بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
يقُولُ أبُو العَوَّامِ :
[منَ الطَّويلِ]
حمِـدتُ إلهَ العـَرْشِ ثُـمَّ عـلى الوِلا............صَلاتي وتَسْلِيمي على أفْضَلِ الـمَلَا
وآلٍ وأَصْحَـابٍ كِــرَامٍ ومَنْ قَـفَـا............سَبِـيلَ الأُلَى حازُوا الفَخارَ مُكَمَّـلَا
أمَّا بعْدُ ، قالَ الحافِظُ نجمُ الدِّينِ محمَّدُ بْنُ محمَّدٍ الغزِّيُّ الدِّمشقيُّ (977 ـ 1061) في كتابِه : إتقانُ ما يَحْسُنُ منَ الأخْبارِ الدَّائِرةِ على الألْسُنِ (2/472 ط الفاروق الحديثة) :يقُولُ أبُو العَوَّامِ :
[منَ الطَّويلِ]
حمِـدتُ إلهَ العـَرْشِ ثُـمَّ عـلى الوِلا............صَلاتي وتَسْلِيمي على أفْضَلِ الـمَلَا
وآلٍ وأَصْحَـابٍ كِــرَامٍ ومَنْ قَـفَـا............سَبِـيلَ الأُلَى حازُوا الفَخارَ مُكَمَّـلَا
( 1530- ز ( لَوْلَا الخطأُ ما كانَ الصَّوابُ ) :
لَيْسَ بِحديثٍ ، وفي مَعْناهُ ما أخْرَجَه ( عم ) عنِ الرَّبيعِ قالَ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : ( مَنْ ضُحِكَ مِنهُ في مَسْألةٍ لَـمْ يَنْسَها ) ، ولَنا في هذَا المعْنَى :
[ من مخلَّعِ البَسِيطِ ]
ما خجِلَ الـمَرْءُ من كَلامٍ............إلَّا تَحـامــاهُ بَعْـــدَ ذلِـكْ
لَوْلَا الخطا لم يكُنْ صَوابٌ............والنَّاسُ تَسْتَسْهِلُ المسالِكْ
ما خجِلَ الـمَرْءُ من كَلامٍ............إلَّا تَحـامــاهُ بَعْـــدَ ذلِـكْ
لَوْلَا الخطا لم يكُنْ صَوابٌ............والنَّاسُ تَسْتَسْهِلُ المسالِكْ
............ ) انتَهَى النَّـقْلُ .
مَصْدرُ هذه الفائـدةِ :
هو ما أثْبتُّ عُنوانَه أوّلُ ، وإنْ شِئْتَ فسكِّنْ ( يَحْسُنْ ) و ( الألْسُنْ ) تَحقيقًا لِلسَّجْعِ في الفَواصلِ ، وقدْ أجازهُ بَعْضُهمْ .ويَظهرُ لي في مَعْنَى عُنوانِه : أنَّ ( ما ) الموصُولةَ تُفهِمُ مَعنى ( قدْرٍ ) أيْ : إتْقانُ قَدْرٍ يَحْسُنُ إتقانُه منَ الأخبارِ المشْهُورةِ ، و ( مِنْ ) على هذا تَبْعيضِيَّـةٌ أوْ جِنْسِيَّـةٌ ، ولَيْسَ مَعْناهُ ما هُو حَسَنٌ على اصْطِلاحِ المحدِّثِينَ منَ الأخبارِ المشْهُورةِ .
وقالَ بعضُهمْ في اسْمِه ( الأحاديث ) مكانَ ( الأخْبار ) ، و ( الأخْبارُ ) أشْهرُ ـ كما قالَ محقِّقُه ـ وأَوْفقُ لمضْمونِه .
و ( المشْهُورُ ) هنا ليْسَ على الاصْطِلاحِ الدَّقيقِ المتعلِّقِ بِالسَّندِ ـ كما هُو بيِّنٌ ـ وإنَّما على مَعْنى الشُّهْرةِ اللُّغَوِيَّـةِ ، وذلكَ ما عبَّرَ عنهُ بـ ( الدَّائِرةِ على الألْسُنِ ) ، وهو فنٌّ أُفْرِدَ بِالتَّأليفِ والتَّصْنِيفِ ومنْ أَشْهرِ ما أُلِّفَ فيه :
* ( اللَّآلِئُ المنْثُورةُ في الأحادِيثِ المشْهُورةِ ) ويُسَمَّى كذلِكَ : ( التَّـذْكِرةُ في الأحاديثِ المشْتَهرةِ ) ، لِبدْرِ الدِّينِ الزَّرْكَشِيِّ ، ومنْ طبعاتِه طبعة دار الكتبِ العلميَّـة ، بتحقيقِ مصطفى عبد القادر عطا .
* ( المقاصِدُ الحسنة في الأحاديثِ الجارِيَـةِ على الألْسِنةِ ) للسَّخاوِيِّ ، ومن طبعاتِه : طبعة دار الكتابِ العربيِّ ، بتحقيقِ : محمد عثمان الخشت .
