بسم الله الرحمن الرحيم
قُرَّةُ عَيْنِ الأَبَوَيْن
قُرَّةُ عَيْنِ الأَبَوَيْن
في رِعَايَةِ و تَرْبيَّةِ البَنَاتِ و البَنِين
( الجزءُ الأوّلُ )
الشيخ نجيب جلواح حفظه الله وسدّد خطاه
الأولادُ و الذُّريّةُ نِعمةٌ مِن نِعمِ الله الجليلةِ ، تَقرُّ بها العُيونُ ، و تبتهجُ لها النّفـوسُ ، وتطمئن إليها القُلـوبُ ، و هم زينةُ الحياةِ ، و شَجَا الأرواحِ ، و ريحانةُ الدُّنيا ، وفلْذةُ الأكبادِ ، و ثمرةُ الفؤادِ ، قال تعالـى : { المَالُ وَ البَنُونَ زِينَـةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ البَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَ خَيْرٌ أَمَلاً}[ الكهف : 46 ] . و هذه النّعمةُ لا تكونَ نعمةً حقيقيّةً إلاّ إذا قامَ الأبوانِ بواجبِها و حقِّها ، و أحسنَا رِعايتَها .
و الأولادُ سببٌ لانتفاعِ الآباءِ ، فابْنُ آدمَ ينقطعُ تجدُّدُ ثوابهِ و أجرِه بخروجِه مِن دارِ الدّنيا ، ولمّا كانَ الولـدُ مِن كسْبِ أبيه انتفعَ به ، فكلُّ عملٍ صالحٍ يَقومُ به الولدُ يُكتَبُ للوالدِ مِثلُه - و لو بعدَ موتِه - مِن غيرِ أنْ يَنْقُصَ مِن أجرِه شيءٌ ؛ و ذلك لأنّ الدّالَ على الخيرِ كفاعلِه ؛ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنّ رسولَ الله صلى الله عليه و سلم قال : " إذا ماتَ الإنسانُ انقطعَ عنه عملُـه إلاّ مِن ثلاثةٍ ، إلاّ مِن صدقةٍ جاريةٍ ، أو علمٍ يُنتفَعُ به ، أو ولدٍ صالحٍ يدعُو له " ( 1 ). و لا يكونُ الولدُ صالحاً – عادةً – إلاّ إذا أحسنَ والداه تربيّتَه ، و هذّبَا سلوكَه و أخلاقَه .
و المؤمنونَ الصّادقونَ يَرفعونَ أكُفَّهم إلى ربِّهم مُتضرِّعينَ إليه أنْ يُكرِمهم بالذُّريّةِ الصّالحةِ ، و يجعلَ أبناءَهم قُرّةَ أعيُنهم ، قال الله تعالى - حاكياً قول نبيّه زكريـا عليه السلام - :{رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً }[ آل عمـران : 38 ] أي : " طاهرةَ الأخلاقِ ، طيّبةَ الآدابِ ، لِتكمُلَ النّعمةُ الدّينيّةُ و الدّنيويّةُ بهم " ( 2 ) . و هذا مَطلبُ عبادِ الرّحمنِ : {وَ الذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } [ الفرقان: 74 ] يعني: " الذينَ يسألونَ اللهَ أنْ يُخرِجَ مِن أصلابِهم و ذُرّياتهم مَن يُطيعُه و يعبدُه وحدَه لا شريكَ له " ( 3 ) .
و الاهتمامُ بالأولادِ - رِعايةً و نُصحاً و توجيهاً - سِمةُ المؤمنينَ ، و صِفةُ عبادِ اللهِ الصّالحينَ ؛ فهذا نبيُّ اللهِ يعقوبُ u و هو على فراشِ الموتِ ، لم ينْسَ أنْ يُوصيَ أبناءَه بالثّباتِ علـى العقيدةِ الصّحيحـةِ ، قال تعالى : {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَ إِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَ إِسْمَاعِيلَ وَ إِسْحَـاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [ البقرة : 133 ] .
