" إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته , و إن كانت لا تعلم " .
قال العلامة الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 152 :
أخرجه الطحاوي و أحمد ( 5 / 424 ) عن زهير بن معاوية قال : حدثنا عبد الله ابن عيسى عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن أبي حميد - و كان قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره .
قلت : و هذا إسناد صحيح , رجاله كلهم ثقات رجال مسلم .
و قد رواه الطبراني أيضا في " الأوسط " و " الكبير " كما في " المجمع " ( 4 / 276 ) و قال : " و رجال أحمد رجال الصحيح " . و سكت عليه الحافظ في " التلخيص " .
و قد عمل بهذا الحديث بعض الصحابة و هو محمد بن مسلمة الأنصاري , فقال سهل ابن أبي حثمة :
" رأيت محمد بن مسلمة يطارد بثينة بنت الضحاك فوق إجار لها ببصره طردا شديدا , فقلت : أتفعل هذا و أنت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ? ! فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا ألقي في قلب امرىء خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها " .
" إذا ألقي في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها " .
قال العلامة الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 153 :
رواه سعيد بن منصور في " سننه " ( 519 ) و كذا ابن ماجه ( 1864 ) و الطحاوي ( 2 / 8 ) و البيهقي و الطيالسي ( 1186 ) و أحمد ( 4 / 225 ) عن حجاج ابن أرطاة عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة عن عمه سليمان ابن أبي حثمة .
قلت : و هذا إسناد ضعيف من أجل الحجاج فإنه مدلس و قد عنعنه .
و قال البيهقي :" إسناده مختلف , و مداره على الحجاج بن أرطاة , و فيما مضى كفاية " .
و تعقبه الحافظ البوصيري فقال في " الزوائد " ( 117 / 2 ) : " قلت : لم ينفرد به الحجاج بن أرطاة , فقد رواه ابن حبان في " صحيحه " عن أبي يعلى عن أبي خيثمة عن أبي حازم , عن سهل بن أبي حثمة عن عمه سليمان ابن أبي حثمة قال : رأيت محمد بن سلمة فذكره " .
قلت : كذا وجدته بخطي نقلا عن " الزوائد " , فلعله سقط مني أو من ناسخ الأصل شيء من سنده - و ذاك ما استبعده - فإنه منقطع بين أبي خيثمة و أبي حازم , فإن أبا خيثمة و اسمه زهير بن حرب توفي سنة ( 274 ) , و أما أبو حازم فهو إما سلمان الأشجعي و إما سلمة بن دينار الأعرج و هو الأرجح و كلاهما تابعي , و الثاني متأخر الوفاة , مات سنة ( 140 ) .
ثم رأيت الحديث في " زوائد ابن حبان " ( 1225 ) مثلما نقلته عن البوصيري : إلا أنه وقع فيه " أبو خازم " بالخاء المعجمة - عن " سهل بن محمد ابن أبي حثمة " مكان " سهيل بن أبي حثمة " و سهل بن محمد بن أبي حثمة لم أجد له ترجمة و لعله في " ثقات ابن حبان " فليراجع .
لكن للحديث طريقان آخران :
الأولى : عن إبراهيم بن صرمة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة به .
أخرجه الحاكم ( 3 / 434 ) و قال : " حديث غريب , و إبراهيم بن صرمة ليس من شرط هذا الكتاب " .
قال الذهبي في " تلخيصه " : " قلت : ضعفه الدارقطني , و قال أبو حاتم : شيخ " .
الثانية : عن رجل من أهل البصرة عن محمد بن سلمة مرفوعا به .
أخرجه أحمد ( 4 / 226 ) : حدثنا وكيع عن ثور عنه .
قلت : و رجاله ثقات غير الرجل الذي لم يسم . و بالجملة فالحديث قوي بهذه الطرق , و الله أعلم .
و قد ورد عن جابر مثل ما ذكرنا عن بن مسلمة كما يأتي . و ما ترجمنا به للحديث قال به أكثر العلماء , ففي " فتح الباري " ( 9 / 157 ) : " و قال الجمهور : يجوز أن ينظر إليها إذا أراد ذلك بغير إذنها , و عن مالك رواية : يشترط إذنها , و نقل الطحاوي عن قوم أنه لا يجوز النظر إلى المخطوبة قبل العقد بحال , لأنها حينئذ أجنبية , و رد عليهم بالأحاديث المذكورة " .
