من كتاب النكاح في الشرح الممتع للعلامة العثيمين رحمه الله :
فَإِنْ عَضَلَ الأَقْرَبُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلاً، أَوْ غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً لاَ تُقْطَعُ إِلاَّ بِكُلْفَةٍ، وَمَشَقَّةٍ زَوَّجَ الأَبْعَدُ،
قوله: «فإن عضل الأقرب»
قال المؤلف هذا اللفظ «عضل» لأنه المطابق لما في القرآن {{فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}} [البقرة: 232] ، و«عضل» بمعنى منع، أي: إذا منع كفؤاً رضيته، يعني رجلاً كفؤاً في دينه، وفي خُلُقه، وفي ماله، خطب هذه المرأة من أبيها، أو من أخيها، ورضيت المرأة به فمنعها، يقول المؤلف: «زوج الأبعد» فيزوجها أخوها، أو عمها أو ابن أخيها مثلاً؛ وذلك لأنه ليس له الحق في المنع، فهو ولي يجب عليه أن يفعل ما هو الأصلح لموليته، فإذا لم يفعل انتقل الحق إلى غيره
ولكن المشكلة أن الناس لا يجرؤون على هذه المسألة، فتجد الأب يمتنع من تزويج ابنته؛ لأن الخاطب لم يعطه ما يرضيه من المهر، فهو عاضل، فلو قلنا لأخيها أو لعمها: زوجها، قال: لا أقدر أن أتعدى الأب، ففي هذه الحال إذا أبى الأقرب، نذهب إلى الأبعد منه، فإذا أبى كل العصبة، وقالوا: ما نقدر، نخشى أن تكون فتنة، فيجب على القاضي أن يزوجها، ولو أن الناس استعملوا هذا ـ وهو شرعي ليس منكراً ـ لانكفَّ كثير من الشر من هؤلاء الآباء، الذين يعضلون ويبيعون بناتهم بيعاً صريحاً.
فالحاصل: أن مشكلتنا أنه لا أحد من الأقارب يجرؤ أن يزوجها، وأبوها أو أخوها موجود، وهذا غلط، ويعتبر ظلماً لهذه المسكينة، وفي هذه الحال لو أن أباها أبى، وكل العصبة، وكذلك القاضي صار جباناً، فحينئذٍ نقول بالقول الثاني، وهو مذهب أبي حنيفة ـ وهو مذهب قائم من مذاهب المسلمين ـ تزوِّج نفسها، وينتهي الإشكال، مع أن هذا سيكون أندر من الكبريت الأحمر، ولا يمكن، لكن لو أنه فعل لانكف الناس عن هذا التحكم في بناتهم، ولقد ذكر لنا بعض الناس منذ أكثر من خمس عشرة سنة أن فتاة حضرها الموت، وقد تجاوزت العشرين من عمرها، وكانت تخطب كثيراً، ومرغوبة عند الناس، وأبوها يأبى، وفي سياق الموت قالت للنساء الحاضرات: بلغوا أبي السلام، وقولوا له: إن بيني وبينه موقفاً يوم القيامة بين يدي الله ـ عزّ وجل ـ حيث منعني أن أتزوج، فهذه كلمة عظيمة في سياق الاحتضار، تتوعد أباها بالوقوف بين يدي الله ـ عزّ وجل، نسأل الله العافية ـ مسألة كبيرة عظيمة، وسبحان الله!! الرجل يعرف من نفسه أنه يريد هذه اللذة، هذه الشهوة، ثم يمنع الشابة التي تريدها مثل ما يريد أو أكثر، فبعض الشابات لولا الحياء والخوف من الله لحصل منهن مفاسد كثيرة، فكيف يمنعها؟! كيف يشبع من الخبز واللحم، ويدع ابنته أو أخته تموت جوعاً؟! فجوع الشهوة الجنسية قد يكون أشد من جوع الشهوة البطنية، وكلتاهما أمران ضروريان للإنسان.
فلهذا يجب على طلبة العلم أن يحذروا من عضل الأولياء، وأن يبينوا للناس أن العاضل لا كرامة له، بل قال العلماء: إذا تكرر عضله فإنه يصبح فاسقاً لا تقبل شهادته، ولا ولايته، ولا أي عمل تشترط فيه العدالة، فإن ذهب طلبة العلم لنشر مثل هذه المعلومات بين الناس، فإن الناس قد يستنكرونها لأول مرة، ويقول الأخ: كيف أزوج وأبي موجود؟! لكن إذا تكرر ذلك ثم صار هناك أخ شجاع وزوَّج مع وجود أبيه الذي عضل، تتابع الناس، فالناس يحتاجون إلى فتح الباب فقط، وإلا فالمسألة متأزمة، يتقدم للمرأة عدة رجال يبلغون إلى ثلاثين رجلاً، ومع ذلك يمنع لسبب شخصي بينه وبين الخاطب، أو حسداً لابنته، كيف يخطبها مثل هذا الرجل الفاضل؟! أو تكون البنت موظفة يأخذ راتبها، وإذا قالت: يا أبي أعطني راتبي، قال: أنت ومالكِ لأبيك!!
فإن كان هناك سبب شرعي اقتضى أن يمتنع فإنه لا يزوج الأبعد، مثال ذلك: امرأة خطبها رجل معروف بنقص الدين، والمجتمع كله أو غالبه أحسن منه ـ وإنما قلت: المجتمع كله أو غالبه، لئلا يرد علينا أنه لو كان مستوى المجتمع بهذه المثابة ـ أي: على مستوى الخاطب ـ فهنا نقول: يزوج ما دام لم يكفر، فلو فرضنا أن عامة المجتمع يشرب الدخان، أو عامة المجتمع يحلق اللحية، فهل يَرُدُّ هذا، ونحن لا ندري متى يأتينا شخص غير حالق لحيته، وغير شارب للدخان؟
الجواب: لا يرده؛ لقوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] ، وكما أننا إذا لم نجد حاكماً إلا فاسقاً فإننا نولي الأمثل فالأمثل من الفاسقين، كذلك هنا، لكن لو كان هذا الرجل يأتي بمعصية نادرة في المجتمع، ثم إن الأقرب قال: لا أزوج هذا الرجل، فله الحق في المنع، وليس لأحد أن يزوج إذا رفض الأقرب.
فَإِنْ عَضَلَ الأَقْرَبُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلاً، أَوْ غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً لاَ تُقْطَعُ إِلاَّ بِكُلْفَةٍ، وَمَشَقَّةٍ زَوَّجَ الأَبْعَدُ،
قوله: «فإن عضل الأقرب»
قال المؤلف هذا اللفظ «عضل» لأنه المطابق لما في القرآن {{فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}} [البقرة: 232] ، و«عضل» بمعنى منع، أي: إذا منع كفؤاً رضيته، يعني رجلاً كفؤاً في دينه، وفي خُلُقه، وفي ماله، خطب هذه المرأة من أبيها، أو من أخيها، ورضيت المرأة به فمنعها، يقول المؤلف: «زوج الأبعد» فيزوجها أخوها، أو عمها أو ابن أخيها مثلاً؛ وذلك لأنه ليس له الحق في المنع، فهو ولي يجب عليه أن يفعل ما هو الأصلح لموليته، فإذا لم يفعل انتقل الحق إلى غيره
ولكن المشكلة أن الناس لا يجرؤون على هذه المسألة، فتجد الأب يمتنع من تزويج ابنته؛ لأن الخاطب لم يعطه ما يرضيه من المهر، فهو عاضل، فلو قلنا لأخيها أو لعمها: زوجها، قال: لا أقدر أن أتعدى الأب، ففي هذه الحال إذا أبى الأقرب، نذهب إلى الأبعد منه، فإذا أبى كل العصبة، وقالوا: ما نقدر، نخشى أن تكون فتنة، فيجب على القاضي أن يزوجها، ولو أن الناس استعملوا هذا ـ وهو شرعي ليس منكراً ـ لانكفَّ كثير من الشر من هؤلاء الآباء، الذين يعضلون ويبيعون بناتهم بيعاً صريحاً.
