إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

عشرة النساء | لفضيلة الشيخ محمد سعيد رسلان -حفظه الله-

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [صوتية] عشرة النساء | لفضيلة الشيخ محمد سعيد رسلان -حفظه الله-

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه و آله وسلم-
    فهذه محاضرة لفضيلة الشيخ الهمام محمد بن سعيد رسلان -حفظه الله وثبته-
    فى :
    عِشرة النساء

    وهى محاضرة قيمة رائعة ما أحوج الجميع لها وخاصة فى هذه الأيام
    وبها قراءة وتعليق على ما ذكره العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-
    فى:
    الشرح الممتع على زاد المستقنع
    المجلد الثاني عشر
    بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ

    وإليكم -بارك الله فيكم-
    عناصر المحاضرة :
    • [*=right]الجزء الأول:
      • العِشرة في اللغة والمراد بها هنا.
      • هل يلزم الزوجة الخدمة أو لا؟
      • الأمر بالعِشرة بالمعروف.
      • الحث على الصبر على الزوجة ولو رأى منها ما يكره.
      • مماطلة الزوجين أحدهما للآخر.
      • مسألة: إذا كان مقصرًا في النفقة, وهي قادرة على أن تأخذ من ماله بغير علمه.
      • شروط تسليم المرأة لزوجها إذا تم العقد.
      • إذا استمهل أحد الزوجين الآخر.
      • هل له أن يباشرها وإن لم يحصل الدخول الرسمي؟
      • مباشرة المرأة ما لم يضر بها أو يشغلها عن فرض.
      • إذا أصابها مرض نفسي من السفر بها, هل يلزمه أن يردها إلى بلدها أو لا؟
      • هل له أن يسافر بالأَمَة؟
      • مسألة: إذا اضطر إلى السفر بها وأبت, وقد شرطت.
      • يحرُم وطؤها في الحيض, ويجوز ما سواه من المباشرة دون الفرج.
      • هل تجب كفارة على من جامع في الحيض؟
      • تحريم الوطء في الدبر.
      • إذا أجبرها على غُسل الحيض وهي غير مريدة, فهل يرتفع حدثها مع أنها لم تنوِ؟
      • متى يجبرها على غسل النجاسة؟
      • إزالة الشعور لها ثلاث حالات.
      • هل يجوز التبرع بالكلية أو لا يجوز؟
      • هل تُجبر الذِّمِّيَّة على غُسل الجنابة؟
      • كم يلزم الزوج أن يبيت عند الحُرة؟
      • كم مرة في السَّنَة يلزمه الوطء؟
      • متى يلزم الزوج الرجوع من سفره إذا طلبت زوجته قدومه؟
      • ما يُقال إذا أراد الرجل أن يجامع امرأته, وهل تقول المرأة هذا الذكر أيضًا؟
      • لو أتى أهله وهو عارٍ, أيقول الذكر الوارد أيضًا؟


      [*=right]الجزء الثاني:
      • هل يُكره الكلام أثناء الجماع؟
      • حكم أن ينزع الرجل قبل فراغ الزوجة.
      • حكم الوطء بمرأى أحد.
      • حكم التحدث بما جرى في جماع الزوجة.
      • حكم أن يجمع الرجل بين زوجتين في مسكن واحد.
      • مسألة: منع المرأة من الخروج من المنزل, وتفصيل ذلك.
      • هل للزوج منعها من أن تعمل بأجرة؟ وهل يدخل التدريس في ذلك؟
      • هل يلزمه المساواة بين زوجاته في الوطء كما يساوي بينهن في القَسْم؟
      • هل يجب أن يعدل بين زوجاته في الهبة والعطية؟
      • إذا اتفقت الزوجتان على أن لا يقسم للحائض, فهل هذا جائز أو لا؟
      • مُسْقِطات القَسْم والنفقة (ما يسقط به القَسْم والنفقة عن الرجل).
      • هل يجب عليه القَسْم بين إمائه؟
      • إذا تزوج بكرًا, فكم يقيم عندها؟
      • إذا تزوج ثيبًا, فكم يقيم عندها؟
      • ما هو النشوز؟ وما ضابطه؟
      • من أمثلة النشوز.
      • ماذا يصنع الزوج مع المرأة الناشز؟
      • الهجر في المضجع على ثلاثة أوجه.
      • إذا وعظها ثم هجرها ثم ضربها ولا فائدة, فماذا يصنع؟
      • ما الحكم إذا خافت المرأة نشوز الرجل؟!



    الملفات المرفقة

  • #2
    رد: عِشرة النساء ............ لفضيلة الشيخ رسلان -حفظه الله-


    وهذا نص ما ذكره العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-:

    بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ

    يَلْزَمُ الزَّوْجَيْنِ العِشْرَةُ بِالمَعْرُوفِ،..........
    قوله: «عشرة» : العِشْرة مأخوذة من المعشر، والعشيرة، وما أشبه ذلك، وأصلها في اللغة الاجتماع، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر الشباب» [(263)] يخاطب الجمع، ومنه العشيرة؛ لأنها مجتمعة على أب واحد.
    لكن المراد هنا غير ما يراد في اللغة، فالمراد بالعشرة هنا المعاملة والالتئام بين الزوجين.
    قوله: «النساء» : المراد بالنساء هنا الزوجات، وليس عموم الإناث؛ لقول الله تعالى: {{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}} أي: الزوجات، {{وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاََّّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}} [النساء: 23] أي: الزوجات، أما قوله: {{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}} [النساء: 24] ، فالمراد بالنساء هنا الإناث، وعلى هذا فكلمة «النساء» تارة يراد بها الزوجات، وتارة يراد بها عموم النساء، حسب ما يقتضيه السياق.
    فقول: «باب عشرة النساء» المراد به كيف يعاشر الرجل زوجته؟ وكيف تعاشر المرأة زوجها؟
    والحقيقة أنه باب عظيم تجب العناية به؛ لأن تطبيقه من أخلاق الإسلام، ولأن تطبيقه تدوم به المودة بين الزوجين، ولأن تطبيقه يحيا به الزوجان حياة سعيدة، ولأن تطبيقه سبب لكثرة الولادة، لأنه إذا حسنت العشرة بين الزوجين ازدادت المحبة، وإذا ازدادت المحبة ازداد الاجتماع على الجماع، وبالجماع يكون الأولاد، فالمعاشرة أمرها عظيم.
    ثم اعلم أن معاملتك لزوجتك يجب أن تقدر كأن رجلاً زوجاً لابنتك، كيف يعاملها؟ فهل ترضى أن يعاملها بالجفاء والقسوة؟ الجواب: لا، إذاً لا ترضى أن تعامل بنت الناس بما لا ترضى أن تعَامَل به ابنتك، وهذه قاعدة ينبغي أن يعرفها كل إنسان.
    وقد روى الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في مسنده أن رجلاً سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الزنا، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أترضى أن يزني أحد بأختك، أو بنتك، أو أمك؟ قال: لا، فلم يزل يقول: بكذا وكذا، كل ذلك يقول: لا، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: فاكره ما كره الله، وأحب لأخيك ما تحب لنفسك» [(264)].
    وهذا مقياس عقلي واضح جداً، فكما أن الإنسان لا يرضى أن تكون ابنته تحت رجل يقصر في حقها، ويهينها، ويجعلها كالأمة يجلدها جلد العبد، فكذلك يجب أن يعامل زوجته بهذا، لا بالصلف، والاستخدام الخارج عن العادة.
    وعلى الزوجة ـ أيضاً ـ أن تعامل زوجها معاملة طيبة، أطيب من معاملته لها؛ لأن الله ـ تعالى ـ قال في كتابه: {{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}} [البقرة: 228] ، ولأن الله تعالى سمَّى الزوج سيداً، فقال ـ عزّ وجل ـ في سورة يوسف: {{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}} [يوسف: 25] ، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم سمى الزوجة أسيرة فقال: «اتقوا الله في النساء فإنهن عوانٍ عندكم» [(265)] «وعوانٍ» جمع عانية وهي الأسيرة.
    فعلى كل حال الواجب على الإنسان إذا كان يحب أن يحيا حياة سعيدة، مطمئنة، هادئة أن يعاشر زوجته بالمعروف، وكذلك بالنسبة للزوجة مع زوجها، وإلا ضاعت الأمور، وصارت الحياة شقاء، ثم هذا ـ أيضاً ـ يؤثر على الأولاد، فالأولاد إذا رأوا المشاكل بين أمهم وأبيهم سوف يتألمون وينزعجون، وإذا رأوا الألفة فسيسَرُّون، فعليك يا أخي بالمعاشرة بالمعروف.
    ولهذا قال المؤلف:
    «يلزم الزوجين العشرة بالمعروف» ، «يلزم» بمعنى يجب و «الزوجين» الرجل والمرأة «العشرة» فاعل يلزم يعني المعاشرة بالمعروف، أي: بما يعرف شرعاً، وعرفاً؛ لقوله تعالى: {{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}} [النساء: 19] وهذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب وقال: {{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}} [البقرة: 228] .
    فأثبت أن عليهن عشرة، فيجب على الزوج والزوجة، كل منهما أن يعاشر الآخر بالمعروف.
    وقوله: «بالمعروف» يحتمل أن المراد به ما عرفه الشرع وأقره، ويحتمل أن المراد به ما اعتاده الناس وعرفوه، ويمكن أن نقول بالأمرين جميعاً، ما عرفه الشرع وأقره، وما اعتاده الناس وعرفوه، فلو اعتاد الناس أمراً محرماً فإنه لا يجوز العمل به، ولو كان عادة؛ لأن الشرع لا يقره، وما سكت عنه الشرع، ولكن العرف يلزم به فإنه يلزم؛ لأن هذا من تمام العقد، إذ العقود الجارية بين الناس تتضمن كل ما يستلزمه هذا العقد شرعاً، أو عرفاً، فلو قالت الزوجة: أنت ما شرطت علي أني أفعل كذا، نقول: لكن مقتضى العقد عرفاً أن تفعلي هذا الشيء.
    ولو قال الزوج: يا فلانة اصنعي طعاماً فإن معي رجالاً، فقالت: لا أصنع، أنا ما تزوجت إلا للاستمتاع فقط، أما أن أخدمك فلا، فهل يلزمها أو لا؟ نعم، يلزمها؛ لأن هذا مقتضى العرف، وما اطرد به العرف كالمشروط لفظاً، وبعضهم يعبر بقوله: الشرط العرفي كالشرط اللفظي.
    وقوله: «يلزم» أي لزوماً شرعياً، وينبغي للإنسان في معاشرته لزوجته بالمعروف أن لا يقصد السعادة الدنيوية، والأنس والمتعة فقط، بل ينوي مع ذلك التقرب إلى الله ـ تعالى ـ بفعل ما يجب، وهذا أمر نغفل عنه كثيراً، فكثير من الناس في معاشرته لزوجته بالمعروف، قصده أن تدوم العشرة بينهما على الوجه الأكمل، ويغيب عن ذهنه أن يفعل ذلك تقرباً إلى الله تعالى، وهذا كثيراً ما ينساه، ينسيه إياه الشياطين، وعلى هذا فينبغي أن تنوي بهذا أنك قائم بأمر الله: {{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}} وإذا نويت ذلك حصل لك الأمر الثاني، وهو دوام العشرة الطيبة، والمعاملة الطيبة، وكذلك بالنسبة للزوجة.
    وكذا كل ما أمر به الشرع ينبغي للإنسان عند فعله أن ينوي امتثال الأمر ليكون عبادة، ففي الوضوء ـ مثلاً ـ إذا أردنا أن نتوضأ نقصد أن هذا شرط من شروط الصلاة، لا بد من القيام به، ونستحضر أننا نقوم بأمر الله ـ تعالى ـ في قوله: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}} [المائدة: 6] قد نذكره أحياناً، ولكننا ننساه كثيراً، وهل عندما نفعل هذا نشعر بأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كأنه أمامنا، وأننا نقتدي به فنكون بذلك متبعين؟ هذا قد نفعله أحياناً، ولكنه يفوتنا كثيراً، فينبغي للإنسان أن يكون حازماً لا تفوته الأمور والأجور بمثل هذه الغفلة.
    وينبغي للإنسان أن يصبر على الزوجة، ولو رأى منها ما يكره لقوله تعالى: {{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}} [النساء: 19] سبحان الله، ما أبلغ القرآن، فلم يقل جل وعلا: فعسى أن تكرهوهن، بل قال: {{فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا}} أي شيء يكون، فقد يكره الإنسان أن يذهب إلى بيت صاحبه ويجعل الله في هذا الذهاب خيراً كثيراً، وقد يكره الإنسان أن يشتري شيئاً، ويشتريه وهو كاره، فيجعل الله فيه خيراً كثيراً، ولقول ـ النبي صلّى الله عليه وسلّم ـ: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر»[(266)] ، ونبَّه الرسول صلّى الله عليه وسلّم على هذا بقوله: «لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يضاجعها» [(267)].
    والمرأة كما هو معلوم ناقصة عقل ودين، وقريبة العاطفة، كلمة منك تبعدها عنك بُعد الثريا، وكلمة تدنيها منك حتى تكون إلى جنبك، فلهذا ينبغي للإنسان أن يراعي هذه الأحوال بينه وبين زوجته، ولكن نسأل الله السلامة، الآن لما كان عند الناس شيء من ضعف الإيمان، صار أقل شيء يوجد بينه وبين زوجته، وأقل غضب، ولو على أتفه الأشياء تجده يغضب، ويطلِّق، وليته يطلق طلاقاً شرعياً، بل تجده يطلق زوجته وهي حائض، أو في طهر جامعها فيه، أو بدعياً بعدده، وبعضهم يزيد على هذا، فيظاهر منها، نسأل الله السلامة، كل هذا من ضعف الإيمان، وقلة التربية الإسلامية.
    وينبغي للإنسان أن لا يغضب على كل شيء؛ لأنه لا بد أن يكون هناك قصور، حتى الإنسان في نفسه مقصر، وليس صحيحاً أنه كامل من كل وجه، فهي ـ أيضاً ـ أولى بالتقصير.
    وأيضاً: يجب على الإنسان أن يقيس المساوئ بالمحاسن، فبعض الزوجات إذا مرض زوجها قد لا تنام الليل، وتطيعه في أشياء كثيرة، ثم إذا فارقها فمتى يجد زوجة؟! وإذا وجد يمكن أن تكون أسوأ من الأولى، لهذا على الإنسان أن يقدر الأمور حتى يكون سيره مع أهله على الوجه الأكمل، والإنسان إذا عود نفسه حسن الأخلاق انضبط، وبذلك يستريح.

