الصنف: فتاوى المرأة
السؤال للفتوى رقم 249:
أبدأ بالحمد مصليّا على محمد خير نبي أرسلا، أمّا بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
إلى شيخنا الفاضل فركوس -حفظه الله- ، تريد من حضرتكم أم جوابا كافيا شافيا ليطمئن قلبها، وبارك الله فيكم،
كنت طالبة في جامعتكم وانقطعت عن الدراسة، وبعد عام تزوجت فسكنت مع أناس جهال (أصحاب القرى) في بناء فوضوي، ثمّ رُزقت بفلذات كبدي ، ثمرة فؤادي، قرة عيني، تربى بين أحضاني لم أغفل عنه ثانية واحدة، كنت له أمّا وطفلة صغيرة وأستاذة، كنت أحفظه القرآن والأدعية، كانت فيه كلّ الأوصاف الحميدة، فملأ عليّ البيت، حتى أنّه يناديني بـ :"أمّي حياتي" (عمره عامان ونصف).
ولكن قبل (15) يوما من وفاته، جاءت جارتي إليّ لأعطيها الشّب (حجرة بيضاء) لأنّ أحد طفليها مريض، وكانت هذه الأخيرة تكرهني، وهذا ظهر لي بلسانها (وليس تخيلا) وبعد وقت قصير شممت رائحة كريهة جدا، فخفت كثيرا منها، وكأني شعرت بأنّ هذا المفعول صنع لابني فمن ذلك اليوم تغير ابني تغيرا كليا، فكان شعاره "اتركني افعل ما أريد" يحبّ الخروج، يحبّ اللعب، فإذا نام لا ينهض حتى انهضه، وجهه تغير وجسمه ووو...
يوم الأربعاء (1 أوت رأيت في المنام أنّ جنية دخلت بيتي وخطفت مني شيئا عزيزا ولكن لا أدري ما هو، فكان خروج تلك الجنية هو نفسه آخر خروج ابني من البيت لآخر مرّة، فقبّلني فلذات كبدي من جبهتي وخرج كعادته يجلس أمام عتبة الباب، فناداه طفل من الجيران عمره لا يتجاوز تسع سنوات، وأنا أنظر، ولم ألفظ أي كلمة، فدخلت إلى البيت ثمّ شعرت بشيء يخنقني فخرجت فجأة كأنّ منبها نبهني، فناديت ابني فلم أجده في طرفة عين، وصلني خبر وفاة ابني ثمرة فؤادي بأنّه رمي في حفرة بعيدة عن البيت عمقها أكثر من (40)كلم.
يا شيخ؛ أومن بالقضاء والقدر خيره وشره، لا يصيبنا إلاّ ما كتبه الله لنا؛ ولكن ليطمئن قلبي فقط:
هل فلذة كبدي مات لأنّه مسحور؟
هل توفي لأنّي تركت ابني يخرج ؟
هل توفي لأنّ ابن الجيران ظالم ؟
وما حكم شريعتنا فيمن قتل نفسا بريئة طاهرة؟
نصيحة من حضرتكم لكي لا أقول في يوم من الأيام لماذا لم أفعل ولماذا فعلت و...؟
الجواب:
الحمد لله ربّ العالمين؛ والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلمي –صبرك الله تعالى وأخلفك خيرا منه- أنّ ما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال :"عجبا لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه خير، وليس ذلك لغير المؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له"(١) وقوله صلى الله عليه وسلم لابنته وقد أرسلت إليه تطلب حضوره، إذ ولدها قد احتضر فقال لرسولها:"اقرأها السلام، وقل لها: إنّ لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب"(٢) هذا وإنّما ينال درجة الصبر في المصائب بترك الجزع والمبالغة في الشكوى وإبراز الكآبة وتغيير العادة المأكل والملبس والمفرش، لذلك فالواجب إظهار الرضا بقضاء الله تعالى والبقاء على عادتك من غير تغيير وتجنبك لما قد سلف ذكره من غير حمل الناس على التهم وسوء الظن-إن لم يحقق-، ولا يخرج عند مقام الرضا توجع القلب وفيضان الدمع لكونه من مقتضى الجنس البشري، وأختم كلامي هذا بما أخرجه البخاري وغيره من حديث أنس بن مالك أنّ أمه(أم سليم بنت ملحان الأنصارية) –رضي الله تعالى عنها- قالت:"توفي ابن لي وزوجي أبو طلحة غائب فقمت فسجيته في ناحية البيت، فهيأت له إفطاره فجعل يأكل، فقال: كيف الصبي؟ فقلت: بحمد الله لم يكن منذ اشتكى بأسكن منه الليلة، ثمّ تصنعت له أحسن ما كنت أتصنع له قبل ذلك حتى أصاب منّي حاجته، ثمّ قلت: ألا تعجب من جيراننا؟ قال: مالهم؟ فقلت: أُعيروا عارية فلما طُلبت منهم واسترجعت جزعوا، فقال: بئس ما صنعوا، فقلت: هذا ابنك كان عارية من الله تعالى، وإنّ الله قبضه إليه. فحمد الله واسترجع، ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: "اللهم بارك لهما في ليلتهما" فقال الراوي:"فلقد رأيت لهم بعد ذلك في المسجد سبعة كلهم قد قرأ القرآن"(٣) ولعل في هذه القصة العبرة الكافية نسأل الله تعالى المان بفضله على جميع خلقه أن يوفي صبرك(٤) الأجر الموعود في قوله تعالى:﴿إنّما يُوَفَّى الصّابُِرونَ أَجْرَهُم بِغَيرِ حِسَاب﴾ [الزمر:10] كما نسأله تعالى العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة لنا ولجميع المسلمين.
