حقوق الجار
لفضيلة الشيخ عطية محمد سالم
-رحمه الله -
الوصية بالجار
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدي رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد: إن من نعم الله، التي يجب على العبد أن يقوم بشكرها: أن يتيح له الفرص النفيسة بهذه اللقاءات الكريمة مع إخوة في الله، وفي بيت من بيوت الله، يتذاكرون آيةً من كتاب الله أو حديثاً من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني لأعلم أن في مدينة عنيزة من المشايخ وطلبة العلم من يحيون المساجد بالذكر والمذاكرة والعلم والمدارسة، وإنه لمن نعم الله عليَّ أن يتيح لي هذا اللقاء في هذا المسجد هذه الليلة. وسأتكلم عن موضوع أعتقد أن الجميع قد سمعوا به، وكل الدعاة قد تناولوه، والسنة مليئة بأخباره، ألا وهو موضوع الوصية بالجار. وقد قرن الله حق الجار بأعلى وأعظم حقٍ لله سبحانه وتعالى وهو توحيده، فقال سبحانه: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ [النساء:36] إلى آخر الآية. فحق الجار مذكور في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وللجار حقوق كثيرة ممكن أن نسميها: حقوقاً قضائية، أو نسميها: حقوقاً مدنية، أي: إلزامية للجار على جاره، وهذه الحقوق يذكرها الفقهاء وخاصةً الحنابلة في باب الصلح وحكم الجوار. كلنا يعلم أن الأسلوب العام في الإطار الإسلامي بل والإنساني أن الوصية تكون من منطلق الشفقة والرحمة، ولذا لا تجد إنساناً يوصي إنساناً بخير إلا وهو مشفق عليه، رحيم به، وقد جاء في كتاب الله: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء:11]، وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ [الأحقاف:15] .. كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ [البقرة:180]. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لـمعاذ : (يا معاذ ! إني أحبك، فلا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم! أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، فأوصاه بذلك.
معنى الوصية
وإذا جئنا إلى فقه أسرار اللغة العربية التي هي لغة القرآن، يقول علماء فقه اللغة: كلمات اللغة العربية أسر وقبائل، فكلما كانت المادة قريبة من المادة في بنائها فمعناها متقارب، وإذا اختلف حرف في هذه المادة عن تلك المادة كان المعنى المشترك بين اللفظين قريباً، وبقدر قرب الحرف من الآخر تكون الصلة والقرابة. فهنا مثلاً وصية وصلة، فتجد كلمة (وصية) أصلها: وصي، و(صلة) أصلها: وصَلَ، فالواو والصاد في المادتين، والخلاف في لام الكلمة، والياء واللام كلاهما من مخرج متقارب، تقول: إل وإي، فمخرجهما متعلق باللسان، وليسا من الحروف المتباعدة. إذاً: الوصية والصلة بينهما قرابة نسب وصلة رحم، فكل وصية فهي صلة، فعندما يوصي الإنسان غيره فكأنه وصله بما أوصاه به، وأنت إذا أوصيت إنساناً بشيء فكأنك وصلته بتلك الوصية. ويقال: خبن الثوب، وغبن في البيع، (خبن وغَبَن) الباء والنون موجودان فيهما، والغين في الغبن، والخاء في الخبن مختلفان، وكلاهما من أحرف الحلق، والخبن للثوب بمعنى: النقص، مثل أن تأخذ القميص وتقصر طوله، والغبن في البيع هو: نقص في الثمن، فمعنى النقص موجود في الكلمتين، ولكن لماذا جاءت الخاء في الثوب (خبن)، والغين في البيع (غبن)؟ يقول علماء فقه اللغة: انظر إلى الحرفين المتغايرين، فهما من أحرف أدنى الحلق، لكن الغين أخفى من الخاء، والغبن في البيع أخفى من الخبن في الثوب؛ لأن خبن الثوب ظاهر تلمسه بيدك، والغبن في البيع أمر معنوي نسبي. فنرجع إلى تعريف الوصية، فهي صلة، والصلة فيها ارتباط، فكأن الموصي يربط الموصى إليه بنفسه، ومن هنا نعلم معنى الوصية للجار ومكانتها، فحينما تقول: يا فلان! أوصيك بفلان، أي: أنك توصى به وتكرمه وتصله بنصيحتك وشفاعتك عند الغير، ويقال: أوصى لفلان ببيت أو بمال أو غير ذلك، أي: وصله بما أعطاه.
أركان الوصية بالجار واهتمام الشرع بها
وأركان الوصية: الموصي والموصى إليه والموصى به. فالوصية بالجار ما مقدارها؟ وما مصدرها؟ جاء في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: (ما زال جبريل يوصيني بالجار) ، فالموصي هنا هو جبريل عليه السلام، يوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي جعله الله بالمؤمنين رءوفاً رحيماً، والذي وصفه الله بمكارم الأخلاق، وهو لا يحتاج إلى وصية، فهو فاهم ومدرك، ومكارم أخلاقه تحمله على حسن المعاملة، ومع ذلك يوصيه جبريل بالجار. ونعلم أن الوصية تكون محددة، كما في آية الوصية بالأولاد: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، وقوله تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا [الأحقاف:15]، وقوله: إذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ [البقرة:180] فالوصية بالخير مطلوبة. وما هو أسلوب وسياق الوصية التي جاء بها جبريل عليه السلام إلى رسول الله؟ جاء في الأدب المفرد للبخاري أن رجلاً من الأنصار قال: (خرجت مع أخي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجئت فإذا هو قائم يقاوم رجلاً -يقاوم على وزن يفاعل، أي: هذا قائم وهذا قائم معه، وهو نظيره- فظننت أن له حاجة -أي: هذا الرجل- فجلست، فأطالا القيام حتى أشفقت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من طول قيامه، ثم ذهب الرجل، وقمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! لقد رثيت لك من طول قيامك مع هذا الرجل، فقال: أرأيته؟ قلت: نعم، قال: أتدري من هو؟ قلت: لا، قال: إنه جبريل، ولو سلمت عليه لرد عليك السلام، وما زال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه). وهذا القيام الطويل هل هو بكلمة (أوصيك بالجار)، أو أنه كان يعدد عليه جوانب الوصية فيما ينبغي للجار؟ لا نستطيع أن نحكم بشيء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبين لنا صيغة الوصية، لكن يهمنا من هذا السياق أن رسول الله عليه الصلاة والسلام أطال القيام مع جبريل، حتى أن الأنصاري جلس ورثى لطول قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان هذا الجهد كله ليتلقى الوصية بالجار، وأعتقد أن هذا السياق يعطينا مدى مكانة الوصية، ومدى اهتمام الشريعة بها.