    وَيَحْرُمُ مَطْلُ كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا يَلْزَمُهُ لِلآخَرِ، وَالتَّكَرُّهُ لِبَذْلِهِ، وَإِذَا تَمَّ الْعَقْدُ لَزِمَ تَسْلِيمُ الحُرَّةِ الَّتِي يُوطَأُ مِثْلُهَا فِي بَيْتِ الزَّوْجِ إِنْ طَلَبَهُ، وَلَمْ تَشْتَرِطْ دَارَهَا أَوْ بَلَدَهَا،........
    قوله: «ويحرم مطل كل واحد بما يلزمه للآخر» المطل، أي: التأخير، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «مطل الغني ظلم» [(26]، أي: تأخير الغني وفاء الدين ظلم، فيحرم أن يمطل بحق الآخر، فتقول له زوجته: أنا أريد كسوة، يقول: إن شاء الله، ثم تمضي الأيام ولم يأتها بشيء، والمرأة محتاجة، فهذا حرام عليه، يجب أن يسد حاجتها، صحيح أنه ليس عليه أنه كلما نزل في السوق زِيٌّ من الأزياء، وقالت: إيتني به، أن يأتيها به، فبهذا لا يطيعها؛ لأن المرأة لا حد لها، ولكن الشيء الذي لا بد منه يجب عليه أن يبادر ولا يماطل.
    فإن منع أحدهما ما يلزمه بالكلية يحرم من باب أولى؛ لأنه إذا كان التأخير حراماً فالمنع من باب أولى.
    قوله: «والتكره لبذله» كأن يأتيها بما تطلبه وتحتاجه، ولكنه يعطيها إياه بعنف ومِنَّة، فهذا ـ أيضاً ـ محرم، فما دام أن الأمر واجب عليك فلا تمن، وفي حديث أبي ذر ـ رضي الله عنه&#146>;ـ في صحيح مسلم[(269)] عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم يوم القيامة، ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان، والمنفِّق سلعته باليمين الكاذبة».
    كذلك بالنسبة للزوجة يحرم عليها أن تمطل بحق زوجها، فإذا أمرها بما يجب عليها لم يجز لها أن تؤخر، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: «إذا دعا الرجل زوجته فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح» [(270)] والعياذ بالله، فالمسألة ليست هينة، كذلك يحرم عليها التكره في بذله، كأن تبذل له ما يجب، لكن مع الكراهة والعبوس، وعدم انطلاق الوجه، وإذا بُلي الإنسان بامرأة كهذه يعظها، ويهجرها، ويضربها حتى تستقيم، كما قال تعالى: {{وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً}} [النساء: 34] ، فيعظها وينصحها ويرشدها، والله مع النية الطيبة ييسر الأمر.
    فلدينا ثلاثة أشياء: منع ما يجب، والمماطلة به، والتكره لبذله، وكل هذا محرم؛ لأن الحقوق يجب أن تؤدى لأهلها بدون أي توقف.
    مسألة: إذا كان مقصراً في النفقة، وهي قادرة على أن تأخذ من ماله بغير علمه، فلها أن تأخذ، أفتاها بذلك سيد المفتين من البشر محمد صلّى الله عليه وسلّم حين جاءت هند بنت عتبة ـ رضي الله عنه ـ إليه، وقالت: إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني ما يكفيني وولدي، فقال: «خذي ما يكفيك وولدك من ماله بالمعروف»[(271)].
    قوله: «وإذا تم العقد» والعقد يتم بالإيجاب والقبول.
    قوله: «لزم تسليم الحرة» أي: وجب تسليم الحرة.
    وقوله «الحرة» احترازاً من الأمة، وسيأتي حكمها.
    وهذه المسألة لها أحوال أربعة:
    أولاً: أن يطلب الزوج حضورها إلى بيته، فيجب أن تحضر إلى البيت من حين العقد.
    ثانياً: أن لا يطلب بلسانه، لكن يطلب بحاله، بمعنى أن توجد قرائن تدل على أنه يرغب أن تأتي إلى بيته، فيلزم؛ لأنه قد يكون الرجل يستحي أن يقول: أعطوني البنت، لكن حاله تدل على هذا، إما أن يشكو التردد إلى بيت أهلها، أو يقول مثلاً: إلى متى ننتظر؟ وما أشبه ذلك.
    ثالثاً: أن يطلب أهلها أن يستلمها؛ لأنه زوجها، وسكناها ونفقتها عليه.
    رابعاً: أن يكون هناك سكوت من الزوج ومن أهلها، فالأمر إليه، فمتى شاء طلب.
    قوله: «التي يوطأ مثلها» قال العلماء: وهي بنت تسع، والحقيقة أن التقييد بالسن في هذا المقام فيه نظر؛ لأن من النساء من تبلغ تسع سنين، ولا يمكن وطؤها لصغر جسمها، أو نحافتها وما أشبه ذلك، ومن النساء من يكون لها ثمان سنين، وتكون صالحة للوطء، فالصواب أنه لا يقيد بالسن، بل يقال: هي التي يمكن وطؤها، والاستمتاع بها، فهذه يجب تسليمها.
    وظاهر كلام المؤلف: ولو كانت حائضاً فإنه يجب تسليمها، والمذهب لا يجب، ولكن هذا مشروط بأن لا يُخشى من الزوج، فإن خشي منه، بحيث نعرف أن الرجل ليس بذاك المستقيم، وأننا لو سلمنا المرأة له ربما يطؤها، فهذه لا نسلمها حتى تطهر، كذلك لو فرض أن المرأة مريضة، والزوج ممن لا يخاف الله، ونخشى عليها أن يجامعها وهي مريضة، فيضرها ذلك، فإننا لا نسلمها.
    قوله: «في بيت الزوج» أي يجب أن تسلم في بيت الزوج، وهذا يوافق عرف بعض البلاد، فإذا قال الزوج: دعوها تأتي للبيت، قلنا: يلزم تسليمها له في بيته، ولكن هذا الكلام مقيد بما إذا لم يخالف العادة، فإن خالفها نرجع إلى القاعدة المستقرة وهي {{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}} فإذا كان من عادة الناس أن الزوج هو الذي يأتي لبيت الزوجة، فيلزمه ذلك.
    فالمؤلف اشترط لوجوب تسليم المرأة لزوجها أربعة شروط:
    الأول: أن تكون حرة.
    الثاني: أن يوطأ مثلها.
    الثالث: قوله: «إن طلبه» أي: يطلب الزوج تسليمها.
    الرابع: قوله: «ولم تشترط دارها أو بلدها» إذا كان بيت الزوج في بلد آخر.
    فإذا تمت هذه الشروط وجب تسليمها، ويجب على زوجها ـ أيضاً ـ أن يتسلمها، فإن عقد عليها وصار كل يوم يقول: اليوم أدخل، اليوم أدخل، فإنه إذا تم لها أربعة أشهر، ولم يدخل فإن لها الفسخ.
    وقوله: «ولم تشترط دارها أو بلدها» عُلم منه أنها إذا اشترطت دارها لم يلزم أن تسلم في بيت الزوج، وقد سبق لنا أن هذا من الشروط الجائزة؛ لقول الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج» [(272)]؛ لأن وجودها في بيت الزوج من حقه، فإذا أسقطه سقط، وكذلك إذا اشترطت بلدها، كأن يكون الزوج في بلد آخر وطلب تسليمها فإنه لا يلزم؛ لأنها اشترطت بلدها، وقد التزم بهذا الشرط فلا يلزمها.

    وَإِذَا اسْتَمْهَلَ أَحَدُهُمَا أُمْهِلَ العَادَةَ وُجُوباً، لاَ لِعَمَلِ جِهَازٍ، وَيَجِبُ تَسْلِيمُ الأمَةِ لَيْلاً فَقَطْ، وَيُبَاشِرُهَا مَا لَمْ يَضُرَّ بِهَا أَوْ يَشْغَلْهَا عَن فَرْضٍ، وَلَهُ السَّفَرُ بِالْحُرَّةِ مَا لَمْ تَشْتَرِطْ ضِدَّهُ،.........
    قوله: «وإذا استمهل أحدهما أمهل العادة وجوباً» أي: طلب الإمهال من الآخر، فمثلاً قال الزوج: أريد أن يكون الدخول الليلة المقبلة، فقالت: أمهلني حتى أصلح من أمري، أو قالوا: نريد أن يكون الدخول الليلة المقبلة، فقال: أمهلوني حتى أصلح أمري، يقول المؤلف: «أمهل العادة» أي: أمهل إمهال العادة.
    وقوله: «وجوباً» نعت لمصدر محذوف أي: إمهالاً وجوباً، أو عامله محذوف، والتقدير يجب وجوباً.
    والمعنى أنه يجب أن ينظر بما جرت به العادة، يوماً أو يومين، أو ثلاثة، بحسب ما جرى به العرف، وإنما وجب ذلك؛ لأنه من العشرة بالمعروف، وقد قال الله تعالى: {{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}} [النساء: 19] .
    قوله: «لا لعمل جهاز» يعني لو طلب الإمهال ليجهز بيته لزوجته فإنه لا تجب إجابته؛ لأن هذا شيء لا يتعلق بالنكاح؛ لأن تجهيز البيت يمكن ولو بعد الدخول، ومثله ـ أيضاً ـ لو كان الجهاز منها هي، تريد أن تأتي معها بأواني البيت وما يصلحه، وطلبت أن تمهل وأبى الزوج؛ فإنها لا تمهل؛ لأن هذا يمكن شراؤه بعد الدخول، فإذا جرت العادة أن هذا يكون مصاحباً للمرأة فإنها تمهل؛ لأنه لا فرق بين ما يتعلق بذاتها، وما يتعلق بشؤون البيت.
    قوله: «ويجب تسليم الأمة ليلاً فقط» هذا مفهوم القيد الأول وهو قوله: «لزم تسليم الحرة» ، فالأمة يجب تسليمها في الليل فقط؛ لأنها في النهار مشغولة بخدمة سيدها، وما يتعلق بالنكاح عماده الليل دون النهار، فالسيد يقول: أنا أحتاج هذه الأمة في النهار لشغل البيت، والزوج يتمتع بها بالليل، هذا ما لم يشترط الزوج أن تسلم له ليلاً ونهاراً، فإذا اشترط ذلك، وقبل السيد، فهما على شرطهما.
    والصحيح في هذه المسألة أنه يلزم تسليمها؛ وذلك لأن حق الزوج طارئ على حق السيد، فهو مقدم عليه، وأن سيدها متى زوجها فقد انقطعت منافعه منها، فالزوج هو السيد، وإلا لقلنا: حتى الحرة إذا كان لها أب وأم يحتاجان إلى رعاية فإنه لا يجب تسليمها؛ لأن حق الوالدين واجب!! فنقول: متى تزوجت المرأة فسيدها زوجها تسلم إليه، سواء كانت حرة أو أمة.
    لكن لو اشترط السيد على الزوج أن الأمة تبقى في النهار عنده فعلى ما شرط؛ لحديث: «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج» [(273)].
    استأنف المؤلف بيان شيء من الحقوق فقال: «ويباشرها» الواو للاستئناف، والجملة خبر بمعنى الإباحة، والمعنى يباح له أن يباشرها بالاستمتاع، إلا في الأماكن والأحوال التي حرمها الشرع؛ فمثلاً لا يطؤها في الدبر، ولا يطؤها في حال الحيض والنفاس، ولا يطؤها وهي صائمة صوماً واجباً، أو تطوعاً بإذنه، وإلا فله أن يباشرها متى شاء ليلاً أو نهاراً.
    وهل له أن يباشرها وإن لم يحصل الدخول الرسمي؟ فلو عقد عليها ـ مثلاً ـ وهي في بيت أهلها، ولم يحصل الدخول الرسمي الذي يحتفل به الناس، فذهب إلى أهلها وباشرها جاز؛ لأنها زوجته، إلا أننا لا نحبذ أن يجامعها؛ لأنه لو جامعها ثم حملت اتهمت المرأة، فالناس يقولون: كيف تحمل وهو لم يدخل عليها؟ ثم لو جامعها، وقدر الله أن مات من يومه، ثم حملت بهذا الجماع، ماذا يقول الناس؟! لكن له أن يباشرها بكل شيء سوى الجماع؛ لأنها زوجته، ومن ثَمَّ فأنا أفضل أن يكون العقد عند الدخول.
    قوله: «ما لم يضر بها» فإن أضر بها فإنه يحرم عليه لقوله تعالى: {{وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا}} [البقرة: 231] وهذا في الرجعيات، فإذا كان الإمساك بها محرماً في حال الإضرار، فكذلك الاستمتاع بها في حال الإضرار، ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا ضرر ولا ضرار» [(274)]، وكيف يضرها؟ لو فرضنا أن المرأة حامل، والاستمتاع بها يشق عليها مشقة عظيمة، إما على نفسها، أو جنينها، أو ما أشبه ذلك، أو فرضنا أنها أجرت عملية جراحية، فإنه في هذه الحال لا يجوز له مباشرتها؛ لأنه يحرم عليه الإضرار بها، والواجب تجنب ما يضر بها.
    قوله: «أو يَشغَلْها عن فرض» مثلا طلب منها الاستمتاع وهي لم تصلِّ، وقد ضاق الوقت، أو طلب الاستمتاع بها قبل طلوع الشمس، وهي ما صلت الفجر، فنقول: هذا لا يجوز لك؛ لأنك تشغلها عن فرض، وهو الصلاة في وقتها، وكذلك لو شغلها عن فرض آخر غير الصلاة، مثل أن يمنعها من صيام قضاء رمضان مع ضيق الوقت، وذلك بأن يبقى من شعبان بقدر ما عليها من الصيام.
    ولو فرضنا أنه طلب الاستمتاع والمباشرة، وهي على التنور، فقالت له: انتظر حتى لا يحترق الخبز، فله أن يفعل، ولا يجوز لها أن تتأخر.
    وكذا المكان فله الاستمتاع بها في أي مكان، إلا إذا أضر بها، كما لو كان هناك برد، بل قال الفقهاء: ولو على ظهر قتب، أي: رحل البعير، والمعنى أنه في أي مكان، وفي أي زمان، إلا إذا أضر بها، أو شغلها عن فرض.
    كل هذا تحقيقاً للسيادة من الزوج على زوجته، وتحقيقاً لكونهن عواني عندنا، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنهن عوانٍ عندكم»[(275)]، ولهذا كثر حث النبي صلّى الله عليه وسلّم على الرفق بالنساء؛ لأن الزوج قد يستعلي عليها؛ لأنه سيدها، فحثه الله ـ عزّ وجل ـ، والنبي صلّى الله عليه وسلّم على المعاشرة بالمعروف والرفق، استمع قول الله ـ عزّ وجل ـ {{فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ}} أي فيما يجب {{فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}} [النساء: 34] يعني اذكروا بِعُلُوِّكم عليهن علوَّ الله ـ عزّ وجل ـ، وبكبريائكم عليهن كبرياء الله ـ عزّ وجل ـ.
    وهل يشمل الضرر بها الضرر بمالها؟ الظاهر أنه يدخل في ذلك، مثل ما لو كانت المرأة لها غنم، وقد ضاعت غنمها أو هربت، وتحتاج أن تلحق الغنم لتردها، وهو يريد الاستمتاع بها، نقول: هذا لا يجوز؛ لأن فيه إضراراً بها، إلا إذا كنت تختار أن تضمن لها هذا المال إذا تلف، فلا بأس.
    وهل لها أن تباشره وتستمع به؟ نعم؛ لأنها كما أنه يريد منها ما يريد، فهي ـ أيضاً ـ تريد منه ذلك، وإنما قال المؤلف: «يباشرها» لأن الزوج هو الذي له الولاية والقوامة عليها، كما قال تعالى: {{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}} [النساء: 34] .

    وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا فِي الْحَيْضِ وَالدُّبُرِ، وَلَهُ إِجْبَارُهَا عَلَى غُسْلِ حَيْضٍ وَنَجَاسَةٍ، وَأَخْذِ مَا تَعَافُهُ النَّفْسُ مِنْ شَعْرٍ، وَغَيْرِهِ،.......
    قوله: «وله السفر بالحرة ما لم تشترط ضده» ، «له» الضمير يعود على الزوج، «بالحرة» أي بالمرأة الحرة، ما لم تشترط ضده، فإن اشترطت ضده فلا حق له أن يسافر بها، لما سبق من الأدلة على وجوب الوفاء بالشروط، ولو سافر بها لكن بعد ما سافر بها أصابها مرضٌ نفسي من هذا السفر، هل يلزمه أن يردها إلى بلدها، أو لا؟
    الجواب: نعم يلزمه قياساً على ما سبق في قوله: «ويباشرها ما لم يضر بها» ، فإذا أوجب هذا السفر لها المرض، فإن عليه أن يعيدها إلى بلدها، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا ضرر ولا ضرار»[(276)].
    وهل له أن يسافر بالأمَة؟ ليس له أن يسافر بها إلا إذا اشترط السفر بها؛ لأن الأمة مشغولة بخدمة سيدها، بخلاف الحرة، وعلى هذا فيكون الأصل في الحرة أن يسافر بها ما لم تشترط ضده، والأصل في الأمة أن لا يسافر بها ما لم يشترط هو أن يسافر بها.
    وقوله: «وله السفر بالحرة ما لم تشترط ضده» أي: تشترطه باللفظ، وكذلك بالعرف، فلو كان من المطرد عند أهل هذا البلد أن الرجل لا يسافر بامرأته إلا بشرط فإنه يؤخذ بالشرط، وتقدم لنا في باب الشروط أن الصحيح من أقوال أهل العلم أن جميع الشروط المباحة في النكاح لازمة، وواجب الوفاء بها، لعموم الأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالعهود، وبالعقود، وبالشروط.
    أما إذا اضطر إلى السفر بها وأبت، فهل له أن يقول: إما أن تسافري وإما أن أطلقك؟ هذه مشكلة؛ لأنه إذا قال هذا الكلام، فمقتضاه أن يلزمها بإسقاط الشرط وهي كارهة، فإذا كان يريد تهديدها حتى تسقط هذا الشرط، فإن هذا لا يجوز، أما إذا قال هذا عن جِدٍّ، وليس عن تحدٍّ، وقال: إنه لا يملك نفسه، ولا بد له من زوجة إذا سافر، وقال لها: إما أن تسافري معي وإلا فسأتزوج وأطلقك، أي: ليس قصده إجبارها وإكراهها، فهنا نقول: لا بأس.
    قوله: «ويحرم وطؤها في الحيض» أي: يحرم وطء الزوجة في الحيض؛ لقول الله تعالى: {{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيْضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}} أي: يطهرن من الحيض {{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}} أي: اغتسلن {{فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}} [البقرة: 222] والآية نص صريح، وفيها ذِكْر التعليل قبل الحكم؛ من أجل إيقاظ الذهن للعلة؛ حتى يكون الإنسان كارهاً للفعل قبل أن يعرف حكمه، وهذا أسلوب من أساليب البلاغة، وإلا فالغالب أنه يُذكَر الحكم ثم تذكر العلة، لكن هنا ذكرت العلة من أجل أن يرد الحكم على نفس كارهة للمخالفة؛ لأن أي إنسان يعرف أنه أذى سوف يتجنبه.
    وقوله تعالى: {{هُوَ أَذىً}} أي: على الزوجين جميعاً، فالزوج يتضرر، والزوجة تتضرر أيضاً، ثم هو دم نجس وليس طاهراً؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر الحائض إذا أصاب دمها ثوبها أن تغسله ثم تصلي فيه[(277)].
    وإذا حرم الوطء في الحيض فيجوز ما سواه، من المباشرة والجماع دون الفرج، وما أشبه ذلك؛ لأنه إذا كان الأصل الحل فإنه لا يخرج عن الأصل إلا ما قُيِّد بالوصف فقط، وهو الجماع.
    فإذا قال قائل: كيف تقول: إنه الجماع، وقد قال الله ـ عزّ وجل ـ: {{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ}}، وهذا يقتضي أن الزوج يعتزلها حتى يكون فراشه غير فراشها، وأن لا يقربها أيضاً؟
    فالجواب: أن هذا من باب التوكيد؛ لأن السنة بينت ذلك، فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» [(27]، وأخبرت عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يأمرها، فتتزر، فيباشرها وهي حائض[(279)]، فالتعبير بالعبارتين: {{فَاعْتَزِلُوا}}، {{وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ}} من باب التوكيد والتنفير، وذلك واضح؛ لأن النفس تدعو إلى جماع الزوجة، لا سيما إذا كان شاباً وهي شابة، فيحتاج الحكم بالتحريم إلى عباراتٍ جزلة، توجب النفور من هذا العمل، ومن رحمة الله ـ عزّ وجل ـ أنه لا يمنع شيئاً إلا أحل ما يقوم مقامه، ولو من بعض الوجوه، وهو المباشرة دون الفرج.
    لكن ينبغي لمن أراد ذلك أن يأمر زوجته فتتزر، وأن لا يبقى محل المباشرة مكشوفاً؛ لأنه ربما يرى منها ما يكره من الدم ونحوه، فتتقزز نفسه منها، ويؤثر ذلك على نفسيته، حتى في المستقبل، ولهذا كان من حكمة النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه يأمر المرأة أن تتزر.
    فإذا جامع في الحيض ترتب عليه: الإثم، والمعصية، والعقوبة.
    وهل تجب عليه كفارة أم لا؟
    هذا ينبني على صحة الحديث الوارد في هذا، والعلماء مختلفون فيه، فمن صح عنده الحديث أوجب الأخذ به، والكفارة دينار، أو نصفه، إما على التخيير، أو باعتبار حال الحيض، بمعنى أنه يفرق بين الوطء في آخر الحيض وخفته، وتوقان النفس إلى الجماع، فيكون نصف دينار، وبين أن يكون الحيض في أوله وفوره، فيكون ديناراً.
    والتخيير فيه إشكال، وهو أنه جرت العادة في الكفارات أنه لا يمكن أن تكون كفارة واجبة من جنس واحد، كاملة أو ناقصة؛ لأن التخيير إنما يكون بين شيئين مختلفين، كالإطعام، والكسوة، وتحرير الرقبة، في كفارة اليمين، وأما بين شيئين هما من جنس واحد ـ إلا أن هذا كثير وهذا قليل ـ فهذا لم يرد.
    ولكن الجواب عن هذا أن نقول: إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ له أن يحكم بما شاء، فإذا خير العبد بين دينار أو نصفه، فهذا من الرحمة، فمن ابتغى الفضل تصدق بدينار، ومن ابتغى الواجب تصدق بنصف دينار.
    والمرأة إن وافقت زوجها على الوطء حال الحيض اختياراً فهي مثله، وإن أكرهها فلا شيء عليها، لا إثم ولا كفارة.
    قوله: «والدبر» أي: ويحرم وطؤها ـ أيضاً ـ في الدبر، بمعنى أن يولج الذكر في الدبر لقوله تعالى: {{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}} [البقرة: 223] ، والدبر ليس محلاً للحرث، ولأحاديث متعددة وردت في التحذير منه، ومجموعها يقضي أن تصل إلى درجة الحسن العالي، ومنها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أعجازهن» [(280)].
    ثم إن القياس الصحيح يقتضي هذا، فالغائط أخس من الدم بلا شك، فإذا كان الله ـ تعالى ـ حرم وطء الحائض للأذى من الدم، فإن وطء الدبر أشد وأقبح؛ لأن هذا يشبه اللواط، وهو جماع الذكر والعياذ بالله، ولهذا أسماه بعض العلماء باللوطية الصغرى، فلا شك في تحريم وطء المرأة في دبرها.
    أما أن يستمتع بها فيما بين الأليتين فلا بأس.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: ومن عُرف بالوطء في الدبر وجب أن يفرق بينه وبين زوجته، أي: أن يفسخ النكاح؛ لأن الإصرار على هذه المعصية التي هي من كبائر الذنوب لا يمكن إقراره أبداً.
    وأما قوله تعالى: {{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ *إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ *}} [المؤمنون] فبعض الناس يقول: هذه الآية عامة، فإننا نقول: إذا عممت الاستمتاع بالنسبة للأزواج، فعمم الاستمتاع بالنسبة لما ملكت اليمين، وقل: يجوز للرجل أن يجامع بعيره؛ لأنها مما ملكت يمينه!! فالمطلق يحمل على المعروف المعهود، فيكون قوله: {{إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ}} أي: فيما أبيح لهم من الاستمتاع بهن لا مطلقاً، كما أنك لا تقول بالتعميم في قوله تعالى: {{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}} مع أن الآية واحدة.
    فالوطء في الدبر محرم، ومن سوَّلت له نفسه ففعل فلا كفارة عليه، لكنه آثم.
    فإن قال قائل: ألست تقول: إنه يقاس على الوطء في الحيض؟
    فالجواب: بلى، لكن لا يلزم من التساوي في الحكم التساوي في الكفارة، فالكفارة حكم جديد مستقل، ولا يمكن أن نقيس، ولهذا نص أصحاب أصول الفقه أنه لا قياس في الكفارات.
    قوله: «وله إجبارها على غُسل حيض» ، مثلاً امرأة طهرت من الحيض بعد طلوع الشمس، وقالت لزوجها: إنها لن تغتسل إلا عند الظهر، وزوجها ينتظر بفارغ الصبر أن تطهر وتغتسل ليستمتع بها، فقالت: لا يجب عليَّ الغسل إلا إذا أردت القيام للصلاة لقوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}} [المائدة: 6] وعلى هذا فلا أغتسل إلا إذا زالت الشمس، فهنا يجبرها على الغسل.
    فإذا أجبرها واغتسلت إجباراً وهي غير مريدة، فهل يرتفع حدثها مع أنها لم تنوِ؟
    الجواب: لا يرتفع حدثها بالنسبة لها، فإذا جاء وقت الصلاة يجب عليها الغسل، لكن بالنسبة للزوج ليس له إلا الظاهر فإنه يرتفع، على أن ابن حزم ـ رحمه الله ـ شذ في هذه المسألة وقال: إن معنى قوله: {{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}} أي: غسلن فروجهن، وليس المعنى اغتسلن، لكن قوله هذا ضعيف بلا شك؛ لأن الله تعالى قال: {{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}} والتطهر الاغتسال لقوله تعالى: {{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}}.
    قوله: «ونجاسة» هذه الكلمة ليست معطوفة على «حيض» بل تحتاج إلى تقدير، وهو: وغَسْلِ نجاسة؛ لأن النجاسة ليس لها غُسْل بل غَسْل، فإن قلت: أُقَدِّر الأولى: على غَسْل حيض، قلنا: لا يستقيم؛ لأنها لو غسلت الحيض لم يجز أن يجامعها حتى تغتسل، وعلى هذا فلا بد من تقدير: وغَسْل نجاسة.
    فإن رأى في قدمها قذراً فقال لها: اغسليه، فقالت: لا أغسله، فله أن يجبرها على غسل النجاسة؛ لأن النفس تعاف النجاسة، لا سيما إذا كان لها جرم، أو كان لها لون، فالإنسان ربما لو يرى على وجه واحد منا نقطة حمراء من صبغ، ربما يتقزز، يظنها دماً، وظاهر كلام المؤلف: سواء كانت على بدنها أو على ثيابها.
    وهذا الذي ذكره المؤلف فيه نظر، فإنه لا يجبرها على غسل النجاسة إلا في حالين:
    الأولى: إذا كانت تفوِّت عليه كمال الاستمتاع.
    الثانية: إذا كان وقت صلاة لأجل أن تصلي طاهرة، ففي هاتين الحالين له أن يجبرها على غسل النجاسة، أما فيما عدا ذلك فليس له أن يجبرها عليه؛ لأنه لا يفوت بذلك لا حق الله ولا حق الزوج، مثل لو أصابها في ثوبها شيءٌ من البول، وهذا ليس وقت صلاة، والبول يبس، وليس له لون ولا شيء، فإنه ليس له الإجبار، نعم يشير عليها أن تغسله؛ لأن الأفضل أن يبادر الإنسان بغسل النجاسة.
    قوله: «وأخذ ما تعافه النفس من شعر» أي: كذلك له أن يجبرها على أَخذ ما تعافه النفس من شعر مثل ما لو نبت لها شارب، وهذا قد يحصل، بعض النساء ينبت لهن شارب، وبعضهن شارب ولحية أيضاً، فلو حصل هذا الأمر فله أن يجبرها على أن تأخذه، فإذا قالت له: قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ «اعفوا اللحى وأحفوا الشوارب»[(281)] ، نقول: هذا خاص بالرجال، أما النساء فيعتبر هذا عيباً فيهن، ولهذا جاز إزالته، وإذا طلب الزوج ذلك وجب إزالته.
    كذلك لو كان في وجهها شامةٌ فيها شعر تعافها نفسه، فله إجبارها على إزالتها، وكذلك شعر العانة، وشعر الإبط له أن يجبرها على إزالتها، أما شعر ساق المرأة، فيقال: إذا كثر شعره حتى صار ساقها كساق الرجال فلا بأس، وأما إذا كان طبيعياً فهذا ينبني على قاعدة، وهي أن إزالة الشعور لها ثلاث حالات: مأمور به، ومنهي عنه، ومسكوت عنه، فالمأمور به العانة، والإبط، والشارب، وهذه تزال ولا إشكال، والمنهي عنه اللحية بالنسبة للرجال، والنمص بالنسبة للرجال والنساء، والنمص هو نتف شعر الوجه، سواء الحاجبان أو غيرهما، والمسكوت عنه اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ هل يجوز، أو يكره، أو يحرم؟
    فمنهم من قال: إنه يجوز؛ لأن ما سكت الله عنه فهو عفو، وما دمنا أمرنا بشيء ونهينا عن شيء، يبقى هذا المسكوت عنه، بين أن يكون مأموراً به أو منهياً عنه، فإذا تساوى الطرفان ارتفع هذا وهذا، وصار من باب المباح.
    وقال بعضهم: إنه يحرم؛ لأنه من تغيير خلق الله، والأصل في تغيير خلق الله المنع؛ لأن تغيير خلق الله من أوامر الشيطان، قال الله عنه: {{وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}} [النساء: 119] فيكون حراماً.
    وقال بعضهم: إنه مكروه؛ نظراً لتعادل الأدلة المبيحة والمانعة، والذي أراه أنه لا بأس به؛ لأنه مسكوت عنه، لكن الأولى ألا يزال إلا إذا كان مشوهاً؛ لأن الله لم يخلق هذا إلا لحكمة، فلا تظن أن شيئاً خلقه الله إلا لحكمة، لكن قد لا تعلمها.
    وهذا يجرنا لمسألة التبرع بالكلية، هل يجوز أو لا؟ قال بعضهم: يجوز؛ لأن الإنسان قد يحيا على كلية واحدة، وهذا غلط، أولاً: لأنه أزال شيئاً خلقه الله عزّ وجل، وهذا من تغيير خلق الله، وإن كان ليس تغييراً ظاهراً، بل هو في الباطن.
    ثانياً: أنه لو قدر مرض هذه الكلية الباقية، أو تلفها، هلك الإنسان، لكن لو كانت الكلية التي تبرع بها موجودة لسلم.
    ثالثاً: أن الإقدام على التبرع بها معصية، فإذا ارتكبها الإنسان فقد ارتكب مفسدة محققة، وإذا زرعت في إنسان آخر فقد تنجح وقد لا تنجح، فنكون ارتكبنا مفسدة محققة لمصلحة غير محققة، ولهذا نرى أنه لا يجوز للإنسان أن يتبرع بشيء من أعضائه مطلقاً حتى بعد الموت، وقد نص على هذا فقهاؤنا، ذكر في الإقناع في باب تغسيل الميت: أنه لا يجوز أن يقطع شيء من أعضاء الميت، ولو أوصى به.
    قوله: «وغيره» كظفر، فله أن يجبرها على تقليم الأظفار، أو قصها، فلو قالت: أنا أريد أن أطول ظفر الخنصر؛ لأن هذا هو علامة التقدم فله أن يجبرها على إزالته؛ لأن إطالة الأظفار من شيم الحبشة، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أما الظفر فمدى الحبشة» [(282)].
    ومن العجب أن الشيطان لعب على بعض النساء حتى أصبحن يطلن ظفر الخنصر، فهذا حرام؛ لأن هذا تشبه بالكفار؛ ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم وقت في الظفر، والشارب، والإبط، والعانة أن لا تترك فوق أربعين يوماً[(283)].
    فالمهم أن له أن يجبرها على قص الأظفار وتقليمها؛ لأن هذا مما تعافه النفس، ولو كانت شعثاء لا تصلح شعرها ولا تهتم به، فله أن يجبرها على إصلاحه.
    وبالعكس، هل لها أن تجبره على ذلك؟
    الظاهر: لا، لكن يجب عليه هو؛ لأنها ليس لها سلطة، فهي بمنزلة الأسير عنده، لكن لها الحق أن تقول له: أزل هذا؛ لأنه يؤذيني إلا اللحية، فإنها ليس لها الحق في أن تقول له: احلقها، وإن كان بعض الناس إذا خاطبناهم وقلنا لهم: يجب إعفاؤها، قال: إن زوجته ما ترضى، فهذا لا يقبل.
    فنقول: ولو كانت لا ترضى، فلا بد أن تنفذ ما أمر الله به ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، لكن لو طلبت منه إزالة الأظفار، والعانة، والإبطين، فهذا لا شك أنه يجب عليه لقوله تعالى: {{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}}، وقوله: {{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}} [البقرة: 228] وقال بعض السلف: إني أحب أن أتجمل لزوجتي، كما أحب أن تتجمل لي، ولعل هذا يدخل في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»[(284)].
    ولا يجوز له أن يطلب منها الوشر، وهو إصلاح الأسنان بمبرد حتى تكون صغيرة وأنيقة، ولو قال: لا بد من هذا، فنقول: لا طاعة له؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومعلوم أن الوشر من كبائر الذنوب.
    ولو قال: لا بد أن تقصي شعر الرأس إلى شحمة الأذن، وهي تقول: لا، أنا أريد أن يبقى رأسي كالنساء المستقيمات، فليس له أن يجبرها؛ لأن هذا يخالف قول الله تعالى: {{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}}.

