هل تفكر بالتعدد وتعجز عن التبرير؟مبحث في تعدد الزوجات من أضواء البيان للشيخ الشنقيطي.
تقديم / محمود الشنقيطي / ملتقى أهل التفسير
قد يمن الله على بعض عباده بامرأة تطلب الحكمة والبرهان العقلي على فعل ما ولو كان شرعيا,ولما آتاهن الله من المراوغة والمجادلة فقد يقنعن بعض الرجال بأن لا مبرر ولا داعي للزواج من اخرى, بل الإقدام على ذلك هو بداية غروب شمس التصافي والاستقرار الأسري الذي يعيشه الرجل مع الواحدة,وأثناء قراءتي لتفسير أضواء البيان شدني هذاالنقاش الهادئ المقنع - في نظري- فأحببت طرحه عسى الله أن يشرح به صدور قوم آخرين..
قال الشيخ في ذكره لأمثلة - هدي القرآن للتي هي أقوم - في سورةبني إسرائيل:
ومن هدي القرآن للتي هي أقومُ إباحة تعدد الزوجات إلى اربع,وأن الرجل إذا خاف عدم العدل بينهن لزمه الاقتصار على واحدة أو ملك يمين,كما قال تعالى (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم)..
ولا شك ان الطريق التي هي اقوم الطرق وأعدلها هي إباحة تعدد الزوجات,لأمور محسوسة يعرفها كل العقلاء,منها:
1-منها أن المرأة الواحدة تحيض وتمرض وتنفس إلى غير ذلك من العوائق المانعة من قيامها بأخص لوازم الزوجية,والرجل مستعد للتسبب في زيادة الأمَّة,فلو حبس عليها في احوال أعذارها,لعطلت منافعه باطلا في غير ذنب.
2-ومنها أن الله اجرى العادة بأن الرجال أقل عددا من النساء في اقطار الدنيا وأكثر تعرضا لأسباب الموت منهن في جميع ميادين الحياة,فلو قصر الرجل على واحدة,لبقي عدد ضخم من النساء محروما من الزواج,فيضطررن إلى ركوب الفاحشة,فالعدول عن هدي القرآن في هذه المسألة من اعظم أسباب ضياع الأخلاق والانحطاط إلى درجة البهائم في عدم الصيانة والمحافظة على الشرف والمروءة والأخلاق,فسبحان الحكيم الخبير (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير)..
3-ومنها أن الإناث كلهن مستعدات للزواج,وكثير من الرجال لا قدرة لهم على القيام بلوازم الزواج لفقرهم,فالمستعدون للزواج من الرجال أقل من المستعدات له من النساء,لأن المرأة لا عائق لها,والرجل يعوقه الفقر وعدم القدرةعلى لوازم النكاح,فلو قُصر الواحدُ على الواحدةلضاع كثير من المستعدات للزواج أيضاً بعدم وجود أزواجوفيكون ذلك سببا لضياع الفضيلة وتفشي الرذيلة,والانحطاط الخلقي,وضياع القيم الإنسانية كما هو واضح..
فإن خافالرجل ألا يعدل بينهنووجب عليه الاقتصار على واحدة,أو ما ملكت يمينه لأن الله يقول (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) الآية..
والميل بالتفضيل في الحقوق الشرعية بينهن لا يجوز لقوله تعالى (فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة)..
أما الميل الطبيعي بمحبة بعضهن أكثر من بعض فهو غير مستطاع دفعه للبشر,لأنه انفعالٌ وتأثر نفساني لافعلٌ,وهو المراد بقوله (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء) كما أوضحناه في غير هذ الموضع..
وما يزعمه بعض الملاحدة من اعداء دين الإسلام من ان تعدد الزوجات يلزمه الخصام والشغب الدائم المفضي إلى نكد الحياة لأنه كلما أرضى إحدى الضرتين سخطت الأخرى,فهو بين سخطتين دائما,وأن هذا ليس من الحكمة,فهو كلام ساقط يظهر سقوطه لكل عاقل,لأن الخصام والمشاغبة بين أفراد أهل البيت لا انفكاك عنه البتة,فيقع بين الرجل وأمه وبينه وبين أبيه وبينه وبين أولاده وبينه وبين زوجته الواحدة,فهو أمرٌ عادي ليس له كبير شأن,وهو في جنب المصالح العظيمة التي ذكرنا في تعدد الزوجات - من صيانة النساء,وتيسير التزويج لجميعهن وكثرة عدد الأمة لتقوم بعددهاالكثير في أوجه أعداء الإسلام-كلا شيء,لأن المصلحة العظمى يقدم جلبها على دفع المفسدة الصغرى,فلو فرضنا ان المشاغبة المزعومة في تعدد الزوجات مفسدة,أو أن إيلام قلب الزوجةالأولى بالضرة مفسدة,لقدمت عليها تلك المصالح الراجحة التي ذكرنا كما هو معروف في الأصول, قال في مراقي السعود عاطفا على ما تلغى فيه المفسدة المرجوحة في جنب المصلحة الراجحة:
أو رجح الإصلاحُ كالأسارَى **** تفدى بما ينفع للنصارَى
وانظر تدلي دوالي العنبِ **** في كل مشرق وكل مغربِ
ففداء الأسارى مصلحة راجحة,ودفع فدائهم النافع للعدو,مفسدة مرجوحة,فتقدم عليها المصلحة الراجحة..
أما إذا ساوت المصلحة والمفسدة أو كانت المفسدة ارجح كفداء الأسرى بسلاح يتمكن بسببه العو من قتل قدر الأسارى او أكثر من المسلمين فإن المصلحة تلغى لكونها غير راجحة,كما قال في المراقي:
اخرُم مناسباً بمفسد لزمْ **** للحكم وهو غير مرجوح علم
وكذلك العنب تعصر منه الخمر وهي ام الخبائث إلا ان مصلحة وجود العنب والزبيب والانتفاع بهما في أقطار الدنيا مصلحةٌ راجحة على مفسدة عصر الخمر منها ألغيت لها تلك المفسدة المرجوحة..
واجتماع الرجال والنساء في البلدالواحد قد يكون سببا لحصول الزنا إلا أن التعاون بين المجتمع من ذكور وإناث مصلحة أرجح من تلك المفسدة,ولذا لم يقل احد من العلماء :إنه يجب عزل النساء في محل مستقل عن الرجال,وأن يُجعل عليهن حصن قوي لا يمكن الوصول إليهن معه,وتجعل المفاتيح بيد امين معروف بالتقى والديانة- كما هو مقرر في الأصول..
فالقرآن أباح تعددالزوجات لمصلحة المراة في عدم حرمانها من الزواج,ولمصلحة الرجل بعدم تعطل منافعه في حال قيام العذر بالمرأة الواحدة,ولمصلحة الأمة ليكثر عددها فيمكنها مقاومة عدوها لتكون كلمة الله هي العليا,فهو تشريع حكيم خبير لا يطعن فيه إلا من أعمى الله بصيرته بظلمات الكفر.
وتحديد الزوجات بأربع تحديدٌ من حكيم خبير وهو أمر وسط بين القلة المفضية إلى تعطل بعض منافع الرجل وبين الكثرة التي هي مظنة عدم القدرة على القيام بلوازم الزوجية للجميع,والعلم عند الله تعالى..
منقووول للفائدة .