معنى حديث: (ما زال جبريل يوصيني بالجار)
وقوله عليه الصلاة والسلام: (ما زال جبريل يوصيني). كلمة: (لا زال) تدل على التكرار، وما دام الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبين لنا نوعية الوصية فكيف نحققها؟ فهذه الوصية وصية إحسان للجار، فكيف نطبق هذه الوصية العامة الشاملة حتى نحقق وصية جبريل لرسول الله عليهما الصلاة والسلام؟ هذه الوصية مطلقة، والإطلاق يدل على العموم والشمول، فننظر إلى مقاصد الشريعة الإسلامية، ونطبقها على أحاديث الوصية للجار، والأحاديث التي وردت في حق الجار كثيرة متنوعة، ولقد وصلت إلى أربعين حديثاً تتعلق بحقوق الجار. وما هي مقاصد الشريعة التي يمكن أن نحققها ونطبقها في حق الجار؟ يقول العقلاء أو الفلاسفة: مطامع العقلاء في الغيب، أي: أن كل إنسان في حياته -بصرف النظر عن دينه- يسعى لأحد أمرين: إما لجلب نفع يستفيد منه، وإما لدفع ضر يسلم منه، ولذا يقول الشاعر الجاهلي: إذا أنت لم تنفع فضر فإنما يراد الفتى كيما يضر وينفع يعني: إذا لم تنفع صديقك وأهلك فضر عدوك وخصمك، أما من لا ينفع أهله ولا يضر خصمه؛ فليس فيه خير، ولذا فإن الله سبحانه وتعالى عاتب المشركين وبين قبح فعلهم بعبادة الأوثان، وذكر أنهم يعبدون ما لا ينفع ولا يضر فقال: أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ [الأنبياء:66]، وإبراهيم عليه السلام قال لقومه: هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ [الشعراء:72-73] واحتج إبراهيم على قومه في عبادتهم الأصنام فقال: لماذا تدعونهم، وهم لا يسمعونكم حينما تدعونهم؟! أي: هل تعبدونهم لجلب نفع أو تعبدونهم خوفاً من أن يضروكم؟! فإذا كانوا لا ينفعونكم فلم تعبدونهم؟! وإذا كانوا لا يضرونكم فلم تخافون منهم؟! فالنفع والضر هما مطلب الإنسان، ولذا فإن المولى سبحانه لما خاطب قريشاً وألزمهم بحق العبادة قال: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ [قريش:1-3]، وما هو مقتضى هذه العبادة التي أوجبها الله عليهم؟ قال: الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:4] ، (أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) هذا هو النفع الذي جلبه إليهم، (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) هذا هو الضر الذي دفعه عنهم. إذاً: مجموع المطالب العقلية منحصرة في هذين الأمرين، وقد أثنى الله على النبي صلى الله عليه وسلم بقوله سبحانه: عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] ، فـ(عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ)، أي: إنما يدفع العنت والمشقة عنكم، (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) أي: يجلب لكم النفع، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: (ما تركت خيراً يقربكم إلى الله إلا بينته لكم، ودللتكم عليه، ولا تركت شراً يباعدكم عن الله إلا بينته لكم، وحذرتكم منه، ونهيتكم عنه) . إذاً: مطالب العقلاء منحصرة في جلب النفع ودفع الضر، وجاءت الشريعة الإسلامية بتحقيق هذين المبدأين، وجاءت بزيادة مبدأ ثالث جديد جاء به الإسلام، ألا وهو الحث على مكارم الأخلاق. واعلم أن جميع التشريعات في الشريعة الإسلامية تدور حول هذه المبادئ الثلاثة: إما جلب نفع للعبد في الدنيا أو الآخرة، وإما دفع ضر عنه في الدنيا أو الآخرة، وإما السمو به إلى مكارم الأخلاق وإلى الكمال الإنساني. ولكي نعلم بحقوق الجار، ولكي نطبق ذلك على هذه المبادئ، فنبحث عن حق الجار لجاره في جلب النفع إليه، ودفع الضر عنه، ومعاملته بمكارم الأخلاق.