    وَلاَ تُجْبَرُ الذِّمِّيَّةُ عَلَى غُسْلِ الجَنَابَةِ.
    قوله: «ولا تجبر الذمية على غُسل الجنابة» ، هذه المسألة خالف فيها الماتنُ المشهورَ من المذهب، والماتن ـ أحياناً ـ يخرج عن المذهب، فالمذهب أن الذمية تجبر على غسل الجنابة، والمؤلف يرى أنها لا تجبر، ولكلٍّ وجهة، أما المؤلف فيرى أنها لا تجبر على غسل الجنابة؛ لأنها ليست ممن يصلي حتى تجبر على غسل الجنابة.
    وأما المذهب فيقولون: إن بقاء الجنابة عليها مرة بعد أخرى يؤثر في نفسية الزوج، وربما يحصل روائح كريهة بسبب تجمع الجنابات عليها، فله أن يجبرها على غسل الجنابة، وإن كان لا يقع منها تطوعاً لله؛ لأنه لا يقبل منها هذا الغسل، وليس عليها صلاة حتى تغتسل لها، فالصواب ما عليه المذهب أن الذمية تجبر على غسل الجنابة؛ لأن هذا شيء يتعلق بالاستمتاع، ولهذا أمر بالاغتسال عند إعادة الجماع، ولأنها إذا لم تغتسل بقيت فاترة بالنسبة للجماع، كما تجبر على غُسل الحيض؛ وذلك لأن الحيض يتعلق بمحل الاستمتاع، ولا يخفى أن له رائحة منتنة تكرهها النفس.
    وقوله: «الذمية» لو أن المؤلف ـ رحمه الله ـ قال «الكتابية» لكان أولى من وجهين:
    الأول: أن الكتابية يجوز نكاحها وإن لم تكن ذمية.
    الثاني: أن غير الكتابية لا يجوز نكاحها ولو كانت ذمية.

    فَصْلٌ

    وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَ الحُرَّةِ لَيْلَةً مِنْ أَرْبَعٍ، وَيَنْفَرِدُ إِنْ أَرَادَ فِي الْبَاقِي،......
    قوله: «ويلزمه» أي: الزوج.
    قوله: «أن يبيت عند الحرة ليلة من أربع، وينفردُ إن أراد في الباقي» أي: عليه أن يبيت ليلة من أربع عند الحرة، فيبيت عندها في المضجع، لقوله تعالى: {{وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}} [النساء: 34] أي: في الفراش، وليس المعنى أنه يبيت ـ مثلاً ـ في حجرة وهي في حجرة في البيت، بل يبيت في المضجع ليلة من أربع، وثلاث ليالٍ من الأربع له أن ينفرد، والدليل أن امرأةً جاءت إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وقالت تثني على زوجها: إن زوجي يقوم الليل ويصوم النهار، وليس لي منه حظ، فأمير المؤمنين ـ رضي الله عنه ـ استغفر لها، وأمرها بالصبر، وأثنى على زوجها ثم انصرفت، وكان عنده كعب بن سوار فلما انصرفت قال: يا أمير المؤمنين، إنك ما قضيت حاجتها، قال: لماذا؟ قال: لأنها تستعديك على زوجها، يعني تشكو زوجها إليك، فأرسل عمر ـ رضي الله عنه ـ إلى زوجها، وأخبره، ثم قال لكعب: اقض بينهما فإنك علمت من حالهما ما لم أعلم، فقال: لها ليلة من أربع ولك الباقي[(285)]؛ لأنه يجوز له أن يتزوج أربعاً، فإذا تزوج أربعاً صار ثلاث ليالٍ للزوجات الثلاث، وواحدة لها ليلة، فتعجب عمر ـ رضي الله عنه ـ من حكمه وقضائه ونفذه.
    وهذا الذي قضى به كعب بن سوار بحضرة عمر ـ رضي الله عنه ـ وأقره عليه حجة بإقرار عمر ـ رضي الله عنه ـ؛ لأنه أحد الخلفاء الراشدين.
    وقال بعض العلماء: إنه يجب عليه أن يبيت عندها بالمعروف لقوله تعالى: {{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}}، وليس من المعروف أن يكون الزوج في حجرة ثلاث ليالٍ من أربع، وفي ليلة مع هذه الزوجة، فكلٌّ يعرف أن هذا جنف، ولا يلزم من كونه لا يلزمه إلا ليلة إذا كان عنده أربع نساء ألا يلزمه أكثر إذا لم يكن له إلا واحدة؛ لأن كونه لا يلزمه إلا ليلة إذا كان عنده أربع نساء هو من ضرورة العدل، فلا بد أن يكون كل واحدة لها ليلة من أربع، بخلاف ما إذا كان مخلياً لها، وليس معها أحد، فإن الحكم يختلف، فيجب عليه أن يبيت عندها ما جرت به العادة.
    والظاهر أن ما جرت به العادة يكون مقارباً لما قضى به كعب بن سوار عند التشاح والتنازع، أما في المشورة والإرشاد والنصح فإنه ينبغي أن يشار على الزوج، فيقال: إن هذه زوجتك ولا ينبغي أن تهجرها؛ لأن الله ـ تعالى ـ يقول: {{وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}} [النساء: 34] ، أما مع عدم خوف النشوز فلا ينبغي أن تهجر ولا ليلة، إلا إذا جرى العرف بذلك، وهذا القول هو الصواب.
    وقوله: «وينفردُ» بالرفع وجوباً؛ لأن الواو هنا، إما للاستئناف، أو معطوفة على «يلزمه» ؛ لأننا لو قلنا ينفردَ بالنصب لأوجبنا عليه أن ينفرد في الباقي.
    وقوله: «إن أراد في الباقي» أي: وله أن ينفرد إن أراد في الباقي، وهو ثلاث ليالٍ، ولكن لو أن المرأة أبت أن يبيت عندها ليلة من أربع فلا تملك هذا، مع أنه يمكن أن يكون معها ثلاث زوجات، وتقول: أنا أقدِّر أن معك ثلاث زوجات، ولا يجب عليَّ إلا ليلة واحدة من أربع، فكما أن هذا ليس بصواب فكذلك عكسه.

    وَيَلْزَمُهُ الوَطْءُ إِنْ قَدِرَ كُلَّ ثُلُثِ سَنَةٍ مَرَّةً،........
    قوله: «ويلزمه الوطء إن قدر كلَّ ثلث سنةٍ مرة» أي: الجماع لا يلزمه بالسنة إلا ثلاث مرات، كل ثلث سنة مرة فقط، وإذا قدر عليه أيضاً، ولو كانت المرأة من أشب النساء وهو شاب!!
    وقوله: «إن قدر» مفهومه إن عجز فلا يلزمه؛ لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولا إثم عليه في ذلك، ولكن يبقى النظر أنه إن كان عاجزاً عن الوطء، فهناك صاحب حق وهو الزوجة، فماذا نصنع؟
    تقدم لنا أنه إذا كان عنيناً فإنه يؤجل سنة ويفسخ النكاح، وإذا كان عجزه لمرض فالمذهب أنه لا فسخ لها كما سبق.
    واختار شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أن لها أن تفسخ بعجزه عن الوطء، وقال: إن عجزه عن الوطء أولى بالفسخ من عجزه عن النفقة؛ والصحيح ما قاله الشيخ؛ لأن كثيراً من النساء تريد العشرة مع الزوج، وتريد الأولاد أكثر مما تريد من المال، ولا يهمها المال عند هذه الأمور، فكوننا نقول: إذا عجز عن النفقة فإن لها الفسخ، وإذا عجز عن الوطء فليس لها الفسخ، إلا إذا ثبتت عُنته فهذا فيه نظر، فالصواب ما قاله الشيخ ـ رحمه الله ـ أنه إذا عجز عن الوطء لمرض وطلبت الفسخ فإنها تفسخ، إلا إذا كان هذا المرض مما يعلم أو يغلب على الظن أنه مرضٌ يزول بالمعالجة، أو باختلاف الحال فليس لها فسخ؛ لأنه ينتظر زواله.
    وقوله: «كل ثلث سنة مرة» الدليل أن الله تعالى قال: {{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ *وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *}} [البقرة] ، فضرب الله له أربعة أشهر، والإيلاء لا يُسقط واجباً، ولا يوجب ما ليس بواجب، فلو كان يلزمه أن يطأ لأقل من أربعة أشهر لوجب عليه، وكانت مدة الإيلاء أقل من أربعة أشهر، ولو كان ـ أيضاً ـ لا يجب عليه كل أربعة أشهر مرة ما لزمه بالإيلاء، فالإيلاء لا يوجب واجباً ولا يسقط واجباً، فلما ضرب الله له أربعة أشهر علم أن الواجب أن يجامعها في كل أربعة أشهرٍ مرة.
    ولكن هذا التعليل عليل؛ لأن الإيلاء حالٌ طارئة، والرجل أقسم أن لا يجامع زوجته، فما دام الرجل حلف، نقول: نظراً لحالك ويمينك وقسمك نؤجلك هذه المدة، إن جامعت ورجعت إلى زوجتك فذاك، وإن لم تجامع فسخ النكاح، وأما من لم تطرأ عليه هذه الحال، ولم يوجد سببٌ لتأجيله، فإن الواجب أن يعاشرها بالمعروف، قال الله تعالى: {{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}} [النساء: 19] وليس من المعروف أبداً أن الإنسان الشاب يتزوج المرأة الشابة ثم يطؤها في كل أربعة أشهر مرة فقط.
    فالصواب أنه يجب أن يطأها بالمعروف، ويفرق بين الشابة والعجوز، فتوطأ كل واحدة منهما بما يشبع رغبتها.

    وَإِنْ سَافَرَ فَوْقَ نِصْفِهَا وَطَلَبَتْ قُدُومَهُ وَقَدِرَ لَزِمَهُ، فَإِنْ أَبَى أَحَدَهُمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِطَلَبِهَا،........
    قوله: «وإن سافر فوق نصفها وطلبت قدومه وقدر لزمه» أي: إن سافر عن زوجته فوق نصف السنة، وطلبت قدومه وقدر، لزمه الرجوع والحضور إلى زوجته، وزاد في الروض[(286)]: «في غير حج أو غزو واجبين أو طلب رزق يحتاجه»، فهذه أربعة شروط:
    الأول: أن يزيد السفر عن نصف سنة، فإن كان نصف سنةٍ فأقل فليس لها حق المطالبة، فلو سافر لمدة أربعة شهور أو خمسة شهور، فليس لها حق المطالبة، مع أنه تقدم أن المولي يضرب له أربعة أشهر، وهذا الذي سافر بدون حاجة هو في الحقيقة أشد من المولي؛ لأن المولي عندها ويؤنِّسها وتستأنس به، وأما هذا فقد سافر وتركها وحدها في البلد مثلاً، أو عند أهلها، ويقولون: يقيد بنصف سنة!!
    الثاني: أن تطلب قدومه، فإن لم تطلب قدومه فلا يلزمه، حتى لو بقي سنتين أو ثلاثاً أو أربعاً، لكنه يشترط أن يكون آمناً عليها، فلو كان لا يأمن على زوجته من الفتنة بها أو منها، فإنه لا يجوز أن يسافر أصلاً.
    الثالث: أن يقدر، فإن عجز فلا يلزمه، مثل أن لا يجد راحلة توصله إلى زوجته، أو انقطعت الأسفار، أو حصل خوف، أو ما أشبه ذلك.
    الرابع: ما ذكره في الروض: أن لا يكون لطلب رزقٍ يحتاجه، أو في أمرٍ واجب، كحج وغزو.
    وهل الحج يستغرق نصف سنة؟
    نعم، في الزمن السابق يستغرق أو أكثر، أما الآن فلا يستغرق، فإذا تمت هذه الشروط فإنه يلزمه الحضور، فإن كان في معيشةٍ يحتاجها، وقال: لا أستطيع أن آتي، أنا آجرت نفسي على هذا الرجل لمدة ثمانية شهور، وأنا مضطر إلى هذا، فإنه لا يلزمه الحضور، وليس لها حق الفسخ.
    قوله: «فإن أبى أحدَهما» الضمير مثنى، وهل الذي سبق اثنان؟ نعم، الوطء كل ثلث السنة، والحضور من السفر، فإن أبى أحدَهما مع قدرته عليه، قال المؤلف:
    «فُرِّق بينهما بطلبها» «فُرِّقَ» مبني للمجهول؛ لأن الذي يفرق بينهما الحاكم، أي: القاضي.
    فإذا غاب أكثر من نصف سنة ـ مثلاً ـ وهو في غير حجٍ، أو غزوٍ واجب، أو معيشةٍ يحتاجها، وطلبت أن يرجع فأبى مع قدرته فإنه بمجرد ما تتم نصف السنة، تذهب إلى القاضي، وتقول: أريد أن أفسخ النكاح.
    وظاهر كلام المؤلف: أن الحاكم لا يحتاج إلى أن يراجع الزوج، أو يراسله، بل يفسخ وإن لم يراسله.
    وقال بعض أهل العلم: إنه لا يجوز أن يفسخ حتى يراسل الزوج، فيكتب إليه مثلاً، المهم أن يتصل به، ويقول: إنه لا بد أن تحضر وإلا فسخنا النكاح، وهذا القول أصح؛ لأن الزوج ربما لا يبين العذر لزوجته، فإذا راسله القاضي، وعرف أن المسألة وصلت إلى حدٍّ يوجب الفراق، فربما يبين العذر، ثم هذا لا يضرها فقد صبرت نصف سنة، فلتصبر ما تيسر لمراجعة زوجها.

    وَتُسَنُّ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الوَطْءِ، وَقَوْلُ الْوَارِدِ،............
    قوله: «وتسن التسمية عند الوطء وقول الوارد» أي: إذا أراد أن يجامع الرجل امرأته، فإن التسمية سنة مؤكدة عند الجماع؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن قدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً[(287)]» .
    وهل تقوله المرأة؟ قال بعض العلماء: إن المرأة تقوله، والصواب أنها لا تقوله؛ لأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: «لو أن أحدكم إذا أتى أهله» ، ولأن الولد إنما يخلق من ماء الرجل، كما قال الله تعالى: {{فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ *خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ *يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ *إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ *}} [الطارق] ، فالحيوانات المنوية إنما تكون من ماء الرجل، ولهذا هو الذي نقول: إذا أراد أهله، أن يقول: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا.
    وقول النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «إنه إن قدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً» ، لا يشكل على هذا أنه ربما يكون هذا الرجل ملتزماً بالتسمية عند كل جماع، ويأتيه أولادٌ يضرهم الشيطان، فاختلف أهل العلم في ذلك، فقال بعضهم: لم يضره ضرراً بدنياً؛ وذلك أن الشيطان إذا ولد الإنسان فإنه يطعن بيده في خاصرته، فيصرخ الطفل إذا ولد، وأحياناً يرى أثر الضرب أزرق في الخاصرة؛ من أجل أن يهلكه، فيقولون: لا يضره ـ أي: بطعنه إياه في الخاصرة ـ لا أنه لا يضره ضرراً دينياً.
    وقال بعض العلماء: بل الحديث عام لم يضره الشيطان أبداً، والتأبيد يدل على أن ذلك مستمر، ولكن الجواب عن الصورة التي ذكرنا، أن يقال: إن هذا سبب، والأسباب قد تتخلف بوجود موانع، كما قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «كل مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» [(28]، وإلا فكلام الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ حقٌ وصدق، ولكن هذا سببٌ من الأسباب، وقد يوجد موانع.
    فإذا قال لنا قائل: إذا كان هذا سبباً وقد يوجد موانع، إذاً ما الفائدة؟! نقول: هذا غلط ليس بصحيح، الفائدة أنك فعلت السبب، والموانع عارضة، والأصل عدم وجودها.
    فعليك أن تفعل السبب موقناً بأنه سينفع، ثم الأمر بيد الله عزّ وجل، وكل إنسان يريد أن يفعل شيئاً له أسباب لا يقول: أخشى من الموانع، بل يفعل الأسباب، والموانع عارضة.
    وينبغي للزوج قبل الجماع أن يفعل مع امرأته ما يثير شهوتها، حتى يستوي الرجل والمرأة في الشهوة؛ لأن ذلك أشد تلذذاً وأنفع للطرفين، فيفعل معها ما يثير الشهوة من تقبيل، ولمس، وغير ذلك، ثم إذا أراد أن يجامع قال: بسم الله، اللهم جنّبنا الشيطان وجنّب الشيطان ما رزقتنا، أي: من الولد؛ لأن الولد رزق من الله تعالى وفضل، كما قال الله ـ عزّ وجل ـ: {{فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}} [البقرة: 187] ، فإن لم يسمِ فإن الشيطان ربما يضر ولده، وربما يشارك الإنسان في التمتع بالزوجة، قال الله تعالى للشيطان: {{وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ}} [الإسراء: 64] ، قال بعض العلماء: المشاركة في الأولاد أن الرجل إذا لم يسم عند الجماع فقد يشاركه الشيطان في التمتع بزوجته.
    فإن قال قائل: أرأيتم لو أتى أهله وهو عارٍ، أيقول هذا الذكر؟ نعم، يقول؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أطلق، ولأنه لا حرج أن يأتي الرجل أهله عارياً وهي عارية أيضاً، لكن السنة أن يلتحفا بلحاف واحد حتى لا تبرز سوءاتهما، ويكونا شبيهين بالحمارين[(289)].