فائدة :
------
روى عبد الرزاق في " الأمالي " ( 2 / 46 / 1 ) بسند صحيح عن ابن طاووس قال : أردت أن أتزوج امرأة , فقال لي أبي : اذهب فانظر إليها , فذهبت فغسلت رأسي و ترجلت و لبست من صالح ثيابي , فلما رآني في تلك الهيئة قال : لا تذهب !
قلت : و يجوز له أن ينظر منها إلى أكثر من الوجه و الكفين لإطلاق الأحاديث المتقدمة و لقوله صلي الله عليه وسلم :" إذا خطب أحدكم المرأة , فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل ".
" إذا خطب أحدكم المرأة , فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل "
.
قال العلامة الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 155 :
أخرجه أبو داود ( 2082 ) و الطحاوي و الحاكم و البيهقي و أحمد ( 3 / 334 , 360 ) , عن محمد بن إسحاق عن داود بن حصين عن واقد بن عبد الرحمن بن سعد بن معاذ عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
قال :
" فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها و تزوجها " .
و السياق لأبي داود , و قال الحاكم : " هذا حديث صحيح على شرط مسلم " . و وافقه الذهبي .
قلت : ابن إسحاق إنما أخرج له مسلم متابعة , ثم هو مدلس و قد عنعنه , لكن قد صرح بالتحديث في إحدى روايتي أحمد , فإسناده حسن , و كذا قال الحافظ في" الفتح " ( 9 / 156 ) , و قال في " التلخيص " :
" و أعله ابن القطان بواقد بن عبد الرحمن , و قال : المعروف واقد بن عمرو " .
قلت : رواية الحاكم فيها عن واقد بن عمرو و كذا هو عند الشافعي و عبد الرزاق "
.
أقول : و كذلك هو عند جميع من ذكرنا غير أبي داود و أحمد في روايته الأخرى فقالا : " واقد بن عبد الرحمن " , و قد تفرد به عبد الواحد بن زياد خلافا لمن قال : " واقد بن عمرو " و هم أكثر , و روايتهم أولى , و واقد بن عمرو ثقة من رجال مسلم , أما واقد بن عبد الرحمن فمجهول . و الله أعلم .
فقه الحديث :
-----------
و الحديث ظاهر الدلالة لما ترجمنا له , و أيده عمل راويه به , و هو الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه , و قد صنع مثله محمد بن مسلمة كما ذكرناه في الحديث الذي قبله , و كفى بهما حجة , و لا يضرنا بعد ذلك , مذهب من قيد الحديث بالنظر إلى الوجه و الكفين فقط , لأنه تقييد للحديث بدون نص مقيد , و تعطيل لفهم الصحابة بدون حجة , لاسيما و قد تأيد بفعل الخليفة الراشد عمر بن
الخطاب رضي الله عنه , فقال الحافظ في " التلخيص " ( ص 291 - 292 ) :
( فائدة ) :
----------
روى عبد الرزاق و سعيد بن منصور في " سننه " ( 520 - 521 ) و ابن أبي عمر و سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن على بن الحنفية : أن عمر خطب إلى علي ابنته أم كلثوم , فذكر له صغرها , ( فقيل له : إن ردك , فعاوده ) , فقال ( له علي ) : أبعث بها إليك , فإن رضيت فهي امرأتك , فأرسل بها
إليه , فكشف عن ساقيها , فقالت : لولا أنك أمير المؤمنين لصككت عينك . و هذا
يشكل على من قال : إنه لا ينظر غير الوجه و الكفين " .
و هذا القول الذي أشار الحافظ إلى استشكاله هو مذهب الحنفية و الشافعية .
قال ابن القيم في " تهذيب السنن " ( 3 / 25 - 26 ) : " و قال داود : ينظر إلى سائر جسدها . و عن أحمد ثلاث روايات :
إحداهن : ينظر إلى وجهها و يديها .
و الثانية : ينظر ما يظهر غالبا كالرقبة و الساقين و نحوهما .
و الثالثة : ينظر إليها كلها عورة و غيرها , فإنه نص على أنه يجوز أن ينظر إليها متجردة ! "
قلت : و الرواية الثانية هي الأقرب إلى ظاهر الحديث , و تطبيق الصحابة له و الله أعلم .
و قال ابن قدامة في " المغني " ( 7 / 454 ) :
" و وجه جواز النظر ( إلى ) ما يظهر غالبا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن في النظر إليها من غير علمها , علم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر عادة , إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره له في الظهور , و لأنه يظهر غالبا فأبيح النظر إليه كالوجه , و لأنها امرأة أبيح له النظر إليها بأمر
الشارع , فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم " .
ثم وقفت على كتاب " ردود على أباطيل " لفضيلة الشيخ محمد الحامد , فإذا به يقول
( ص 43 ) :
" فالقول بجواز النظر إلى غير الوجه و الكفين من المخطوبة باطل لا يقبل " .
و هذه جرأة بالغة من مثله ما كنت أترقب صدورها منه , إذ أن المسألة خلافية كما سبق بيانه , و لا يجوز الجزم ببطلان القول المخالف لمذهبه إلا بالإجابة عن حجته و دليله كهذه الأحاديث , و هو لم يصنع شيئا من ذلك , بل إنه لم يشر إلى الأحاديث أدنى إشارة , فأوهم القراء أن لا دليل لهذا القول أصلا , و الواقع
خلافه كما ترى , فإن هذه الأحاديث بإطلاقها تدل على خلاف ما قال فضيلته , كيف لا و هو مخالف لخصوص قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ( 99 ) : " ما يدعوه إلى نكاحها " , فإن كل ذي فقه يعلم أنه ليس المراد منه الوجه و الكفان فقط , و مثله في الدلالة قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ( 97 ) : " و إن كانت لا تعلم " .
و تأيد ذلك بعمل الصحابة رضي الله عنهم , عمله مع سنته صلى الله عليه وسلم , و منهم محمد ابن مسلمة و جابر بن عبد الله , فإن كلا منهما تخبأ لخطيبته ليرى منها ما يدعوه إلى نكاحها , أفيظن بهما عاقل أنهما تخبآ للنظر إلى الوجه و الكفين فقط ! و مثل عمر بن الخطاب الذي كشف عن ساقي أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهم . فهؤلاء ثلاثة من كبار الصحابة أحدهم الخليفة الراشد أجازوا النظر إلى أكثر من الوجه و الكفين , و لا مخالف لهم من الصحابة فيما أعلم , فلا أدري كيف استجاز مخالفتهم مع هذه الأحاديث الصحيحة ?! و عهدى بأمثال الشيخ أن يقيموا القيامة على من خالف أحدا من الصحابة اتباعا للسنة الصحيحة , و لو كانت الرواية عنه لا تثبت كما فعلوا في عدد ركعات التراويح ! و من عجيب أمر الشيخ
عفا الله عنا و عنه أنه قال في آخر البحث : " قال الله تعالى : فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر ذلك خير و أحسن تأويلا " . ! فندعو أنفسنا و إياه إلى تحقيق هذه الآية و رد هذه المسألة إلى السنة بعد ما تبينت . و الله المستعان و لا حول و لا قوة إلا بالله .
هذا و مع صحة الأحاديث في هذه المسألة , و قول جماهير العلماء بها - على خلاف السابق - فقد أعرض كثير من المسلمين في العصور المتأخرة عن العمل بها , فإنهم لا يسمحون للخاطب بالنظر إلى فتاتهم - و لو في حدود القول الضيق .
تورعا منهم , زعموا , و من عجائب الورع البارد أن بعضهم يأذن لابنته بالخروج إلى الشارع سافرة بغير حجاب شرعي ! ثم يأبى أن يراها الخاطب في دارها , و بين أهلها بثياب الشارع !
و في مقابل هؤلاء بعض الآباء المستهترين الذين لا يغارون على بناتهم . تقليدا منهم لأسيادهم الأوربيين , فيسمحون للمصور أن يصورهن و هن سافرات سفورا غير مشروع , و المصور رجل أجنبي عنهن , و قد يكون كافرا , ثم يقدمن صورهن إلى بعض الشبان , بزعم أنهم يريدون خطبتهن , ثم ينتهي الأمر على غير خطبة , و تظل صور بناتهم معهم , ليتغزلوا بها , و ليطفئوا حرارة الشباب بالنظر إليها ! .
ألا فتعسا للآباء الذين لا يغارون . و إنا لله و إنا إليه راجعون .
قال العلامة الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 152 :
أخرجه الطحاوي و أحمد ( 5 / 424 ) عن زهير بن معاوية قال : حدثنا عبد الله ابن عيسى عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن أبي حميد - و كان قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره .
قلت : و هذا إسناد صحيح , رجاله كلهم ثقات رجال مسلم .
و قد رواه الطبراني أيضا في " الأوسط " و " الكبير " كما في " المجمع " ( 4 / 276 ) و قال : " و رجال أحمد رجال الصحيح " . و سكت عليه الحافظ في " التلخيص " .
و قد عمل بهذا الحديث بعض الصحابة و هو محمد بن مسلمة الأنصاري , فقال سهل ابن أبي حثمة :
" رأيت محمد بن مسلمة يطارد بثينة بنت الضحاك فوق إجار لها ببصره طردا شديدا , فقلت : أتفعل هذا و أنت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ? ! فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا ألقي في قلب امرىء خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها " .
" إذا ألقي في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها " .
قال العلامة الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 153 :
رواه سعيد بن منصور في " سننه " ( 519 ) و كذا ابن ماجه ( 1864 ) و الطحاوي ( 2 / 8 ) و البيهقي و الطيالسي ( 1186 ) و أحمد ( 4 / 225 ) عن حجاج ابن أرطاة عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة عن عمه سليمان ابن أبي حثمة .
قلت : و هذا إسناد ضعيف من أجل الحجاج فإنه مدلس و قد عنعنه .
و قال البيهقي :" إسناده مختلف , و مداره على الحجاج بن أرطاة , و فيما مضى كفاية " .
و تعقبه الحافظ البوصيري فقال في " الزوائد " ( 117 / 2 ) : " قلت : لم ينفرد به الحجاج بن أرطاة , فقد رواه ابن حبان في " صحيحه " عن أبي يعلى عن أبي خيثمة عن أبي حازم , عن سهل بن أبي حثمة عن عمه سليمان ابن أبي حثمة قال : رأيت محمد بن سلمة فذكره " .
قلت : كذا وجدته بخطي نقلا عن " الزوائد " , فلعله سقط مني أو من ناسخ الأصل شيء من سنده - و ذاك ما استبعده - فإنه منقطع بين أبي خيثمة و أبي حازم , فإن أبا خيثمة و اسمه زهير بن حرب توفي سنة ( 274 ) , و أما أبو حازم فهو إما سلمان الأشجعي و إما سلمة بن دينار الأعرج و هو الأرجح و كلاهما تابعي , و الثاني متأخر الوفاة , مات سنة ( 140 ) .
ثم رأيت الحديث في " زوائد ابن حبان " ( 1225 ) مثلما نقلته عن البوصيري : إلا أنه وقع فيه " أبو خازم " بالخاء المعجمة - عن " سهل بن محمد ابن أبي حثمة " مكان " سهيل بن أبي حثمة " و سهل بن محمد بن أبي حثمة لم أجد له ترجمة و لعله في " ثقات ابن حبان " فليراجع .
لكن للحديث طريقان آخران :
الأولى : عن إبراهيم بن صرمة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة به .
أخرجه الحاكم ( 3 / 434 ) و قال : " حديث غريب , و إبراهيم بن صرمة ليس من شرط هذا الكتاب " .
قال الذهبي في " تلخيصه " : " قلت : ضعفه الدارقطني , و قال أبو حاتم : شيخ " .
الثانية : عن رجل من أهل البصرة عن محمد بن سلمة مرفوعا به .
أخرجه أحمد ( 4 / 226 ) : حدثنا وكيع عن ثور عنه .
قلت : و رجاله ثقات غير الرجل الذي لم يسم . و بالجملة فالحديث قوي بهذه الطرق , و الله أعلم .
و قد ورد عن جابر مثل ما ذكرنا عن بن مسلمة كما يأتي . و ما ترجمنا به للحديث قال به أكثر العلماء , ففي " فتح الباري " ( 9 / 157 ) : " و قال الجمهور : يجوز أن ينظر إليها إذا أراد ذلك بغير إذنها , و عن مالك رواية : يشترط إذنها , و نقل الطحاوي عن قوم أنه لا يجوز النظر إلى المخطوبة قبل العقد بحال , لأنها حينئذ أجنبية , و رد عليهم بالأحاديث المذكورة " .