أنواع الجيران وحد الجوار
والجيران أنواع، وقد ذكرهم الله في كتابه فقال: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ [النساء:36]، فمن هو الجار ذو القربى؟ ذو القربى من كان من القرابة، فهل هو قرب المكان قرباً حسياً أو هو القريب النسب مثل: ابن عمك، وابن خالك وخالتك وعمتك؟ القربى هنا قربى النسب، فيجتمع له ثلاثة حقوق: حق الجوار، وحق القربى، وحق الإسلام. والجار الجنب قالوا: هو الأجنبي (الصاحب بالجنب) هي: الزوجة، وقيل: (الصاحب بالجنب) يشمل الزوجة وغيرها، فالزوجة صاحبة بالجنب، وقيل: (الصاحب بالجنب) الصديق الذي يصاحبك، هو الرفيق في السفر. أنواع الجوار: جار قريب في النسب، وجار بعيد نسباً، والقرب والبعد في الجوار إلى أي حد؟ ذكر البخاري في الأدب المفرد وغيره عن الزهري أنه قال: حد الجار أربعون داراً أمامك، وأربعون داراً وراءك، وأربعون داراً عن يمينك، وأربعون داراً عن يسارك، وقد روي هذا التحديد في حديث وهو: أن رجلاً جاء يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاره؛ فقال: (يا رسول الله! إني نزلت حرة بني فلان -منطقة أو جهة- وإن أقربهم لي جواراً أشدهم عليّ إيذاء، فبعث الرسول عليه الصلاة والسلام أبا بكر وعمر إلى المسجد، وأمرهما أن يقفا على الأبواب ويناديان: ألا إن أربعين داراً جار، لا يؤمن من لم يأمن جاره بوائقه). فإذا كان تحديد الجوار أربعين داراً، وكلها داخل في الوصية بالجار، فهذه الأربعون تتفرع، فأقصى بيت من الأربعين يراعي حقوق أربعين بيتاً أخرى بجواره، وآخر الأربعين الثانية يراعي حرمة أربعين بيتاً أخرى، وهكذا، فماذا تكون النتيجة؟ تتموج حقوق الجوار وتنتشر كتموج موجات الأثير حتى تعم العالم كله، ولا يبقى شبر على وجه الأرض إلا ودخل في وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالجار، وهذا إذا وسعنا نطاق الجوار في المدن، فالمدينة النبوية جوارها مثلاً عنيزة أو البلدة الفلانية، ولو راعينا حرمة الجوار بين الأفراد وبين القرى وبين المدن وبين الأقطار في الدنيا، لحصل خير كبير، فكل دولة تراعي حقوق جارتها، وكل قرية تراعي حقوق جارتها، فلا يوجد في وجه الأرض شبر إلا ودخل في هذه الوصية؛ فالجوار يشمل الجميع، وإذا توسعت دائرة الجوار شملت العالم.
فقه معاملة الجيران
والجار إما أن يكون جاراً صالحاً أو جاراً سيئاً، وفي الأثر أن الجار الصالح يحفظ الله به مائة بيت من جيرانه، فإذا كان الجار صالحاً، فالله سبحانه وتعالى يكرم جيرانه، ويدفع عنهم السوء إلى مائة بيت، فنعم الجار هذا الجار! أما الجار السوء فكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله منه، فكان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة، فإن جار البادية يتحول). ومن طلب الجوار الصالح، قوله تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ [التحريم:11]، يقول العلماء: طلبت الجار بالجوار قبل الدار، فإنها لم تقل: ابن لي بيتاً عندك، بل قلت: (ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا)، والناس يقولون: الجار قبل الدار. وأُقرب هذا المعنى بمثال: لو أن فلاناً عنده مخطط أراضٍ، وأنت لا تعرف بتخطيط القطع، وجاء إنسان صالح وقال لك: والله يوجد قطعة أرض فيها وجهتان إحداهما كبيرة والأخرى صغيرة، فقلت له: أنت أخذت إحداهما؟ قال: نعم. فتحب أن تشتري القطعة التي بجواره، ولا يهمك سعتها ولا ضيقها ولا توجهاتها، إنما يهمك أن تكون بجواره لصلاحه، وتختار جواره مهما كانت القطعة أقل نفاسة عن أي قطعة أخرى بعيدة عنه، فالجار الصالح يشترى، تقول: أنت أصلح الجيرة. وروي عنه صلى الله عليه وسلم في خير الجيران أنه قال: (خير الصديقين أحسنهما صداقاً، وخير الجيران خيرهما لجاره)، فخير الجيران من كان أنفع وأشد خيرية لجاره، فهي عملية مقارنة، والخيرية نسبية، فبقدر ما تحسن إلى جارك تكون خيراً منه.
درء المفاسد عن الجار
وإذا نظرنا إلى درء المفاسد، نجد أنه صلى الله عليه وسلم يضع هذا المبدأ بقوله: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). وقال: (والله لا يؤمن، من لا يأمن جاره بوائقه). وقال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)، وفي الراوية الأخرى: (فليحسن إلى جاره)، وفي الرواية الثالثة: (فلا يؤذ جاره)، وهذه الأحاديث في الصحيحين، وفي رواية : (لا يؤمن أحدكم حتى يحسن إلى جاره). إذاً: ينفي صلى الله عليه وسلم الإيمان عن الذي لا يحسن إلى جاره، وعن الذي يسيء إلى جاره، وعن الذي لا يكرم جاره. والإحسان إلى الجار هو: جلب المنفعة إليه وعدم إيذائه، ودرء المضرة عنه، وإكرامه يكون بمعاملته بمكارم الأخلاق. فيجب أن تبتعد عن أذى الجار، وأن تصبر على أذاه، وعليك أن تراعي الجار حتى في دواجنه وفي ماله، جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها فيما رواه البيهقي في شعب الإيمان والبخاري في الأدب المفرد، (أن امرأة قالت لأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: إن إحدانا يدعوها زوجها إلى فراشه فتمتنع لمرض، أو لكراهية، أو لعدم رغبة، فهل عليها شيء؟ قالت: نعم، لو أن زوج إحداكن طلبها على قتب بعير لوجب عليها أن تجيبه، جاء صلى الله عليه وسلم في يوم نوبتي، وكان من عادته إذا جاء أن يرد الباب، وكان عندي شعير صنعت منه قرصاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلت: إذا جاء أطعمه إياه، فدخل وهو مبرود شديد البرد، فقال: أدفئيني، وكنت حائضاً، فقلت: إني حائض، فقال: لا عليك، اكشفي فخذك، فوضع خده على فخذي، وترك الباب مفتوحاً، فدخلت داجن لجارنا فأخذت القرص، فبادرتها إلى الباب، فانتبه صلى الله عليه وسلم فقال: خذي ما أدركت من قرصك، ولا تؤذ جارك في شاته). الرسول صلى الله عليه وسلم جاء وهو شديد البرد، وعملت له القرص ليتعشى به، وما عندها غيره، فرأت الداجن الباب مفتوحاً فدخلت، فلحقتها عائشة رضي الله تعالى عنها إلى الباب خوفاً أن تأكل منه شيئاً، فقال لها صلى الله عليه وسلم: (خذي ما أدركت، ولا تؤذ جارك في شاته)، مع أنها شاة معتدية، أخذت عشاءهم. إذاً: إيذاء الجار في أولاده، وفي قراباته، وفي ماله، وفي مصالحه، وفي شخصه، لا يجوز.
