السؤال:
اعتادَ الكثيرُ مِن الإخوة بعد إجراء العقد الشرعيِّ الذهابَ إلى بيت الزوجة لزيارتها، وهذه العادةُ عند الكثير مِن الناس في المجتمع القسنطينيِّ منبوذةٌ ولا يحبِّذونها، وهذا ما يسبِّب للأخواتِ الإحراجَ مع أهليهنَّ، خاصَّةً وأنَّ بعض الإخوةِ ربَّما يجلس لمدَّةٍ طويلةٍ والزيارةُ متكرِّرةٌ دائمًا. فما هو الحكمُ الشرعيُّ بارك الله فيكم؟ وفَّقكم اللهُ لما فيه الخيرُ، إنَّه وليُّ ذلك والقادرُ عليه.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالذي ينبغي على العاقدِ أن لا يُثْقِلَ على زوجته المعقودِ عليها خشيةَ تنفيرِ أهلها منه وإحراجِهم، وخاصَّةً مع تَكرار الزيارة، وهذا مخالِفٌ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا»(١)، قال المُناويُّ ـ رحمه الله ـ: «أي: زُرْ أخاك وقتًا بعد وقتٍ، ولا تُلازِمْ زيارتَه كُلَّ يومٍ تَزْدَدْ ـ عنده ـ حُبًّا، وبقَدْرِ الملازمة تهون عليه»(٢).
فعلى العاقد أن يتوخَّى أوقاتًا يكون فيها أهلُ الزوجةِ على استعدادٍ لأَنْ يرحِّبُوا به، ولا يزعجهم بإرادةِ الجلوس مع زوجته، وإذا استعجلَ أَمْرَه بتحصينِ نَفْسِه وفَرْجِه فعليه أن يُهيِّئ بيتَه لنَقْلِ زوجته إليه؛ لذلك أنصحُ الإخوةَ العاقدين أن لا يُحْرِجوا أهاليَ زوجاتهم بما يُخالِف طبائعَهم وعاداتِهم غيرَ المنافيةِ للشرع، وَلْيعلموا أنه ما دامَتِ الزوجةُ في بيتِ وليِّها قبل الدخول بها فإنَّ وليَّها هو المتصرِّفُ في شأنها وله كامِلُ الطاعة في المعروف لقيامه بالنفقة عليها، وإنما طاعةُ الزوجِ واجبةٌ عليها بعد الدخول بها والنفقةِ عليها.
هذا، والتصرُّفات غيرُ المقابَلة بالتطيِيب والتَّرحاب مِن قِبَل أهالي زوجته يُخشى أن تؤدِّيَ إلى فَقْدِ محبَّتهم له، ومحبَّةُ الناسِ مطلوبةٌ شرعًا كما في الحديث عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنهما قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللهُ وَأَحَبَّنِي النَّاسُ»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللهُ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّوكَ»(٣)، ولِما ثَبَتَ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجَبَتْ»، ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ: «وَجَبَتْ»؛ فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه: «ما وَجَبَتْ؟» قَالَ: «هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ؛ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأَرْضِ»(٤). ولا شكَّ أنَّ النَّاس إن شهدوا خيرًا فخيرٌ، وإنْ شرًّا فشرٌّ؛ فلا يجعلِ المرءُ نَفْسَهُ ثقيلًا على غيره لئلَّا تَمَلَّه النفوسُ وتُبْغِضه، وما أُبْغِضَ شيءٌ إلَّا ذلَّ واحتُقِر، والعزَّةُ الدينيةُ مطلوبةٌ لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [المنافقون: ٨].
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٢ رمضان ١٤٢٦ﻫ
الموافق ﻟ: ١٥ أكتوبر ٢٠٠٥م
(١) أخرجه الحاكم (٥٤٧٧) مِن حديث حبيب بن مَسْلَمَة رضي الله عنه، وأخرجه الطيالسيُّ في «مسنده» (٢٥٣٥)، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الترغيب والترهيب» (٢٥٨٣) مِن رواية عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهما.
(٢) «فيض القدير» للمناوي (٤/ ٦٢).
(٣) أخرجه ابن ماجه في «الزهد» باب الزهد في الدنيا (٤١٠٢)، والحاكم (٧٨٧٣)، مِن حديث سهل بن سعدٍ رضي الله عنهما. والحديث حسَّنه النوويُّ في «الأذكار» (٥٠٣)، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٩٢٢).
(٤) أخرجه البخاريُّ في «الجنائز» باب ثناءِ الناس على الميِّت (١٣٦٧)، ومسلمٌ في «الجنائز» (١/ ٤٢٢) رقم: (٩٤٩)، مِن حديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه.
اعتادَ الكثيرُ مِن الإخوة بعد إجراء العقد الشرعيِّ الذهابَ إلى بيت الزوجة لزيارتها، وهذه العادةُ عند الكثير مِن الناس في المجتمع القسنطينيِّ منبوذةٌ ولا يحبِّذونها، وهذا ما يسبِّب للأخواتِ الإحراجَ مع أهليهنَّ، خاصَّةً وأنَّ بعض الإخوةِ ربَّما يجلس لمدَّةٍ طويلةٍ والزيارةُ متكرِّرةٌ دائمًا. فما هو الحكمُ الشرعيُّ بارك الله فيكم؟ وفَّقكم اللهُ لما فيه الخيرُ، إنَّه وليُّ ذلك والقادرُ عليه.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالذي ينبغي على العاقدِ أن لا يُثْقِلَ على زوجته المعقودِ عليها خشيةَ تنفيرِ أهلها منه وإحراجِهم، وخاصَّةً مع تَكرار الزيارة، وهذا مخالِفٌ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا»(١)، قال المُناويُّ ـ رحمه الله ـ: «أي: زُرْ أخاك وقتًا بعد وقتٍ، ولا تُلازِمْ زيارتَه كُلَّ يومٍ تَزْدَدْ ـ عنده ـ حُبًّا، وبقَدْرِ الملازمة تهون عليه»(٢).
فعلى العاقد أن يتوخَّى أوقاتًا يكون فيها أهلُ الزوجةِ على استعدادٍ لأَنْ يرحِّبُوا به، ولا يزعجهم بإرادةِ الجلوس مع زوجته، وإذا استعجلَ أَمْرَه بتحصينِ نَفْسِه وفَرْجِه فعليه أن يُهيِّئ بيتَه لنَقْلِ زوجته إليه؛ لذلك أنصحُ الإخوةَ العاقدين أن لا يُحْرِجوا أهاليَ زوجاتهم بما يُخالِف طبائعَهم وعاداتِهم غيرَ المنافيةِ للشرع، وَلْيعلموا أنه ما دامَتِ الزوجةُ في بيتِ وليِّها قبل الدخول بها فإنَّ وليَّها هو المتصرِّفُ في شأنها وله كامِلُ الطاعة في المعروف لقيامه بالنفقة عليها، وإنما طاعةُ الزوجِ واجبةٌ عليها بعد الدخول بها والنفقةِ عليها.
هذا، والتصرُّفات غيرُ المقابَلة بالتطيِيب والتَّرحاب مِن قِبَل أهالي زوجته يُخشى أن تؤدِّيَ إلى فَقْدِ محبَّتهم له، ومحبَّةُ الناسِ مطلوبةٌ شرعًا كما في الحديث عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنهما قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللهُ وَأَحَبَّنِي النَّاسُ»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللهُ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّوكَ»(٣)، ولِما ثَبَتَ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَجَبَتْ»، ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ: «وَجَبَتْ»؛ فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه: «ما وَجَبَتْ؟» قَالَ: «هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ؛ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأَرْضِ»(٤). ولا شكَّ أنَّ النَّاس إن شهدوا خيرًا فخيرٌ، وإنْ شرًّا فشرٌّ؛ فلا يجعلِ المرءُ نَفْسَهُ ثقيلًا على غيره لئلَّا تَمَلَّه النفوسُ وتُبْغِضه، وما أُبْغِضَ شيءٌ إلَّا ذلَّ واحتُقِر، والعزَّةُ الدينيةُ مطلوبةٌ لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [المنافقون: ٨].
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٢ رمضان ١٤٢٦ﻫ
الموافق ﻟ: ١٥ أكتوبر ٢٠٠٥م
(١) أخرجه الحاكم (٥٤٧٧) مِن حديث حبيب بن مَسْلَمَة رضي الله عنه، وأخرجه الطيالسيُّ في «مسنده» (٢٥٣٥)، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الترغيب والترهيب» (٢٥٨٣) مِن رواية عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهما.
(٢) «فيض القدير» للمناوي (٤/ ٦٢).
(٣) أخرجه ابن ماجه في «الزهد» باب الزهد في الدنيا (٤١٠٢)، والحاكم (٧٨٧٣)، مِن حديث سهل بن سعدٍ رضي الله عنهما. والحديث حسَّنه النوويُّ في «الأذكار» (٥٠٣)، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٩٢٢).
(٤) أخرجه البخاريُّ في «الجنائز» باب ثناءِ الناس على الميِّت (١٣٦٧)، ومسلمٌ في «الجنائز» (١/ ٤٢٢) رقم: (٩٤٩)، مِن حديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه.