القول المسدد في تصحيح مفاهيم خاطئة في التعدد
كتبه:
كتبه:
أبو بكر يوسف لعويسي
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
إن قضية تعدد الزوجات من بين القضايا المهمة في عالم إسلامنا ، والتي طعن فيها خصوم الإسلام ، وأعداء تشريع الله تعالى ، وأثاروا حولها الشبه والشكوك ، وزعموا أنها مسألة هُدرت فيها كرامةُ المرأة ، وضاع فيها حقُها ، واتخذوا من هذه المسألة طريقا للطعن في النبي صلى الله عليه وسلم والدين الذي جاء به ، وانتقدوا بشدة أحكامه ، وشرائعه ، وبالتالي التشكيك فيه ، وصرفِ الناسِ عنه ، وما ذاك إلا لحِقدهم على الإسلام وبغضهم لأتباعه أولا ، وثانيا حِرمانُهم من الإيمان بحكمة الله تعالى وعدله سبحانه ، وصلاحيةِ تشريعهِ ، فما أضل سبيل القوم ، وما أشد عَماهُم عن الحق .
وليس العجيبُ المحيرُ أن يصدر مثل هذا العداءُ من الكفار مما يبدونه حينا فحينا ، فقد أخبرنا الله أن ما تخفي صدورهم أكبر ، ولكن العجب كل العجب أن يصدر مثل ذلك من بني جلدتنا من أبناء أمتنا ممن يتكلمون بألسنتنا ويهدونا بغير هدي نبينا .
يقول أحمد شاكر رحمه الله :
فقد نبتت وظهرت بشكل واسع رهيب في عصرنا الذي نحيا فيه نابتة من أتباعنا إفرنجية العقل ، نصرانية العاطفة ، رباهم الإفرنج في ديارنا وديارهم ، وأرضعوهم عقائدهم صريحة تارة وممزوجة تارات ، حتى لبسوا عليهم تفكيرهم ، وغلبوهم على فطرتهم الإسلامية ، فصار هجيرهم ، وديدنهم أن ينكروا تعدد الزوجات ،وأن يروه عملا بشعا غير مستساغ في نظرهم ، فمنهم من يصرح ، ومنهم من يهمس ويجمجم ، وجاراهم في ذلك بعض من ينتسب إلى العلم المنتسبين للدين ، والذين كان من واجبهم أن يدافعوا عنه ، وأن يعرفوا الجاهلين بحقائق الشريعة الغراء .
فقام بعضهم يمهد لأولئك الذين تربوا في حجر الكفار ، ورضعوا من لبن الإلحاد والعلمنة ، والعصرنة ،للحد من تعدد الزوجات أو منعه بالكلية زعموا ؟؟؟ ولم يدرك هؤلاء الأئمة والدعاة في بلاد المسلمين أن الذين يحاولون استرضاءهم لا يريدون إلا أن يزيلوا كل أثر لتعدد الزوجات في بلاد الإسلام ، وأنهم لا يرضون عنهم إلا أن يجاروهم في تحريمه ومنعه جملة وتفصيلا ، وأنهم يأبون أن يوجد على أي وجه من الوجوه ، لأنه منكر بشع في نظر سادتهم ، وفاعله قد ارتكب جريمة يعاقب عليها ..
وهاهم قد توصلوا إلى نتائج مرضية ، فقد سمعنا أن أغلب حكوماتنا الإسلامية وضعت في بلادها قوانين للحد من تعدد الزوجات أو منعه جملة ، بل صرحت بعض الحكومات باللفظ المنكر : أن تعدد الزوجات عندهم صار حراما ، وهذا تحريم لما أحل الله ، وفاعله مرتد كافر بالإجماع . انتهى كلامه رحمه الله من كتابه كلمة حق .
عباد الله ؛ الله سبحانه هو العليم الحكيم الذي خلق من كل شيء زوجيين اثنين ، ذكرا وأنثى ، فخلق للبشر من أنفسهم أزواجا ليسكنوا إليها ، وجعل بينهما مودة ورحمة ، وكرّم الجنس البشري من بين تلك المخلوقات ، وخصه بأشياء ، فهو العليم سبحانه بما يصلح له ، وما لايصلح ،وجعل لكل من الذكر والأنثى مميزات وخصائص ، وهو سبحانه حكيم في كل ذلك ، كما هو حكيم في تقديره بحيث جعل الرجل أقوى ، وخصه بقدرة ، كما أنه يكون طالبا للمرأة ، وجعل في قدرته الاستطاعة أن يضم إليه أكثر من امرأة ، يسكن إليهن جميعا في نفس الوقت .
وجعل المرأة بحكمته سبحانه أضعف من الرجل، وهي مطلوبة وليست طالبة، ولا تستطيع أن تضم إليها في آن واحد أكثر من رجل وبصفة مستمرة ، كما جعلها لاتستطيع أن تسكن إليهم جميعا ، وأن توزع بينهم حبها ، ولكنها تعطي قلبها رجلا واحدا منهم تراه أقواهم وأفضلهم ، لذلك تميل إليه وتشد عليه بكل ما أوتيت من عاطفة ، وتعطيه كل قلبها.