* ( الدُّررُ المنتثرةُ في الأحاديثِ المشْتهرةِ ) للسُّيُوطيِّ ، وطبعَ طبعاتٍ ، منها : طبعة المكتبِ الإسلاميِّ ، بتحقيقِ : خليل الميس .
والأخيرانِ تذْيِيلٌ على الأوَّلِ ، و ( إتقانُ ما يَحْسُنُ ) جمعَ الثَّـلاثةَ وزادَ علَيْها كما قالَ في مقَدِّمتِه ، و رمزَ لكلٍّ منهمْ رمْزًا ، و رمزَ لما زادَه علَيْهمْ بالزَّايِ ( ز ) ، فهذا النَّصُّ منْ زِياداتِه كما ترى منْ رمْزِه ، ويقْصِدُ بِرمزِ ( عم ) أبا نُعيمٍ الأصبهانيَّ .
ومُؤَلِّفُه مَشْهُورٌ بكثْرةِ التَّصْنِيفِ ممَّنْ رَبَتْ مُصَنَّفاتُه على المئَـةِ ، وهُو أشْهرُ بِكِتابِه الآخرِ ( الكواكِبُ السَّائرةُ بمناقِبِ أعْيانِ المئَـةِ العاشِرةِ ) ، طبعَ بتحقيقِ : خليلِ المنصُور ، عنْ : دار الكتب العلميَّـةِ - بيروت ، وقدْ أخطأ في عنوانه محقِّقُ ( إتقانِ ما يحسُنُ ) فقالَ : ( المـئة الرَّابعة ) !
نسْتفيدُ منْ هذِه الفائـدةِ :
تأيِيدَ ما ذكرْتُه في الحلْقةِ الثَّانيةِ منْ أثرِ الأحداثِ الجانبيَّـةِ المحتفَّـةِ بحالِ اكْتِسابِ العِلْمِ في تَثْبِيتِ المعلُومةِ ، فإنَّ الإنْسانَ إذَا أخطأَ فصُحِّحَ لَه ثبتَ هذَا الأمْرُ في ذِهْنِه أكثرَ ممَّا تَـثبُتُ المعلُومةُ بمجرَّدِ التَّحفُّظِ بِالتَّـكرارِ ، فمرَّةٌ ـ كما قُلْتُ ـ بعَشْرٍ أوْ أكثرَ ، لا سِيَّـما إذَا أُحْرِجَ الإنْسانُ و ( ضُحِكَ مِنْه ) ، وخرجَ الحدثُ عنِ المألُوفِ لديْهِ ممَّا يَجْرِي لَه كلَّ يَوْمٍ ، أوْ كانَ الشَّخْصُ الَّذي صَحَّحَ لَه مميَّزًا عِندَه ، أوِ ابْتُلِيَ بِسَببِ غلَطِه بشَيْءٍ ، و (( لا يُلْدَغُ المؤْمِنُ منْ جُحْرٍ مرَّتَـيْنِ )) كما عندَ الشَّيخَيْنِ مرْفُوعًا .وهيَ نِعْمةٌ لمنْ تدبَّـرَ ، ومنْحةٌ في صُورةِ محْنةٍ ؛ فلَوْلا الخطأ ما كانَ الصَّوابُ ، ومعَ ذلِكَ نَـرَى كثيرًا منْ إخْوانِنا يتحرَّجُ منْ أنْ يُصَحَّحَ لَه ، ويَجِدُ في نَفْسِه غَضَاضَةً منْ هذَا الأمرِ ، ويَسْتَحي منَ النَّاسِ أنْ يرَوْهُ قدْ أخطأ فانتُقِـدَ ، ويأنفُ أنْ يكونَ لأحدٍ علَيْه فَضْلٌ ؛ فيذْهبُ يُزِيلُ أثرَ خطئِه بكُلِّ وسيلَةٍ ، ولَوْ أنْ يُصْلِـحَ ما كتبَه دونَ بيانِ اسْتِفادتِه ممَّن صَحَّحَ له ؛ فلا يدرِي قارئُ الموضُوعِ على مَنْ يُعقِّبُ المصَحِّحُ ؟!
وهذَا كلُّه ممَّـا لا ينبغي ، ولا يجمُلُ بِطالِبِ العِلْمِ العارِفِ قَدرَ نَفْسِه وحاجتَه إلى أن يُرْشَدَ ويُؤْخَذَ بِيَـدِه ، ولو بلغَ منَ العلْمِ ما بلغَ ، و قطعَ منْ شَوْطٍ في طريقِ الطَّلبِ ، فطريقُ العلْمِ طويلٌ طويلٌ ، فلا تَسْتسْهِلِ المسالِكَ .
وحقُّ منْ صَحَّحَ لكَ وأرْشَدَكَ أنْ تشْكرَ لَه صَنيعَه ، وتعرِفَ لَه جميلَه ، وتُجزِّيَه خيْرًا ، لا أنْ تجحدَ يدَه عليكَ ، فَضْلًا عنْ أنْ تذهبَ تتصيَّـدُ أخطاءَه وتبْحَثُ في سِجلِّه ؛ لعلَّكَ تقعُ على شَيْءٍ تُزْرِي علَيْه ، وكأنَّ لِسانَ حالِكَ :
[ من الطَّويلِ ]
فمنْ سكنَ البيْتَ الزُّجاجِيَّ واعْتَدَى..........تَـصَدَّعَ بَـعْـدَ الإعْـتِـداءِ زُجاجُــهُ
فمنْ سكنَ البيْتَ الزُّجاجِيَّ واعْتَدَى..........تَـصَدَّعَ بَـعْـدَ الإعْـتِـداءِ زُجاجُــهُ
فجازَيتَـه ( جزاء سِنمَّـار ) وقدْ أرادَ نُصْحَكَ وقَصَدَ نَفْعَكَ ؟!
إنَّ العاقِلَ مَنْ يعتَبِرُ المعتَدِيَ عليْه المنتقِصَه ـ بما فيه ـ مُحْسِنًا إلـيْه ، إِذْ لَوْلاهُ ـ سبَبًا ـ لما وقَفَ على هذَا النَّقْصِ ، ولا عرفَ السَّبِيلَ إلى إصلاحِه ، فيُقابِلُه بما أُثِرَ عنِ السَّلفِ منْ قَولهمْ : ( رحمَ اللهُ مَنْ أَهْدَى إليَّ عُيُوبِي ) ، فيَـرَاها هدايا يَسْتَأهِلُ مُهدِيها الدُّعاءَ بِالرَّحمةِ ، ويراهُ منْ أحبِّ الخلْقِ إلَيْه ، فكيفَ إذَا عرفَ منتَـقِدَه بِحُسْنِ القَصْدِ ، وصَلاحِ النِّـيَّـةِ ؟ وكيفَ إِذَا لَمسَ مِنه الأدبَ في بيانِه الخطأ ، والتَّـلَطُّفَ في إيضاحِه الصَّوابَ ؟
وخِتامُ ( فائِدةِ الفائِدةِ ) توْقِيـعُ مجاهدٍ رحمَه اللهُ تعالى فيما علَّقَه البُخارِيُّ رحمَه اللهُ في أوَّلِ بابِ ( الحياءِ في العِلْمِ ) منْ كتابِ ( العلْمِ ) منَ ( الصَّحيحِ ) قالَ :
( لا يتعلَّمُ العِلْمَ مُسْتَحْيٍ ولا مُسْتَـكْبِرٌ ) ، فأعيذُكَ ونفْسِي بالله أنْ نكونَ أحدَ هذَيْنِ .
تنبِـيه
أخطأ محقِّـقُ الطَّبعةِ الَّتي لديَّ في ضَبْطِ البَيْـتَيْنِ فقالَ : ( ما بخل المرء من كلامٍ ) !! والتَّصحيحُ منَ كشْفِ الخفاءِ .وضَبطَ ( الخطا ) في البَيْتِ الثَّاني بالهمزِ ، وذلِكَ يكسِرُ البَيْتَ إذَا أُعْرِبَ ( الخطأُ ) ، وصوابُه بتسهيلِ الهمزةِ كما أَثْبتُّ ، وكما قالَ الآخرُ :
[ من الرَّجز ]
سُبْحانَ مَنْ يَعْفُو ونَهْفُوا دائِمًـا..........ولم يَـزَلْ مهما هَفَـا العَبْـدُ عَفَـا
يُعْطِي الَّذي يُخْطِـي ولا يَمْنَـعُه...........جلالُـه عنِ العَطا لِـذِي الخطا
سُبْحانَ مَنْ يَعْفُو ونَهْفُوا دائِمًـا..........ولم يَـزَلْ مهما هَفَـا العَبْـدُ عَفَـا
يُعْطِي الَّذي يُخْطِـي ولا يَمْنَـعُه...........جلالُـه عنِ العَطا لِـذِي الخطا
وبهذِه المناسبةِ : فقطْعُ همزةِ ( الاعتداء ) في البيتِ الَّذي أوردتُه لِضَرُورةِ الوزْنِ كذلِكَ .
دعْــوةٌ
بما أنَّ هذَا الموضُوعَ خصْبٌ ، ومجالَ الحديثِ فيه رَحْبٌ ، ولا بُدَّ لكُلِّ طالِبِ عِلْمٍ منْ حدَثٍ و واقعةٍ في حياتِه أَثَّـرَتْ عليه بتَثْبِيتِ معلُومةٍ ، أوْ تَصْحيحِ ظنٍّ ، أوْ تحصيلِ فائِـدةٍ ، فأنا أدعُو الإخوةَ للمشاركةِ بشَيْءٍ ممَّا مرَّ علَيْهمْ مِنْ ذلِكَ ، إثْراءً للموضُوعِ ، مَشْكورِينَ مأجُورِينَ إنْ شاءَ اللهُ .والحمدُ لله ربِّ العالَمينَ
وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصَحْبِه وسلَّمَ
وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصَحْبِه وسلَّمَ
تعليق