لسؤال: انتشر بين العوامِّ أنَّ فاطمة بنتَ رسولِ الله لُقِّبَتْ ﺑ: «بالزهراء» لأنَّها لم تَحِضْ، وهي لها خصوصية من الرحمـٰن، فهل هذا صحيح؟ وما وجه تلقيبها ﺑ: «البتول» وإن كانت تفارق مريم العذراء عليها السلام في كونها تزوّجت عليًّا رضي الله عنه؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أما بعد:
ففاطمةُ رضي الله عنها بنتُ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وزوجةُ عليٍّ بنِ أبي طالب رضي الله عنه، سيّدةُ نساءِ هذه الأُمَّةِ، ومناقبُها مشهورة عند أهل السُّنَّة، وتسميتُها ﺑ: «الزهراء» وَرَدَ في بعض كتب أهل السُّنَّةِ كتفسير الطبري(١- (6/339، 4/545))، والألوسي(٢- (13/387، 394))، وأضواء البيان للشنقيطي(٣- (8/270))، وفي الاستيعاب لابن عبد البر(٤- (2/135))، وشرح السُّنَّة للبغوي(٥- (14/15)، حيث بوَّب في كتاب «فضائل الصحابة» باب «مناقب فاطمة الزهراء رضي الله عنها»، لكن لم ينقل بهذا اللقب تاريخيًّا لدى أهل السُّنَّة فيما أعلم، ومعنى الزهراء أنها تتمتّع بِوَجْهٍ مُشْرِقٍ مُسْتَنِـيرٍ زَاهِرٍ، ومنه جاء الحديث: «اقْرَؤُوا الزَّهْرَاوَيْنِ: البَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَان، فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَايَتَانِ»(٦- أخرجه مسلم في «صلاة المسافرين» (1874)، وابن حبان (116)، والحاكم في المستدرك (2071)، وأحمد (21653)، وعبد الرزاق في «المصنف» (5991)، والبيهقي (4159)، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه)، وإنَّما المنقول عن الشيعة أنَّ من أسمائها «الزهراء» بمعنى نورانيتها ظاهرًا وباطنًا كما فسَّرها المجلسي، وعنهم أيضًا جاء في بحار الأنوار للإمام الصادق أنّ سبب تسميتها: «أنَّها هي الحوراءُ الإنسيةُ متى قامت من محرابها بين يدي ربها «جلَّ جلاله» زَهَر نورها لملائكة السماوات كما يزهو نور كواكب الأرض». ولا يخفى شدّة الغلوّ في التفسيرات الشيعية.الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أما بعد:
أمَّا تلقيبها ﺑ: «فاطمة البتول» ليس لأنَّها لم تَحِضْ كما ورد في السؤال، وإنَّما لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً وشرفًا ودينًا وحسبًا؛ لأنَّ لفظة «تبتَّل» معناها الانقطاع، ومنه قوله تعالى: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً﴾ [المزّمِّل: 8]، أي: انقطِع إلى الله وتفرَّغ لعبادته إذا فَرغتَ من أشغالك، ومنه قيل لمريم «البتول» لانقطاعها عن الرجال، فالحاصل أنَّ هذا هو معنى اللفظة من حيث أصلُها اللغوي، أمَّا من جهة صحّة النسبة فليس فيها مستند تاريخي عند أهل السُّنَّة في حدود علمي يمكن الاعتماد عليه.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا.
الشيخ محمد علي فركوس
المصدر: الفتوى رقم: 536
http://www.ferkous.com/rep/Bq76.php