محاولة الاستحواذ عليه بمفردها .
ولما كان الرجل كما وصفت من القوة والقدرة ، وينضاف إلى ذلك حبه عمارة الأرض بالشرف والذكر وطلب الولد والمدح والثناء ، جعل الله له القوامة ، وأباح له أن يستمتع من النساء مثنى وثلاث ورباع ، بضوابط وقيود ، حسب قدرته ، ولاقدرة له بأن يكون في عصمته فوق الأربع إلا ما خص الله به نبيه صلى الله عليه وسلم .
ولما كانت سنة التدافع في الحياة بين الحق والباطل ، وكانت تؤدي إلى قتل الكثير من الرجال بسبب الحروب القائمة بينهما كما قال تعالى :{{ ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض ..}} الآية ولما شرع الله سبحانه من الطلاق إذا استحالت الحياة مع رجل فربما يسعد كل منهما مع زوج آخر ، ولحكم أخرى كثيرة شرع الله التعدد كحل وسط لمعالجة قضية الأرامل والأيامى ، والمطلقات ؛ حتى لا يفتقدن القوامة ، ويعشن في عزة وكرامة ،في مجتمع نظيف طاهر ، وكذلك شرع الله التعدد لمعالجة قضية اليتيمات والعوانس اللواتي كثرت المجتمعات بهن بسبب تلك الحروب ؛ وحتى يشعرن بالمودة والرحمة والسكينة التي طالما حرمن منها ، والتي تحضى بها الكثيرات من الأمهات المتزوجات ؛ وحتى يتعففن ولا يفتحن على المجتمع باب من الفساد عظيم .
والمرأة كما أنها ضعيفة سريعة التأثر إيجابا، فكذلك هي ضعيفة سريعة التأثر سلبا ويؤثر فيها إيجابا كلمة طيبة رنانة ، ولسمة دائفة حنونة ، ويردها عن التأثر السلبي أن تعيش في كنف رجل حتى لو كانت رابعة ولوكان ذلك الرجل مسنا ، لأن الأصل في طبيعتها العفة والحياء ، فهي تبحث عمن يحميها وترضى منه أن يجامعها ولو مرة في الأربعة أيام ، وهذا يوافق ما أعطاها الله تعالى من حق فلها يوم وليلة من أربعة أيام فقط مع التعدد ، ويمكنها أن تصبر على الرجل أربعة أشهر كما أجابت حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها أباها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما سألها كم تصبر المرأة على زوجها ؟ فقالت : أربعة أشهر ، فجعل ذلك حدا لايتجاوزه الجند في الغزو ، وبقيت سنة متبعةفي الذين آمنوا .
أما الرجل فلا يستطيع أن يصبر على المرأة حتى في الجهاد لذلك أبيح لهم أن يتسروا بالسبايا بعد تقسيمها ، فكثير من الرجال وخاصة من أوتي قوة وشبقا لا يصبر على المرأة ، قال تعالى:{{ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}}أي في أي وقت شئتم وعلى أي كيفية مشروعة أردتم .
والرجل الذي يقول ويصرح أن المرأة الواحدة تكفيه ، وهو قوي قادر ، غير مشغول بالجهاد، ولا متفرغ لطلب العلم ، ولا عازف عن الدنيا بحيث أصبح متطبعا بالإعراض عن النساء كلية،فهو إما ضعيف عنده مرض ، وإما
استحوذت عليه امرأة بحيث ملكت عليه لبه وعقله ، وأصبح لايرى في الوجود امرأة سواها ، فهو عاشق ولوع ، أو أنه يراوغ بذلك حتى لا يظهر بمظهر المنهزم أمامها ،وأمام من يعرفوه ، لأنها متسلطة عليه لايستطيع أن يذكر عندها التعدد ؛ ويخاف أن ينطق أمامها بالزواج من ثانية ،لأنها تقيم الدنيا عليه ولاتقعدها لأنها أعطيت من العقوق فوق ما تستحق من الحقوق، والسبب في ذلك أنها تعتقد أن ذلك خاينة منه ، أو أنه لا يحبها ،أو أنها تخاف كلام الناس ، فماذا سيقولون عني ؟ وبماذا أجيبهم ؟ما تزوج عنها إلا لسبب خفي أو أنه لايحبها وهكذا ..وتحسب لكلام الناس ألف حساب ولا تراقب رب الناس الذي شرع له ذلك ، أو أنها تعتقد بما أوحى إليها شياطين الإنس والجن أن الزواج بثانية وثالثة هو نهاية حياتها لأنها ترى الكثير ممن عددوا أهملوا حقوق زوجاتهم إما كلية أو جزئية ، وهذا كله من وحي الشياطين ،فمن عرف شرع الله وتمسك به عرف قيمة التعدد ، وأن فيه سعادة المرأة ، وأن المستفيد الأول منه هي المرأة، وأن فيه أيضا سعادة الأمة، لأن المجتمع الذي يقل فيه نسبة العنوسة ، فإنه تقل فيه نسبة الفاحشة ، والأمراض ، وأولاد الزنى ، وهذه الأمور كلها مكلفة للدولة أموالا باهضة لأجل ذلك شرعه الله سبحانه وتعالى الذي يعلم خبايا النفوس وما يسعدها في الحال والمآل .