    وَيُكْرَهُ كَثْرَةُ الكَلاَمِ، وَالنَّزْعُ قَبْلَ فَرَاغِهَا، وَالوَطْءُ بِمَرْأَى أَحَدٍ، وَالتَّحَدُّثُ بِهِ، وَيَحْرُمُ جَمْعُ زَوْجَتَيْهِ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ بِغَيْرِ رِضَاهُمَا، وَلَهُ مَنْعُهَا مِنَ الخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ،
    قوله: «ويكره كثرة الكلام» يعني عند الوطء والجماع، فإذا كان الإنسان يجامع زوجته فلا ينبغي أن يكثر الكلام، فيتكلم، لكن لا يكثر، وفي الروض حديث لكنه ضعيف: «لا تكثروا الكلام عند مجامعة النساء فمنه يكون الخرس والفأفأة[(290)]»، الخرس معناه أن لا يتكلم، والفأفأة أن يكرر الفاء عند نطقه بها، ولا شك أن كثرة الكلام في هذه الحال ما تنبغي؛ لأن الإنسان كاشفٌ فرجه وكذلك المرأة، لكن الكلام اليسير الذي يزيد في ثوران الشهوة لا بأس به، وقد يكون من الأمور المطلوبة.
    قوله: «والنزع قبل فراغها» أي: يكره ـ أيضاً ـ أن ينزع قبل فراغها لحديث: «إذا قضى حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها»[(291)] ، والنزع معناه أن ينهي الإنسان جماعه، فيخرج ذكره من فرج امرأته قبل فراغها من الشهوة، أي: قبل إنزالها، والفراغ من الشهوة يكون بالإنزال، فالمؤلف يقول: يكره، وهذا فيه نظر، والصحيح أنه يحرم أن ينزع قبل أن تنزل هي؛ وذلك لأنه يفوت عليها كمال اللذة، ويحرمها من كمال الاستمتاع، وربما يحصل عليها ضررٌ من كون الماء متهيأً للخروج، ثم لا يخرج إذا انقضى الجماع.
    وأما الحديث الذي ذكروه فهو ـ أيضاً ـ ضعيف، ولكنه من حيث النظر صحيح، فكما أنك أنت لا تحب أن تنزع قبل أن تنزل، فكذلك هي ينبغي أن لا تعجلها.
    قوله: «والوطء بمرأى أحد» ، هذا من أغرب ما يكون أن يقتصر فيه على الكراهة، يعني يكره للإنسان أن يجامع زوجته والناس ينظرون، وهذا تحته أمران:
    أحدهما: أن يكون بحيث تُرى عورَتاهما، فهذا لا شك أن الاقتصار على الكراهة غلط، لوجوب ستر العورة، فإذا كان بحيث يرى عورتهما أحد فلا شك أنه محرم، حتى المروءة لا تقبل هذا إطلاقاً، فكلام المؤلف ليس بصحيح إطلاقاً.
    الثاني: أن يكون بحيث لا ترى العورة، فإن الاقتصار على الكراهة ـ أيضاً ـ فيه نظر، فمثلاً لو كان ملتحفاً معها بلحاف، وصار يجامعها فتُرى الحركة، فهذا في الحقيقة لا شك أنه إلى التحريم أقرب؛ لأنه لا يليق بالمسلم أن يتدنى إلى هذه الحال، وأيضاً ربما يثير شهوة الناظر ويحصل بذلك مفسدة، وقد يكون هذا الناظر ممن لا يخاف الله ـ عزّ وجل ـ فيسطو على المرأة بعد فراغ زوجها منها.
    فالصحيح في هذه المسألة أنه يحرم الوطء بمرأى أحد، اللهم إلا إذا كان الرائي طفلاً لا يدري، ولا يتصور، فهذا لا بأس به، أما إن كان يتصور ما يفعل، فلا ينبغي ـ أيضاً ـ أن يحصل الجماع بمشاهدته ولو كان طفلاً؛ لأن الطفل قد يتحدث بما رأى عن غير قصد.
    فالطفل الذي في المهد ـ مثلاً ـ له أشهر هذا لا بأس به؛ لأنه لا يدري عن هذا الشيء، ولا يتصوره، لكن من له ثلاث سنوات، أو أربع سنوات، يأتي الإنسان أهله عنده، فهذا لا ينبغي؛ لأن الطفل ربما في الصباح يتحدث، فلهذا يكره أن يكون وطؤه بمرأى طفلٍ، وإن كان غير مميز إذا كان يتصور ويفهم ما رأى.
    قوله: «والتحدث به» ـ سبحان الله العظيم ـ يقول المؤلف: إنه يكره التحدث بجماع زوجته، وهذا ـ أيضاً ـ فيه نظر ظاهر، والصواب: أن التحدث به محرم، وقد ورد في الحديث عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «إن من شر الناس منزلة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه، ثم يصبح يتحدث بما جرى بينهما»[(292)]، فهو من شر الناس منزلة، فكيف يكون مكروهاً؟! والغالب أن الذي يفعل هذا، كما فضح زوجته هي تفضحه أيضاً، فتقول عند النساء: إنه فعل فيها كذا، وفعل فيها كذا... إلخ، والصواب في هذه المسألة أنه حرام، بل لو قيل: إنه من كبائر الذنوب لكان أقرب إلى النص، وأنه لا يجوز للإنسان أن يتحدث بما جرى بينه وبين زوجته، وهذا من هفوات بعض العلماء رحمهم الله.
    فإن قال قائلٌ: أليس عمر بن أبي سلمة ـ رضي الله عنهما ـ حين سأل الرسول صلّى الله عليه وسلّم الرجل يقبل امرأته وهو صائم؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: سل هذه، فقالت: كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يقبل وهو صائم[(293)]، قلنا التقبيل ليس كمسألة الجماع، ثم إنه ما تحدَّث بقضية معينة، بل تحدث عن جنس القبلة، كما لو قال الرجل مثلاً: إنه يجامع زوجته فلا ينزل فيغتسل، ففرق بين التحدث عن الجنس، والتحدث عن الفعل المعين، والناس يعرفون الفرق بين هذا وهذا، فلو أن أحداً وصف الجماع المستحسن ـ لأن أنواع الجماع كثيرة، بعضها مستحسن وبعضها غير مستحسن ـ دون أن يضيفه إلى زوجته، بأن قال مثلاً: بعض الناس يفعل كذا وكذا عند الجماع، فهذا جائز، إلا أن يفهم الحاضرون أن المراد به نفسه، فحينئذٍ يمنع.
    قوله: «ويحرم جمع زوجتيه في مسكن واحدٍ بغير رضاهما» أي: يحرم على الزوج إذا كان له زوجتان أن يجمع بينهما في حجرة واحدة؛ لأن ذلك يؤدي إلى الشقاق والنزاع؛ لما يحدث بين الزوجات من الغيرة، حتى أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، فالغيرة طبيعة في المرأة.
    وكلام المؤلف صحيح إذا جمعهما في حجرة واحدة، ولا شك، أما إذا كان في بيت له شقق، وجعل كل واحدة في شقة فهذا لا بأس به؛ لأن كل امرأة مستقلة بمسكنها، وحدثني بعض الناس أن له زوجات يجمعهن في سكن واحد بسبب التآلف والتراحم بينهن. وعلى كل حال فالناس يختلفون والأصل أنه محرم إلا برضاهما، فإذا رضيتا بذلك فلا بأس.
    وإن شُرِط عند العقد أن لا يجمع بينهما كان ذلك أوكد؛ لأنه يكون هنا محرماً من جهة الشرط، ومحرماً من جهة الشرع، فإن رضيتا بأن تكونا في مسكن واحد فإنه يجوز؛ لأن الحق لهما.
    فإن تعب الزوج من ذلك وأراد أن يفصل بينهما، وأبتا أن تنفصلا، فالحق للزوج، فلو قالت إحداهما: أنا راضية مع ضرتي، استأنس بها، وأتحدث إليها، ولا أريد أن أفارقها، لكن الزوج تعب من كونه يرى زوجتيه في مكان واحد، فله أن يفصل بينهما.
    فإن رضيتا أن تكونا في مسكن واحد، ثم بعد ذلك أبتا، فهل نقول: هذا حق لهما أسقطتاه فسقط، ولا يمكن أن يعود؟ أو نقول: الحكم يدور مع علته، فإذا وُجِدَ بينهما التنافر والغيرة وجب عليه أن يفرق؟
    الجواب: الثاني؛ لأنهما قد ترضيان بذلك للتجربة والنظر فيما يكون، ثم تريان أن البقاء في مسكن واحد موجب للغيرة والتنافر، وضيق الحياة، فلهما أن يرجعا في ذلك، ويطالبا بأن يجعل كل واحدة في مسكن منفصل، ولأن حق الزوجة يتجدد كل يوم بيومه، وفي هذه الحال ليس له أن يحتج عليها بأنها أذنت، كما لو وهبت يومها لإحدى الزوجات ثم بعد ذلك رجعت فلها الحق.
    قوله: «وله منعها من الخروج من منزله» ، أي: للزوج أن يمنع الزوجة من الخروج من منزله، حتى ولو لزيارة أبويها؛ لأنه سيدها، بدليل قول الله ـ تعالى ـ: {{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}} [يوسف: 25] ، وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اتقوا الله في النساء فإنهن عوانٍ عندكم» [(294)].
    ولكن هذه الإباحة هل هي إباحة مطلقة، أو بشرط أن لا تتضرر بذلك؟
    الجواب: في هذا تفصيل:
    أولاً: إذا كان لا ضرر عليه في خروجها فلا ينبغي أن يمنعها؛ لأن منعها كبت لحريتها من وجه، ولأن ذلك قد يفسدها عليه، وما دام أنه لا ضرر فليأذن لها، فقد تكون امرأة داعية للخير، تحضر مجالس النساء وتعظهن وتبين لهن الشريعة، وقد تكون امرأة تحب أن تزور أقاربها، فهنا لا ينبغي له أن يمنعها.
    ثانياً: أن يكون في خروجها ضرر عليه أو عليها.
    فالضرر عليه بأن يفسدها الخروج على زوجها، فإذا كانت إذا خرجت إلى أمها سألتها عن أحوالها، ثم قالت: انظري فلانة، كيف طعامهم مثلاً؟! فهذا فيه إفساد، والمرأة قريبة النظر، فقد تستقل ما يأتي به زوجها، وتفسد عليه، فله أن يمنعها من زيارة أمها في هذه الحال؛ لأن أمها مفسدة.
    كذلك ربما يحصل إفسادها على الزوج بغير هذه الطريقة، فقد ترى ـ مثلاً ـ في الشارع مَنْ يعجبها صورته وشبابه، ويكون زوجها أقل منه فتطمح فيه؛ لأن النفوس أمَّارة بالسوء فتفسد عليه، فحينئذ له أن يمنعها.
    ثالثاً: أن لا يكون في خروجها خير ولا شر، فالأفضل أن يشير عليها أن لا تخرج، ويقول: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن» [(295)].
    لكن لو أصرت على أن تخرج فهنا الأفضل أن لا يمنعها، بل يعطيها شيئاً من الحرية حتى تزداد محبتها له، وتكون العشرة بينهما طيبة، فلكل مقام مقال، والعاقل الحكيم يعرف كيف يتصرف في هذا الأمر.

    وَيُسْتَحَبُّ إِذْنُهُ أَنْ تُمَرِّضَ مَحْرَمَهَا، وَتَشْهَدَ جَنَازَتَهُ، وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ إِجَارَةِ نَفْسِهَا، وَمِنْ إِرْضَاعِ وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ إِلاَّ لِضَرُورَتِهِ.
    قوله: «ويستحب إذنه» أي: يستحب أن يأذن لها إذا طلبت، وليس المعنى أنه يستحب أن تستأذن.
    قوله: «أن تمرض محرمها» أي: إذا استأذنت منه أن تذهب تمرض والدها فالأفضل أن يسمح لها، لما في ذلك من جبر الخاطر، وطمأنينة النفس، وصلة الرحم، حتى لو فرض أن بينه وبين أبيها مشكلة أو عداءً شخصياً فإن الأفضل أن يأذن لها؛ مراعاة لحالها، ثم إنه يسلم من السمعة السيئة؛ لأنه لو منعها أن تذهب تمرض والدها لتحدث الناس به، وأكلوا لحمه، ورحم الله امرءاً كف الغيبة عن نفسه.
    وقوله: «ويستحب إذنه» هذا الأصل، لكن قد يجب أن يأذن، وذلك فيما إذا لم يكن لمحرمها من يمرضه، وكان في حاجة إلى ذلك.
    أما عيادتهم، فالصحيح أنه يجب أن يأذن لها، وفرق بين التمريض والعيادة، فالعيادة تعود وترجع، لكن التمريض تبقى عند هذا المريض حتى يأذن الله بشفائه أو موته، فلهذا نقول: أما التمريض فسنة، وأما العيادة فالصحيح أنه يجب أن يمكنها منها؛ لأن العيادة بالنسبة للقريب من صلة الرحم، وليس من المعروف عند الناس أن تمنعها من أن تعود أقاربها إذا مرضوا.
    وقوله: «تمرض» مطلق، لكن يجب أن يقال: أن تمرض محرمها في غير ما لا يحل لها النظر إليه، وهو العورة.
    وقوله: «محرمها» ظاهره سواء كان قريباً جداً، كالأب، والابن، وما أشبه ذلك، أو بعيداً، ولكن ينبغي أن يُفرَّق بين القريب والبعيد، فمثلاً إذا كان لها عمٌّ بعيد، فليس كالابن، وليس كالأب، ولكل مقام مقال.
    قوله: «وتشهد جنازته» هذا فيه نظر، فإن أراد أن تشهد الصلاة عليها وتتبعها، فقد قالت أم عطية ـ رضي الله عنها ـ: «نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا»[(296)]، فمن العلماء من قال: يؤخذ من هذا الحديث أن اتباع الجنائز للنساء مكروه، لقولها: «ولم يعزم علينا»، ومنهم من قال: إنه محرم، وأن قولها: «ولم يعزم علينا» تفقهاً منها، قد توافق عليه وقد لا توافق، وأن الأصل أن نأخذ بالحديث.
    وإن أراد أن تبقى هناك عند موته، فهذا يخشى منه النياحة والندب، فشهود الجنازة لا وجه له إطلاقاً، فمثلاً إذا جاءها خبر أن قريبها ـ أي: محرمها ـ قد مات، وقالت لزوجها: سأذهب لأشهد جنازته إذا غسلوه وكفنوه وخرجوا به، فله الحق أن يمنعها؛ لأن شهودها لا داعي له، وربما يكون ذلك أشد عليها حزناً وتأثيراً، ويحضر النساء ـ أيضاً ـ معها فتحصل النياحة.
    قوله: «وله منعها من إجارة نفسها» أي: له أن يمنع زوجته من إجارة نفسها؛ لأنه يملك منافعها في الليل والنهار، حتى إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه» [(297)]؛ لأنها لو صامت لمنعته الاستمتاع بها نهاراً، أو لمنعته من كماله؛ لأن الإنسان قد يأنف أن يفسد صومها ولو كان نفلاً.
    وإجارة النفس هي أن تؤجر نفسها لتكون خادماً عند آخرين، فله أن يمنعها؛ للخوف عليها من وجه؛ ولأن في ذلك دناءة من وجه آخر تلحق زوجها، فيقال: فلانة زوجة فلان خادمٌ عند الناس.
    وقوله: «من إجارة نفسها» يفهم منه أنها لو استؤجرت على عمل، بأن تكون امرأة خياطة مثلاً، وصارت تخيط للناس بأجرة في بيتها فليس له منعها، إلا إذا رأى في ذلك تقصيراً منها في حقه فله المنع.
    فصارت المرأة إن أجَّرت نفسها فله منعها مطلقاً، حتى لو قالت: أنا أريد أن أؤجر نفسي ما دمت غائباً عن البلد، فله منعها، لما في ذلك من الدناءة والإهانة، أما إذا استؤجِرت على عمل وهي في بيت زوجها، فليس له المنع، إلا إذا قصرت في حقه فله منعها.
    فإن قال قائل: ما تقولون في التدريس، أيدخل في قوله: «من إجارة نفسها» أو لا؟
    فالجواب: يدخل؛ لأنها سوف تذهب إلى المدرسة وتدرِّس، فله منعها من أن تدرِّس، إلا إذا شرطت عليه في العقد أن تبقى مدرِّسة، أو تتوظف مدرِّسة في المستقبل، وقَبِلَ بهذا الشرط، فإنه يلزمه لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج»[(29].
    فإن قال قائل: إذا كانت لم تشترط هذا، لكن اضطرت إلى أن تكون مدرِّسة؛ لأن زوجها فقير ولا ينفق عليها؟
    فالجواب: ليس لها ذلك، لكن لها أن تخيره، فتقول: إما أن تأذن لي أن أدرِّس وأحصل على قُوتي، وإما أن أطالبك بالفسخ؛ لأنها لا يمكن أن تبقى بدون قوت، وفي ظني أنها إذا خيرته بين هذا وهذا، فإنه سيوافق على التدريس.
    قوله: «ومن إرضاع ولدها من غيره إلا لضرورته» ، ويكون هذا بأن تكون امرأة طلقها زوجها الأول وهي حامل، فتنتهي العدة بوضع الحمل ويتزوجها آخر، وهي لا تزال ترضع الولد، فللزوج الثاني أن يمنعها من إرضاع ولدها من الزوج الأول، إلا في حالين:
    الأولى : الضرورة، بأن لا يقبل هذا الطفل ثدياً غير ثدي أمه،فيجب إنقاذه.
    الثانية : أن تشترط ذلك على زوجها الثاني، فإذا وافق لزمه.
    وقوله: «ولدها من غيره» علم منه أنه ليس له منعها من إرضاع ولدها منه، وهو كذلك إلا إذا كان في الأم مرض يخشى على الولد منه.

