آداب الأكل والشرب/ من كتاب صحيح الطب النبوي في ضوء الكتاب والسنة وأقوال السلف
عن جابر t، : "أن النبي e أمر بلعق الأصابع والصحفة ، وقال :"إنكم لا تدرون في أيها البركة" .
رواه مسلم في كتاب الأشربة برقم (2033).
في رواية له : "إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة" . رواه مسلم في كتاب الأشربة برقم (5269)
لعق : مص ، أصابعه الثلاث الوسطى ثم السبابة ثم الإبهام .
فليمط : فليزل ، والأذى : الوسخ ، تُسلت : تُلعق .
القصعة : إناء يأكل عليه عشرة أنفس .
لعق الأصابع سبب لحصول البركة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : ولهذا قال الأطباء : إن في لعق الأصابع من بعد الطعام فائدة وهو تيسير الهضم ، ونحن نقول هذا من باب معرفة حكمة الشرع فيما يأمر به وإلا فالأصل أننا نلعقها امتثالاً لأمر النبي e ، وكثير من الناس لا يفهمون هذه السُنة تجده ينتهي من الطعام وحافته التي حولها كلها تجده أيضاً يذهب ويغسل دون أن يلعق أصابعه والنبي e نهى أن يمسح الإنسان يديه بالمنديل حتى يلعق وينظفها من الطعام ثم بعد ذلك يمسح بالمنديل ثم بعد ذلك يغسلهما إذا شاء . أ.هـ. شرح رياض الصالحين (3/35) .
عن معاذ بن أنس t أن النبي e قال : " من أكل طعاماً ثم قال : الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة غُفر له ما تقدم من ذنبه" . رواه أبو داوود برقم (4043) ، والترمذي برقم (345) ، وابن ماجه برقم (3285) ، وأحمد (3/439) ، وابن السُني (469)، وحسنه العلامة الألباني في الترغيب برقم (2164)، المشكاة (4343)، الكلم (187) ، الإرواء رقم (1989).
في الحديث : حمد الله تعالى بعد الطعام يكون سبباً لغفران الذنوب .
وعن أنس بن مالك tقال : قال رسول الله e : "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها"
رواه مسلم برقم (2734) ، باب "استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب" .
وفي هذا الحديث : حمد الله تعالى بعد الطعام والشراب يكون سبباً لرضى الله تعالى عن العبد .
ففي الحديثين بيان عظيم فضل الله على عباده ، فقد فتح باب الرحمة لهم ومجازاتهم بعظيم كرمِه.
ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع
عن وحشي بن حرب t، أن أصحاب رسول الله e قالوا : يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع قال : "فلعلكم تفترقون" ، قالوا : نعم ، قال : " فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يُبارك لكم فيه" . أخرجه أبو داوود برقم (3764) ، وابن ماجه برقم (3286) ، وأحمد (3/501) ، وغيرهم من طريق الوليد بن مسلم، وقال الألباني : "حسن لغيره"، الترغيب برقم (212) ، والمشكاة برقم (4252).
في الحديث : البركة في الاجتماع على الطعام ، وذكر اسم الله تعالى عليه . فالاجتماع يورث الشبع والبركة. والفرقة تسلب البركة وعدم الشبع .
قال ابن مفلح رحمه الله تعالى : الشيطان قادر على الفرد وإيقاعه في مصايده ومكايده ، لأنه يأكل من الغنم القاصية ، وأما الجماعة فهو بعيد من النيل منها لأن يد الله على الجماعة.
وذكر اسم الله عند الأكل واجب وهو محصل للبركة المرجوة بتكثير الطعام.
قيل للإمام أحمد : أيما أحب إليك يعتزل الرجل في الطعام أو يرافق ؟ قال : يرافق ، هذا أرفق يتعاونون ، وإذا كنت وحدك لم يمكنك الطبخ ولا غيره ، ولا بأس بالنهد ، قد تناهد الصالحون ، كان الحسن إذا سافر ألقى معهم ، ويزيد أيضاً بقدر ما يلقي ، يعني في السر . أ.هـ . الآداب الشرعية (3/182) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي e قال : "البركة تنـزل وسط الطعام فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه" .
أخرجه أبو داوود برقم (3772) ، والترمذي برقم (1805) ، وابن ماجه برقم (3277) ، وصححه الألباني في الترغيب برقم (2123).
وعن جابر t ، أن رسول الله e ، "أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال: " إنكم لا تدرون في أيها البركة" .
رواه مسلم في كتاب الأشربة برقم (526) .
وفي رواية له : "إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة" .
رواه مسلم في كتاب الأشربة رقم (5269).
وفي رواية "إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى فليأكلها ولا يدعها للشيطان فإذا فرغ فليلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة" رواه مسلم في كتاب الأشربة برقم (5271).
لعق : لحس.
فليمط: فلينح وليزل.
البركة : الخير الكثير.
من أذى : من غبار أو تراب أو وسخ .
الطعام : الذي يأكله الإنسان فيه بركة ولا يدري أين هي .
