حكم قبول خُطَّاب البنت الصغيرة قبل الكبيرة
السؤال: ما رأيكم فيمن يفرق بين بناته في أمر الزواج، حيث كان يرد كل خاطب للبنت الكبرى، بحجة إكمال الدراسة، ولا يخبرها بذلك، ولا يهمه في ذلك صلاح الخاطب أو دينه أو أي شيء، إنما أهم شيء عنده أن يرده دون السؤال عنه، ولكن بعد مرور سنوات عرف أن تصرفه هذا خاطئ وعدل عنه، لكن مع البنت الصغرى حيث أصبح لا يفرط في أي خاطب لها، حتى يسأل عنه ويخبرها بذلك، وبالتالي تزوجت الصغرى، والكبرى لم تتزوج، هل يحق للبنت الكبرى أن تصارح والدها بذلك، وأن تناقشه، وأن تسأله: لماذا يفرق بينها وبين أختها؟ أرجو من فضيلة الشيخ محمد التفصيل في هذا الأمر وأرجو منكم النصح لكل أب، بأن يتقي الله عز وجل في بناته، وخاصة الابنة الكبرى، ولا يجعلها ضحية لتجاربه جزاكم الله خيرا؟
الجواب: هذا السؤال يحتاج إلى أن نوجه نصيحة إلى أولياء الأمور في النساء، فأقول: على أولياء الأمور في النساء أن يتقوا الله، وأن يعلموا أنهن أمانة عندهم، وأنهم مسئولون عن هذه الأمانة، وأنه لا يجوز لهم التفريق بأي سبب من الأسباب، إلا أن يكون سبباً شرعياً، لقول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال:27-28]، فعلى أولياء الأمور في النساء إذا خطبن أن يسأل أولاً عن الزوج، فإذا كان مستقيماً في دينه وخلقه، عرضه على المخطوبة، وبين لها من صفاته، فإذا وافقت وأذنت أجابه، وإذنها إن كانت بكراً بالتصريح أو السكوت، وإن كانت ثيباً فبالتصريح فقط، فإذا قال للبكر: إن فلاناً يخطبك، وفيه كذا وكذا كذا وذكر من صفاته وأحواله فسكتت، فهذا إذن، وإن صرحت وقالت: نعم زوجني به، هذا إذن، وإن ردت فهذا رد، ولا يجوز أن يجبرها، سواء كان أباها أم غيره، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح الأيم حتى تستأمر )، أما إذا سأل عن الخاطب، وأثنوا عليه شراً في دينه أو في خلقه فليرده، ولا حاجة أن يستشير المرأة في ذلك؛ لأنه ليس أهلاً للقبول، بل لو فرض أنه غير مرضي في دينه وقبلت به المرأة وألحت به فلوليها أن يمنعها من التزوج به، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير أو قال: وفساد عريض )، ولا يحل لولي الأمر أن يمنع الخطاب الأكفاء لغرض دنيوي، مثل أن يلتمس من الخطاب من يعطيه أكثر، أو يمنع الخطاب لأنه يحتاج إلى بنته في خدمته في البيت، أو يمنع الخطاب لأنه يحتاج إلى راتب ابنته يأخذه أو شيئاً منه، ولا يمنع الخطاب لعلاقة شخصية سيئة بينه وبين الخاطب، لا يحل له أن يمنع الخطاب إلا لسوء في دينهم أو أخلاقهم، أما لغرض سوى ذلك فلا، وكثير من الأولياء نسأل الله العافية والسلامة قد خانوا أماناتهم، فليس همهم إلا المال، فمن يعطيهم أكثر فهو صاحبهم وإن لم يكن أهلاً لأن يزوج، ومن لا يعطيهم فليس صاحبهم وإن كان من أحسن خلق الله خلقاً وأقومهم ديناً، وهذا غلط كبير.أما الإجابة على سؤال السائلة، فإني أقول: إن أباها أخطأ في منعها من الزواج في أول الأمر، لكنه رجع وعرف أن تصرفه خاطئ، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، لكنه أخطأ من وجه آخر، حيث قدم تزويج الصغيرة قبل الكبيرة عمداً، بمعنى أنه عدل الخطاب عن الكبيرة إلى الصغيرة، أما لو كان الخطاب لا يخطبون إلا الصغيرة فله أن يزوجها ولو كان ذلك قبل تزويج الكبيرة، والناس في هذه المسألة على ثلاثة أقسام: قسم لا يمكن أن يزوج الصغيرة قبل الكبيرة، ويرى أن هذا عيب، وإساءة للكبيرة، مع أن الخطاب إنما يخطبون الصغيرة، ولم يخطب منهم أحد الكبيرة، وهذا غلط وهضم حق للصغيرة، القسم الثاني: مثل حال هذا الرجل، يريد أن يزوج الصغيرة قبل الكبيرة، وهذا أيضا جناية، القسم الثالث: من يتقي الله عز وجل ويزوج من خطبت سواء كانت الصغيرة أم الكبيرة، وهذا هو الذي أدى الأمانة، وأبرأ ذمته من المسئولية: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].وأخيراً أكرر النصيحة لأولياء أمور النساء أن يتقوا الله عز وجل فيهن، وأن يراقبوا الله، وألا يمنعوا الخطاب الأكفاء من تزويجهم بمن ولاهم الله عليهن، وأسأل الله للجميع التوفيق لما يحب ويرضى. مداخلة: هل لها أن تناقش والدها أو تصارحه فيما مضى؟الشيخ: لها حق في مناقشة أبيها فيما مضى وفيما يستقبل، المرأة تريد ما يريد الرجال، تريد من الرجال ما يريد الرجال من النساء، فلها أن تناقش والدها.