    فَصْلٌ

    وَعَلَيْهِ أَنْ يُسَاوِيَ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ فِي القَسْمِ، لاَ فِي الوَطْءِ.
    قوله: «وعليه أن يساوي بين زوجاته في القسم» .
    «وعليه» الضمير يعود على الزوج، فعليه أن يساوي بين زوجاته في القسم، سواء كن اثنتين، أم ثلاثاً، أم أربعاً، ودليل ذلك من القرآن، والسنة، والنظر، أما القرآن فقال الله تعالى: {{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}} [النساء: 19] ، وليس من المعروف أن يقسم لهذه ليلتين، ولتلك ليلة واحدة، فالجور في هذا ظاهر، وأما من السنة فقول النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل» [(299)]، والعياذ بالله، وهذا دليل على تحريم الميل إلى إحداهما، وأما من النظر، فكل منهما زوجة وقد تساوتا في الحق على هذا الرجل، فوجب أن تتساويا في القسم، كالأولاد يجب العدل بينهم في العطية.
    وقوله: «بين زوجاته في القسم» ظاهر كلامه سواءٌ كن حرَّات أم إماء؛ لأنه لم يستثنِ، لكن قال بعض العلماء ـ وهو المذهب ـ: إن للحرة مع الأمة ليلتين وللأمة ليلة؛ لأنها على النصف، وفي هذا نظر، والصواب أنه يجب العدل في القسم حتى بين الحرة والأمة.
    قوله: «لا في الوطء» فلا يجب أن يساوي بينهن في الوطء؛ لأن الوطء له دوافع من أعظمها المحبة، والمحبة أمرٌ لا يملكه المرء، فقد يكون إذا أتى إلى هذه الزوجة أحب أن يتصل بها، وتلك لا يحب أن يتصل بها، فلا يلزمه أن يساوي بينهن في الوطء، وقد قال الله تعالى: {{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}} [النساء: 129] ، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقسم بين زوجاته ويعدل ويقول: «هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك» [(300)] وهذا حق؛ لأنه إذا كان لا يرغب إحداهما، فإنه لا يملك أن يجامعها إلا بمشقة، ثم إن تكلف الإنسان للجماع يلحقه الضرر.
    وقال بعض العلماء: بل يجب عليه أن يساوي بينهن في الوطء إذا قدر، وهذا هو الصحيح والعلة تقتضيه؛ لأننا ما دمنا عللنا بأنه لا يجب العدل في الوطء بأن ذلك أمرٌ لا يمكنه العدل فيه، فإذا أمكنه زالت العلة، وبقي الحكم على العدل، وعلى هذا فلو قال إنسان: إنه رجل ليس قوي الشهوة إذا جامع واحدةً في ليلة لا يستطيع أن يجامع الليلة الثانية ـ مثلاً ـ أو يشق عليه ذلك، وقال سأجمع قوتي لهذه دون تلك، فهذا لا يجوز؛ وذلك لأن الإيثار هنا ظاهر، فهو يستطيع أن يعدل، فالمهم أن ما لا يمكنه القسم فيه فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وما يمكنه فإنه يجب عليه أن يقسم.
    مسألة: هل يجب أن يعدل بين زوجاته في الهبة والعطية؟ يقول الفقهاء رحمهم الله: أما في النفقة الواجبة فواجب، وما عدا ذلك فليس بواجب؛ لأن الواجب هو الإنفاق، وقد قام به، وما عدا ذلك فإنه لا حرج عليه فيه، لكن هذا القول ضعيف.
    والصواب أنه يجب أن يعدل بين زوجاته في كل شيء يقدر عليه، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل»[(301)].

    وَعِمَادُهُ اللَّيْلُ لِمَنْ مَعَاشُهُ النَّهَارُ، وَالعَكْسُ بِالعَكْسِ، وَيَقْسِمُ لِحَائِضٍ، وَنُفَسَاءَ، وَمَرِيضَةٍ، وَمَعِيبَةٍ، وَمَجْنُونَةٍ مَأْمُونَةٍ وَغَيْرِهَا،.........
    قوله: «وعماده الليل لمن معاشه النهار والعكس بالعكس» «عماده» أي: عماد القسم الأصل فيه الليل لمن معاشه النهار، وهو غالب الناس، كما قال الله تعالى: {{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا *}{وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا *}} [النبأ] ، فغالب الناس معاشهم النهار وسكونهم الليل، فيكون عماد القسم للزوجات الليل، أما النهار فالإنسان يذهب في معيشته، ربما يتردد إلى بيت هذه لأمرٍ يتعلق بمعيشته، وبيعه، وشرائه، ولا يتردد إلى الأخرى، وربما تكون خزائن ماله في بيت واحدةٍ فيحتاج إلى أن يتردد عليها، ولو لم يكن يومها.
    وأما من معاشه في الليل دون النهار، فعماد القسم في حقه النهار، كالحارس الذي يحرس ليلاً وفي النهار، يتفرغ لبيته، ولهذا قال: «والعكس بالعكس» .
    قوله: «ويقسم لحائض» أي: إذا كان له زوجتان فحاضت إحداهما، يقول المؤلف: إنه يجب أن يقسم لها.
    فإن قال: الحائض لا أستمتع بها بكل ما أريد؟
    نقول: لكن الإيناس، والاجتماع، وأن لا تَرَى الزوجة الأخرى متفوقة عليها، هذا واجب.
    فإن اتفقت الزوجتان على أنه لا يقسم للحائض، فهل هذا جائز أو غير جائز؟ وإذا جاز، فهل لهما الرجوع أو ليس لهما الرجوع؟
    لننظر: هل هذا معلوم أو مجهول؟ هذا غير معلوم، قد تحيض هذه خمسة أيام، وهذه تحيض عشرة أيام، وقد تختلف العادة، فهو مجهول، وإذا كان مجهولاً فلا بد أن يؤثر على قلوب الزوجات؛ لأنه إذا صارت هذه حيضها خمسة أيام، والثانية حيضها، أحياناً خمسة أيام، وأحياناً عشرة أيام، وأحياناً ثمانية أيام، وأحياناً ثلاثة عشر يوماً، فيكون هناك شيء في النفوس، حتى وإن رضين في أول الأمر، لكن سوف لا يرضين في النهاية.
    فإذا قال: اتفق معكما على أن لا أقسم للحائض ما لم يتجاوز حيضها ثمانية أيام فإنه يجوز؛ لأنه جعل له حداً أعلى، وربما يكون في هذا راحة للجميع.
    قوله: «ونفساء» أي: يجب أن يقسم لها؛ لأنه إذا وجب للحائض وجب للنفساء ولا فرق، لكن النفساء يجب أن يُرجَع في هذا إلى العرف، والعرف عندنا أن النفساء لا تبقى في بيت زوجها، بل تكون عند أهلها حتى تطهر، وأيضاً العرف عندنا أنه لا قسم لها، أي: أن الزوج لا يذهب لها ليلة وللأخرى ليلة، ولا يقضي إذا طهرت من النفاس، وعلى هذا فنقول: مقتضى قول الله تعالى: {{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}} [النساء: 19] أن لا قسم للنفساء، أما الحائض فعندنا جرت العادة أنه يقسم لها، وأن الزوج لا يفرِّق، يذهب إلى كل واحدة في ليلتها، سواء كانت طاهراً أم حائضاً.
    قوله: «ومريضة» أي: يجب أن يقسم للمريضة، وهذا القول وجيه، بل ربما لو نقول: إنه أوجب من القسم للصحيحة لكان له وجه؛ لأنه لو هجر المريضة فإنه يؤثر فيها، ويزيدها مرضاً.
    فإن عافت نفسه هذه المريضة، وقال: أنا لا أطيق، قلنا: إذاً استسمح منها، وطَيِّبْ قلبها؛ لأنه أحياناً يكون المرض لا يطيقه الإنسان وأحياناً يطيقه، فنقول: إذا كانت مريضة مرضاً لا تطيقه أو تخشى من العدوى، فحينئذٍ استأذن منها.
    قوله: «ومعيبة» المراد معيبة حدث بها العيب، فإنه يقسم لها، وكذلك إذا كانت معيبة من قبل؛ لأنه هو الذي فرط بعدم اشتراط أن لا يقسم، والعيب قد يكون طارئاً وقد يكون سابقاً.
    قوله: «ومجنونة مأمونة وغيرها» أي ويجب ـ أيضاً ـ أن يقسم للمجنونة المأمونة وغير المأمونة، أما إذا كانت مأمونة فالأمر واضح ليس فيه إشكال، لكن إذا كانت غير مأمونة فلا يأمن أنه إذا نام ذهبت إلى المطبخ، وأخذت السكين وذبحته، وهذا وارد، فقول المؤلف ـ رحمه الله ـ: «وغيرها» هذا إشارة إلى أن المسألة فيها خلاف، والصواب أن يقسم للمجنونة بشرط أن تكون مأمونة، فإن لم تكن مأمونة فلا يقسم لها.
    لكن هل يرضى الإنسان أن تكون زوجته مجنونة غير مأمونة؟
    نقول: أما ابتداءً فلا أظن أحداً يُقدِم على امرأة مجنونة غير مأمونة، لكن قد يحدث هذا الجنون لمدة معينة، فهنا نقول: يقسم لها، وربما إذا قسم لها، وهدأها، وصار يتكلم معها، ربما تستجيب ويزول ما بها من الجنون، كما هو واقع أحياناً.
    وقوله: «وغيرها» يعني غيرهن، مثل مَنْ آلى منها، أو ظاهر منها، أو وجد بها مانع، مثل أن تكون صائمة فإنه يقسم لها، يعني حتى من لا يتمتع بها بالوطء، فيجب أن يقسم لها، إلا ما جرى به العرف، أو ما سمحت به، فلو فرض أنه قال لها مثلاً: أنتِ مريضة ويشق علي أن أقسم لك، فهل تسمحين؟ فإذا سمحت فلا حرج؛ لأن الحق لها، ولو كانت امرأة كبيرة في السن، وقال لها: أنا ما أقدر أن أقسم لك، فهل تحبين أن تبقي عندي، وفي عصمتي، وبدون قسم، وإلا فأنا أطلقك؟ فاختارت أن تبقى عنده، فهذا جائز.
    فلو قال قائل: إنما اختارت هذا على سبيل الإكراه خوفاً من الطلاق، قلنا: نعم الحق لها، لكن هنا يجوز؛ لأن الإكراه في مسألة الفراق لحقه، فيقول: إذا كانت تريد أن تبقى عند أولادها وفي بيتها فذاك، وإن لم تحب فأنا لا أريد أن يتعلق بذمتي شيء، فأطلقها وأستريح.
    ثم ذكر المؤلف مسقطات القسم والنفقة فقال:
    «وإن سافرت بلا إذنه، أو بإذنه في حاجتها، أو أبت السفر معه، أو المبيت عنده في فراشه، فلا قسم لها ولا نفقة» ، هذه عدة مسائل:

    وَإِنْ سَافَرَتْ بِلاَ إِذْنِهِ، أَوْ بِإِذْنِهِ فِي حَاجَتِهَا، أَوْ أَبَتْ السَّفَرَ مَعَهُ، أَوْ المَبِيتَ عِنْدَهُ فِي فِرَاشِهِ، فَلاَ قَسْمَ لَهَا، وَلاَ نَفَقَةَ،.........
    الأولى: قوله: «إن سافرت بلا إذنه» إن سافرت بلا إذنه فليس لها قسم، وليس لها نفقة؛ لأنها عاصية وناشز، وفوتت عليه الاستمتاع، وإذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه» [(302)]، فكيف بمن تسافر؟!
    فإذا قال قائل: قوله: «لا قسم لها» هذا تحصيل حاصل؛ لأنها إذا كانت مسافرة فكيف يقسم؟ نقول: أي: لا يلزمه القضاء إذا رجعت.
    الثانية: قوله: «أو بإذنه في حاجتها» إذا سافرت بإذنه فإما أن يكون في حاجته، وإما أن يكون في حاجتها، فإن كان في حاجته فلها النفقة ولها القسم، مثلاً له أم في المستشفى في بلد آخر، وسافرت بإذنه، فالحاجة له هو، ففي هذه الحال نقول: لها النفقة؛ لأن ذلك لحاجته، وجزاها الله خيراً أن ذهبت.
    وأما إذا سافرت بإذنه لحاجتها، قالت له مثلاً: إني أريد أن أزور أقاربي أو ما أشبه ذلك، فأذن لها، يقول المؤلف: ليس لها قسم، وليس لها نفقة، أما كونها ليس لها قسم فلا شك في ذلك؛ لأنها اختارت ذلك بسفرها، وأما أنه لا نفقة لها؛ لأن النفقة في مقابلة الاستمتاع، وهذا فيه نظر؛ لأن المرأة لم تمنع زوجها من نفسها إلا بعد أن أذن، فإذا أذن والحق له فإن حقها لا يسقط، فلها أن تطالبه بالنفقة، ولكن لا يجب عليه من النفقة إلا مقدار نفقة الحضر؛ لأنها إذا سافرت تحتاج إلى أجرة للذهاب وأجرة للإياب، وربما تكون البلد الثانية المؤنة فيها أشد، والسعر فيها أغلى، فلا يلزمه إلا مقدار نفقة الإقامة، إلا إذا أذن بذلك ورضي، وقال: أنا آذن لك، والنفقة عليَّ، فهنا لا إشكال في إنها تجب عليه.
    الثالثة: قوله: «أو أبت السفر معه» : قال مثلاً: سنذهب إلى مكة لأداء العمرة فأبت، أو سنذهب إلى الرياض لمتابعة معاملة ـ مثلاً ـ فأبت، أو نذهب لزيارة صديق أو قريب فأبت، فليس لها قسم ولا نفقة، إلا إن كانت قد اشترطت عند العقد ألا يسافر بها، فإن لها النفقة، ولها أن تطالبه بالقسم أيضاً، ويحتمل ـ أيضاً ـ ألا تطالبه بالقسم؛ لأن من ضرورة سفره ألا يقسم لها، وهي إذا طالبته بالقسم، فإن ذلك ضرر على الزوجات الأخرى.
    الرابعة: قوله: «أو المبيت عنده في فراشه» : أي: إذا دعاها إلى فراشه وأبت، فإنها تسقط نفقتها، ويسقط حقها من القسم؛ لأنها منعت زوجها من حقٍ يلزمها، فسقط حقها وهي آثمة، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح» [(303)]، وفي هذه الحال له أن يعاملها معاملة أخرى أشد من هذا، وهي أن يعظها، ويهجرها، ويضربها لقوله تعالى: {{وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}} [النساء: 34] .
    إذاً المرأة إذا منعت حق الزوج سقطت نفقتها، فإذا منع نفقتها، فهل يسقط حقه؟ نعم {{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}} [النحل: 126] ، فإذا كان الزوج يمنع زوجته من النفقة فلها أن تمنع نفسها منه، ولها أن تأخذ من ماله بدون علمه، وإذا كان يسيء معاملتها فلها أن تسيء معاملته لقوله تعالى: {{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}} [البقرة: 194] .