الصبر على أذى الجار
فمن حقوق الجار أن تقدم له الخير، وتكف أذاك عنه، بل وتصبر على أذاه إن آذاك، وقد جاء في حديث أبي هريرة أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشتكي من سوء فعل جاره فقال: (ارجع فاصبر، فعاد فاشتكى، فقال: ارجع فاصبر -ثلاث مرات- وبعدها قال: اذهب وأخرج متاعك في الطريق) ، الشاهد أنه أمره بالصبر على أذى جاره ثلاث مرات. وذكروا عن الإمام أبي حنيفة أن رجلاً كان بجواره يسيء إليه كل يوم في بيته، فكان يخرج ويبعد الأذى أو الإساءة وهو صابر، وفي يوم من الأيام خرج فلم يجد تلك الإساءة التي كان يعهدها، فسأل عن جاره عندما رآه تخلف عن عادته! فأخبر أنه أحدث حدثاً وسجن، فذهب وشفع عند صاحب الشرطة حتى أخرجه، ولم يعلم هذا الجار بالذي جاء يشفع له، فلما خرج قال: من الذي أخرجني؟ قالوا: جارك جاء يشفع لك، قال: من هو؟ قالوا: أبو حنيفة ! فندم على إيذائه، وكف عن ذلك. وأخبرنا شيخنا عبد الرحمن الإفريقي يغفر له ويرحمه أن ولده ضرب بعض أولاد جيرانه، فضرب أبو المضروب ولد الشيخ، وصار في ولد الشيخ جرح أو شيء بسيط، فأخذت الشرطة هذا الأب الضارب الذي سيّل الدم من ولد الشيخ وسجنته، فذكر للشيخ ذلك، فقال: أين الجار؟ قالوا: أخذته الشرطة وسجنوه، فذهب حالاً إليهم، وقال: الولد ولدي، وهو اعتدى على ولدي، وأنا متسامح في هذا، ويجب أن تخرجوه، فقالوا: نعمل إجراءات الخروج، والمسجون لا يدري، وبعد أن طلبوه ليخرج، قالوا له: اخرج، قال: على أي أساس؟ قالوا: الشيخ جاءنا وسامحك، وطلب منا أن تخرج، فخرج من السجن ولم يذهب إلى بيته، بل ذهب إلى بيت الشيخ ليعتذر إليه من ذلك، فعلى المسلم أن يصبر على أذى الجار. وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاث فواقر -الفاقرة المهلكة-: أمير ظالم إن أحسنت لا يشكر، وإن أسأت لا يعفو، وجار سوء إن علم شراً أذاعه، وإن علم خيراً كتمه)، وهذا كما قال الشاعر: صم إذا سمعوا خيراً ذُكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا أي: إن سمعوا خيراً عني فهم صم لا يسمعون، وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا، أي: استمعوا ذلك، وهذا من سوء الجوار. والفاقرة الثالثة المذكورة في ذلك الحديث هي: (امرأة سوء؛ إن حضرت آذتك، وإن غبت خانتك) وقد ذكر الله صفة الزوجة الصالحة في قوله: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34].
جلب المصالح للجار والحفاظ على نفسيته
ذكرنا تقسيم الجيران، وذكرنا درء المفاسد عن الجار، والآن نذكر جلب المصالح إليه: جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا نساء المؤمنات! لا تحقرن جارة جارتها ولو فرسن شاة) وفي رواية: (ولو بظلف محرق)، وهي التي يسمونها الآن مقادم، أي: لا تحتقر الجارة أن تهدي لجارتها ولو رجل شاة محرقة الشعر، والآن لا أحد يقبل هذا، بل يستحي أن يقدم له حتى ربع شاة، لكن المراد: أن الإنسان لا يحتقر أي معروف مع جاره. وقال عليه الصلاة والسلام لـأبي ذر : (إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك) وهذا كان موجوداً في القديم، وإخواننا الكبار يذكرون هذا، أما الآن فلا أحد يقبل من الثاني مثل هذا الشيء، ولكن المراد: ولو كان الشيء قليلاً فتعهد به جيرانك. ثم نأتي إلى حفظ حقوق الجار، ودفع السوء عنه، وجلب النفع له، ومراعاة شعوره، وهذا من مكارم الأخلاق، وجاء في بعض الآثار في بيان حقوق الجار: (إذا اشتريت فاكهةً فاهد له، وإلا فأدخلها سراً، ولا تترك أولادك يخرجون بها يغيضون أولاده)، فهذه محافظة على نفسيته. فأنت إذا وسّع الله عليك تستطيع أن تأتي بالفاكهة، وهو لا يستطيع أن يأتي بها، فلا تجعل أولادك يتفكهون أمام أولاد الجيران، وهم ينظرون إليهم، لو كنت مكانه ونظرت إلى ولدك وهو يحدق النظر إلى ولد الجار، وهو يأكل الفاكهة التي حرم هو منها؛ ماذا سيكون إحساسك مع ولدك؟ وكيف لو نظر ولدك إليك في تلك اللحظة؟ فكأنه بنظراته يقول: أعطني واشتر لي يا أبي! وأنت لا تستطيع. فمن مكارم الأخلاق المحافظة على شعور الجار وأولاده، فإذا اشتريت فاكهة لأهلك فأدخلها سراً، ولا تدع ولدك يخرج بها فيسيء إلى ولد الجار ويحزنه. وبعد هذا نستطيع أن نقول: يتحقق القيام بحقوق الجار بجلب النفع إليه، ودفع الضر عنه، ومعاملته بمكارم الأخلاق. وقد روى في تعيين بعض حقوق الجار حديث فيه: (من أغلق بابه دون جاره مخافة على أهله وماله فليس الجار بمؤمن)، أي: إذا كان الجار يخشى من جاره على أهله أو على ماله فله أن يغلق الباب مخافة من الجار، مثل اللص الذي قد يأتي من بعيد، وإذا خاف ذلك من الجار، فهذا الجار ليس بمؤمن.
