الصنف: فتاوى الزواج
السؤال للفتوى رقم 159:
لو تتكرمون أحسن الله إليكم بالإجابة على مسألة تطرحها إحدى الأخوات فستكون لكم من الشاكرين ولمعروفكم من الذاكرين والله لا يضيع أجر المحسنين وخلاصة المسألة: أنّ المرأة بعد استحالة العيش مع زوجها لأمور عديدة سعت في طلب سراحها ولم تتمكن إلاّ بشرط شرط عليها في مجلس حضره شهود، وهذا الشرط هو تمكين المرأة هذا الرجل من استلام الوليد الذي كان إذ ذاك حملا- بعد سنتين- فقبلت المرأة الشرط قبول المكره في صورة المختار لأنّها لم تجد لها سبيلا للخلاص إلاّ هذا وهي الآن تسأل هل مثل هذا الشرط جائز شرعا؟ وهل يلزمها الوفاء به؟ وهل يترتب عليها إن هي رجعت فيه إثم؟.
هذا ملخص سؤالها. وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فهذه المسألة ترجع إلى الاختلاف في التكييف الشرعي للحضانة، أهي حق للحاضنة أم واجب عليها أم الحضانة حق مشترك بين الصغير وأمه، أم هو حق خاص للولد الصغير؟ علماً أنّ الأصل في الحضانة للنساء على الأولاد الصغار ذكورا وإناثاً لأنّهن أشفق وأرفق وأهدى إلى تربية الصغار وتأديبهم.
وأرجح الأقوال في هذه المسألة أنّ الحضانة حق للولد الصغير لاحتياجه إلى من يرعاه ويحفظه ويقوم على شؤونه ويتولى تربيته، فمشروعية الحضانة قائمة على أساس تحصيل مصلحة الصغير المحضون وهي أحقية ثابتة لهذا المعنى لا من أجل تحصيل مصلحة المستحق للحضانة، وعليه فالحضانة حق مشروع ثابت من أجل تحصيل مصلحة الصغير، وكلّ من هو أقدر على تحقيق مصالحه وتحصيل منافعه ورعايته كان أولى به.
هذا، وإذا كانت الحضانة حقا للولد الصغير، فإنّ الأمّ تجبر عليها لزوما إذا احتاج الطفل إليها حتى لا يضيع حقه في الحفظ والرعاية والتربية والتأديب، وكلّ شرط وقع لإهدار حق الولد المشروع في الحضانة لمن كان أقدر على تحصيل مصالحه فهو باطل، فإذا اختلعت المرأة زوجها على أن تترك له ولدها، فالخلع جائز صحيح، والشرط فاسد ويقع لاغيا لا يلزمها الوفاء به، لأنّه إذا ثبت أنّ هذا من حق الولد فليس له ولا لها أن تبطـله بالـشرط لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط»(١) أي ليس في كتاب الله جوازه أو وجوبه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا»(٢) وهذا بخلاف ما لو تزوجت لم تكن أحق بالحضانة لانشغالها بخدمة زوجها فلا منفعة للولد في كونه عندها لقوله صلى الله عليه وسلم «أنت أحق به ما لم تنكحي»(٣) وتناط الحضانة لمن يليها في الاستحقاق لتحصيل مصلحة المحضون نظرا لوجود مانع الزواج، ويعود حق الحضانة لها إذا زال المانع بناء على قاعدة: إذا زال المانع عاد الممنوع أو: إذا زال الخطر عاد الحظر.
والعلم عند الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّ اللّهم على محمّـد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
الجزائر في: 17 ربيع الأول 1425ﻫ
-----------------------------
١- أخرجه النسائي في الطلاق(3451)، وابن ماجة في العتق(2521)، من حديث عائشة رضي الله عنها. وصححه الألباني في إرواء الغليل(5/152).
٢- أخرجه أبوداود في الأقضية (3593)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والترمذي في الأحكام(1352)، من حديث عمرو بن عوف عن أبيه عن جده، والحاكم في البيوع عن أبي هريرة وعن عائشة رضي الله عن الجميع. والحديث صححه الألباني في الإرواء (5/142) رقم ( 1303)، والسلسلة الصحيحة رقم (2915).
٣- أخرجه أبو داود في الطلاق(2276)، والدارقطني(41، والحاكم(2830)، وأحمد(666، والبيهقي(16191)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وصححه ابن الملقن في البدر المنير (8/317)، وابن كثير في إرشاد الفقيه (2/250)، وأحمد شاكر في تحقيقه لمسند أحمد (10/177)، وحسنه الألباني في إرواء الغليل(7/244)، وفي السلسلة الصحيحة(1/709).