    وَمَنْ وَهَبَتْ قَسْمَهَا لِضَرَّتِهَا بِإِذْنِهِ أَوْ لَهُ فَجَعَلَهُ لأُخْرَى جَازَ، فَإِنْ رَجَعَتْ قَسَمَ لَهَا مُسْتَقْبَلاً،..........
    قوله: «ومن وهبت قسمها لضرتها بإذنه أو له فجعله لأخرى جاز» ، أي: إذا وهبت قسمها لضرتها بإذنه فلا حرج، بأن قالت: هل تأذن لي أن أجعل قسمي لفلانة؟ فإذا قال: نعم، ووافق فلا مانع، وإن أبى فله ذلك، أو قالت: وهبت يومي لك، يعني تتصرف فيه كما شئت، فجعله هو لإحدى زوجاته جاز.
    والفرق بين الصورتين: أنه في الصورة الأولى هي التي عينت المرأة، قالت: وهبت قسمي لفلانة، كما فعلت سودة ـ رضي الله عنها ـ لما خافت أن يطلقها النبي صلّى الله عليه وسلّم لكبر سنها وهبت قسمها لعائشة ـ رضي الله عنها ـ[(304)]، واختارت سودةُ عائشةَ ـ رضي الله عنها ـ؛ لأنها أحب نسائه إليه، فأرادت أن تهبه لمن يحب ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وهذا من فقهها وشفقتها على الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أما كونه من فقهها فلأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لو طلقها لم تبقَ من أمهات المؤمنين، ولم تكن زوجة له في الآخرة، وأما كونه شفقة على الرسول صلّى الله عليه وسلّم فلأنها وهبته لأحب نسائه إليه.
    أما الصورة الثانية فتهب القسم للزوج، والزوج هو الذي يعين من شاء.
    فإن قال قائل: لماذا لا تقولون: إذا وهبت قسمها للزوج سقط حقها، وبقي حق الزوجات؟ فمثلاً إذا كانت هي الرابعة ووهبت قسمها للزوج يجب عليه القسم ثلاث ليالٍ؛ لأنه ليس له أن يخص به إحدى الزوجات الباقيات؛ لأنه إذا خص به إحدى الزوجات الباقيات فمعناه أنه مال إليها، فنقول: إذا وهبت قسمها للزوج، فالذي ينبغي أن يسقط حقها، وكأن الزوج ليس له إلا الثلاث الباقيات، وبهذا يكون العدل بين بقية الزوجات، إلا أن يخيرهن، فيقول: هل تخترن أن نسقط حقها، ويكون القسم بينكن، أو تخترن أن نضرب القرعة فمن خرجت لها القرعة، فيوم تلك لها؟ فإذا اخترن ذلك فلا حرج، وعلى هذا فنقول: إذا اخترن القرعة فلا حرج، وإلا فإن المتوجه أنها إذا وهبت قسمها له سقط حقها، وبقي القسم بين الموجودات الباقيات، أما المؤلف فيرى أنها إذا وهبت قسمها له فإنه يضعه حيث شاء.
    قوله: «فإن رجعت قسم لها مستقبلاً» يعني بعد أن وهبت القسم له، أو لزوجةٍ أخرى فإن لها أن ترجع، ويقسم لها في المستقبل، ولا يقضي ما مضى، وهذا فائدة قوله «مستقبلاً» ، فإن قال قائل: أليست الهبة تلزم بالقبض؟
    قلنا: بلى، لكنهم قالوا: هنا ما حصل القبض؛ لأن الأيام تتجدد يوماً بعد يوم، ولهذا قلنا: إنه يقسم لها مستقبلاً ولا ترجع فيما مضى، لأن الذي فات قد قبض، والهبة بعد قبضها لا رجوع فيها، أما ما يستقبل فإنه لم يأتِ بعد فلها أن ترجع فيه.
    وهذا التعليل لما قاله المؤلف صحيح، لكن ينبغي أن يكون هذا مشروطاً بما إذا لم يكن هناك صلح، فإن كان هناك صلح فينبغي أن لا تملك الرجوع، لقوله تعالى: {{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا}} [النساء: 128] والصلح لازم، وكيف الصلح؟ كأن تشعر من هذا الرجل أنه سيطلقها وخافت، فقالت له: أنا أتفق معك على أن أجعل يومي لفلانة، وتبقيني في حِبالك، فوافق على هذا الصلح، فصارت المسألة معاقدة، فإذا كانت معاقدة فإنه يجب أن تبقى وأن تلزم، وإلا فلا فائدة من الصلح، وهذا الذي اختاره ابن القيم ـ رحمه الله ـ.

    وَلاَ قَسْمَ لإِمَائِهِ، وَأُمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ، بَلْ يَطَأُ مَنْ شَاءَ مَتَى شَاءَ، وَإِنْ تَزَوَّجَ بِكْراً أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعاً ثُمَّ دَارَ، وَثَيِّباً ثَلاثاً، وَإِنْ أَحَبَّتْ سَبْعَاً فَعَلَ وَقَضَى مِثْلَهُنَّ لِلْبَوَاقِي.
    قوله: «ولا قسم لإمائه» أي: لا قسم واجب لإمائه، فإذا كان عند الإنسان أكثر من أمة فلا يجب عليه القسم بينهن، مثلاً عنده خمس عبدات أو عشر، فلا يجب عليه أن يقسم بينهن لقوله تعالى: {{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}} [النساء: 3] ، فدل هذا على أن ملك اليمين لا يجب فيه العدل، ولو وجب عليه القسم لإمائه لم يكن بينهن وبين النساء فرق.
    قوله: «وأمهات أولاده» كذلك أمهات أولاده لا يجب عليه القسم بينهن.
    قوله: «بل يطأ من شاء متى شاء» أي من الإماء و «من» يعود على العين و «متى» يعود على الزمن، يعني يطأ من شاء منهن، هذه، أو هذه، أو هذه متى شاء، ليلاً، أو نهاراً، أو في كل الأوقات، ويصح أن نقول: كيف شاء، ما لم يطأ في الدبر، ونقول: حيث شاء.
    قوله: «وإن تزوج بكراً أقام عندها سبعاً ثم دار وثيباً ثلاثاً» هذا قسم الابتداء، فإذا تزوج بكراً فإنه يقيم عندها سبعاً، يعني سبع ليال؛ لأن الليالي هي العمدة، ولهذا ما قال: «سبعة» بل قال: «سبعاً» ؛ لأن عماد القسم الليل، ثم يرجع إلى زوجاته، فيكون في الليلة الثامنة عند الزوجة الأولى.
    والدليل حديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ «من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً ثم قسم»[(305)]، أما التعليل:
    أولاً: أن رغبة الرجل في البكر أكثر من رغبته في الثيب، فأعطاه الشارع مهلة حتى تطيب نفسه.
    ثانياً: أن البكر أشد حياء من الثيب، فجُعلت هذه المدة لأجل أن تطمئن وتزول وحشتها وتألف الزوج، وهذا من حكمة الشرع.
    ويلحق بالبكر من زالت بكارتها بغير الجماع، كسقوط ونحوه.
    أما الثيب فلأنها قد ألفت الرجال فلا تحتاج لزيادة عدد الأيام لإيناسها، ولهذا جعل الشارع لها ثلاثة أيام، ولهذا قال المؤلف: «وثيباً ثلاثاً» .
    قوله: «وإن أحبت» يعني الثيب.
    قوله: «سبعاً فعل وقضى مثلهن للبواقي» أي: إن أحبت أن يكمل لها سبعة أيام فعل، ولكن يقضي مثلهن للبواقي، وذلك لأنه لما طلبت الزيادة لغى حقها من الإيثار، فقد أثرت في الأول بثلاثة أيام، فلما طلبت الزيادة وأعطيت ما طلبت يلغى الإيثار، ويقسم للبواقي سبعاً سبعاً؛ لأن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ لما مكث عندها النبي صلّى الله عليه وسلّم ثلاثة أيام، وأراد أن يقسم لنسائه قال لها: «إنه ليس بك هوانٌ على أهلك، إن شئت سبَّعت لك، وإن سبَّعت لك سبعت لنسائي» [(306)].
    فخيرها النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ بين أن تبقى على ثلاثة أيام وهو لها خاصة، أو أن يسبع لها، وحينئذٍ يسبع للبواقي، وفي الغالب أن المرأة ستختار الثلاث؛ لأنه إذا اختارت الثلاث بعد ثلاثة أيام سيرجع لها، لكن إذا اختارت السبعة يرجع لها بعد واحد وعشرين يوماً، اللهم إلا إذا كانت متحرية أن عادتها تأتيها في هذه المدة، فهنا ربما تختار التسبيع، والحكمة ـ والله أعلم ـ من كونها سبعة أيام أن تدور عليها أيام الأسبوع كلها، ونظير ذلك العقيقة شرعت في اليوم السابع؛ لأنها في اليوم السابع تكون أيام الأسبوع قد أتت على هذا الطفل.

    فَصْلٌ

    النُّشُوزُ مَعْصِيَتُهَا إِيَّاهُ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهَا، فَإِذَا ظَهَرَ مِنْهَا أَمَارَاتُهُ، بِأَنْ لاَ تُجِيبَهُ إِلَى الاسْتِمْتَاعِ، أَوْ تُجِيبَهُ مُتَبَرِّمَةً، أَوْ مُتَكَرِّهَةً، وَعَظَهَا، ..........
    هذا الفصل عقده المؤلف لبيان النشوز، والنشوز يكون من الزوج، ويكون من الزوجة، قال الله تعالى: {{وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ}} [النساء: 34] ، وقال الله تعالى: {{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا}} [النساء: 128] .
    قوله: «النشوز معصيتها إياه فيما يجب عليها» ، هذا ضابط النشوز، وأصله مأخوذ من النشز، وهو المرتفع من الأرض، ومنه ما ذكره أهل العلم في المناسك إذا علا نشزاً فإنه يلبي، ومناسبة المعنى للمحسوس ظاهرة؛ لأن المرأة تترفع على زوجها وتتعالى عليه، ولا تقوم بحقه.
    أما شرعاً فيقول: «معصيتها إياه» ، «معصية» مصدر مضافٌ إلى فاعله، «وإياه» مفعول المصدر، أي: معصيتها الزوج فيما يجب عليها من حقوقه، أما ما لا يجب فإن ذلك ليس بنشوز، ولو صرحت بمعصيته، فلو قال لها: أريد منك أن تصبحي دلاَّلة في السوق تبيعين فقالت: لا، ما يلزمها، ولو قال: أريد منكِ أن تكوني خادمة عند الناس، فلا يلزمها، ثم ضرب المؤلف أمثلة لهذا فقال:
    «فإذا ظهر منها أماراته، بأن لا تجيبه إلى الاستمتاع» ، يعني دعاها إلى الاستمتاع فأبت، أو أراد أن يستمتع بها بتقبيل أو غيره فأبت، فهذه ناشز.
    وظاهر قوله: «بأن لا تجيبيه إلى الاستمتاع» أنها لو أبت أن تجيبه إلى الخدمة المعروفة، مثل لو قال: اغسلي ثوبي، اطبخي طعامي، ارفعي فراشي، فإن ذلك ليس بنشوز، وهو مبني على أنه لا يلزمها أن تخدم زوجها، والصحيح أنه يلزمها أن تخدم زوجها بالمعروف، ولهذا مر علينا في المحرمات بالنكاح أنه لا يجوز نكاح الأمة لحاجة الخدمة، فدل هذا على أن من مقصود النكاح خدمة الزوج، وهذا هو الصحيح.
    قوله: «أو تجيبه متبرمة» التبرم بمعنى التثاقل في الشيء، فإذا دعاها إلى فراشه صنعت شيئاً آخر، فهذه تجيبه ولكنها تملله، فنقول: هذا نشوز.
    قوله: «أو متكرهة» أي: تجيبه لكنها متكرهة، يظهر في وجهها الكراهة والبغض لهذا الشيء، وربما تسمعه ما لا يليق وما أشبه ذلك، فهذه في الحقيقة أجَابَتْهُ، لكن ما أجابته على وجهٍ يحصل به كمال الاستمتاع، حتى الزوج لا شك أنه يكون في نفسه أنفة إذا رأى منها أنها تعامله هذه المعاملة، فهذا نشوز، لكن ماذا يصنع معها؟ قال المؤلف:
    «وعظها» والموعظة هي التذكير بما يرغِّب أو يخوِّف، فيعظها بذكر الآيات الدالة على وجوب العشرة بالمعروف، وبذكر الأحاديث المحذرة من عصيان الزوج، مثل قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح» [(307)] وأمثال ذلك.
    فيعظها أولاً، وإذا استجابت للوعظ خير من كونها تستجيب للوعيد، أي: خير من كونه يقول: استقيمي وإلا طلقتك، كما يفعله بعض الجهال، تجده يتوعدها بالطلاق، وما علم المسكين أن هذا يقتضي أن تكون أشد نفوراً من الزوج، كأنها شاة، إن شاء باعها وإن شاء أمسكها، لكن الطريق السليم أن يعظها ويذكرها بآيات الله ـ عزّ وجل ـ حتى تنقاد امتثالاً لأمر الله ـ عزّ وجل ـ، فإن امتثلت وعادت إلى الطاعة فهذا المطلوب، وإلا يقول المؤلف:

    فَإِنْ أَصَرَّتْ هَجَرَهَا فِي المَضْجَعِ مَا شَاءَ، وَفِي الكَلاَمِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ أَصَرَّتْ ضَرَبَهَا غَيْرَ مُبَرِّحٍ،...........
    «فإن أصرت هجرها في المضجع ما شاء» أي: يتركها في المضجع ما شاء، لقوله تعالى: {{وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}} [النساء: 34] ولم يقيد، وهذه هي المرتبة الثانية، وتَرْكُها في المضجع على ثلاثة أوجه:
    الأول: أن لا ينام في حجرتها، وهذا أشد شيء.
    الثاني: أن لا ينام على الفراش معها، وهذا أهون من الأول.
    الثالث: أن ينام معها في الفراش، ولكن يلقيها ظهره ولا يحدثها، وهذا أهونها.
    ويبدأ بالأهون فالأهون؛ لأن ما كان المقصود به المدافعة فالواجب البداءة بالأسهل فالأسهل، كما قلنا في الصائل عليه: إنه لا يعمد إلى قتله من أول مرة، بل يدافعه بالأسهل فالأسهل، فإن لم يندفع إلا بالقتل قتله.
    وقوله: «ما شاء» ليس على إطلاقه، بل المقصود أن يهجرها حتى تستقيم حالها، فربما تستقيم في ليلة، أو في ليلتين، وربما لا تستقيم إلا بشهر.
    المهم أن قول المؤلف: «ما شاء» مقيد بما إذا بقيت على نشوزها، فالحكم يدور مع علته، والتأديب يرتفع إذا استقام المؤدَّب، فإذا استقامت حين هجرها أسبوعاً فالحمد لله، وليس له أن يزيد؛ لأن هذا مثل الدواء، يتقيد بالداء، فمتى شُفِي الإنسان لا يستعمل الدواء؛ لأنه يكون ضرراً، وعليه فمتى استقامت وجب عليه قطع الهجر.
    قوله: «وفي الكلام ثلاثة أيام» أي: يهجرها في الكلام ثلاثة أيام، ولا يزيد على هذا، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان، فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»[(30] ، فله أن يهجرها يومين، أو ثلاثة أيام ولا يزيد على ذلك، ويزول الهجر بالسلام، فإذا دخل البيت وهي موجودة عند الباب، أو في الصالة القريبة، وقال: السلام عليكم، زال الهجر، وإذا قال لها: كيف أصبحت يا أم فلان فإنه يكفي؛ لأنه كلمها.
    إذاً يبقى على رأس كل ثلاثة أيام يسلم مرة، ففي هذه الحال سوف تتفجر المرأة غيظاً ويحصل الأدب.
    قوله: «فإن أصرت ضربها غير مبرح» هذه المرتبة الثالثة فيضربها ضرباً غير مبرح، لقول الله تعالى: {{وَاضْرِبُوهُنَّ}} لكن لو قال قائل: إن الله ـ تعالى ـ قال: {{فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}} فذكرها بالواو الدالة على الاشتراك وعدم الترتيب؟
    فالجواب: تقديم الشيء يدل على الترتيب في الأصل، ولهذا لما قال الله ـ عزّ وجل ـ: {{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}} [البقرة: 158] ، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أبدأ بما بدأ الله به»[(309)] ، وكذلك قال الفقهاء في قوله تعالى: {{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}} [التوبة: 60] قالوا: يُبدأ بالفقراء؛ لأنهم أشد حاجة، فعليه نقول: إن الله وإن ذكر هذه ثلاث المراتب بالواو، فإن المعنى يقتضي الترتيب؛ لأن الواو لا تمنع الترتيب، كما أنها لا تستلزمه.
    فعليه نقول: المسألة علاج ودواء، فنبدأ بالأخف الموعظة، ثم الهجر في المضاجع، ويضاف إليها الهجر في المقال، ثم الضرب.
    والآية مطلقة حيث قال الله تعالى: {{وَاضْرِبُوهُنَّ}}، لكن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال في حجة الوداع في حق الرجال وحق النساء: «لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح» ، وإذا كانت هذه المسألة الكبيرة تُضرَب فيها المرأة ضرباً غير مبرح، فما بالك في النشوز؟! فأولى أن لا يكون الضرب مبرحاً.
    وعلى هذا فمطلق الآية يقيَّد بالقياس على ما جاء في الحديث، فنقول: ليس الضرب كما يريد، فلا يأتي بخشبة مثل الذراع ويضربها، مع أنه يمكن أن يضربها بسوط مثل الأصبع، فنقول: إنه أخطأ لا شك، فيضربها ضرباً غير مبرح.
    ولا يجوز أن يضربها في الوجه، ولا في المقاتل، ولا فيما هو أشد ألماً؛ لأن المقصود هو التأديب.
    أما عدد الضرب فهو ما يحصل به المقصود، ولا تتضرر به المرأة؛ لأن هذا للتأديب، والفقهاء ـ رحمهم الله ـ يقولون في العدد: لا يزيد على عشر جلدات، مستدلين بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يجلد أحد فوق عشر جلدات إلا في حدٍّ من حدود الله»[(310)] ، لكن قوله في الحديث: «في حد» ليس المراد بالحد العقوبة، كحد الزنا مثلاً، إنما المراد بالحد ترك الواجب، أو فعل المحرم؛ لأن الله ـ تعالى ـ سمى المحرمات حدوداً، فقال: {{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا}} [البقرة: 187] وسمى الواجبات حدوداً فقال: {{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا}} [البقرة: 229] .
    فالصواب أن المراد بالحد في الحديث الحد الشرعي، وليس الحد العقوبي، فإذا كانت لا تتأدب إلا بعشرين جلدة، نضيف إلى العشر عشراً أخرى، لكن نرجع إلى القيد الأول وهو أن يكون غير مبرح.
    فإن لم يفد، أي: أنه وعظها، ثم هجرها، ثم ضربها ولا فائدة، فماذا نصنع؟
    قيل: إنه إذا كان التعدي منها تسكن هي وزوجها بقرب رجل ثقة أمين، يراقب الحال، ويعرف أيهما الذي أساء إلى صاحبه.
    ولكن هذا ليس بصحيح:
    أولاً: أن هذا لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة.
    ثانياً: أنه مهما كان في الرقابة، فلا يمكن أن يكون عندهما في الحجرة مثلاً، فهو عمل لا فائدة منه.
    لكن هنا طريقة ذكرها الله تعالى في القرآن فقال: {{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ}} أي: أقاربه {{وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}} [النساء: 35] أي: أقاربها، فالمسألة مهمة؛ لأن الخطاب للأمة كلها، للعناية بهذا الأمر، فكل الأمة مسؤولة عن هذين الزوجين الذين يتنازعان، فالإسلام لا يريد أن يقع النزاع بين أحد.
    ويشترط في الحَكَم أن يكون عالماً بالشرع، عالماً بالحال، أي: ذا خبرة وأمانة؛ ولهذا كان من المهم في القاضي أن يكون عارفاً بأحوال الناس الذين يقضي بينهم، فالحكم لا بد فيه من العدالة حتى نأمن الحيف، ولا بد أن يكون عالماً بالشرع وبالحال.
    وهذان الحكمان، قيل: إنهما وكيلان للزوجين، وعلى هذا لا بدّ أن توكل المرأة قريبها، ويوكل الرجل قريبه.
    وقيل: إنهما حكمان مستقلان، يفعلان ما شاءا، يجمعان أو يفرقان بعوض أو بغير عوض.
    وظاهر القرآن القول الثاني: أنهما حكمان مستقلان، فلم يقل الرب ـ عزّ وجل ـ: فإن خفتم شقاق بينهما فليوكلا من يقوم مقامهما، بل قال تعالى: {{فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}}.
    ولا يجوز للحكمين أن يريد كل واحد منهما الانتصار لنفسه وقريبه، فإن أراد ذلك فلا توفيق بينهما، لكن ماذا يريدان؟
    يقول الله تعالى: {{إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحًا}} أي: الحكمان {{يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}} أي: بين الحكمين، وبين الزوجين، يوفق الله بين الحكمين فيتفق الرأي؛ لأنه لو تنازع الحكمان، وكان لكل واحد منهما رأي ما استفدنا شيئاً، لكن مع إرادة الإصلاح يوفق الله بينهما، فيتفق الحكمان على شيء واحد، أو يوفق الله بينهما إن حكم الحكمان بأن يبقى الزوجان في دائرة الزوجية، فإن الله تعالى يوفق بين الزوجين من بعد العدواة، فالآية تحتمل هذا وهذا، ويصح أن يراد بها الجميع، فيقال: إن أراد الحكمان الإصلاح وفق الله بينهما، وجمع قولهما على قول واحد واتفقا، وإن أرادا الإصلاح وحكما بأن تبقى الزوجية، فإن الله يوفق بين الزوجين.
    فصارت المراتب أربعاً:
    وعظ، هجر، ضرب، إقامة الحكمين.
    وأما المرتبة التي قبل إقامة الحكمين وهي الإسكان عند ثقة فهذه لا أصل لها، ولا دليل لها، ولا فائدة منها.
    وكلام المؤلف فيما إذا خاف الزوج نشوز امرأته، فما الحكم إذا خافت هي نشوزه؟ لأنه أحياناً يكون النشوز من الزوج يعرض عنها، ولا يلبي طلبها الواجب عليه، أو يلبيه لكن بتكره، وتثاقل، وما أشبه ذلك.
    نقول: الله بيَّن هذا في قوله: {{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا}}، وفي قراءة سبعية أن يصَّالحا[(311)]، وقوله: {{نُشُوزًا}} يعني يترفع عليها ويستهجنها {{أَوْ إِعْرَاضًا}} أي: يعرض عنها ولا يقوم بواجبها، لا في الفراش، ولا في غير الفراش، ولا كأنه زوج، قال الله ـ عزّ وجل ـ: {{فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا}} أي يتصالحا بأنفسهما، وما ذكر الله ـ عزّ وجل ـ لا وعظاً ولا ضرباً، ولا هجراً، ولا حكمين، والحكمة في هذا ظاهرة جداً؛ لأن الأصل أن الرجل قوَّام على المرأة، فقد يكون إعراضه من أجل إصلاحها، بخلاف العكس، ولهذا هناك يعظها ويهجرها ويضربها، وهي لا تعظه ولا تهجره ولا تضربه، ولكن لا بد من مصالحة بينهما، فإذا لم يمكن أن يتصالحا فيما بينهما، فلا حرج في أن يتدخل الأقارب، لا على سبيل الحَكَم، ولكن على سبيل الإصلاح، ولهذا ما ذكر الله هنا المحاكمة، بل ذكر الإصلاح وندب إليه في قوله: {{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}} فهذه الجملة كلمتان فقط، وليست خاصة بهذه القضية، بل في كل شيء، وهي من بلاغة القرآن، فكل شيء يكون عن طريق الصلح فهو خير، خيرٌ من المحاصة؛ فإن في المحاصة مهما كان سيكون في نفسه شيء على صاحبه الذي غلبه، لكن في المصالحة تطمئن النفوس وتستريح، ومع ذلك أشار الله ـ عزّ وجل ـ إلى أنه قد يوجد فيه مانع وعائق، فقال تعالى: {{وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ}} [النساء 128] يعني عندما يتكلم أناس في نزاع بينهما يحبون الصلح، لكن نفسك تشح أن يهضم حقك مهما كان الأمر، ولكن على كل حال الذي عنده عقل يغلب النفس.
    وفي قوله تعالى: {{وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}} توجيهات عظيمة من الرب ـ عزّ وجل ـ، يعني ما قال: أطعنكم ورجعن إلى الصواب، فذكروهن ما مضى، وتقولون: فعلتِ كذا، وفعلتِ كذا، أو أنا قلت: كذا، وما أشبه ذلك، مما يبعث الأمور الماضية، بل قال: {{فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً}} أي: اتركوا كل ما مضى، ولا يكن في أذهانكم أبداً، وهذا من الحكمة؛ لأن ذكر الإنسان ما مضى من مثل هذه الأمور ما يزيد الأمر إلا شُقة وشدة {{فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}} [النساء: 34] .

    ----------------------------

    [263] سبق تخريجه ص(6).
    [264] أخرجه أحمد (5/256)، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/129): «رجاله رجال الصحيح».
    [265] أخرجه الترمذي في الرضاع/ باب ما جاء في حق المرأة على زوجها (1163)؛ وابن ماجه في النكاح/ باب حق المرأة على الزوج (1851) عن عمرو بن الأحوص ـ رضي الله عنه ـ وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
    [266] أخرجه مسلم في النكاح/ باب الوصية بالنساء (1467) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
    [267] أخرجه البخاري في النكاح/ باب ما يكره من ضرب النساء (5204)؛ ومسلم في الجنة ونعيمها/ باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء (2855) عن عبد الله بن زمعة ـ رضي الله عنه ـ واللفظ للبخاري.
    [268] أخرجه البخاري في الحوالات/ باب الحوالة وهل يرجع في الحوالة؟ (2287)؛ ومسلم في البيوع/ باب تحريم مطل الغني وصحة الحوالة (1564) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
    [269] في الإيمان/ باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية (106).
    [270] أخرجه البخاري في بدء الخلق/ باب إذا قال أحدكم آمين.. (3237)؛ ومسلم في النكاح/ باب تحريم امتناعها من فراش زوجها (1436) (122) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
    [271] أخرجه البخاري في النفقات/ باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه... (5364)؛ ومسلم في الأقضية/ باب قضية هند (1714) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
    [272] سبق تخريجه ص(165).
    [273] سبق تخريجه ص(165).
    [274] أخرجه الإمام أحمد (5/326)؛ وابن ماجه في الأحكام باب من بنى في حقه ما يضر بجاره (2340) عن عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ، وأخرجه مالك (2/745) مرسلاً، وللحديث طرق كثيرة يتقوى بها، ولذلك حسنه النووي في الأربعين (32)؛ وابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/210)؛ والألباني في الإرواء (876).
    [275] سبق تخريجه ص(382).
    [276] سبق تخريجه ص(392).
    [277] أخرجه البخاري في الوضوء/ باب غسل الدم (227)؛ ومسلم في الطهارة/ باب نجاسة الدم وكيفية غسله (291) عن أسماء ـ رضي الله عنها ـ.
    [278] أخرجه مسلم في الحيض/ باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله... (302) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
    [279] أخرجه البخاري في الحيض/ باب مباشرة الحائض (300)؛ ومسلم في الطهارة/ باب مباشرة الحائض فوق الإزار (293) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ، واللفظ للبخاري.
    [280] أخرجه الإمام أحمد (39/46 ط/الرسالة؛ والترمذي في الرضاع/ باب ما جاء في كراهية إتيان النساء في أدبارهن (1164) عن علي بن طلق ـ رضي الله عنه ـ، وقال: حديث حسن، وأخرجه أحمد (5/213)؛ وابن ماجه في النكاح/ باب النهي عن إتيان النساء في أدبارهن (1924) عن خزيمة بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ، انظر: التلخيص (1542)، والإرواء (2005).
    [281] أخرجه البخاري في اللباس/ باب إعفاء اللحى (5893)؛ ومسلم في الطهارة/ باب خصال الفطرة (259) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ واللفظ لمسلم.
    [282] أخرجه البخاري في الذبائح والصيد/ باب التسمية على الذبيحة... (549؛ ومسلم في الأضاحي/ باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم... (196 عن رافع بن خديج ـ رضي الله عنه ـ
    [283] أخرجه مسلم في الطهارة/ باب خصال الفطرة (25 عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
    [284] سبق تخريجه ص(370).
    [285] أخرجه عبد الرزاق (12586).
    [286] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (6/43.
    [287] أخرجه البخاري في بدء الخلق/ باب صفة إبليس وجنوده (3271)؛ ومسلم في النكاح/ باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع (1434) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
    [288] أخرجه البخاري في الجنائز/ باب ما قيل في أولاد المشركين (1385)؛ ومسلم في القدر/ باب معنى كل مولود يولد على الفطرة (265 عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
    [289] أخرجه ابن ماجه في النكاح/ باب التستر عند الجماع (1921) عن عتبة بن عبدٍ السلمي ـ رضي الله عنه ـ، وانظر: الإرواء (2009).
    [290] عزاه في الإرواء (200 لابن عساكر، وقال: منكر.
    [291] أخرجه أبو يعلى (7/4201) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ، انظر: الإرواء (2010).
    [292] أخرجه مسلم في النكاح/ باب تحريم إفشاء سر المرأة (1437) عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ.
    [293] أخرجه مسلم في الصيام/ باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته (1106) (65) عن عمر بن أبي سلمة ـ رضي الله عنهما ـ.
    [294] سبق تخريجه ص(382).
    [295] أخرجه البخاري في الجمعة/ باب (900)؛ ومسلم في الصلاة/ باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة (442) (137) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ.
    [296] أخرجه البخاري في الجنائز/ باب اتباع النساء الجنازة (127؛ ومسلم في الجنائز/ باب نهي النساء عن اتباع الجنائز (931) (34).
    [297] أخرجه البخاري في النكاح/ باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد... (5195)؛ ومسلم في الزكاة/ باب ما أنفق العبد من مال مولاه (1026) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ، واللفظ للبخاري.
    [298] سبق تخريجه ص(165).
    [299] أخرجه أحمد (2/347)؛ وأبو داود في النكاح/ باب في القسم بين النساء (2133)؛ والترمذي في النكاح/ باب ما جاء في التسوية بين الضرائر (1141)؛ والنسائي في النكاح/ باب ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض (7/63)؛ وابن ماجه في النكاح/ باب القسمة بين النساء (1969) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ، قال الحافظ في البلوغ (97: «سنده صحيح».
    [300] أخرجه أحمد (6/144)؛ وأبو داود في النكاح/ باب القسم بين النساء (2134)؛ والترمذي في النكاح/ باب ما جاء في التسوية بين الضرائر (1140)؛ والنسائي في النكاح/ باب ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض (7/63، 64)؛ وابن ماجه في النكاح/ باب القسمة بين النساء (1971) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ، وصححه ابن حبان (4205)؛ والحاكم (2/187) وانظر: التلخيص (1466)؛ والإرواء (201.
    [301] سبق تخريجه ص(192).
    [302] سبق تخريجه ص(424).
    [303] سبق تخريجه ص(387).
    [304] أخرجه البخاري في الهبة/ باب هبة المرأة لغير زوجها... (2593) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
    [305] أخرجه البخاري في النكاح/ باب إذا تزوج الثيب على البكر (5214)؛ ومسلم في النكاح/ باب قدر ما تستحق البكر والثيب من إقامة... (1461) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
    [306] أخرجه مسلم في النكاح/ باب قدر ما تستحق البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف (1460) عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ.
    [307] سبق تخريجه ص(387).
    [308] أخرجه البخاري في الأدب/ باب الهجرة... (6077)؛ ومسلم في الأدب/ باب تحريم الهجر فوق ثلاثة أيام بلا عذر شرعي (2560) عن أبي أيوب الأنصاري.
    [309] أخرجه مسلم في الحج/ باب حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم (121 عن جابر ـ رضي الله عنه ـ.
    [310] أخرجه البخاري في الحدود/ باب كم التعزير والأدب (684؛ ومسلم في الحدود/ باب قدر أسواط التعزير (170 عن أبي بردة الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ.
    [311] قرأ بها سائر القرّاء عدا عاصم وحمزة والكسائي، كما في الوجيز للأهوازي (163).

    تعليق

    يعمل...
    X