معاونة الجار بالحسنى وترك استغلال حاجته
ومن حقوق الجار أنه إذا استعانك فأعنه، فإذا طلب منك المعونة في أمر في بيته أو غيره فساعده عليه، وإذا استقرضك فأقرضته. فإذا احتاج الجار للمال، وقال لك: يا فلان! أقرضني ألف ريال إلى شهر، أو إلى شهرين، فلا يجوز أن تبيعه بيع العينة، فتبيعه مثلاً طاقة قماش بألف، ثم تشتريها منه بثمانمائة نقداً، فيذهب بالثمانمائة وهو مدين لك بألف نسيئة مكتوبة في الدفتر، وكان يجب عليك أن تقرضه. والمقرض متعامل مع الله، كما قال سبحانه: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ [البقرة:245]، والقرض قربة مثل الصدقة، لاسيما القرض للمحتاج، وقد روي في الحديث: (الصدقة بالدرهم صدقة، والقرض بالدرهم صدقتان، أو له أجران: أجر القرض وأجر الإنظار)، ولهذا لا تجد من يقرض قرضاً حسناً ابتغاء وجه الله إلا من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، ولا يتعامل بالربا إلا من كان في إيمانه شك. ومطالب العقلاء في هذه الحياة جلب نفع أو دفع ضر، وقانون الحياة مبني على المعاوضة، فتقول للبائع: خذ الثمن وأعطني السلعة، ويقول العامل: أنا أعمل عندك وآخذ الأجرة، وهكذا، فكل إنسان يتعامل مع غيره في الحياة على مبدأ المعاوضة، وبقدر ما تنفعه ينفعك. وهذا القانون قد يشمل حتى الحيوان، فيتعامل معك الحيوان على قانون المعاوضة، فمثلاً السفر على الإبل: فإذا كان السفر طويلاً فإنك من قبل السفر تعلف الراحلة زمناً طويلاً حتى تقوى على الرحلة، وفي أثناء سفرك تراعيها في أكلها، وبقدر ما تعطيها من علف تعطيك من المسير، وهكذا الشاة والبقرة، فبقدر ما تعطيهما من علف يعطيانك من الحليب، وإذا قصرت في علفهما قصرا في الحليب، فالأمر معاوضة! وقد ورد أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! قد ندّ عليّ بعيري -أي: شرد وهاج، والنبي عليه الصلاة والسلام أرسل للبشر لا للإبل، لكنه لم يتخل عنه- فقال لأصحابه: قوموا بنا إلى بعيره، فذهبوا، فدخل صلى الله عليه وسلم البستان والبعير هائج، فقال الصديق : يا رسول الله! على رسلك! فالبعير هائج، فقال له صلى الله عليه وسلم: على رسلك أنت يا أبا بكر، ودخل الحائط وحده إلى البعير الهائج، فلما أقبل عليه انقاد له البعير، ومد إليه عنقه، ووضعه على منكب رسول الله، وأصغى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رفع البعير رأسه، فالتفت صلى الله عليه وسلم إلى صاحب البعير وقال: يا صاحب البعير! بعيرك يشتكي منك كثرة العمل، وقلّة العلف!). فاشتكى من عدم المعاوضة العادلة، فكثرة العمل تقتضي كثرة العلف، لكن يكلفه العمل الكثير، ويعطيه العلف القليل! فهذا من حقه أن يهيج، فقانون المعاوضة يسري حتى على الحيوان. فالمرابي يريد أن يقرض على قانون المعاوضة، ولا يقرض قرضاً حسناً، بل يقول: أنا أريد عوضاً عن هذا القرض؛ لأنه يمشي على قانون المعاوضة المادية، لكن المسلف إذا أقرض بدون عوض فإنه يتعامل مع الله، وقانون المعاوضة موجود في التعامل مع الله بأكثر مما في الدنيا، ففي الدنيا تدفع ريالاً وتأخذ دفتراً، وتدفع ريالاً وتأخذ خمسة أقراص من الخبر، وتدفع عشرة ريالات وتأخذ ثوباً، وكل ذلك يكون عاجلاً. أما المتصدق فإنه يدفع الدرهم أو يدفع الدينار أو يدفع الألف، وهو يطمع فيما هو أكثر من ذلك، (الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف) ، ولكن متى ذلك؟ يوم القيامة. إذاً: المقرض يؤمن بيوم القيامة، ويوقن أنه يعامل من سيجزيه ويعوضه، ولكن ذلك يكون مؤجلاً إلى يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ [الشعراء:88]، فالمعاوضة موجودة، وعندما يتعامل المقرض يتعامل مع الله، كما قال الله سبحانه: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ [البقرة:245]. والمرابي لو كان يؤمن بالله وباليوم الآخر مثل إيمان المقرض أو المتصدق لما قال: أنا لا أدفع لك ألفاً حتى تزيدني عليه مائتين، فهو يريد معاوضة عاجلة، بخلاف المؤمن بالله واليوم الآخر فإنه يدفع الألف ويخفيها عن الناس، وفي الحديث: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: وذكر منهم صلى الله عليه وسلم: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما أنفقت شماله)، وفي رواية: (تصدق بيمينه)، والروايتان موجودتان، ولكن الأصح في سياق هذا الحديث بشماله؛ لأنه يريد أن يخفي تصرفه، والناس قد يراقبون اليمين؛ لأنها المعتادة في الحركة، وهو لا يريد أن يهتدوا لحركته، فيغافلهم ويتصدق بالشمال حتى يمعن في إخفائها، وهي لا تخفى على الله. وهذا كما يحكي المؤرخون أنه في بعض الغزوات حاصر المسلمون مدينة، وصعب عليهم فتحها، وفي ليلة من الليالي علم أحد الجنود بمدخل لهذه المدينة، وفي الفجر دخل من هذا المنفذ وفتح الباب وكبّر، ودخل المسلمون وفتحوا المدينة، ولما تحقق النصر، واستتب الأمر، أراد الأمير أن يعرف من هذا الجندي الذي فتح الله على يده؟ فنادى في الجنود: من فتح الحصن فليأتني؟ من فتح الحصن فليخبرني؟ ولا أحد جاءه أو أخبره. وكان الجندي سامعاً مطيعاً، فألزمه بالإتيان بالسمع والطاعة للأمير، وفي منتصف الليل عندما نام الناس جاء الجندي متلثماً، إلى خيمة الأمير القائد، فسأله الحارس: من أنت؟ قال: أنا طِلبة الأمير، ولكن أخبره أني لن أخبره عن نفسي إلا بشروط، قال: ما هي؟ قال: ألا يسألني عن اسمي، ولا اسم أبي، وألا يُقدم لي مكافئة، وألا يطلبني بعد ذلك، فإن قبل هذه الشروط فإني أدخل عليه ثم أنصرف. فدخل الحارس على الأمير فوافق على شروطه، فدخل، فسلم على أميره وقال له: أيها القائد! لماذا أكثرت في طلبي؟ وماذا تريد مني؟ إن الذي خرجنا نجاهد في سبيله يعرف اسمي ونسبي وجزائي عنده، والسلام عليكم وانصرف، فالأمير ألزمه بالحضور بحق السمع والطاعة، لكن هذا الشخص الذي فتح الله على يديه كان مخلصاً، ولا يريد أن يعرف اسمه، لكن الأمر كما قال: إن الذي أخرجنا نجاهد في سبيله يعرف اسمي ونسبي، وهو الذي سيجازيني على عملي.