التسمية على الطعام
عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبيe يأكل طعاماً في ستةٍ من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين، فقال رسول اللهe "أما إنه لو سمى لكفاكم" . صححه الألباني في الترغيب برقم (2107).
عدم التسمية على الطعام سبب لسلب البركة منه ، وعدم الشبع .
وعن جابر t ، أنه سمع النبي e يقول : "إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء" وإذا دخل الرجل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان : أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال الشيطان : أدركتم المبيت والعشاء" . رواه مسلم في صحيحه ، وأبو داوود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، وأحمد (3/346 و 383) ، والبخاري في الأدب المفرد (1096).
كل ما يذكر اسم الله عليه ييأس الشيطان منه فإذا غفل حلَّ فيه غفلته ونال مراده منه، والشيطان يبيت في البيوت التي لم يذكر الله تعالى فيها ويأكل من طعام أهلها إذا لم يذكروا اسم الله عليها.
وعن أمية بن مخشي الصحابيtقال : كان رسول اللهe جالساً ورجل يأكل فلم يُسمِ حتى لم يبقَ من طعامه إلا لقمة فلما رفعها إلى فيه قال : بسم الله أوله وآخره فضحك النبيe ثم قال : "ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه" .
رواه أبو داوود ، والنسائي ، المشكاة برقم (4203)، والكلم برقم (183)، والرياض(735) .
يستفاد من الحديث أن الشيطان يشارك في الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه ، إن ذكر الله على الطعام ولو لم يبق منه إلا جزء يسير يحرم الشيطان من كل ما كان قد أكل قبل .
قال ابن القيم رحمه الله : وللتسمية في أول الطعام والشراب ، وحمد الله في آخره تأثيرٌ عجيب في نفعه واستمرائه ، ودفع مضرته .
قال الإمام أحمد : إذا جمع الطعام أربعاً فقد كمل : إذا ذكر اسم الله في أوله ، وحُمد الله في آخره ، وكثرت عليه الأيدي ، وكان من حِل". ا هـ . زاد المعاد (4/232).
وفائدة التسمية قبل الطعام أنه يحرم الشيطان من المشاركة في الأكل والإصابة منه، فعن حذيفة tقال: كنا إذا حضرنا مع النبي e لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول اللهe فيضع يده، وإنا حضرنا معه مرة طعاماً فجاءت جارية كأنها تُدفع فذهبت لتضع يدها في الطعام فأخذ رسول الله eبيدها، ثم جاء أعرابي كأنما يُدفع فأخذ بيده، فقال رسول الله e: "إن الشيطان يستحلُّ الطعام أن لا يُذكر إسم الله عليه، وإنه جاء بهذه الجارية يستحل بها، فأخذت بيدها. فجاء بهذا الأعرابي يستحلُّ به، فأخذتُ بيده، والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يدها" . رواه مسلم برقم (2017) ، وأحمد برقم (2273) ، أبو داوود برقم (3766).
ولفظ التسمية أن يقول الآكل : " بسم الله " فعن عمرو بن أبي سلمة رضي الله عنهما، قال: كنتُ غلاماً في حجر رسول الله e، وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله e "يا غلام سم الله، وكل بيمينك ، وكل مما يليك" فما زالت تلك طِعمتي بعد .
رواه البخاري برقم (5376) واللفظ له ، ورواه مسلم برقم (2022).
الشرب قاعداً سنة وقائماً مباح
جاءت الأحاديث بالأمر في الشرب قاعداً ، دلت على الوجوب ، وجاءت أحاديث أخرى دلت على الإباحة ، فصرفت هذه الأحاديث من الوجوب إلى الإباحة . فمن شرب قاعداً له الأجر على تطبيق السنة ، ومن شرب قائماً لا شيء عليه للأحاديث التالية . والله أعلم .
فعن أبي سعيد : أن النبي e : "زجر ، وفي لفظ نهى ، عن الشرب قائماً".
رواه مسلم .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي e : "شرب من زمزم ،من دلو ،وهو قائم". أخرجه البخاري (1637) ،ومسلم (2027) .
وعن علي t "أتي بماء فشرب ، ثم توضأ ، ثم قام فشرب فضله وهو قائم ، ثم قال : إن ناساً يكرهون الشرب قائماً ، وإن النبي e صنع مثل ما صنعت". أخرجه البخاري (5615) .
وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : "رأيت النبي e يشرب قائماً وقاعداً". أخرجه الترمذي (183) ، وهو حسن .
وعن ابن عمر t قال : "كنا نأكل على عهد النبي e ونحن نمشي ، ونشرب ونحن قيام".
أخرجه أحمد (4601) ، وابن ماجة (3301) ، والترمذي (1880) ، وهو صحيح .
وبوب الإمام النووي رحمه الله تعالى في رياض الصالحين (ص349) ، باب فقال : "باب بيان جواز الشرب قائماً"
"وبيان أن الأكمل والأفضل الشرب قاعداً" .
وقال في شرحه على مسلم (13/195) : وأما شربه eقائماً فبيان للجواز فلا إشكال ولا تعارض ، وهذا الذي ذكرناه يتعين المصير إليه . اهـ .
تعليق