بسم الله الرحمن الرحيم..
إن من أكثر المشاكل التي يسأل عنها الأهل والمربون مشكلة الفوضى لدى الأطفال، فأغلب أطفالنا غير منظمين، فوضويون في ترتيب حاجياتهم وكتبهم وثيابهم، وفي توقيت تناول طعامهم، وأوقات دراستهم، وتنظيم حياتهم اليومية، مع أن سرّ النجاح بشكل عام –بعد توفيق الله- هو النظام، وبالأخص تنظيم الوقت.
وفي الحقيقة يبدأ تعليم الطفل النظام منذ سنواته الأولى؛ ففي البداية يقوم الطفل بالتوافق مع نظام الغذاء والخضوع لنظام الوجبات، وكذلك موعد الذهاب إلى النوم في ساعة محددة، وكل هذه الأمور تحقق سمة الدقة والتنظيم في حياة الطفل؛ فيعرف أن للأشياء حدودًا وقيودًا لا يمكن أن يتجاوزها؛ فالأكل والنوم واللعب وغيرها ليست مجالات مفتوحة أمامه كما يريد، بل يوجَّه إلى أن يأخذ منها كفايته دون تجاوز؛ وذلك حفاظًا على صحته وصحة الآخرين وراحته وراحة الآخرين.
وهناك طرق علينا اتباعها أثناء تعليم أبنائنا النظام، وأخرى يجب اجتنابها، وهي:
أولاً: أساس تعليم النظام هو الحب المتبادل والاحترام؛ فالطفل يطيع عندما يحب، ويعصي عندما يكره، وهكذا فإن النظام مرتبط إلى حد بعيد بالطاعة والمحبة، وهذا ما يظهر لدى كثير من الأطفال حين يهتمون بمادة دراسية أكثر من أخرى، وما ذاك إلا بسبب حبهم للمدرس أو للمدرسة، وبالتالي هم يطمحون لنيل رضا من يحبون، وقديمًا قيل: "إن المحب لمن يحب مطيع".
إذن من المهم إرشاد الطفل إلى النظام في أي مرحلة عمرية بطريق الرفق والحنان، وقد حثَّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- على الرفق في أحاديث كثيرة منها: "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه". وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه".
ثانيًا: كي يكون النظام واقعيًّا ومقبولاً يجب ألا يفوق قدرات الطفل، وكما تعلمين فلكل طفل قدراته المختلفة عن الآخر؛ فلا تصح المقارنة بينهم، فلكلٍ ميوله وإدراكه وإمكاناته؛ لأنك إذا كلفت طفلك باتباع نظام قاسٍ فسيعمد إلى الفوضى المريحة؛ لذلك يجب أن تكون الأوامر مناسبة لإمكانات الطفل.
ثالثًا: إياك أن تزعزعي مفهوم النظام في أذهان أطفالك كما يفعل بعض الأهل؛ فمرة يطلبون تطبيق نظام معين، ويهملون ذلك مرات أخرى، أو أن تطلب الأم اتباع نظام معين، بينما يخالفها الأب، وهذا الاختلاف بين أوامر الأم وأوامر الأب يخلق أضرارًا تربوية في نفسية الطفل.
رابعًا: خير وسيلة لتعويد الطفل على النظام القدوة الحسنة؛ إذ أن الطفل بطبعه يحب التقليد؛ فإعطاؤه دروسًا عملية في إطاعة النظام العام، سواء كانت أوامر إلهية أو قوانين اجتماعية يوجد فيه حب النظام. وكذلك يمكنك جعل الأكبر هو القدوة للأصغر بدون ضغط عليه طبعًا أو تحميله مسؤوليات فوق طاقته.
خامسًا: وزِّعي المهام عليهم، وكلِّفي كل واحد بما يستطيع من أعمال المنزل؛ ليتعودوا أن هذا منزلهم وهم مسؤولون عن ترتيبه ونظامه، وبالطبع يجب أن يرتبوا غرفهم قبل كل شيء، وهنا يمكنك مساعدتهم أول مرة بحيث يتعلمون أين يضعون الأشياء، وبعد ذلك يصبح بإمكانهم أن ينجزوا المهمة بدونك.
سادسًا: قد يسألك أطفالك عن أسباب الأوامر التي تطلبين منهم تنفيذها؛ فناقشيهم في جدواها وصحتها وفائدتها لهم ولمجتمعهم، ولا تعتبري ذلك من قبيل التحدي لإرادتك أو المماطلة، بل من الأفضل أن تعوديهم على الطاعة المبصرة وليس الطاعة العمياء.
وعندما يخالف الطفل هذا النظام لا تكون عمليات العقوبة مفيدة إذا لم يتم ربطها بالتوجيه وربط العقوبة بالذنب، على أن تكون العقوبات طبعًا بمقدار الذنب، لا أن تكون تعبيرًا عن درجة انفعال الأم أو الأب بسبب أمر ما، فيقومان بإسقاط انفعالاتهما على رأس الطفل المسكين. وهذا للأسف كثيرًا ما يحدث عندما يطلب من الطفل تنفيذ الأمر دون أن يناقش وذلك من مبدأ عسكري "نفِّذ ولا تعترض".
وقد يكون السبب أنها الطريقة التي عوملنا بها في بيوتنا، أو بسبب النظم السياسية التي نشأنا في ظلِّها؛ فلا مجال للأخذ والرد مع الطفل، وإذا رفض تنفيذ الأمر فلا نسأله لماذا يرفض، بل نعاقبه فورًا، وكأننا ننتقم لأنفسنا، وبالتالي يتحول الطفل إلى منفِّذ للنظام على غير قناعة منه؛ بل لمجرد الإطاعة القسرية وخشية العقاب، وتعتمل النقمة في داخله، وتظهر فيما بعد بصور سلوكية شتى منها، وأخطرها ازدواج الشخصية, وكذلك الشخصية المضادة للمجتمع.
أحيانًا يمكن ترك الطفل ليكتشف بنفسه مساوئ عدم تطبيق النظام؛ ليفهم من ذلك أهمية تطبيقه، فمثلاً إذا كنت تعانين من أن أطفالك لا يعيدون الأشياء إلى مكانها؛ فدعيهم هم يفتشون عنها، وأعلميهم أن هذا الوقت الذي يضيع في البحث سيقتطع من وقت لعبهم وليس من وقت دراستهم، أو ابدئي بتنفيذ عقوبات صغيرة لمن يخالف نظام البيت أو يساهم في الفوضى بأي شيء تجدينه مناسبًا كاقتطاع جزء بسيط من مصروفه، أو حرمانه مما يحب كاللعب مع إخوته أو أصدقائه وهكذا...
إذن النظام يتم بالتعويد والتقليد والتوجيه.
وإن في انتظامهم على الصلوات الخمس في مواعيدها بداية طيبة لتنظيم الوقت، وتنظيم الحياة أن تكون مراعاة لحقوق الله عز وجل قبل كل شيء، ثم أخذهم بالآداب الإسلامية، سواء في الطعام أو اللباس أو اختيار الأصحاب أو النوم أو أي مرفق آخر من مرافق حياتهم نظام متكامل لهم، لكن عليك أن تكوني على ثقافة جيدة؛ لأنك قد تتعرضين لأسئلة من حقهم أن يسألوها ومن واجبك أن تجيبي، مثلاً قد يحب أحد أطفالك أن يأكل وهو مستلقٍ أو متكئ؛ فيجب أن تشرحي له أن الرسول –عليه الصلاة والسلام- لم يكن يأكل متكئًا، واشرحي له أن ذلك مضرّ أيضًا من الناحية الصحية، وبذلك تشرحين لهم أن كل أوامر الله ورسوله هي لفائدتنا في الدنيا والآخرة.
وأنبهك يا أختي العزيزة أن الثقافة التي تغزونا في المتعة والترفيه واللهو هي خطر كبير إذا لم ننتبه له، فأولادنا إما أننا نكسبهم بتنشئتهم على الإسلام أو أننا نخسرهم؛ لأنهم سيركبون الموجة الدارجة.
وإليكِ هذه الأفكار البسيطة أيضا في تعليمهم تنظيم غرفتهم:
1- الصناديق الكرتونية التي نشتري فيها زجاجات المياه المعدنية أو الغازية أو الفاكهة يمكن تزيينها ببقايا ورق الحائط أو ورق الهدايا، ويُكتب على كل واحد منها ما يجب أن يوضع فيه، وهكذا، ويصبح كل طفل مسئولاً عن أغراضه وصناديقه، وتُفضّل الصناديق التي لا يتجاوز ارتفاعها 10-15 سنتيمتر؛ حتى يسهل دفعها أسفل الفراش، أو تحت المكتب لتبدو الغرفة مرتبة.
2- الصناديق البلاستيكية التي توضع أفقيًا فوق بعضها،وتُستخدم في المطبخ لتوضع بها البطاطا والبصل، يمكن أيضا استخدامها في غرفة الأطفال؛لوضع ملابس النوم والملابس الداخلية والجوارب، وكل ما يستخدمونه يوميًا ليكون في متناول أيديهم، مما يمكنهم من وضع أغراضهم في الصناديق المفتوحة بسهولة، وحتى لايتعللوا بالتكاسل عن فتح الدولاب.
3- يمكن وضع جدول صارم لأوقات التلوين واللعب، ولا يتم الانتقال إلى غرفة المعيشة أو مكان الوجبات(المطبخ/ غرفة الطعام) إلا بعد أن يتم إرجاع كل شيء لمكانه.
4- تخصيص مكان واضح للملابس التي تحتاج للغسل، وتعليم الأطفال وضع ما اتسخ فيه، وإلا فسوف يتم ارتداء الملابس متسخة في اليوم التالي، خاصة الزي المدرسي. وسيحرص الطفل مع الوقت قبل المطالبة بملابس نظيفة عند الخروج أن يتأكد أنه قد وضع المتسخ في مكان الغسل، خاصة إذا ما وجد نظرات الاستغراب من زملائه عند ذهابه بملابس متسخة لم يضعها في المكان المطلوب.
5- يفضل حفاظًا على نظافة المنزل بشكل عام تخصيص مكان للأحذية بجوار باب المنزل، مما يوفر على الوالدين ترتيب أزواج الأحذية والنعال المنزلية المتناثرة في كل مكان عادة، وإذا تم تخصيص رف لكل طفل؛ سيوفر هذا علينا الاستماع إلى السؤال المكرر: أين حذائي؟ والرد المكرر أيضًا: ابحث عنه تحت الفراش أو تحت مكتبك!
وفقك الله تعالى في تربية أولادك كما يحب ويرضى سبحانه، وجعلهم قرة عين لك ولوالدهم.