فائدة :
------
روى عبد الرزاق في " الأمالي " ( 2 / 46 / 1 ) بسند صحيح عن ابن طاووس قال : أردت أن أتزوج امرأة , فقال لي أبي : اذهب فانظر إليها , فذهبت فغسلت رأسي و ترجلت و لبست من صالح ثيابي , فلما رآني في تلك الهيئة قال : لا تذهب !
قلت : و يجوز له أن ينظر منها إلى أكثر من الوجه و الكفين لإطلاق الأحاديث المتقدمة و لقوله صلي الله عليه وسلم :" إذا خطب أحدكم المرأة , فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل ".
" إذا خطب أحدكم المرأة , فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل "
.
قال العلامة الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 155 :
أخرجه أبو داود ( 2082 ) و الطحاوي و الحاكم و البيهقي و أحمد ( 3 / 334 , 360 ) , عن محمد بن إسحاق عن داود بن حصين عن واقد بن عبد الرحمن بن سعد بن معاذ عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
قال :
" فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها و تزوجها " .
و السياق لأبي داود , و قال الحاكم : " هذا حديث صحيح على شرط مسلم " . و وافقه الذهبي .
قلت : ابن إسحاق إنما أخرج له مسلم متابعة , ثم هو مدلس و قد عنعنه , لكن قد صرح بالتحديث في إحدى روايتي أحمد , فإسناده حسن , و كذا قال الحافظ في" الفتح " ( 9 / 156 ) , و قال في " التلخيص " :
" و أعله ابن القطان بواقد بن عبد الرحمن , و قال : المعروف واقد بن عمرو " .
قلت : رواية الحاكم فيها عن واقد بن عمرو و كذا هو عند الشافعي و عبد الرزاق "
.
أقول : و كذلك هو عند جميع من ذكرنا غير أبي داود و أحمد في روايته الأخرى فقالا : " واقد بن عبد الرحمن " , و قد تفرد به عبد الواحد بن زياد خلافا لمن قال : " واقد بن عمرو " و هم أكثر , و روايتهم أولى , و واقد بن عمرو ثقة من رجال مسلم , أما واقد بن عبد الرحمن فمجهول . و الله أعلم .
فقه الحديث :
-----------
و الحديث ظاهر الدلالة لما ترجمنا له , و أيده عمل راويه به , و هو الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه , و قد صنع مثله محمد بن مسلمة كما ذكرناه في الحديث الذي قبله , و كفى بهما حجة , و لا يضرنا بعد ذلك , مذهب من قيد الحديث بالنظر إلى الوجه و الكفين فقط , لأنه تقييد للحديث بدون نص مقيد , و تعطيل لفهم الصحابة بدون حجة , لاسيما و قد تأيد بفعل الخليفة الراشد عمر بن
الخطاب رضي الله عنه , فقال الحافظ في " التلخيص " ( ص 291 - 292 ) :
( فائدة ) :
----------
روى عبد الرزاق و سعيد بن منصور في " سننه " ( 520 - 521 ) و ابن أبي عمر و سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن على بن الحنفية : أن عمر خطب إلى علي ابنته أم كلثوم , فذكر له صغرها , ( فقيل له : إن ردك , فعاوده ) , فقال ( له علي ) : أبعث بها إليك , فإن رضيت فهي امرأتك , فأرسل بها
إليه , فكشف عن ساقيها , فقالت : لولا أنك أمير المؤمنين لصككت عينك . و هذا
يشكل على من قال : إنه لا ينظر غير الوجه و الكفين " .
و هذا القول الذي أشار الحافظ إلى استشكاله هو مذهب الحنفية و الشافعية .
قال ابن القيم في " تهذيب السنن " ( 3 / 25 - 26 ) : " و قال داود : ينظر إلى سائر جسدها . و عن أحمد ثلاث روايات :
إحداهن : ينظر إلى وجهها و يديها .
و الثانية : ينظر ما يظهر غالبا كالرقبة و الساقين و نحوهما .
و الثالثة : ينظر إليها كلها عورة و غيرها , فإنه نص على أنه يجوز أن ينظر إليها متجردة ! "
قلت : و الرواية الثانية هي الأقرب إلى ظاهر الحديث , و تطبيق الصحابة له و الله أعلم .