التصدق على الجار الفقير
على المؤمن أن يتعامل مع الله فيؤدي حقوق الجار مخلصاً لله، فإذا استعانك أعنته، وإذا استقرضك أقرضته، وإذا افتقر عدت عليه. الغنى ليس بالقوة وليس بالذكاء، لا والله، قال الشاعر: وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل وما تدري وإن ذمرت فقراً لأي الناس ينتج ذا الفصيل يعيل أي: يفتقر، فقد يصبح الرجل غنياً ويمسي فقيراً، وبالعكس، فالأمور بيد الله سبحانه وتعالى. إذا ولدت ناقتك الفصيل وأخذته فإنك لا تدري: هل هذا الفصيل يبقى لك أو ينتقل لغيرك؟ فإذا افتقر جارك فعد عليه من فضل خيرك، وإذا مرض فعده، وإذا أصابه خير فهنئه، وإذا أصابته مصيبة فعزه. وحقوق المسلم مبينة في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصحه، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه)، فهذا حق المسلم على المسلم في الإسلام، وهذه من حقوق الجار. فإذا مرض جارك عدته، وعيادة المريض لها آداب تذكر في كتاب الجنائز، منها: أنك لا تطيل الجلوس عنده، ولا تسرّح نظرك في محله، ولا تكثر السؤال عن علته ومرضه، وينبغي أن تبعث في نفسه الأمل والرجاء في الشفاء والصحة. ومن حقوق الجار أنه إذا أصابه خير هنأته؛ وتظهر الفرح بما أصابه من خير، وإن أصابته مصيبة عزيته؛ فتجبر خاطره وتساعده على تحمل ما نزل به. ومن حقوق الجار أيضاً ما ذكر في قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تستطيل عليه بالبنيان لتحجب الريح عنه إلا بإذنه)، وفي كتب الفقه: من رفع بناءه على جاره، فلا يكشف على الجار، بل عليه أن يقيم جداراً ليصون الجار عن نظره. ومن حقوق الجار ما جاء في الأثر: ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها. وقتار القدر: ريحه، أي: فإذا طبخت طبيخاً وصارت له رائحة نفاذة، ووصلت الرائحة إلى الجار، فعليك أن تطعمه منه، وليس هذا من حق الإسلام فقط بل هو حق إنساني. وبعضكم يسمع أن المرأة الحامل يصيبها الوحم، وهذه قضية لا أحد يقدر أن يعللها بشيء، وهي سنة كونية يجريها الله سبحانه وتعالى للنسوة في مرحلة الحمل، فتشم رائحة الطعام فتحتاج أن تتذوق من ذلك الطعام الذي شمت رائحته، فإن لم تأكل منه لحقتها مضرة، أو صارت المضرة في الطعام؛ لأن نفسها تعلقت به، وتعرفون أثر العين والحسد بسماع السيرة وبالرؤية وباللمس، فمن باب المروءة إذا طلعت هذه الرائحة إلى جيرانك أن تطعمهم من هذا الطعام، وإذا اشتريت فاكهة ولم تطعمهم منها فأدخلها إلى البيت سراً.
مضاعفة الإثم المتعلق بالجار
ننتقل إلى مسألة مضاعفة الإثم بسبب الجوار، فنحن نعلم أن الإسلام جعل للأماكن المشرفة حرمة تعظم بسببها أجر الطاعة، فتتضاعف الحسنات، وكذلك السيئات. ففي مكة تتضاعف الحسنة، فالصلاة في مسجد مكة بمائة ألف صلاة، وفي المسجد النبوي بألف صلاة، والمعصية في مكة تتضاعف كما تتضاعف الحسنات، كما جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لما انتدبه عمر ليفتي الناس في الحج، فاعتذر، وقال: إني لا أقوى على سكنى بلد تتضاعف فيه السيئة كما تتضاعف فيه الحسنة، وقرأ قوله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25]، فمجرد إرادة السيئة في مكة يأثم به العبد. وقد جاء في الحديث: (إن الله سبحانه وتعالى تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل)، وقال: (من همّ بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة)، فمجرد الهم بالسيئة لا يؤاخذ به الإنسان إلا في مكة، ولهذا سكن ابن عباس في الطائف وكان ينزل وقت الموسم فقط إلى مكة، ثم يرجع إلى الطائف. وكذلك يتضاعف الذنب في الأشهر الحرم، وفي كتب الحنابلة: إذا قتل الإنسان في الأشهر الحرم تتضاعف عليه الدية، وكذلك قوله تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:3] فتتضاعف فيها أجور الأعمال. وهكذا حرمة الجار، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث المقداد بن الأسود أنه قال: (ما تقولون في الزنا؟ قالوا: حرام، حرمه الله ورسوله، قال: لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر من أن يزني بامرأة جاره، ما تقولون في السرقة؟ قالوا: حرام، حرمها الله ورسوله، قال: لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر من أن يسرق من بيت جاره، ومن أغلق بابه من جاره مخافة على أهله أو ماله فليس الجار بمؤمن). فلماذا كانت السرقة من الجار أشد إثماً من السرقة من عشرة بيوت؟ وما الذي ضاعف الجرم في تلك الجريمة؟ إنها حرمة الجار.