فالحاصل: أن مشكلتنا أنه لا أحد من الأقارب يجرؤ أن يزوجها، وأبوها أو أخوها موجود، وهذا غلط، ويعتبر ظلماً لهذه المسكينة، وفي هذه الحال لو أن أباها أبى، وكل العصبة، وكذلك القاضي صار جباناً، فحينئذٍ نقول بالقول الثاني، وهو مذهب أبي حنيفة ـ وهو مذهب قائم من مذاهب المسلمين ـ تزوِّج نفسها، وينتهي الإشكال، مع أن هذا سيكون أندر من الكبريت الأحمر، ولا يمكن، لكن لو أنه فعل لانكف الناس عن هذا التحكم في بناتهم، ولقد ذكر لنا بعض الناس منذ أكثر من خمس عشرة سنة أن فتاة حضرها الموت، وقد تجاوزت العشرين من عمرها، وكانت تخطب كثيراً، ومرغوبة عند الناس، وأبوها يأبى، وفي سياق الموت قالت للنساء الحاضرات: بلغوا أبي السلام، وقولوا له: إن بيني وبينه موقفاً يوم القيامة بين يدي الله ـ عزّ وجل ـ حيث منعني أن أتزوج، فهذه كلمة عظيمة في سياق الاحتضار، تتوعد أباها بالوقوف بين يدي الله ـ عزّ وجل، نسأل الله العافية ـ مسألة كبيرة عظيمة، وسبحان الله!! الرجل يعرف من نفسه أنه يريد هذه اللذة، هذه الشهوة، ثم يمنع الشابة التي تريدها مثل ما يريد أو أكثر، فبعض الشابات لولا الحياء والخوف من الله لحصل منهن مفاسد كثيرة، فكيف يمنعها؟! كيف يشبع من الخبز واللحم، ويدع ابنته أو أخته تموت جوعاً؟! فجوع الشهوة الجنسية قد يكون أشد من جوع الشهوة البطنية، وكلتاهما أمران ضروريان للإنسان.
فلهذا يجب على طلبة العلم أن يحذروا من عضل الأولياء، وأن يبينوا للناس أن العاضل لا كرامة له، بل قال العلماء: إذا تكرر عضله فإنه يصبح فاسقاً لا تقبل شهادته، ولا ولايته، ولا أي عمل تشترط فيه العدالة، فإن ذهب طلبة العلم لنشر مثل هذه المعلومات بين الناس، فإن الناس قد يستنكرونها لأول مرة، ويقول الأخ: كيف أزوج وأبي موجود؟! لكن إذا تكرر ذلك ثم صار هناك أخ شجاع وزوَّج مع وجود أبيه الذي عضل، تتابع الناس، فالناس يحتاجون إلى فتح الباب فقط، وإلا فالمسألة متأزمة، يتقدم للمرأة عدة رجال يبلغون إلى ثلاثين رجلاً، ومع ذلك يمنع لسبب شخصي بينه وبين الخاطب، أو حسداً لابنته، كيف يخطبها مثل هذا الرجل الفاضل؟! أو تكون البنت موظفة يأخذ راتبها، وإذا قالت: يا أبي أعطني راتبي، قال: أنت ومالكِ لأبيك!!
فإن كان هناك سبب شرعي اقتضى أن يمتنع فإنه لا يزوج الأبعد، مثال ذلك: امرأة خطبها رجل معروف بنقص الدين، والمجتمع كله أو غالبه أحسن منه ـ وإنما قلت: المجتمع كله أو غالبه، لئلا يرد علينا أنه لو كان مستوى المجتمع بهذه المثابة ـ أي: على مستوى الخاطب ـ فهنا نقول: يزوج ما دام لم يكفر، فلو فرضنا أن عامة المجتمع يشرب الدخان، أو عامة المجتمع يحلق اللحية، فهل يَرُدُّ هذا، ونحن لا ندري متى يأتينا شخص غير حالق لحيته، وغير شارب للدخان؟
الجواب: لا يرده؛ لقوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16] ، وكما أننا إذا لم نجد حاكماً إلا فاسقاً فإننا نولي الأمثل فالأمثل من الفاسقين، كذلك هنا، لكن لو كان هذا الرجل يأتي بمعصية نادرة في المجتمع، ثم إن الأقرب قال: لا أزوج هذا الرجل، فله الحق في المنع، وليس لأحد أن يزوج إذا رفض الأقرب.
تعليق