و قال ابن قدامة في " المغني " ( 7 / 454 ) :
" و وجه جواز النظر ( إلى ) ما يظهر غالبا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن في النظر إليها من غير علمها , علم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر عادة , إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره له في الظهور , و لأنه يظهر غالبا فأبيح النظر إليه كالوجه , و لأنها امرأة أبيح له النظر إليها بأمر
الشارع , فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم " .
ثم وقفت على كتاب " ردود على أباطيل " لفضيلة الشيخ محمد الحامد , فإذا به يقول
( ص 43 ) :
" فالقول بجواز النظر إلى غير الوجه و الكفين من المخطوبة باطل لا يقبل " .
و هذه جرأة بالغة من مثله ما كنت أترقب صدورها منه , إذ أن المسألة خلافية كما سبق بيانه , و لا يجوز الجزم ببطلان القول المخالف لمذهبه إلا بالإجابة عن حجته و دليله كهذه الأحاديث , و هو لم يصنع شيئا من ذلك , بل إنه لم يشر إلى الأحاديث أدنى إشارة , فأوهم القراء أن لا دليل لهذا القول أصلا , و الواقع
خلافه كما ترى , فإن هذه الأحاديث بإطلاقها تدل على خلاف ما قال فضيلته , كيف لا و هو مخالف لخصوص قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ( 99 ) : " ما يدعوه إلى نكاحها " , فإن كل ذي فقه يعلم أنه ليس المراد منه الوجه و الكفان فقط , و مثله في الدلالة قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ( 97 ) : " و إن كانت لا تعلم " .
و تأيد ذلك بعمل الصحابة رضي الله عنهم , عمله مع سنته صلى الله عليه وسلم , و منهم محمد ابن مسلمة و جابر بن عبد الله , فإن كلا منهما تخبأ لخطيبته ليرى منها ما يدعوه إلى نكاحها , أفيظن بهما عاقل أنهما تخبآ للنظر إلى الوجه و الكفين فقط ! و مثل عمر بن الخطاب الذي كشف عن ساقي أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهم . فهؤلاء ثلاثة من كبار الصحابة أحدهم الخليفة الراشد أجازوا النظر إلى أكثر من الوجه و الكفين , و لا مخالف لهم من الصحابة فيما أعلم , فلا أدري كيف استجاز مخالفتهم مع هذه الأحاديث الصحيحة ?! و عهدى بأمثال الشيخ أن يقيموا القيامة على من خالف أحدا من الصحابة اتباعا للسنة الصحيحة , و لو كانت الرواية عنه لا تثبت كما فعلوا في عدد ركعات التراويح ! و من عجيب أمر الشيخ
عفا الله عنا و عنه أنه قال في آخر البحث : " قال الله تعالى : فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر ذلك خير و أحسن تأويلا " . ! فندعو أنفسنا و إياه إلى تحقيق هذه الآية و رد هذه المسألة إلى السنة بعد ما تبينت . و الله المستعان و لا حول و لا قوة إلا بالله .
هذا و مع صحة الأحاديث في هذه المسألة , و قول جماهير العلماء بها - على خلاف السابق - فقد أعرض كثير من المسلمين في العصور المتأخرة عن العمل بها , فإنهم لا يسمحون للخاطب بالنظر إلى فتاتهم - و لو في حدود القول الضيق .
تورعا منهم , زعموا , و من عجائب الورع البارد أن بعضهم يأذن لابنته بالخروج إلى الشارع سافرة بغير حجاب شرعي ! ثم يأبى أن يراها الخاطب في دارها , و بين أهلها بثياب الشارع !
و في مقابل هؤلاء بعض الآباء المستهترين الذين لا يغارون على بناتهم . تقليدا منهم لأسيادهم الأوربيين , فيسمحون للمصور أن يصورهن و هن سافرات سفورا غير مشروع , و المصور رجل أجنبي عنهن , و قد يكون كافرا , ثم يقدمن صورهن إلى بعض الشبان , بزعم أنهم يريدون خطبتهن , ثم ينتهي الأمر على غير خطبة , و تظل صور بناتهم معهم , ليتغزلوا بها , و ليطفئوا حرارة الشباب بالنظر إليها ! .
ألا فتعسا للآباء الذين لا يغارون . و إنا لله و إنا إليه راجعون .
تعليق