القيام بحق الجار من شيم العرب
فالقيام بحقوق الجار من مكارم الأخلاق، وقد كان العرب في جاهليتهم يحفظون حق الجار، وهذه الأبيات ساقها ابن عبد البر وغيره في كتب التاريخ تبين ذلك، فهذا عمرو بن الأطنابة -وكان من ملوك المدينة قديماً- يقول: إني من الذين إذا انتدو بدءوا بحق الله ثم النائل المانعين من الخنا جاراتهم والحاشدين على طعام النازل فمحل الشاهد قوله: المانعين من الخنا جاراتهم.. وكان يقول: أنتِ أختي وأنت حرمة جاري وحقيق عليَّ حفظ الجوار إن للجار إن تغيّب غيباً حافظاً للمغيب والأسرار ما أبالي أكان للباب ستر أم بقي بغير ستار يعني: أنا لا أنظر إلى حرمة جاري، ولو كان الباب بغير ستر! وقال: بشار بن بشر المجاشعي : وإني لعف عن زيارة جارتي وإني لشنوء لدى اغتيابها يعني: إذا غاب زوجها فأنا أبتعد عنها. إذا غاب عني بعلها لم أكن لها زوّاراً ولم تأنس إليَّ كلابها أي: لا أكثر التردد عليها حتى تألفني كلاب بيتها. ولم أك طلابّاً أحاديث سرها ولا عالماً من أي جنس ثيابها يعني: حتى لو تظهر ثيابها، فإني لا أعرفها من أي جنس هي. وقال الآخر: أقول لجاري إذ أتاني معاتباً مدلاً بحق أو مدلاً بباطل إذا لم يصل خيري وأنت مجاور إليك فما شري إليك بواصل وذكر ابن عبد البر القصيدة التي سمعها مالك بن أنس فقال: حفظوها أبناءكم، وهي قول الشاعر: ناري ونار الجار واحدة وإليه قبلي تنزل القدر ما ضر جاراً لي أجاوره ألا يكون لبيته ستر أعمى إذا ما جارتي برزت حتى يواري جارتي الجد.
الهدي النبوي في معالجة إساءة الجوار
والآن نذكر هدي النبي عليه الصلاة والسلام في معالجة إساءة الجار: وقد تقدمت الإشارة إلى أن رجلاً اشتكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم سوء معاملة جاره، فقال: اذهب واصبر -ثلاث مرات- وأخيراً أمره بإخراج متاعه. فأخرجه وجلس في الطريق، فكان كل من مر به سأله عن شأنه، فيقول: جاري آذاني، فيقول المار: لعنة الله على هذا الجار، ويسبه ويلعنه، وكل من سمع بهذا لعن الجار، فجاء الجار يشتكي للرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: (لا، وعذاب الآخرة أشد) فرجع إلى جاره وقال: أدخل متاعك، وادخل بيتك، فوالله لن أوذيك بعد هذا. فيهمنا في هذا الحديث المنهج النبوي في هذا، فهل الرسول عليه الصلاة والسلام قال: احبسوه؟ أو قال: اضربوه؟ لا، بل جعل المجتمع كله يشارك في علاج هذه القضية؛ لأن قضايا الجيران والجوار قضايا اجتماعية، وليس حلها على السلطان فقط، بل على المجتمع بكامله إذا كان مترابطاً؛ لأن هؤلاء حينما يرون فرداً من المجتمع قد أسيء إليه في جواره، وقد أوذي من جاره، فإنهم يتعاونون على إصلاح هذه الإساءة. فالصحابة انتقموا من ذلك الجار المؤذي بالدعاء عليه، وبسبه، واستقبحوا فعله؛ وهذا الفعل يستقبح عقلاً، فصاحب الإساءة لما سمع بأن المجتمع كله صار ضده، رجع عن غيّه، وكف أذاه عن جاره، وبهذا رجع الجار إلى بيته وقد أمن من إيذاء جاره.
