إبني العريس إبنتي العروس !
د. ابراهيم بن عبدالله المطلق
جامعة الإمام محمد بن سعود - الرياض
تحية عطرة وتهنئة صادقة من أعماق القلب أقدمها لكما ونحن نعيش موسماً كله فرح وأنس ومناسبات كلها بهجة وسرور. هذه التحية وتلكم التهنئة أقدمهما لأبنائي وبناتي العريس منهم والعروس، وأرجو ألا يفهم هذا العنوان بأن الشيخوخة قد أخذت مني مأخذاً فعهدي بنفسي أنني قد تجاوزت الثلاثين عاماً أقدم هذه التهنئة مغلفة بوصايا محب ونصائح مشفق سائلاً المولى لكل عرساننا حياة كلها أنس وهناء وتوفيق وسعادة.
أيها العريس الكريم اعلم أنك إنما استحللت هذه الفتاة بكتاب الله تعالى وسنّة نبيه الكريم، فأدعوك أن تضع بين عينيك كتاب الله تعالى وسنّة نبيه الكريم في حياتك الزوجية، فالله جلّ وعلا أمر وحث على المعاشرة بالمعروف، فقال سبحانه: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وقال سبحانه، {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ}، وهكذا كان هدي نبيك الكريم في تعامله مع زوجاته، فقد جاءت السنة المطهرة بحسن معاشرته صلى الله عليه وسلم لزوجاته، وأمر بذلك، فقد ثبت عنه عليه السلام قوله: (واستوصوا بالنساء خيراً)، وقوله: (رفقاً بالقوارير) وغيرها من النصوص التي تأمر بالإحسان إلى الزوجة والتلطف معها، والكلمة الطيبة لا تأتي إلا بخير، والكلمة السيئة والفاحشة مطية للشيطان، قال سبحانه: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ}.
ولتعلم أخي الكريم أن نسبة عالية من وقائع الطلاق إنما هي بسبب كلمة قالها الزوج في لحظة غضب أو قالتها الزوجة ولم يستطع تحملها فجاء الجواب (أنت طالق)، ثم أعلم أخي العريس الكريم أن الحياة الزوجية تحمل أكبر وأسمى وأعظم معاني الحياة، فالحياة الزوجية ليست مقتصرة على ممارسة جنسية فقط، إنما هي عشرة وخلق وتفاهم ومحبة وحياء وإيثار وكل خلق وصفة جميلة طيبة ينبغي أن يتصف بها الزوجان في أكمل معنى وأتم وجه في تعاملها مع بعضهما البعض.
أخي العريس عروستك اخترتها بنفسك ورضيتها طوعاً واختياراً لتكمل بها دينك متمثلاً قول النبي الكريم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج....) وهي هبة ومكرمة من الله تعالى وهبها لك وهي كالزجاجة، فالزجاجة إذا انكسرت فمصيرها صندوق النفايات، وكما أن لك أخوات تحرص على سعادتهن وتوفيقهن وتغتاظ جداً لو طلقت إحداهن، فاعلم أن الناس كذاك، فاجتهد ألا يكون الطلاق هو الحل الوحيد في خلافك مع زوجتك.
أخي العريس أعلم تماماً أنك بعشرتك الطيبة وخلقك العظيم وابتسامتك العريضة وكلمتك الرقيقة سوف تمتلك شغاف قلب زوجتك ولب عقلها وسوف تهنأ بإذن الله تعالى بحياة يملأها الحب والتفاهم والسعادة.
أيها العريس الكريم هناك من يملي عليك بأن المرأة تحتاج في التعامل إلى شدة وعنف وقسوة وغلظة لتستقيم لك وتكون مطيعة لك، ومحبة لك، وخائفة منك ومن بطشك.
وأؤكد لك أن هذا الأسلوب في التعامل خلاف ما أمر الله به وخلاف ما جاءت به السنّة المطهرة، ولو نجح هذا الأسلوب في أزمنة مضت وفي ظروف بيئية معينة فإن الزمن قد تغير وإنسان اليوم يختلف عن إنسان الأمس وهناك مستجدات ومتغيرات كثيرة نحتاج إلى مراعاتها فضلاً عن أن هذه المرأة التي قد تبدأها بالقسوة والشدة هي شريكتك في قطار الحياة ومدى الحياة وهي شريكتك في فراش الزوجية وتجتمع أنت وهي في جسد واحد وفي وساد واحد فكيف يطيب لك أن تسبها وتشتمها وتقسو عليها تارة ثم تأتي تارة أخرى لتقضي بها وطرك وشهوتك وتشبع حاجتك! لا يليق بمثلك هذه الخلق.
أيتها العروس الجميلة الحسناء أهنئك باديء ذي بدء بأن ساق الله إليك رفيق الدرب، فهو هبة من الله لك خصك الله بها في زمن البيوت مليئة بالعوانس والمطلقات والأرامل، فاحرصي - يا رعاك الله - أن تصوني هذه الجوهرة وتحافظي عليها بالطاعة المطلقة والكلمة اللطيفة وضعي نصب عينيك توجيه النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسيلم ووعده للزوجة الصالحة المطيعة بالجنة شريطة أن تحفظ فرجها وتطيع زوجها، وقد وعد النبي الكريم بأن يقال لها: (ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت)، فليكن عروستي الكريمة لك من هذا الحديث أكبر نصيب علك تفوزي في الدارين وتسعدي في الحياتين.