وبعض الرجال - سامحهم الله - تسمعه يقول ذلك ، أي - أن الواحدة تكفيه -وهو غير صادق في ذلك ، لأنه خارج البيت يخالل ، ويصادق ويغازل ، ويقع في المحظور، ولا يخاف من الله تعالى مثل خوفه من تلك المتسلطة ، فهي ترضى أن يأتي زوجها الحرام بعيدا عن عينها ، ولا ترضى أن يأتي الحلال ، ولا تدري المسكينة أن ذلك ربما سبب لها الدمار ، فربما انتقل إليها المرض الذي أصاب الزوج بسبب المعاشرة المحرمة ، وربما سولت لها نفسها والشيطان أن تنتهك حدود الله؛ وتبيع شرفها انتقاما من زوجها ، الذي أصبح عاجزا عن إعطائها حقها ، وزاهدا فيها .
هذا وأنا أتكلم عن المرأة التي لا تعمل في أماكن الاختلاط ، أما تلك التي تعمل في وسط الرجال بعيدا عن زوجها والرجل الذي يعمل وسط النساء بعيدا عن زوجته، وكل منهما ذهب إلى عمله في أجمل وأحلى زينه ممالم يعهد منهما لبعضهما البعض ، فحدث ولا حرج عن المحرمات التي تحصل منهما مع الزملاء والزميلات والخلان والخليلات ، وإن لم يرحمنا الله فالعقاب نازل بنا ؛والدمار لاحق لنا ، قالت أم سلمة رضي الله عنها : يارسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال: نعم ، إذا كثر الخبث .
ومن الحكم العظيمة التي من أجلها شرع التعدد هي أن المرأة تعرتيها عوارض طبيعية ،ونفسية ، فهي تحيض ، ويصل زمن الحيض عند بعضهن خمس عشرة يوما ، وكذلك تمرض بالولادة وتبقى مدة طويلة وهي نفساء
تصل إلى ستين يوما ، وكذلك أثناء الحمل ، ربما تضررت بالوحم ، وربما رفضت زوجها في هذه الفترة ، أو في فترة ما قبل الولادة ، وفترة ما بعد الولادة من الرضاع وكثرة الاهتمام بالمولود الجديد ،وكذلك خدمتها لزوجها وأولاده ، يأخذ كثيرا من وقتها مما يدفعها للتقصير في حق زوجها ، وبعضهن إذا أنجبت الأولاد أصبحت قليلة الاهتام بزوجها ،وربما كان الزوج شديد الطلب لها مما يسبب لها الإحراج والإزعاج في الغسل المستمر من الجنابة ، وكثرة الطلب وقد تكون متعبة فالكثيرات يشتكين من هذه الحالات ، ومع هذه العوارض كلها ترضى أن تحبس زوجها عن أداء حقوقه في الحلال؛ فإذا حاضت حاض معها ، وإذا نفست نفس معها ، وإذا مرضت مرض معها المسكين ، ولا ترضى لزوجها أن يعدد ويستر امرأة أخرى محرومة ،أو امرأتين ، أو ثلاث حسب قدرته وقوته .
وأيضا فإن التركيبة الفسيلوجية للمرأة تحدث عندها اضطرابات .. بسب كثير من العوارض خاصة قبل الحيض ، وبعد فترة الخصوبة التي تقبل فيها المرأة الزوج ، وربما تطلبه ...
التفاتة لطيفة : ومن الحكم التي شرع من أجلها التعدد وهي من الأمور المطلوبة شرعا ، الترابط والتكافل الاجتماعي بين الأسر ، ومن أهم الوسائل إليه التعدد ،فإنه من أعظم أسباب التحابب والترابط الاجتماعي{{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ..}}.
ومن أسباب التعارف الزواج ، وليس ضم الرجل إليه أكثر من امرأة من أجل إشباع غريزته الجنسية فحسب ، ولكنه أسمى من ذلك ، وهو تقوية الرابطة الاجتماعية بالتعارف والحب ، والنسب ، والحسب ، والمال في إطار التقوى والإيمان .
فالرجال الذين يملكون الملايين من الدينارات والكثير من البيوت والعقارات هم كثيرون وارتباطهم بعدة أسر أخرى غير أسرة الزوجة الواحدة ، والإحسان إلى بناتهم بأي صفة كانوا ، أرامل أو أيامى ، أو عوانس ، أو يتيمات ، ومعاشرتهن بالمعروف وحمايتهن من الضياع والانحلال يعتبر من أعظم البر والإحسان ، وأعظم عرى المحبة بين أهل الإيمان، فإن الإنسان جبل على حب من أحسن إليه ،وطالما استعبد الإحسان الإنسان .
يتبع إن شاء الله ...
تعليق