و هذا لُقمانُ - الذي آتاهُ اللهُ الحِكمةَ - " يُوصِي ولدَه الذي هو أشفقُ النّاسِ عليه و أحبُّهم إليه ، فهُو حقيقٌ أنْ يَمنحَه أفضلَ ما يعرفُ " ( 4 ) . لذا وعَظَهُ مَوعِظةً جامعةً ، و نَصَحَهُ نَصيحةً نافعةً ، و أمرَه بعبادة اللهِ وحده ، وحذَّرهُ تحذيـراً شديداً ِمِن أنْ يجعلَ لربِّه ندّاً و مَثيلاً ، و بيّنَ له خُطورةَ الإشراك بالله ؛ قال عزّ و جلّ : {وَ إِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَ هُـوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[ لقمان : 13 ] . ثمّ وجَّهه للعملِ بالأخلاقِ الفاضلـةِ ، فقـالَ {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَ أْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ المُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ }[ لقمان : 17 ] و بعدها نهاهُ عن الأخلاقِ السّيئةِ و الخصالِ الوضيعةِ ، فقالَ : {وَ لاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَ لاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًـا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ~وَ اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِيـرِ }[ لقمان : 18 – 19 ] .
فـ " الحمدُ للهِ الذي مَنَّ علينا بنعمةِ الأولادِ ، وفتَحَ لنا مِن أسبابِ الهدايةِ كلَّ بابٍ ، و رغّبَ في طُرقِ الصّلاحِ و حذّرَ مِن طُرقِ الفسادِ ... اُشْكرُوه على ما أنعمَ به عليكم مِن نعمةِ الأولادِ ، و اعلمـوا أنَّ هذه النّعمةَ فتنةٌ للعبدِ و اختبارٌ ، فإمّا مِنحةٌ تكونُ قُرّةَ عينٍ في الدّنيا و الآخرةِ ، سُرورٌ للقلبِ ، و انبساطٌ للنّفسِ ، و عونٌ على مكابدِ الدّنيا ، وصـلاحٌ يحدوهم إلى البرِّ في الحياةِ و بعد المماتِ ، اجتماعٌ في الدّنيا على طاعةِ اللهِ ، و اجتمـاعٌ في الآخرةِ في دارِ كرامـةِ الله :{ وَالذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}[ الطّور : 21 ] " ( 5 ) .
و إنّ رِعايةَ الأولادِ و تربيتَهم و تعليمَهم و أداءَ حُقوقِهم كاملةً على الوجهِ الذي يُرضِي اللهَ عزّ وجلّ مَسؤوليّةُ الأبـوينِ كليهما ، و المسؤوليّةُ المُلقاةُ على عاتقِهما نحوَ أولادِهما عظيمةٌ ، و ذاتُ شـأنٍ كبيرٍ ، و ذلك لأنّهم رجالُ المستقبـلِ ، وقُوّتُه المنتظرةُ ، و دعيمتُه التي سيقومُ عليها . والقيامُ بهذه المهمّةِ يتطلّبُ فهماً تامّاً لهذه المسؤوليّةِ حتّى تُؤدَّى على الوجهِ المطلوب ؛ فعنْ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ tأنّه سمعَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم قال : " كُلّكم راعٍ فمسؤولٌ عنْ رعِيَّتِه ، فالأميرُ الذي على النّاسِ فهو راعٍ عليهم و هُو مَسؤولٌ عنهم ، و الرَّجلُ راعٍ على أهلِ بيتِه و هو مَسؤولٌ عنهم ، و المرأةُ راعيةٌ على بيتِ بَعْلِها و وَلَدِه و هي مَسؤولةٌ عنهم ، و العبدُ راعٍ على مالِ سيِّدِه و هو مَسؤولٌ عنه ، ألاَ فكُلُّكم راعٍ و كُلُّكم مَسؤولٌ عن رعيَّتِه " ( 6 ) .
