يقظان وعرفت ما قيل فيهما فلا يحتج بهما .
وقال صاحب التعليق المغني على الدارقطني :حديث علي مروي من طرق وكلها ضعاف لا يصح الاحتجاج بها[53].
وقال النووي : اتفق الحفاظ على ضعفه .[54]
وقال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ -في الأحاديث المعارضة لأحاديث العقيقة- :ليست بشيء ولا يعبأ بها.[55]
وقال الحافظ ابن عبد البرـ رحمه الله ـ : ليس ذبح الأضحى بناسخ للعقيقة عند جمهور العلماء ولا جاء في الآثار المرفوعة ولا عن السلف ما يدل على ما قال محمد بن الحسن ولا أصل لقوله في ذلك.[56]
وأجاب ابن حزم ـ غفر الله له ـ عن احتجاجهم بنسخ الأضحى كل ذبح قبله بقوله :واحتج من لم يرها واجبة برواية واهية عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين : نسخ الأضحى كل ذبح كان قبله .
وهذا لا حجة فيه لأنه قول محمد بن علي ، ولا يصح دعوى النسخ إلا بنص مسند إلى رسول الله.[57]
وقال الألباني ـ رحمه الله ـ:ضعيف جداً، رواه الدارقطني في "سننه"(ص543 )من طريق الهيثم بن سهل المسبب بن شريك : نا عبيد المكتب عن عامر عن مسروق عن علي مرفوعاً . وقال : خالفه المسيب بن واضح عن المسيب -هو ابن شريك- وكلاهما ضعيفان ، والمسيب ابن شريك متروك .
ثم ساقه من طريق ابن واضح :نا المسيب بن شريك عن عتبة بن يقظان عن الشعبي عن مسروق به . وقال :
عتبة بن يقظان متروك أيضا ً .
ورواه البيهقي (9/261-262) عن ابن شريك بالوجهين . ونقل عن الدارقطني ما سبق من التضعيف الشديد وأقره عليه .
ومن آثار هذا الحديث السيئة أنه صرف جماً غفيراً من هذه الأمة عن سنة صحيحة مشهورة ، ألا وهي العقيقة ، وهي الذبح عن المولود في اليوم السابع ، عن الغلام شاتين وعن الأنثى شاةً واحدةً ، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة تراجع في كتاب تحفة الودود في أحكام المولود للعلامة ابن القيم ، اجتزئ هنا بإيراد واحد منها وهو قوله صلى الله عليه وسلم :"مع الغلام عقيقة ، فأهريقوا عنه دماً " رواه البخاري (9/486) . وغيره من حديث سلمان بن عامر الضبي مرفوعاً . لقد ترك العمل بهذا الحديث الصحيح وغيره مما في الباب حتى لا تكاد تسمع في هذه البلاد وغيرها أن أحداً من أهل العلم والفضل -دع غيرهم- يقوم بهذه السنة! ولو أنهم تركوها إهمالاً كما أهملوا كثيراً من السنن الأخرى لربما هانت المصيبة، ولكن بعضهم تركها إنكاراً لمشروعيتها ! لا لشيء إلا لهذا الحديث الواهي ! فقد استدل به بعض الحنفية على نسخ مشروعية العقيقة ! فإلى الله المشتكى من غفلة الناس عن الأحاديث الصحيحة ، وتمسكهم بالأحاديث الواهية والضعيفة[58]
2 ـ وأما احتجاجهم بحديث : "لا يحب الله العقوق"، فلا دلالة فيه على كراهة العقيقة لأن بقية الحديث تثبتها وهي :" من ولد له فأحب أن ينسك عن ولده فلينسك " .
