من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الفطر
فضيلة الشيخ العلامة:
عطيـة محمـد سالـم -رحمه الله-
[من شرح بلوغ المرام / كتاب الصيام]
قال -رحمه الله-:
((وَعَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ اَلضَّبِّيِّ عَنِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ، فَإِنَّهُ طَهُورٌ»))
رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ. وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.
=========================================
يقول صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى..» سبحان الله، الإرشاد حتى في نوع الفطور! يا سبحان الله! « فَلْيُفْطِرْ عَلَى رُطَبَات، فإن لم يجد فتمرات، فإن لم يجد فعَلَى حَسَيَاتٍ مِنْ مَاء».
وجاء عن جابر -رضي الله تعالى عنه- أنه يحسن أن يفطر الإنسان على شيءٍ لم تمسه النار، جماعة من الناس أول ما ياكل ياخذ (السمبوسة)، (السمبوسة) دَاخِلْها النار،ولا لحم مشوي ولا..ولا..
ويقول العلماء: تفاؤلاً بأنْ يجنِّبه الله -ويجنبنا وإياكم جميعا- النار .
أما إرشاده -صلى الله عليه وسلم-؛ «عَلَى رُطَبَات» إذا كان الرطب موجودًا، وإلا فعلى تمرات، والله لا أدري أيهما أقوى مادة غذائية: الرطب أم التمر؟ يختلفون في هذا، الرطب فيه رطوبة زيادة، والتمر تخلَّص من كل الرطوبات، وفيه جميع المواد الغذائية، والعرب كانت تعتقد أنه خالٍ من الدهونات، فكانوا يضيفون إلى التمر الزبدة، على التمرة مثلها زِبْدٌ، والآن اكتُشِف بأنَّ التمر فيه المادة الدهنية أيضًا، ولا يوجد ثمر يمكن لإنسان أن يعيش عليه المدى الطويل مثل التمر، حديث عائشة (1): "هلال فهلال فهلال"، شهران طعامكم إيش؟ "التمر والماء"، وكما قالوا: "زاد المسافر، وفاكهة المقيم".
وهنا يأتي علماء الطب النبوي، وسبحان الله يا إخوان! كان السلف يدرسون الطب والفلك كما يدرسون الصيام والزكاة، وكان غالب العلماء أطباء. جاءنا واحد من باكستان، الحافظ فلان، كان صاحب مصحة في كراتشي، وصحيح البخاري عنده كصورةٍ في مرآة، حينما تسأله: الحديث الفلاني في البخاري، إن غيرتَ حرفًا قال لك: ليس هذا في البخاري، تُزيل هذا الحرف يقول: نعم هذا موجود!
فكانوا يدرسون الطب، شُوفْ الطب لابن القيم، الطب للسيوطي، الطب للذهبي، أي الطب النبوي؛ أي ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في الطب.
فكانوا يدرسون الطب، شُوفْ الطب لابن القيم، الطب للسيوطي، الطب للذهبي، أي الطب النبوي؛ أي ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في الطب.
وسبق هذا كله: قضية مريم -عليها وعلى نبينا الصلاة والسلام- لما كانت في ذاك الموقف الحرج؛ ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم:23]، ﴿أَجَاءَهَا﴾ غصبًا عنها، إلى أن أرشدها الله: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم:25]، امرأة في النفاس عندها قوة لكي تهز الجذع؟! لكن تهز بقدر ما تستطيع ﴿تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ [مريم:25]، رطب، مَفِيشْ تمر، إذن؛ الرُّطب أحسن؛ الرُّطب يكون أهون في تلك الحالة لأنه أبرد من التمر، والمعدة خالية، فيتفق العلماء الأطباء على أنّ الرُّطب في تلك الحالة أحسن ما يمكن أن تستقبله المعدة الخالية، وأشدّ ما يستفيد منه في حواس الإنسان: البصر؛ لأن الجوع يضعف قوة الإبصار، فإذا ما تناول الحلو -وخاصة الرُّطب- استفاد البصر أكثر من جميع أعضاء الجسم.