وعنْ عُثمانَ الحاطبي قال : " سمعتُ ابنَ عُمرَ يقولُ لرجُلٍ : " أدِّبْ ابنَك ، فإنّك مَسئُولٌ عن ولدِك ، ماذا أدّبتَه ، و ماذا علَّمتَه ، و إنّهُ مَسئُولٌ عن برِّك و طواعيتِه لك " ( 7 ) .
و مع عِظَمِ هذه المسؤوليّةِ غيرَ أنَّ كثيراً مِن الآباءِ - اليومَ - قد فرّطَ فيهـا ، و اسْتهانَ بها ، و لم يُولها الاهتمـامَ الذي تَستحقُّه ، فأضاعُوا أولادَهم ، و ظنّوا أنَّ تربيتَهم لهم تَقتصرُ على توفيرِ المأكـلِ و المشربِ و الملبسِ و المأوَى فحسبُ ، و غَفلُوا عن تأديبِهم و تهذيبِهم و توجيهِهم و إرشادِهـم ، ثمّ إذا انحرفَ أبناؤهم و نشأُوا عاقّينَ لهم ، مُتمرِّدِيـنَ عليهم أظهرُوا تسخُّطاً ، و أَبْدَوا تضجُّراً ، و أكثروا الشَّكوى لِسوءِ ما يرون ، و ما علمَ هؤلاءِ أنّهم هم السّببُ الأوّلُ في ذاك التّمرّدِ و العُقوقِ ، وهم الذين غرسُوا بُذورَ الانحرافِ بأيديهم ، فلا يحصُدُونَ إلاّ نتائجَه و آثـارَه ، و مَن يَغْرسِ الشّوكَ لا يَجْني العنبَ .
و لو أنّنا تأمّلنا جيّداً فيما نشكُوه مِن الفسادِ الأخلاقيِّ في مجتمعاتنا ، و ظهورِ المنكراتِ ، وانتهاكِ الحُرماتِ ، و زَيْـغٍ في المعتقداتِ ، و تهاوُنٍ في العملِ بالواجباتِ ، لوجدنا أنَّ سببَ ذلكَ كلِّه هو تَرْكُ التّربيّةِ ، و إهمالُ التّأديبِ في وقتِه .
قال ابن قيّم الجوزيّة - رحمه الله تعالى - : " و ممّا يحتاجُ إليه الطّفلُ غايةَ الاحتياجِ الاعتناءُ بأمرِ خُلُقِه ، فإنّهُ يَنشأُ على ما عوّدَه المربّي في صِغرِه ، مِن حَرْدٍ و غَضَبٍ و لجَاجٍ و عَجَلةٍ و خِفّةٍ مع هواه و طَيْشٍ و حِدّةٍ و جَشَعٍ ، فيصعُبُ عليه في كِبرِه تَلافي ذلك ، و تصيرُ هذه الأخلاقُ صِفاتٍ وهيئاتٍ راسخةً له ، فلو تحرّزَ منها غايةَ التّحرُّزِ فضحتْه - و لا بُـدّ - يوماً ما ، و لهذا تجدُ أكثرَ النّاسِ مُنحرفةً أخلاقُهم ، و ذلك مِن قِبَلِ التّربيةِ التي نشأَ عليهـا ... و كمْ مَن أشْقَى ولـدَه و فلْذَةَ كبدِه في الدّنيا و الآخرةِ بإهمالِه ، و تَرْكِ تأديبِه ، و إعانتِه له على شهوتِه ، و يزعُمُ أنّه يُكرِمُه و قد أهانَه ، و أنّه يرحَمُه و قد ظلمَهُ و حَرَمَهُ ، ففاتَه انتفاعُه بولدِه ، وفوّتَ عليه حظَّه في الدّنيا والآخرةِ . وإذا اعتبرتَ الفسادَ في الأولادِ رأيتَ عامّتَه مِن قِبَلِ الآباءِ ...فما أفْسدَ الأبناءَ مِثلُ تفريطِ الآباءِ و إهمالِهم و استسهالِهم شَرَرَ النّارِ بين الثّيابِ ، فأكثـرُ الآباءِ يعتمدونَ مع أولادِهم أعظمَ ما يعتمدُ العَدوُّ الشّديدُ العداوةِ مع عدوِّه و هم لا يشعرونَ ، فكمْ مِن والدٍ حرَم ولدَه خيرَ الدّنيا و الآخرةِ ، و عرّضَه لهلاكِ الدّنيا و الآخرةِ ، وكُلُّ هذا عواقبُ تفريطِ الآباءِ في حقـوقِ الله و إضاعتِهم لها ، و إعراضُهُم عمّا أوجبَ اللهُ عليهم مِن العلمِ النّافعِ و العملِ الصّالحِ حرَمَهم الانتفاعَ بأولادِهم ، وحرَمُ الأولادِ خيرَهـم و نفْعَهم لهم هو مِن عُقوبةِ الآباءِ" ( 8 ) .
وقد جاءت نُصوصُ الوحيَيْنِ مِن كتابِ اللهِ تعالى و سنّةِ رسولِه صلى الله عليه و سلم تبيِّنُ السّبيلَ الأحسنَ ، و الطّريقَ الأمثلَ ، و المنهـجَ الأكملَ ، الذي يُحتذَى به في حُسْنِ تربيّةِ الأولادِ ، و ذلك بالسّعيِ في إحاطتِهم بسِياجِ الشّرعِ ، و إلزامِهم بالتّمسُّـكِ بأمورِ الدّينِ - قولاً و عملاً و اعتقاداً - و العملِ بتعاليمِه و آدابِه ، و إبعادِهم عن الرّذائلِ و المعاصي و المُنكراتِ .
فإنْ تخلّى الآباءُ عن هذه الواجباتِ ، و أهملُوا رِعايةَ أولادِهـم ، نتجَ عن ذلكَ عواقبُ وخيمةٌ ، و أضرارٌ جسيمةٌ ، لأنَّ التّهاوُنَ و التّقصيرَ في تربيّـة الأبناءِ خلَلٌ واضحٌ ، و خطأٌ فادحٌ ، و في ذلك أعْظمُ الخطرِ ، و أشدُّ الشّرِّ ، و لإِنْ يَخْسرَ الآباءُ أموالَهم و يُضيّعُوا ثروتَهم أهْونُ و أيْسرُ مِن أنْ يخسَرُوا عقائدَ أبنائِهم السّلفيةَ ، و أخلاقَ الإسلامِ المرضيّةَ .
قالَ اللهُ تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِـدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [ التّحريم : 6 ].فإذا كنتَ - أيّها الأبُ الرّحيمُ ! - تَصونُ ولـدَك مِن نارِ الدّنيا ، و تحفظُه منها أشدَّ الحِفظِ ، و تخشى عليه منها أعْظمَ الخشيةِ ، و ما هي سِوى جُزءٍ مِن سبعينَ جزءً مِـن نارِ جهنّمَ( 9 ) فكيف تَطيبُ نفسُك أنْ تُسلِّمَ فلْذةَ كبدِك لنارِ الآخرةِ ، و تقذفُه فيها بسوءِ تربيتِك له ، و ببُعدِه عـن تعاليم الإسلامِ ، و ترْكِه لأوامرِه و فضائلِه ، و ارتكابِه لنواهيه و زواجرِه .
و إنْ سألتَني و قلتَ : كيف أَقي ابْني النّارَ و مِن حرِّها و لهبِهـا ؟ فالجوابُ : إنّ وقايتَك له تكونُ ببيانِ الحقّ و إظهـارِ منافعِه ، و أمْرِه بالعملِ به ، و ببيانِ الباطلِ و إبرازِ أضرارِه ، و تحذيرهِ منه و مِن الوقوعِ فيه ، و بالحرصِ علـى تعويدِه على الطّاعةِ و تحبيبِها له ، و تبغيضِه للمعصيةِ و تنفيرهِ منها ، لا سيما إنْ صغيرا ، لأنَّ " التّربيّةَ في الصّغرِ كالنّقشِ على الحجَرِ " .