والعلم عند الله تعالى؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في:12محرم1421ﻫ الموافق ﻟ :18أفريل2000م
المفتي سماحة الشيخ أبي عبدالمعز محمد علي فركوس ـ حفظه الله تعالى ـ
-----------------------------------
١- أخرجه مسلم في الزهد والرقائق رقم (2999) من حديث صهيب رضي الله عنه.
٢- أخرجه البخاري في الجنائز رقم (1284)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه
٣- أخرجه البخاري في الجنائز رقم(1301)، ومسلم في فضائل الصحابة رقم(6476)،من حديث أنس رضي الله عنه. وانظر روايات القصة وألفاظها في أحكام الجنائز للشيخ الألباني ص:(35)وما بعدها.
٤- للشيخ -حفظه الله- رسالة بعنوان: "التذكرة الجلية في التحلي بالصبر والشكر عند البلية". وهي مرفقة برسالة:"40سؤالا في أحكام المولود" من العدد(7) ضمن سلسلة"ليتفقهوا في الدين".
الرابط: http://www.ferkous.com/rep/Bj9.php
السؤال للفتوى رقم 249:
أبدأ بالحمد مصليّا على محمد خير نبي أرسلا، أمّا بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
إلى شيخنا الفاضل فركوس -حفظه الله- ، تريد من حضرتكم أم جوابا كافيا شافيا ليطمئن قلبها، وبارك الله فيكم،
كنت طالبة في جامعتكم وانقطعت عن الدراسة، وبعد عام تزوجت فسكنت مع أناس جهال (أصحاب القرى) في بناء فوضوي، ثمّ رُزقت بفلذات كبدي ، ثمرة فؤادي، قرة عيني، تربى بين أحضاني لم أغفل عنه ثانية واحدة، كنت له أمّا وطفلة صغيرة وأستاذة، كنت أحفظه القرآن والأدعية، كانت فيه كلّ الأوصاف الحميدة، فملأ عليّ البيت، حتى أنّه يناديني بـ :"أمّي حياتي" (عمره عامان ونصف).
ولكن قبل (15) يوما من وفاته، جاءت جارتي إليّ لأعطيها الشّب (حجرة بيضاء) لأنّ أحد طفليها مريض، وكانت هذه الأخيرة تكرهني، وهذا ظهر لي بلسانها (وليس تخيلا) وبعد وقت قصير شممت رائحة كريهة جدا، فخفت كثيرا منها، وكأني شعرت بأنّ هذا المفعول صنع لابني فمن ذلك اليوم تغير ابني تغيرا كليا، فكان شعاره "اتركني افعل ما أريد" يحبّ الخروج، يحبّ اللعب، فإذا نام لا ينهض حتى انهضه، وجهه تغير وجسمه ووو...
يوم الأربعاء (1 أوت رأيت في المنام أنّ جنية دخلت بيتي وخطفت مني شيئا عزيزا ولكن لا أدري ما هو، فكان خروج تلك الجنية هو نفسه آخر خروج ابني من البيت لآخر مرّة، فقبّلني فلذات كبدي من جبهتي وخرج كعادته يجلس أمام عتبة الباب، فناداه طفل من الجيران عمره لا يتجاوز تسع سنوات، وأنا أنظر، ولم ألفظ أي كلمة، فدخلت إلى البيت ثمّ شعرت بشيء يخنقني فخرجت فجأة كأنّ منبها نبهني، فناديت ابني فلم أجده في طرفة عين، وصلني خبر وفاة ابني ثمرة فؤادي بأنّه رمي في حفرة بعيدة عن البيت عمقها أكثر من (40)كلم.