المفتي سماحة الشيخ أبي عبدالمعز محمد علي فركوس ـ حفظه الله تعالى ـ
الرابط:http://www.ferkous.com/rep/Bk13.php
السؤال للفتوى رقم 159:
لو تتكرمون أحسن الله إليكم بالإجابة على مسألة تطرحها إحدى الأخوات فستكون لكم من الشاكرين ولمعروفكم من الذاكرين والله لا يضيع أجر المحسنين وخلاصة المسألة: أنّ المرأة بعد استحالة العيش مع زوجها لأمور عديدة سعت في طلب سراحها ولم تتمكن إلاّ بشرط شرط عليها في مجلس حضره شهود، وهذا الشرط هو تمكين المرأة هذا الرجل من استلام الوليد الذي كان إذ ذاك حملا- بعد سنتين- فقبلت المرأة الشرط قبول المكره في صورة المختار لأنّها لم تجد لها سبيلا للخلاص إلاّ هذا وهي الآن تسأل هل مثل هذا الشرط جائز شرعا؟ وهل يلزمها الوفاء به؟ وهل يترتب عليها إن هي رجعت فيه إثم؟.
هذا ملخص سؤالها. وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فهذه المسألة ترجع إلى الاختلاف في التكييف الشرعي للحضانة، أهي حق للحاضنة أم واجب عليها أم الحضانة حق مشترك بين الصغير وأمه، أم هو حق خاص للولد الصغير؟ علماً أنّ الأصل في الحضانة للنساء على الأولاد الصغار ذكورا وإناثاً لأنّهن أشفق وأرفق وأهدى إلى تربية الصغار وتأديبهم.
وأرجح الأقوال في هذه المسألة أنّ الحضانة حق للولد الصغير لاحتياجه إلى من يرعاه ويحفظه ويقوم على شؤونه ويتولى تربيته، فمشروعية الحضانة قائمة على أساس تحصيل مصلحة الصغير المحضون وهي أحقية ثابتة لهذا المعنى لا من أجل تحصيل مصلحة المستحق للحضانة، وعليه فالحضانة حق مشروع ثابت من أجل تحصيل مصلحة الصغير، وكلّ من هو أقدر على تحقيق مصالحه وتحصيل منافعه ورعايته كان أولى به.
هذا، وإذا كانت الحضانة حقا للولد الصغير، فإنّ الأمّ تجبر عليها لزوما إذا احتاج الطفل إليها حتى لا يضيع حقه في الحفظ والرعاية والتربية والتأديب، وكلّ شرط وقع لإهدار حق الولد المشروع في الحضانة لمن كان أقدر على تحصيل مصالحه فهو باطل، فإذا اختلعت المرأة زوجها على أن تترك له ولدها، فالخلع جائز صحيح، والشرط فاسد ويقع لاغيا لا يلزمها الوفاء به، لأنّه إذا ثبت أنّ هذا من حق الولد فليس له ولا لها أن تبطـله بالـشرط لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط»(١) أي ليس في كتاب الله جوازه أو وجوبه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا»(٢) وهذا بخلاف ما لو تزوجت لم تكن أحق بالحضانة لانشغالها بخدمة زوجها فلا منفعة للولد في كونه عندها لقوله صلى الله عليه وسلم «أنت أحق به ما لم تنكحي»(٣) وتناط الحضانة لمن يليها في الاستحقاق لتحصيل مصلحة المحضون نظرا لوجود مانع الزواج، ويعود حق الحضانة لها إذا زال المانع بناء على قاعدة: إذا زال المانع عاد الممنوع أو: إذا زال الخطر عاد الحظر.
والعلم عند الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّ اللّهم على محمّـد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
الجزائر في: 17 ربيع الأول 1425ﻫ
-----------------------------
١- أخرجه النسائي في الطلاق(3451)، وابن ماجة في العتق(2521)، من حديث عائشة رضي الله عنها. وصححه الألباني في إرواء الغليل(5/152).
٢- أخرجه أبوداود في الأقضية (3593)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والترمذي في الأحكام(1352)، من حديث عمرو بن عوف عن أبيه عن جده، والحاكم في البيوع عن أبي هريرة وعن عائشة رضي الله عن الجميع. والحديث صححه الألباني في الإرواء (5/142) رقم ( 1303)، والسلسلة الصحيحة رقم (2915).
٣- أخرجه أبو داود في الطلاق(2276)، والدارقطني(41، والحاكم(2830)، وأحمد(666، والبيهقي(16191)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وصححه ابن الملقن في البدر المنير (8/317)، وابن كثير في إرشاد الفقيه (2/250)، وأحمد شاكر في تحقيقه لمسند أحمد (10/177)، وحسنه الألباني في إرواء الغليل(7/244)، وفي السلسلة الصحيحة(1/709).
المفتي سماحة الشيخ أبي عبدالمعز محمد علي فركوس ـ حفظه الله تعالى ـ
الرابط:http://www.ferkous.com/rep/Bk13.php