و يظهرُ مِن خلالِ النّصوصِ التي سِيقتْ آنفاً وُجوبُ تربيّةِ الأولادِ على الدّينِ و الخُلُقِ ، وأنّهم أمانةٌ في أعْناقِ أوليائِهم ، و" إنَّ اللهَ سائِلٌ كُلَّ راعٍ عمّا استرعاهُ ، أحَفِظَ ذلك أم ضَيَّعَ ؟ حتّى يَسألَ الرّجُلَ على أهلِ بيتِه " ( 10 )وأنّ أوْلى النّاسِ ببرِّ الرّجُلِ ، و أحقَّهم بمعروفِه ، هم أبناؤُه و ذُرِّيتُه ، و أحسنُ ما يمكنُ أنْ يمنحَهم إيّاه هو تربيّتُهم و تهذيبُهم ، و ذاك مِن حقّهم ؛ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " و إنّ لولدِك عليكَ حقّاً " ( 11 ) .
قالَ ابنُ الحاج : " قالَ القاضِي أبو بكرِ بنِ العربي - رحمهُ اللهُ - في كتابِ " مراقي الزُّلفى " له : " اعلمْ أنَّ الصّبيَّ أمانةٌ عند والديهِ ، و قلبُه الطّاهرُ جوهرةٌ نفيسةٌ ساذجةٌ خاليةٌ عن كلِّ نقشٍ ... فإنْ عُوِّدَ الخيرَ و عُلِّمه نشأَ عليه ، و سَعِد في الدّنيا و الآخرةِ ، يُشاركُه في ثوابِه أبواهُ و كلُّ مُعلِّمٍ له و مُؤدِّبٍ ، و إنْ عُوِّدَ الشّرَّ و أُهمِل إهمالَ البهائـمِ شَقِيَ و هلكَ و كان الوِزرُ في رقبةِ القيِّمِ به و الوليِّ عليه " ( 12 ) .
_________________
( 1 ) رواه مسلم ( 1631 ) .
( 2 ) انظر : " تيسير الكريم الرّحمن في تفسير كلام المنّان " للشّيخ السّعدي ( ص : 129 ) .
( 3 ) انظر : " تفسير القرآن العظيم " لابن كثير ( 6 / 132 )
( 4 ) انظر : " تفسير القرآن العظيم " لابن كثير ( 6 / 336 ) .
( 5 ) انظر : " الضّياء اللاّمع مِن الخُطب الجوامع " للشّيخ محمّد بن صالح العثيمين ( ص : 612 ) .
( 6 ) أخرجه البخاري ( 2554 ) و مسلم ( 1829 ) .
( 7 ) رواه البيهقي في " شعب الإيمان " (8295 ) .
( 8 ) " تحفة المودود بأحكام المولود " ( ص : 240 - 241 ) .
( 9 ) عن أبي هريرة tأنّ النّبيَّ rقال : " نارُكم هذه التي يُوقدُ ابنُ آدمَ جُزءٌ مِن سبعين جزءً مِن حرِّ جهنّمَ " . قالوا : و اللهِ إنْ كانت لكافية يا رسول الله قال : " فإنّها فُضِّلتْ عليها بتسعةٍ و ستّينَ جزءً كلُّها مِثلُ حرِّها " أخرجهالبخاري ( 3092 ) و مسلم - و اللّفظُ له - ( 2843 ) .
( 10 ) أخرجه النّسائي في " السّنن الكبرى " ( 9129 ) و ابن حبّان في " صحيحه " ( 4493 ) انظر " الصّحيحة " ( 1636 )
( 11 ) أخرجه مسلم ( 1159 ) .
( 12 ) " المدخل " ( 4 / 295 ) .
تعليق