يا شيخ؛ أومن بالقضاء والقدر خيره وشره، لا يصيبنا إلاّ ما كتبه الله لنا؛ ولكن ليطمئن قلبي فقط:
هل فلذة كبدي مات لأنّه مسحور؟
هل توفي لأنّي تركت ابني يخرج ؟
هل توفي لأنّ ابن الجيران ظالم ؟
وما حكم شريعتنا فيمن قتل نفسا بريئة طاهرة؟
نصيحة من حضرتكم لكي لا أقول في يوم من الأيام لماذا لم أفعل ولماذا فعلت و...؟
الجواب:
الحمد لله ربّ العالمين؛ والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلمي –صبرك الله تعالى وأخلفك خيرا منه- أنّ ما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال :"عجبا لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه خير، وليس ذلك لغير المؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له"(١) وقوله صلى الله عليه وسلم لابنته وقد أرسلت إليه تطلب حضوره، إذ ولدها قد احتضر فقال لرسولها:"اقرأها السلام، وقل لها: إنّ لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب"(٢) هذا وإنّما ينال درجة الصبر في المصائب بترك الجزع والمبالغة في الشكوى وإبراز الكآبة وتغيير العادة المأكل والملبس والمفرش، لذلك فالواجب إظهار الرضا بقضاء الله تعالى والبقاء على عادتك من غير تغيير وتجنبك لما قد سلف ذكره من غير حمل الناس على التهم وسوء الظن-إن لم يحقق-، ولا يخرج عند مقام الرضا توجع القلب وفيضان الدمع لكونه من مقتضى الجنس البشري، وأختم كلامي هذا بما أخرجه البخاري وغيره من حديث أنس بن مالك أنّ أمه(أم سليم بنت ملحان الأنصارية) –رضي الله تعالى عنها- قالت:"توفي ابن لي وزوجي أبو طلحة غائب فقمت فسجيته في ناحية البيت، فهيأت له إفطاره فجعل يأكل، فقال: كيف الصبي؟ فقلت: بحمد الله لم يكن منذ اشتكى بأسكن منه الليلة، ثمّ تصنعت له أحسن ما كنت أتصنع له قبل ذلك حتى أصاب منّي حاجته، ثمّ قلت: ألا تعجب من جيراننا؟ قال: مالهم؟ فقلت: أُعيروا عارية فلما طُلبت منهم واسترجعت جزعوا، فقال: بئس ما صنعوا، فقلت: هذا ابنك كان عارية من الله تعالى، وإنّ الله قبضه إليه. فحمد الله واسترجع، ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: "اللهم بارك لهما في ليلتهما" فقال الراوي:"فلقد رأيت لهم بعد ذلك في المسجد سبعة كلهم قد قرأ القرآن"(٣) ولعل في هذه القصة العبرة الكافية نسأل الله تعالى المان بفضله على جميع خلقه أن يوفي صبرك(٤) الأجر الموعود في قوله تعالى:﴿إنّما يُوَفَّى الصّابُِرونَ أَجْرَهُم بِغَيرِ حِسَاب﴾ [الزمر:10] كما نسأله تعالى العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة لنا ولجميع المسلمين.
والعلم عند الله تعالى؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في:12محرم1421ﻫ الموافق ﻟ :18أفريل2000م
المفتي سماحة الشيخ أبي عبدالمعز محمد علي فركوس ـ حفظه الله تعالى ـ
-----------------------------------
١- أخرجه مسلم في الزهد والرقائق رقم (2999) من حديث صهيب رضي الله عنه.
٢- أخرجه البخاري في الجنائز رقم (1284)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه
٣- أخرجه البخاري في الجنائز رقم(1301)، ومسلم في فضائل الصحابة رقم(6476)،من حديث أنس رضي الله عنه. وانظر روايات القصة وألفاظها في أحكام الجنائز للشيخ الألباني ص:(35)وما بعدها.
٤- للشيخ -حفظه الله- رسالة بعنوان: "التذكرة الجلية في التحلي بالصبر والشكر عند البلية". وهي مرفقة برسالة:"40سؤالا في أحكام المولود" من العدد(7) ضمن سلسلة"ليتفقهوا في الدين".
الرابط: http://www.ferkous.com/rep/Bj9.php
تعليق