لا يحق للجار أن يتصرف في ملكه بما يضر جاره
ومن ناحية الحقوق القضائية التي أشرنا إليها، يتفق الفقهاء على أن الجار يجب أن يراعي حرمة الجوار، وليس له التصرف في ملكه بما يضر جاره، وقالوا: لا يحق للإنسان أن يحدث في ملكه ما يضر بجاره، وكيف هذا؟ مثاله: أن يبني كنيفاً -أي: مرحاضاً- بجوار جدار جاره، فإذا كان الجدر مبنياً بالطين، فإن الجدران تتضرر بهذا ، وإذا حفر بئراً في أرضه فجفت بئر جاره لاشتراك المراوي في البئرين، فإنه يحكم عليه القاضي بردم بئره ليعود الماء إلى بئر جاره. وكيف نعرف أنها جفت بسبب بئر الجار؟ يقول الفقهاء: نضع النفط -أي: الجاز- في بئر المشتكي، وننظر إلى ماء البئر الجديدة فإن وجدنا ريح الجاز فيها، فهذا يدل على أن الماء يأتي من البئر القديمة. ومن قبل كان كل بيت يحفر بلاعة له، فلو أنه حفر بلاعة فتسربت على بئر الجار وأفسدت ماءها، وجب عليه أن يدفنها. وهكذا لا يحق للجار أن يجعل في بيته مدبغة فيتأذى الجيران بالرائحة، ولا يجوز للقصار يدق الثياب ويزعج جاره، ولا ينشئ مكائن تهز جدران بيت الجار، فلا يحق للشخص أن يحدث في ملكه الخاص ما يضر بجاره، وإذا خرج غصن شجرة جاره إلى هوائه، فليرده برفق ثم يعلم صاحب الغصن بذلك، فإذا لم يرده فحينئذٍ يأتي حكم آخر. نأتي إلى قوله عليه الصلاة والسلام: (حتى ظننت أنه سيورثه)، أي: ما زال يوصيه جبريل بالجار حتى كاد الجار أن يرث؛ لأن الجار لو جعل له حق في ملكك مثل القريب من النسب، فهذا كأنه له نصيب من الميراث. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: (لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبه في جداره) ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين؟! والله لألقين بها بين أكتافكم. فهذا جدارك بنيته في ملكك، ومن مالك الخاص، ثم جاء جارك ليبني، فلم يبن جداراً بجهتك، واكتفى بالجهات الثلاث، وأراد أن يضع الخشب في جدارك، وذلك بوضعها بالعرض من جداره الداخلي إلى جدارك، فإذا كان جدارك يحتمل ذلك؛ فلا يحق لك شرعاً أن تمنعه، بل اتركه يضع خشبه على جدارك. قال الحنابلة: ويجوز هذا ولو كان هذا الجار مسجداً إذا كان جداره قوياً، فيجوز حينئذٍ أن تضع خشب سقفك على جدار المسجد وهو بيت الله، أما إذا كان الوضع يضعف الجدار، أو يضر به، فـ (لا ضرر ولا ضرار) ، فهذا الحديث يكاد يورث الجار، حيث جعل له حقاً في جدار الجار بوضع الخشب.
علاج الشقاق بين الزوجين
نعود إلى قوله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى [النساء:36] الآية، ما هي الآيات التي قبلها؟ هي في أمور الزوجين، قال الله سبحانه: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا [النساء:34] ثم قال سبحانه: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34]، وأنبه الأزواج أن قوامة الرجال على النساء ليست قوامة السلطة والجبروت، ولكن هي قوامة إحسان ورعاية وضمان وكفالة وإنفاق. وقال الله سبحانه وتعالى عن النسوة: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ [النساء:34]، والنشوز: الارتفاع والتعالي، فتتعالى على الوفاء بحق زوجها، فبادروا بوعظهن قبل أن يقع شيء، والموعظة هي التخويف من اليوم الآخر، والتي ينفع فيها التخويف هي المرأة المؤمنة، وهذا يجعلنا نتساءل كيف نختار الزوجة؟ جاء في الحديث: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)، فإذا اخترتها على مبدأ (لدينها)؛ فحينما تقع منها زلة أو تأنف في موقف، فإنك تعظها، فدينها يحثها على الاتعاظ، فإذا اخترتها على مبدأ دينها كان ذلك عوناً لك عليها، وقال الله في وصف المؤمنات: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ [النساء:34]. فأمر الله سبحانه وتعالى بوعظ المرأة الناشز على زوجها، وإذا لم تنفع الموعظة فليهجرها في المضاجع، فلا يهجرها إلى بيت ثان أو غرفة ثانية، لا، بل في نفس الفراش؛ لأن البعد قد يزيد الجفا، ولا يتيح الفرصة للمصالحة، لكن اهجرها في نفس الفراش غير بعيد. والهجر أكبر سلاح يوجه للمرأة؛ لأنه يقفل سلاحها ضد الرجل، وهي لا تملك إلا ذلك فقط، فإذا كان ذلك لا يغري الرجل، واستطاع أن يستغني عنه، بطل سلاحها، وأصبحت معطلة، فهي طعنة في الصميم، فحالاً ترجع. فإذا لم ينفع هذا الهجر، وكان سبب النشوز قوياً، فأمر الله بضربهن، لكن أي ضرب؟ ليس كما يضرب الحيوان، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم هو يضاجعها في آخر يومه!)لكن المشروع الضرب الذي ينبهها فقط، فإذا لم ينفع ذلك بعثوا حكمين، وقوله سبحانه: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34]، والغيب هو كل ما غبت عنه، فهي تحفظ نفسها في غيبتك، وتحفظ مالك، وأهلك، وأقاربك، وأولادك، وخدمك، فكل ذلك تحفظه المرأة الصالحة بما حفظ الله. قال سبحانه: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا [النساء:35] في الآية السابقة قال: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34]، فعند إعطائك السلطة، واستخدامك للحق الذي أعطاك الله إياه من القوامة والموعظة والهجر والضرب، ذكرك الله بأنه علي كبير، يعني: بقدر ما تتعالى على المرأة، وبقدر ما تملك أن تتصرف هذا التصرف، فالله أعلى منك، وسلطة الله عليك أقوى من سلطتك عليها. ولما قال عن الحكمين: (إن يريدا إصلاحاً)، فهل الإرادة أمر ظاهر، أو أمر خفي؟ أمر خفي، والذي يعلم حقيقة إرادة الإصلاح هو الله، ولذا قال: إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا [النساء:35] ، فقوله: (عَلِيمًا خَبِيرًا) تتناسب مع النية وإرادة الإصلاح، وقوله: (عَلِيًّا كَبِيرًا) تتناسب مع القوامة والنصح والهجر والضرب. ثم بعد هذا ذكر الله الزوجين أثناء الخصومة والشقاق والنزاع بينهما بحق الله، وبحق الوالدين، وبحق الأقارب، وبحق الجيران، وبحق الأيتام والمساكين، وابن السبيل والصاحب بالجنب، وهذا التذكير حتى لا تطغى قضايا الزوجين من الشقاق والنزاع على الحقوق العامة لله وللآخرين، فذكر هنا الوصية بالجار. والله أسأل أن يوفقني وإياكم والمسلمين لما يحبه ويرضاه، وأن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد.