البيت الآمن
لسماعة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
08-06-1430هـ
08-06-1430هـ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأِشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس،اتقوا الله تعالى حق التقوى.
في الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه وليلته؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها"، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبح آمنا في سربه"، من أصبح آمنا في بيته من أصبح آمنا في سكنه؛ فالبيت سكنا العبد نعمة أنعم الله بها عليه، والله جعل لكم من بيوتكم سكنا؛ فهو مكان إقامته وراحته واستتاره وقضاء وطره وحاجته ومكان خلوته واجتماعه بأهله، هو نعمة من الله على العبد أنعم بها عليه لا يعرف قدرها إلا من رأى من لا يملك بيتا، وحاجته في التشرد والتنقل من مكان إلى مكان، النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "آمنا في سربه"، إن أمن البيوت أمن مطلوب شرعا، أمنها من عدوان خارج من ورائها أمن مطلوب شرعا، ولذا أوجب الله الاستئذان عند دخول بيوت الغير: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا)، أي حتى يقدم الاستئذان ويظهر ويفشي السلام، ثم قال له: (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ)؛ فأمر بالاستئذان قبل دخول البيوت؛ لأن البيوت آمنة؛ لأن أهل البيت آمنون في بيتهم لا يجوز الدخول عليهم بغير استئذان ولا علم، ولهذا صارت، ولهذا كانت عقوبة من دخل البيت بلا علم أن يفقأ بصره، وأن ذلك هدرا، ولهذا يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لو أن أحدا اطلع على بيتك بغير إذنك فقعت عينه ما كان عليك من جناح"، بينما النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيته إذا جاء رجلا من خلال الباب ينظر، ومع النبي مدراسا كان يحك بها رأسه؛ فحاول النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يفقأ عين ذلك المتطلع إلا أنه انتبه وانصرف كل ذلك أمنا للبيت من أن يطلع على عورات أهله؛ لأن الناس في بيوتهم لهم أحوالهم الخاصة لا يجوز التعدي عليهم، ولا اكتشاف أسرارهم، ولا التطلع على عوراتهم، هذا الأمن للمنزل من خارجه، ولكن كيف يكون البيت آمنا داخل أسواره كيف يكون البيت آمنا داخل أسواره كيف يكون آمنا داخل أسواره. نعم، إن أمنه داخل أسواره بالتزام أهل البيت آداب الشريعة في المحافظة على قيم البيت والمعاينة لمصالحه البيت أمانة في عنق الزوجين الزوج والزوجة؛ فإنهما أسس البيت وعمد أركانه متى قام الزوجان بالأمانة الملقاة على عاتقهما عمر البيت بتوفيق الله ورفرفت عليه أعلام السعادة والهناء إن قصور بجانب المرأة يقومه الرجل وقصور في جانب الرجل تقومه الزوجة المؤمنة الصالحة لكن المصيبة كل المصيبة إذا عم الفساد الزوجين وعم الضياع الزوجين؛ فأهملت المرأة وأهملت الرجل وضاع البيت وأهله بإهمال الزوجين وتضييعهما لرعيتهما إن الإسلام جعل الزوج راعيا على أهله ومسئولا عن رعيته وجعل المرأة راعية على بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ ذلك أو ضيع؛ فخراب البيوت إنما يكون بإهمال الزوجين جميعا مصالح الأولاد، ومصالح البيت وعدم الاهتمام بالقيام بالواجب.
أيها المسلم، إن الخلل إذا وقع من كلا الزوجين في إهمال البيت، ومصالحه ضاعت المصالح، وضاعت مصالح الأبناء والبنات جميعا.
أيها المسلم، فمن مميزات البيت المسلم أن البيت معمور على الطاعة والعبادة وتقوى الله جل وعلا في الأمور كلها فإذا أمر البيت بالعبادة والطاعة ابتعد الشر والبلاء عنه، ولهذا تقول عائشة -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقوم فيصلي من الله؛ فإذا أوتر قال لعائشة: "قومي فأوتري"، هكذا الطاعة والخير، وهكذا التواصي بالحق بين أركان البيت الزوج والزوجة، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "رحم الله رجلا قام فصلى فأيقظ امرأته؛ فإن أيقضت وإلا نضح في وجهها الماء ورحم الله امرأة قامت فصلت؛ فأيقضت زوجها؛ فإن أبى نضح في وجهه الماء"، كل هذا التعاون على الخير والتعاون على الطاعة وأداء نوافل الخير إلا يأمر البيت بالخير والتقوى.
أيها المسلم، ومن مميزات البيت المسلم وأمنه في الخير من مميزاته: أن يكون البيت معمور بالعلم النافع، والعمل الصالح، علم يتبصر به المسلم الصراط المستقيم، ويتوقى به طريق المغضوب عليهم والظالين، علم يعلموا به أهل البيت الواجبات عليهم في طهارتهم وصلاتهم وأحكام الاستئذان، وما يضطرون إلى فعله، إلى معرفته مما أبيح وحرم عليهم، ليكون البيت قائما على أسس من الخير والتقوى والصلاح؛ فتعاون الزوجين على الخير، وتعليم بعضهم بعضا ما أشكل عليه في أمور دينه، من أسباب أمن البيت فكريا، وسلامته من كل المؤثرات السيئة.
أيها المسلم، إن الحياء خلق كريم يتحلى به المسلم، وفي الحديث: "والحياء شعبة من الإيمان"، وفي الحديث: " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فأصنع ما شئت"؛ فحصول الحياء في البيت الحياء الذي يمنع عن الرذائل والحياء الذي يبعد عن سفاسف الأخلاق، والحياء الذي يدعو إلى الخير والتقى والالتزام المشروع؛ فإذا فقد الحياء من أي مستمع؛ فإن فقدان الحياء دليل النقص والعياذ بالله؛ فلا يليق أن يهتك ستر البيت، ولا يليق أن يلفظ حياءه، وأن يؤثر على هواءه، بل يكون البيت معمورا بالحياء والصمت الحزن والأخلاق الفاضلة كلما عود الأبناء والبنات على الحياء والصمت الحزن كان علامة صلاحهم واستقامتهم بتوفيق الله، وهذا لا يكون إلا إذا كان الأبوان متحليين بهذا الخلق الكريم خلق الحياء الذي يحول بين العبد وبين الرذائل ويحمله على الخير والفضائل.
أيها المسلم، البيت المؤمن آمن، آمن فسره محفوظ، وخلافاته مستورة أسرار البيت محفوظة وخلافاته مستورة لا تعد ولا تذكر ولا تنشر؛ فمتى حفظت أسرار البيوت، ومتى سترت خلافاتها، ومتى عولج الخلاف من داخل البيت، ومتى قضي على الخلاف داخل البيت وضيقت شقة الخلاف؛ فإن البيت سيكون آمنا مطمئنا بتوفيق الله، النبي -صلى الله عليه وسلم- حذر الرجل يفضي إلى امرأته والمرأة تفضي إليه، ثم يعود ينشر أسرارها فهذا من قلة الحياء وضعف المروءة الخلافات المنزلية العائلية لا بد أن تكون ولا يسلم بيتا منها إلا من عصم الله، لكن كيف تعالج الخلافات بين الزوجين أيكون العلاج باستطالة اللسان والتعثير على الأولاد لما يسمعون من تبادل التهم بين الأبوين والقيل والقال ورفع الأصوات وربما حصلت مشادة بين الأبوين ومضاربة والعياذ بالله، وربما تطور النزاع إلى المحاكم، وربما اشترك العوائل في هذا النزاع التافه، الذي يمكن الزوجين أن يحلا هذه المشكلة قبل تطورها وتوسعها، لكن هذه الخلافات لا يقضي عليها إلا إيمان صادق ونصح وإخلاص وحب ولسلامة البيت وإبعاد عن تشتت الأسرة إن كثير من خلافات الزوجين تطور أحيانا إلى أن تصل إلى حد الطلاق، ثم تتفكك الأسرة يذهب الأبناء والبنات ما بين قسوة الأب وما بين عجز الأم وما بين عدم المبالاة أهل الطاعة المرأة بأولادها إلى غير ذلك، هذه النزاعات لو عقل الناس حقا لعالجوها ممكن وكل سبيل ممكن قبل أن تتطور الإسلام حث الزوج على الصبر والتحمل وحث المرأة على السمع والطاعة؛ فإذا قام الزوجين بما يجب على كل نحو الآخر؛ فبتوفيق من الله يقضى على الخلاف وتطوره، لكن المصيبة أن يكون الموقف من أهل الزوجة موقف سلبيا أو الموقف من أهل الرجل موقفا سلبيا فتطور الخلافات على أتفه الأسباب وأحقرها الذي يمكنه أن تمحى في لحظة، لكن ضيق الخلق وقوة الصبر وعدم المروة تؤدي إلى تطور هذا النزاع بين الزوجين، ولهذا أقول أيها المرأة وأيها الزوج ليتق كل منكم ربه في خلافاته ونزاعاته ولتذكر المرأة وليذكر الرجل هؤلاء والبنين والبنات ما حالهم ومصيرهم عندما يكون بين الأبوين هذا النزاع وهذا الشقاق إلى أين تذهب الفتاة؟ وإلى أين يذهب ذلك الولد؟ إلى أين يذهبان؟ إنهما يصابان بأزمات نفسية في دراستهما وفي معشيتهما وأحوالهما، وفي سبب الصراع التافه، الذي يمكن أن يعالج بأيسر علاج وأسهله.
أيها المسلم، ومن مميزات البيت المسلم أن أهل البيت يحفظون البيت بتوفيق من الله من دخول أهل الفساد والشر والبلاء، ودخول المفسدين فساد للبيت وولوج من لا يرضى دينه ضرر على فلذات الأكباد وكم خربت البيوت بدخول المفسدين وأهل الشر والفساد ومن لا دين لهم ومن لا أخلاق ولا حياء عندهم نشر السحر بين الأوائل نشر السحر والفساد وخربوا البيوت وقادوها لكل شر ودمروا أخلاقها وكيانها رجال مفسدون أو نساء مفسدات لا خير في كبير منهم؛ فليكن رب الأسرة على حذر من دخول من لا خير في دخوله ومن لا مصلحة للبيت في دخوله، والنبي -صلى الله عليه وسلم- حينما سمع مقال رجل يصف النساء بأوصاف غير لائقة؛ فأمر ألا يدخل هذا الرجل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، حماية للبيوت وحماية ومحافظة على أصالتها وأخلاقها أن يصل إليها المفسدون الذين لا مروة ولا حياء عندهم، وإنما هم بيوت المفسدون مدمرون للقيم والفضائل إن من ميزات البيت المسلم مميزات البيت المسلم أن أهل البيت الأب والأم يرعيان أخلاق الأبناء والبنات ويهتمان بأخلاقهما يسأل الأب أولاده أين ذهبتم ومن صحبتم ومع من سافرتم ومع من جالستم بأدب لا في حماقة، بأدب ورفق حتى يمكن أن يعيد الثقة لنفسه ويبين له حاله ليس موقف القوة ولا القوة ولا الضغط الزائد الذي ربما يحصل انفجار، ولكنه بأدب واحتياط للأولاد وتوصية لهم بالخير وتحذيرا لهم من مجالسة من لا خير في صحبتهم إذا علم أصحابهم وعلم من يجالسونه ويصحبونه، يطمئن على حالهم يسألهم أين أتيتم من أين أتيتم لماذا تأخر المجيء في البيت من صحبتم من سافرتم معه إلى غير ذلك بأسلوب حكيم يستطيع أن يفهم منه هذا الابن ومن يصاحبه ويجالسه ويوجه له النصيحة الطيبة يعطيه الثقة في نفسه لكن بملاحظة ومراقبة واطمئنان على الأمور كلها الفتاة تسألها أمها مع من صاحبت ومن جالست وإذا أرادت الذهاب فأين تذهب؟ وإلى أين تذهب؟ ولا تسمح لها بالذهاب إلا بصحبة محرمها، ولا تسمح لها بالاتصال إلا في حدود المعقول، تحذيرا لها من السوء ومجالسة السوء ومصاحبة أهل السوء حفظ الله الجميع من كل مكروه، لقد امتلأت الدنيا إلى كثير من القنوات الفضائية الضالة المنحرفة، التي تنشر الفساد والإجرام، وتسهل طرق الفساد، وتعلم طرق الفساد المختلفة فلا بد من توعية لأهل البيت، وتحذيرهم من كثير من هذه القنوات، وتذييل الشر الكامن فيها، لكي يكون الجميع على حذر من أصحاب السوء؛ فإن هذه القنوات السيئة أضرت كثير من الناس، دمرت الأخلاق، وأفسدت المعتقد علم طرق السوء والبلاء نسأل الله السلامة والعافية، من أمن أسباب أمن البيت أن يوفق الله أهله بالرفق في أحوالهم كلها؛ فالرفق ما وضع في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه؛ فإذا كان الرفق في الأب رفق بأولاده رفق بزوجته رفق بخدمه رفق مصحوب بالرحمة والحزم لا رفق فيه تفريط وإضاعة، ولكن رفق في الأمور وسيادة للبيت سيادة طيبة ورفق من المرأة بأولادها، ورفق منها بخدمها، ورفق منها بأهل بيتها عموما؛ فالرفق ما وضع في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه، ويعطي الله على الرفق مالا يعطي على العنف، ومن مميزات البيت المسلم: أن أهله يعرفون حق الجار؛ فيحترمون الجار ويحسنون إليه ويكفون عن أذاه، ويعلمون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوصى بالجار، حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"، لما أكد في حقوق الجار، والنبي يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليكرم جاره"، يوصي بعضهم بعضا للجار بالإحسان إليه بإقراضه إن احتاج وبأن يعود عليه بالفضل إن استقر ويزوره إن مرض ويتبع جنازته إن مات ويكف الشر عنه ويبذل النصح والتوجيه له، من مميزات البيت المسلم: أن المرأة ذات خلق ودين تحث الزوج على البر بالأبوين، والإحسان إلى الأبوين، تحث زوجها على البر بالأبوين والإحسان إلى أبويه، ودعوة الزوج، لذلك هي تحث على صلة رحمه؛ فهي تعينه على صلة الرحم وتعينه على بر الأبوين، وتعينه على الخير وتردعه عن الشر وتقف معه في المواقف الحميدة فالمرأة السيئة هي التي تبعد الرجل عن أبويه وتبعده عن أرحامه وتقصيه عن كل خير وتحاول السيطرة عليه حتى لا يكون له نفوذ في الخير أبدا، والمرأة الصالحة تعمر البيت بالخير فتجمع الكلمة وتوطد الرحم وتعين على الحق هكذا المرأة المسلمة الصالحة والمرأة المسلمة قدوة بأم المؤمنين خديجة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، تلك المرأة الصالحة، التي كانت مع نبينا -صلى الله عليه وسلم- خير معين له بعد الله في كثير من مهماته، غمدت الجراح وواسته وأعانته وسلته في كل مصائبه -صلى الله عليه وسلم-، ولهذا أخبر أن الله بشر خديجة ببيت بالجنة من قصب لا نصب فيه ولا وصل، ذلك لفضلها، وكمال عقلها، ورجحان رأيها رضي الله عنها لما نزل الوحي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصابه ما أصابه من الهم العظيم قالت له كلا والله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق؛ فعرفت بكمال فطرتها أن الله لا يخزي من كان تلك أفعاله وصفاته؛ فالمرأة المسلمة عون لزوجها على الخير إذا رأت فيه انصراف عن الهدى أو بعد عن المنزل أو مجالسة من لا خير فيه، كانت تحذره من الشر، وتبعده عن السوء، وتحمله على الخير قدر ما تستطيع.
أيها المسلم، إن السعادة في البيت ليست بسعة المنزل، ولا بأثاثه ولا بكثرة خدمه، ولا، ولا، ولكن سعادته بتوفيق الله فرجل صالح مستقيم محافظ على عرضه ودينه وامرأة صالحة مستقيمة محافظة على عرضها وشرفها وكرامتها، ترى أن طاعة الزوج طاعة لله، وقربة تتقرب بها إلى الله، والزوج يرى القيام بحق المرأة طاعة وقربة يتقرب بها إلى الله، عند ذلك يسعد البيت، ويسعد أهله وتعمه السعادة والهناء، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "تنكح المرأة لأربع: لمالها وجمالها وحسبها ودينها فأظفر بذات الدين تربت يداك"؛ فأوصى بذات الدين ذات الخلق القيم ذات الاستقامة والتربية الصالحة؛ فإنها بتوفيق من الله سبب لعمارة البيت بالخير والتقوى والعمل الصالح، نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه.
أيها المسلم، إن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"؛ فالرجل الصالح مكسب والمرأة الصالحة مكسب والمعول الدين والتقوى، إن البيوت الصالحة متى تماسكت على الخير والتقوى فإن المجتمع يسعد بذلك البيت الصالح يتربى فيه دين صالح يكون في أخيار ينفع الله به مجتمعهم يصلح الله به الدنيا والدين يقول الله جل وعلا في دعاء المؤمنين: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)، والخليل يقول -عليه السلام- في دعائه: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ).
أيها المسلم، أيها الزوج، أيها الزوجة، إن الأمر يحتاج إلى قدوة حسنة متى كان الرجل صالحا في نفسه، مستقيما في أخلاقه، يراه أولاده محافظين على الصلوات، يرونه إذا أذن المؤذن خرج للمسجد يرونه يحافظ على الصلوات، يرونه غاضا لبصره، محصنا لفرجه، بعيدا عن الترهات والقاذورات؛ فإنهم يقتدون به ويتأسون به يرونه إذا عامل الناس عاملهم بصدق وأعمال طيبة وأمانة يرونه بعيدا عن المعاملات المحرمة بعيدا عن الربا بعيدا عن المخدرات وأنواعها بعيدا عن الفجور لا ينطق إلا خير، ولا يتكلم إلا بخير، ولا يلج بيته، ولا يصحبه إلا أخيار ذو دين وتقى؛ فعند ذلك يكون قدوة لهم، ولكن للأسف الشديد إذا رأوا أن ذلك الأب أبا مفرطا لأحواله متجاهلا لبيته ناسيا لأولاده وزوجته، دائما في لهوه ولعبه وسهراته الطويلة تمضي بعض الليالي وما عرف بيته في سنن فاسدة، ومجتمعات آثمة، ومعاملات سيئة يورنه يتعاطى المخدرات ويتناول المخدرات والمسكرات يأتي البيت بلا عقل ولا رأي ولا تصرف جيد يأتي البيت بلا عقل ولا رأي يعيش في هذه الترهات والقاذورات حمانا الله وإياكم من كل سوء إنها المصيبة العظيمة التي يجنيها هذا الرجل على بيته وأهله يجني عليهم تلك الجنايات السيئة ربما قتر في أرزاقهم وقصر في أحوالهم، لكي يروي غريزته، ولكي يمضي في لهوه وصدوده وبعده عن الهدى؛ فليتق الآباء ربهم في أنفسهم، وليتق الله ربهم في ذراريهم، أما تخشى المسلم أن يعاقب والعياذ بالله كم من مهمل لبناته؛ لأنه والعياذ بالله لا يرى الفجور شيئا، ولا يؤدي على عورات الناس شيئا فيبتلى ببلاء في نفسه والعياذ بالله وفي بيته، إن المرأة المسلمة الصادقة الملازمة لبيتها المهتمة بأبنائها وبناتها المصلحة لذلك المشرفة على بيتها الإشراف التام لا تسمح للبيت أن يحترق تحت سلطتها، ولا تسمح لأي مفسد يتصرف، ولا لأي خادم أن يعمل ما شاء، بل هي العين الساهرة على البيت والأولاد والبنات، تربي وتحفظ وتسأل أين جاؤوا وأين ذهبوا؟ وأين ذهبوا؟ ومتى ذهبوا إلى التعليم؟ ومتى رجعوا وما هي حاجاتهم؟ فهي دائما معهم تتحسس مشاكلهم وتسأل عن حاجياتهم وربما قضتها لهم محافظة على البنات من أي يتعرضن لأمور سيئة هذه المرأة الصالحة مع ذلك الرجل الصالح بتوفيق من الله ينمو البيت صالحا، كم بيوت الأخيار التي خرج منها الأبطال الشجعان، والعلماء الأفذاذ، والمصلحون والمربون، ومن سعده بهم الأمة في عصور كثيرة؛ فنسأل الله أن يعمر بيوتنا بالخير وأن يحفظها للإسلام نبينا -صلى الله عليه وسلم- حثنا على عمارة بيوتنا بالطاعة وبذكر الله؛ فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "مثل البيت الذي يذكر الله فيه، والذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميت"، وقال: "لا تجعلوا بيوتكم قبورا، اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورا"، وقال: "خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"؛ فإن البيت إذا عمر بالصلاة بصلاة النوافل من صلاة الضحى أو الوتر أو بعض الرواتب إذا عمر بتلاوة القرآن؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة"، إن المشعوذين والسحرة إنما سيطروا على بيوت بعض الناس بإهمال الجميع ذكر الله بإهمالهم طاعة الله بإشغال أنفسهم بالنظر إلى بعض القنوات المفسدة الهابطة التي قضت على الأخلاق والكرامة والفضيلة، أسأل الله أن يثبتني وإياكم على دينه وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يصلح ذرياتنا وزوجاتنا، وأن يمن على الجميع بالاستقامة على الهدى إنه على كل شيء قدير.
واعلموا -رحمكم الله-، أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم--، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ، شذ في النار.
وصلوا -رحمكم الله- على عبد الله ورسوله محمد امتثال لأمر ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وارض عن سائر أصحاب نبيك أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللهم آمنا في أوطاننا و أصلح أأمتنا وولاة أمرنا، اللهم وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللهم وفق إمامنا إمام المسلمين عبد الله بن عبدالعزيز لكل خير، اللهم أمده بعونك وتوفيقك وتأييدك وكن له عونا ونصيرا بكل ما أهمه، اللهم أره الحق حقا وارزقه إتباعه وأره الباطل باطلا وارزقه اجتنابه ودله على كل عمل تحبه وترضاه، اللهم اجمع به كلمة الأمة ووحد به صفها على الخير والهدى، اللهم وفق ولي عهده سلطان بن عبدالعزيز لكل خير، اللهم سدده في أقواله وأعماله واجعلهم جميعا أعوانا على البر والتقوى إنك على كل شيء قدير.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوة لنا على طاعتك وبلاغ إلى حين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوة لنا على طاعتك وبلاغ إلى حين.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاء ولا هدم ولا غرق، اللهم اسقنا غيثا مباركا هنيئا مريئا صحا غدقا طبقا مجللا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل برحمتك يا أرحم الراحمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على عموم نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.