ويقول الأطباء الآخرون: حينما يكون الإنسان جائعًا ظامئًا فهو في لهفة إلى أن يأكل ويشرب كثيرا، وهذا على المعدة الخالية مُضر، فإذا ما أخذ الحلو -مطلق الحلو عندهم- الحلو يكسر شهوة النَّهم، ويجعل الإنسان يكتفي بالقليل من الطعام، فإذا كان جائعًا عطشانًا وأكل الرطبات انكسرت حدِّة الجوع، واكتفى بما يأتي، فيكون أنفع له.
إذن؛ إرشادٌ من النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتخيَّر الإنسان عند فطره أحد هذه الأنواع.
قد يقول إنسان: هناك مناطق باردة لا توجد فيها النخل، ولا يوجد فيها رطب ولا تمر، وعندنا الفواكه متنوعة من حمضيات وحلويات..إلخ، نقول: إن لم تجد هذا، فليكُنْ أقرب ما يكون إليه؛ إن وجدتَ الزبيب، إن وجدتَ التين، إن وجدتَ البرتقال، إن وجدتَ التفاح، إن وجدتَ هذه أو تلك فهو أولى من أن تذهب إلى الماء.
وهنا لفتة بسيطة: مادمنا في معرض الإفطار؛ ينبغي للإنسان ألا ينسى نفسه وحظه؛
أولاً: عند الإفطار من دعوة خير؛ لأن الدعاء عند الإفطار مستجاب.
ثانياً: لا ينسى أن يفطر أخًا له، غنيًا كان أو فقيرًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من فطَّر صائماً فله كأجره، ولا ينقص من أجره شيء» (2). قالوا: يا رسول الله، ليس كل واحد منا يجد ما يفطر الصائم. قال: «يؤتي الله ذلك على تمرات أو على قبضة سويق أو على جرعة لبن أو على جرعة ماء» أو كما قال صلى الله عليه وسلم، يا سبحان الله! أجرُ إنسان صائم طول النهار تحصِّل مثله على تمراتٍ تقدمها له، ما عندك تمرات شيء من سويق، جرعة ماء، جرعة لبن، وهذا فضل الله.
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله ليدخل باللقمة ثلاثةً الجنة -لقمة واحدة يدخلبها الله ثلاثة-: صاحبها (الذي يمتلكها)، وطاهيها (الذي طبخها)، ومناوِلُها للمسكين»، وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله الذي لم ينسَ خدمنا» (3)، الخادم يناول اللقمة للمسكين على الباب فيدخل الجنة، هذا كله إذا احتسب ذلك لوجه الله.
إذن؛ إذا أفطر أحدكم فليفطر على رطبات أو تمرات أو حسيات من ماء.
__________________________
(1) عن عائشة أنها قالت لعروة: "ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، فقلت: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كان لهم منائح وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبياتهم فيسقيناه". رواه البخاري (6094).
(2) عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء». رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح .
(3) «وإن الله عز وجل ليدخل بلقمة الخبز، وقبضة التمر، ومثله مما ينتفع به المسكين ثلاثة الجنة: رب البيت الآمر به، والزوجة تصلحه، والخادم الذي يناول المسكين»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحمد لله الذي لم ينس خدمنا». (أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (5305)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
.
* فائدة: قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-:
* فائدة: قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-:
"وكان يحض على الفطر بالتمر، فإن لم يجد فعلى الماء، هذا من كمال شفقته على أمته ونصحهم، فإنّ إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة أدعى إلى قبوله وانتفاع القوى به، ولا سيما القوة الباصرة، فإنها تقوى به، وحلاوة المدينة التمر، ومرباهم عليه، وهو عندهم قوت وأدم ورطبه فاكهة.
وأما الماء فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس. فإذا رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده. ولهذا كان الأولى بالظمآن الجائع أن يبدأ قبل الأكل بشرب قليل من الماء، ثم يأكل بعده، هذا مع ما في التمر والماء من الخاصية التي لها تأثير في صلاح القلب لا يعلمها إلا أطباء القلوب".
[زاد المعاد في هدي خير العباد (ص: 48 ) ]
وأما الماء فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس. فإذا رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده. ولهذا كان الأولى بالظمآن الجائع أن يبدأ قبل الأكل بشرب قليل من الماء، ثم يأكل بعده، هذا مع ما في التمر والماء من الخاصية التي لها تأثير في صلاح القلب لا يعلمها إلا أطباء القلوب".
[زاد المعاد في هدي خير العباد (ص: 48 ) ]