قال البغوي ـ رحمه الله ـ:وليس هذا الحديث عند العامة على توهين أمر العقيقة ولكنه ( كره تسميتها بهذا الاسم على مذهبه في تغيير الاسم القبيح إلى ما هو أحسن منه فأحب أن يسميها بأحسن منها من نسيكة أو ذبيحة أو نحوها[59]
3 ـ وأما الجواب عن احتجاجهم بحديث :"لا تعقي"،على كراهيتها فلا دلالة عليه فيما ذهبوا إليه ، قال الحافظ العراقي ـ رحمه الله ـ في "شرح الترمذي" :يحمل على أنه كان عق عنه ثم استأذنته فاطمة أن تعق هي عنه أيضاً فمنعها.
وقال الحافظ ابن حجرـ رحمه الله ـ : ويحتمل أن يكون منعها لضيق ما عندهم حينئذ فأرشدها إلى نوع من الصدقة أخف ، ثم تيسر له عن قرب ما عق به عنه.[60]
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ:ولو صح قوله :"لا تعقي" عنه لم يدل ذلك على كراهية العقيقة لأنه عليه الصلاة والسلام أحب أن يتحمل عنها العقيقة فقال لها :( لا تعقي ) وعق هو عليه الصلاة والسلام عنهما وكفاهما المؤنة. [61]
وقال الشوكاني ـ رحمه الله ـ:قوله :"لا تعقي"، قيل يحمل هذا على أنه قد كان صلى الله عليه وسلم عق عنه ، وهذا متعين.[62]
ـ وأما ما قاله ابن حزم ـ رحمه الله ـ: ولم يعرف أبو حنيفة العقيقة فكان ماذا ؟ ليت شعري إذ لم يعرفها أبو حنيفة ما هذا بنكرة فطالما لم يعرف السنن.[63]
وقال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ: وجعلها أبو حنيفة من أمر الجاهلية وذلك لقلة علمه ومعرفته بالأخبار.[64]
قلت : فالأولى لهما أن يلتمسا العذر للإمام أبي حنيفة وترك مثل هذا اللمز، وقد أجاد الإمام الشوكاني ـ رحمه الله ـ حيث قال :وهذا إن صح حمل على أنها لم تبلغه الأحاديث الواردة في ذلك[65]
فائدة:
وبعض علماء الحنفية لم يتعصب لمذهبه بل خالف المذهب اعتماداً على ما صح من الأحاديث والآثار ومن هؤلاء القلّة العلامة أبو الحسنات اللكنوي ـ غفر الله له ـ حيث قال -معلقاً على قول محمد بن الحسن بنسخ العقيقة- : وإن أريد أنها كانت في الجاهلية مستحبة أو مشروعة ، فلما جاء الإسلام رفض استحبابها وشرعيتها فهو غير مسلم ، فهذه كتب الحديث مملوءة من أحاديث شرعية العقيقة واستحبابها ...[66]
ومما ينبغي معرفته أن الذي عليه العمل عند الحنفية في العصور المتأخرة هو استحباب العقيقة
قال التهانوي ـ رحمه الله ـ:وليعلم أن عمل الحنفية اليوم على استحبابها عملاً بما في شرح الطحاوي والأمر واسع لما فيه من الاختلاف ، فتدبر.[67]
وقال ـ رحمه الله ـ : هذا وإنما أخذ أصحابنا الحنفية في ذلك بقول الجمهور وقالوا باستحباب العقيقة لما قال ابن المنذر وغيره : إن الدليل عليه الأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين بعده ، قالوا : وهو أمر معمول به في الحجاز قديماً وحديثاً . قال : وذكر مالك في الموطأ : أنه الأمر الذي لا اختلاف فيه عندهم قال : وقال يحيى بن سعيد الأنصاري التابعي ، أدركت الناس وما يدعون العقيقة عن الغلام والجارية . وممن كان يرى العقيقة ابن عمر وابن عباس وعائشة وبريدة الأسلمي والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وعطاء والزهري وآخرون من أهل العلم يكثر عددهم قال : وانتشر عمل ذلك في عامة بلدان المسلمين.[68]
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه : عبد الحميد الهضابي.
الحواشي :
[1] ـ (2/284). وانظر "الصحاح" (4/1527) مادة عقق.
[2] ـ انظر "تحفة المودود"( ص60 )و"المغني" (13/393) وانظر "التمهيد" (10/182) و"الحاوي" (9/555) و"الفتح" (9/247)، و"شرح النووي" (9/217 )و"معالم السنن" (4/287) و"غريب الحديث" للخطابي (1/26
[3] ـ أخرجه أحمد ( 4 18 و 214 ) وأبو داود ( 2839 ) واللفظ له والترمذي ( 1515 ) وقال حسن صحيح، والنسائي (4214 ) وابن ماجة ( 3164 )،والحميدي (842)، والبيهقي في "السنن"(1840)،وعبد الرزاق في "مصنفه"( 795،وابن أبي شيبة في "مصنفه"( 24239)،والدارمي (2010)،والبزار (998،وعلقه البخاري (5471 ) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4185).
[4] ـ أخرجه أبوداود (283، والترمذي (1522)، والنسائي (4220)، وابن ماجه (3165)، والحاكم في "المستدرك" (7587)، وأحمد (19676)،وعبد الرزاق في "مصنفه"( 7965)،والبزار في "البحر الزخار"( 4549)،والطبراني في "الأوسط"( 3372)،والبيهقي في "السنن"( 19292).
والحديث قال عنه ابن حجر في "فتح الباري" (9/507): "رجاله ثقات"، وصححه ابن الملقن في "البدر المنير" (9/333)، والألباني في "صحيح الجامع" (4184).
[5] ـ أخرجه الترمذي ( 1516 ) وقال: حسن صحيح ، والنسائي ( 4217 ) وأبو داود ( 2835 )، وابن ماجه ( 3162 ) ،والبيهقي في "السنن"( 1844)،وعبد الرزاق في "مصنفه"( 7954)،والحميدي في "مسنده" (34،وابن أبي شيبة في "مصنفه"( 36304)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"( 4106).
[6] ـ أخرجه ابن ماجه (3166 )،والطبراني في "الأوسط"( 333)،وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه"( 3166 ) ، وفي "الصحيحة" ( 2452 )
[7] ـ أخرجه الترمذي (2832)،وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي"(2382)
[8] ـ أخرجه أحمد (6713)،وأبو داود (2842)،والنسائي (4212)، وصححه الألباني في "الصحيحة" (1655)
[9] ـ أي: مستويتان، أو متقاربتان.
[10] ـ وهذه إحدى المسائل الخمس التي تكون النساء على النصف من الرجال فيها، وهي:
1 ـ العقيقة.
2 ـ والدية.
3 ـ والميراث.
4 ـ والشهادة.
5 ـ والعتق من النار بعتق المملوك.
[11] ـ أخرجه الترمذي ( 1513 ) وقال : حسن صحيح ، وابن ماجه ( 3163 ) صحيح الترمذي ( 1221 ) .
[12] ـ أخرجه الترمذي ( 1513) ، وأبو داود ( 2834 ) وابن ماجه ( 3163 )،وابن أبي شيبة في "مصنفه"( 24246)، . وصححه الألباني في" الإرواء" (1166) وفي " الصحيحة" (6/2720).
[13] ـ أخرجه الطبرانى في "الكبير"(11327) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4107).
[14] ـ أخرجه النسائي (4219 )،وفي "الكبرى"( 4531)، وصححه الألباني في "صحيح سنن النسائي" (4219 ) ،وفي " الإرواء" ( 1164 )
[15] ـ أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"( 7963)،وأبويعلى في "مسنده"( 4521)،والطحاوي في "مشكل الآثار"( 1051)،وابن حبان في "صحيحه"(5311)،والبيهقي في "السنن"( 19272)،وصححه الألباني في "التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان"( 5287).
[16] ـ أخرجه أبو داود ( 2843 ) والطحاوي ( 1 / 456 ، 460 ) والحاكم ( 4 / 238 ) والبيهقي (1928 وقال الحاكم : ( صحيح على شرط الشيخين ) . ووافقه الذهبي، وقال الألباني : إنما هو على شرط مسلم "الإرواء" (4/389)
[17] ـ أخرجه أبو يعلى في "مسنده" ( 215 / 1 - 2 ) والبيهقي ( 9 / 303 )،وصححه النووي في "المجموع" (8/42،و الألباني في "الإرواء"( 4/389)
[18] ـ "المجموع" (8/429)
[19] ـ "تحفة المودود"( ص 71 ).
[20] ـ "الحاوي الكبير" (15/126)
[21] ـ "حجة الله البالغة" (2/223)
[22] ـ "مرقاة المفاتيح" (7/749) .
[23] ـ " حاشية السندي على سنن النسائي "(7/162ـ163)
[24] ـ "الاستذكار" (5/313).
[25] ـ "طرح التثريب في شرح التقريب" (5/216) .
[26] ـ"شرح بلوغ المرام "كتاب الأطعمة"(شريط رقم 4)
[27] ـ "المحلى" (6/637) ، وانظر "الفتح" (12/12) .
[28] ـ "زاد المعاد"(2/297)
[29] ـ "الفتح "(9/594)
[30] ـ "الفتح "(9/58
[31] ـ "عمدة القاري" (21/83) .
[32] ـ " المغني" (9/459)
[33] ـ "فتح المالك" (7/105).
[34] ـ "المجموع" (8/ 447) .
[35] ـ "تحفة المودود"( ص: 38 ).
[36] ـ " فتاوى اللجنة الدائمة " (11/439)
[37] ـ " مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين "(25/213)
[38] ـ" مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين"(25/284)
[39] ـ "المنتقى من فتاوى الفوزان"(س 304)
[40] ـ "المحلى"(6/334ـ337)و"المغني"(8/65،و"بداية المجتهد"(1/462)،و"الفتح"(9/482)،و"حاشية السندي "(7/165)
[41] ـ رواه أحمد (23877) والبيهقي في "سننه" (9/403)،وحسنه الألباني في "الإرواء"(4/403)
[42] ـ "الموطأ برواية محمد"( ص226) ، وانظر "الآثار" لأبي يوسف( ص 23 ، و"بدائع الصنائع" (4/204) ،و" بذل المجهود "(13/79) ،و" إعلاء السنن" (17/113).
[43] ـ "كتاب الآثار"( ص 23
[44] ـ "كتاب الآثار"( ص 23
[45] ـ "الكفاية على الهداية" (8/42 .
[46] ـ "إعلاء السنن" (17/113).
[47] ـ "شرح السنة"(11/263)
[48] ـ "سنن الدارقطني" (4/281) ، و"التعليق المغني على الدارقطني" (4/27.
[49] ـ "التقريب"( ص232 ).
[50] ـ "التعليق المغني على الدارقطني" (4/279) .
[51] ـ "نصب الراية" (4/20.
[52] ـ "سنن الدارقطني" (5/507)( 474 .
[53] ـ "التعليق المغني على الدارقطني" (4/27 .
[54] ـ "المجموع" (9/403) .
[55] ـ "تحفة المودود"( ص 46 ).
[56] ـ "الاستذكار" (5/316) .
[57] ـ "المحلى" (6/241) .
[58] ـ "الضعيفة" (2/304-305) .
[59] ـ "شرح السنة" (11/263) .
[60] ـ "الفتح" (9/596) .
[61]ـ "تحفة المودود"( ص: 74) .
[62] ـ "نيل الأوطار" (5/161) .
[63]ـ " المحلى" (6/241) .
[64] ـ "المغني" (9/459) .
[65] ـ "نيل الأوطار" (5/157) .
[66] ـ "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل "(ص :823)
[67] "إعلاء السنن" (17/121) .
[68] ـ "المجموع"( 8/447 )بتصرف يسير.