أيتها العروس الحسناء عش الزوجية إنما يبنى بالتعاون والتفاهم والرفق وعدم تكليف الآخر فوق طاقته واعلمي أن الوصول إلى مرتبة الرضا في الحياة الزوجية إنما يكون باحترام الزوج وتقدير ظروفه وعدم إحراجه وإهانته بحال من الأحوال، فهو بشر يرضى ويغضب ولا يخفى عليك أن تكاليف الحياة والظروف المعيشية لا تقارن اليوم بما كان عليه والأجداد والآباء بالأمس وربما يكون زوجك من ذوي الدخل المحدود فإياك أن تكلفيه فوق طاقته وتحرجيه بما لا يستطيع، واعلمي أنه وإن حقق لك ما تريدين فسوف تزرعين في قلبه بذرة كراهية تنمو شيئاً فشيئا، اقنعي باليسير إلى أن يفرج الله لكما وييسر شؤونكما، واعلمي أن الحياة الزوجية لا تعني الرفاهية ومواكبة الآخرين وإنما العشرة الطيبة والخُلق الجم، فالحياة الزوجية أسمى وأعظم من كل شيء. واختم وصيتي لك بقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (امرأة بلا زوج مسكينة مسكينة مسكينة).
[أقول –أبو أسامة سمير الجزائري-:
هذا الحديث أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي عن أبي نجيح قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " مسكين مسكين مسكين رجل ليست له امرأة
قيل يا رسول الله وإن كان غنيا ذا مال ؟ قال : وإن كان غنيا من المال
قال : ومسكينة مسكينة مسكينة امرأة ليس زوج قيل : يا رسول الله وإن كانت غنية ومكثرة من المال قال : وإن كانت "
قال البيهقي : أبو نجيح اسمه يسار وهو والد عبد الله بن أبي نجيح والحديث مرسل "].
وفق الله عرساننا جميعاً لحياة كلها سعادة وأنس وتوفيق وسعادة وحرسهما من شياطين الإنس والجن ومن شر كل ذي شر هو آخذ بناصيته ومن شر حاسد إذا حسد.
جريدة الجزيرة - العدد 11976 - الاربعاء 7 جمادى الثانية 1426.
المصدر
د. ابراهيم بن عبدالله المطلق
جامعة الإمام محمد بن سعود - الرياض
تحية عطرة وتهنئة صادقة من أعماق القلب أقدمها لكما ونحن نعيش موسماً كله فرح وأنس ومناسبات كلها بهجة وسرور. هذه التحية وتلكم التهنئة أقدمهما لأبنائي وبناتي العريس منهم والعروس، وأرجو ألا يفهم هذا العنوان بأن الشيخوخة قد أخذت مني مأخذاً فعهدي بنفسي أنني قد تجاوزت الثلاثين عاماً أقدم هذه التهنئة مغلفة بوصايا محب ونصائح مشفق سائلاً المولى لكل عرساننا حياة كلها أنس وهناء وتوفيق وسعادة.
أيها العريس الكريم اعلم أنك إنما استحللت هذه الفتاة بكتاب الله تعالى وسنّة نبيه الكريم، فأدعوك أن تضع بين عينيك كتاب الله تعالى وسنّة نبيه الكريم في حياتك الزوجية، فالله جلّ وعلا أمر وحث على المعاشرة بالمعروف، فقال سبحانه: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وقال سبحانه، {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ}، وهكذا كان هدي نبيك الكريم في تعامله مع زوجاته، فقد جاءت السنة المطهرة بحسن معاشرته صلى الله عليه وسلم لزوجاته، وأمر بذلك، فقد ثبت عنه عليه السلام قوله: (واستوصوا بالنساء خيراً)، وقوله: (رفقاً بالقوارير) وغيرها من النصوص التي تأمر بالإحسان إلى الزوجة والتلطف معها، والكلمة الطيبة لا تأتي إلا بخير، والكلمة السيئة والفاحشة مطية للشيطان، قال سبحانه: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ}.
ولتعلم أخي الكريم أن نسبة عالية من وقائع الطلاق إنما هي بسبب كلمة قالها الزوج في لحظة غضب أو قالتها الزوجة ولم يستطع تحملها فجاء الجواب (أنت طالق)، ثم أعلم أخي العريس الكريم أن الحياة الزوجية تحمل أكبر وأسمى وأعظم معاني الحياة، فالحياة الزوجية ليست مقتصرة على ممارسة جنسية فقط، إنما هي عشرة وخلق وتفاهم ومحبة وحياء وإيثار وكل خلق وصفة جميلة طيبة ينبغي أن يتصف بها الزوجان في أكمل معنى وأتم وجه في تعاملها مع بعضهما البعض.
أخي العريس عروستك اخترتها بنفسك ورضيتها طوعاً واختياراً لتكمل بها دينك متمثلاً قول النبي الكريم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج....) وهي هبة ومكرمة من الله تعالى وهبها لك وهي كالزجاجة، فالزجاجة إذا انكسرت فمصيرها صندوق النفايات، وكما أن لك أخوات تحرص على سعادتهن وتوفيقهن وتغتاظ جداً لو طلقت إحداهن، فاعلم أن الناس كذاك، فاجتهد ألا يكون الطلاق هو الحل الوحيد في خلافك مع زوجتك.
أخي العريس أعلم تماماً أنك بعشرتك الطيبة وخلقك العظيم وابتسامتك العريضة وكلمتك الرقيقة سوف تمتلك شغاف قلب زوجتك ولب عقلها وسوف تهنأ بإذن الله تعالى بحياة يملأها الحب والتفاهم والسعادة.
أيها العريس الكريم هناك من يملي عليك بأن المرأة تحتاج في التعامل إلى شدة وعنف وقسوة وغلظة لتستقيم لك وتكون مطيعة لك، ومحبة لك، وخائفة منك ومن بطشك.
وأؤكد لك أن هذا الأسلوب في التعامل خلاف ما أمر الله به وخلاف ما جاءت به السنّة المطهرة، ولو نجح هذا الأسلوب في أزمنة مضت وفي ظروف بيئية معينة فإن الزمن قد تغير وإنسان اليوم يختلف عن إنسان الأمس وهناك مستجدات ومتغيرات كثيرة نحتاج إلى مراعاتها فضلاً عن أن هذه المرأة التي قد تبدأها بالقسوة والشدة هي شريكتك في قطار الحياة ومدى الحياة وهي شريكتك في فراش الزوجية وتجتمع أنت وهي في جسد واحد وفي وساد واحد فكيف يطيب لك أن تسبها وتشتمها وتقسو عليها تارة ثم تأتي تارة أخرى لتقضي بها وطرك وشهوتك وتشبع حاجتك! لا يليق بمثلك هذه الخلق.
أيتها العروس الجميلة الحسناء أهنئك باديء ذي بدء بأن ساق الله إليك رفيق الدرب، فهو هبة من الله لك خصك الله بها في زمن البيوت مليئة بالعوانس والمطلقات والأرامل، فاحرصي - يا رعاك الله - أن تصوني هذه الجوهرة وتحافظي عليها بالطاعة المطلقة والكلمة اللطيفة وضعي نصب عينيك توجيه النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسيلم ووعده للزوجة الصالحة المطيعة بالجنة شريطة أن تحفظ فرجها وتطيع زوجها، وقد وعد النبي الكريم بأن يقال لها: (ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت)، فليكن عروستي الكريمة لك من هذا الحديث أكبر نصيب علك تفوزي في الدارين وتسعدي في الحياتين.
أيتها العروس الحسناء عش الزوجية إنما يبنى بالتعاون والتفاهم والرفق وعدم تكليف الآخر فوق طاقته واعلمي أن الوصول إلى مرتبة الرضا في الحياة الزوجية إنما يكون باحترام الزوج وتقدير ظروفه وعدم إحراجه وإهانته بحال من الأحوال، فهو بشر يرضى ويغضب ولا يخفى عليك أن تكاليف الحياة والظروف المعيشية لا تقارن اليوم بما كان عليه والأجداد والآباء بالأمس وربما يكون زوجك من ذوي الدخل المحدود فإياك أن تكلفيه فوق طاقته وتحرجيه بما لا يستطيع، واعلمي أنه وإن حقق لك ما تريدين فسوف تزرعين في قلبه بذرة كراهية تنمو شيئاً فشيئا، اقنعي باليسير إلى أن يفرج الله لكما وييسر شؤونكما، واعلمي أن الحياة الزوجية لا تعني الرفاهية ومواكبة الآخرين وإنما العشرة الطيبة والخُلق الجم، فالحياة الزوجية أسمى وأعظم من كل شيء. واختم وصيتي لك بقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (امرأة بلا زوج مسكينة مسكينة مسكينة).
[أقول –أبو أسامة سمير الجزائري-:
هذا الحديث أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي عن أبي نجيح قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " مسكين مسكين مسكين رجل ليست له امرأة
قيل يا رسول الله وإن كان غنيا ذا مال ؟ قال : وإن كان غنيا من المال
قال : ومسكينة مسكينة مسكينة امرأة ليس زوج قيل : يا رسول الله وإن كانت غنية ومكثرة من المال قال : وإن كانت "
قال البيهقي : أبو نجيح اسمه يسار وهو والد عبد الله بن أبي نجيح والحديث مرسل "].
وفق الله عرساننا جميعاً لحياة كلها سعادة وأنس وتوفيق وسعادة وحرسهما من شياطين الإنس والجن ومن شر كل ذي شر هو آخذ بناصيته ومن شر حاسد إذا حسد.
جريدة الجزيرة - العدد 11976 - الاربعاء 7 جمادى الثانية 1426.
المصدر
تعليق