في الأسبوع الماضي أبى مجلس النواب أن يوافق على مشروع هذا القانون الذي قدمه صديقنا النائب المحترم الدكتور عبد الرحمن عوض، وبالرغم من احترامنا الكثير لحضرة النائب واعتقادنا إخلاصه في اقتراح هذا المشروع، وفي أنه يرجو –وهو نقي الضمير- أن يحارب الأمراض السرية المهلكة التي أضاعت على كثير من الشبان حياتهم وسعادهم، وبالرغم من كل هذا نحبذ قرار المجلس الموقر ونرى أنه قرار حكيم.
إن محاربة الأمراض السرية لا تكون بزيادة القيود التي قيد بها الزواج ويكفي ما أرق به الناس منها –إلى إعراض أكثر الشبان النافعين، وهم زهرة الأمة عن الزواج.
حاربوا الأمراض السرية إن شئتم بإلغاء البغاء المعلن والخفي، حاربوها بمنع الخمور وبإقفال دور الفسق.
حاربوها بمنع الصور المتهتكة المخجلة التي تسمونها الصور الفنية، حاربوها بمنع ما ترون كل يوم في دور التمثيل والملاهي، وقد أضاعت على فتيانكم وفتياتكم رونق الشباب وجدته.
حاربوها بإيجاب الزواج على كل من أطاقه من الرجال والنساء وبمنع التغالي في المهور والجهاز والأفراح.
حاربوها بإعانة الأسر البائسة والأرامل واليتيمات، ممن يعانين شظف العيش ويجاهدون في سبيل الحياة حتى يدفعن الفقر المدقع إلى التفريط في الأعراض.
حاربوها بإقامة حدود الله لا تخافون لومة لائم.
أنا أعلم أن اقتراح إقامة الحدود في هذا البلد في هذا العصر يقابل بالسخرية والاستهزاء من فريق كبير من المسلمين –وأنا آسف-، وآخرون منهم يرونه شيئا فات ويشفقون على من يطالب به خشية أن يكون مسُّ!!
هذا كله أعرفه وأشعر به ولكني أفهم أني أخاطب قوما مسلمين.
أيها الناس: إن الله تعالى يقول في كتابه، وهو القانون الأول والدستور الأعظم الذي لا يجوز لمؤمن أن يخرج على شيء من أحكامه: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} النور:2
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)).
أيها المسلمون: طغت عليكم سيول المدنية الكاذبة فأنستكم دينكم واقتلعت من قلوب كثير منكم حبه واحترامه والغيرة عليه حتى صرتم تنكرون على من يدعوكم إليه ثم تحاربونه جهاراً.
ولا والله لا فلاح لكم حتى تراجعوه وتهتدوا بهديه.
سيقول كثير منكم: أنعود إلى أحكام القرون الوسطى؟
ونعم يا سيدي, إن القرون الوسطى كانت على أوربا ظلماً وظلاماً وضلالةً، ولكنها كانت على المسلمين عدلاً ونوراً وهدى.
أيها الناس: إن الله أرحم بعباده من رحمة الأم بطفلها، وأعلم بما يصلحهم في دينهم ودنياهم وقد حد لهم هذه الحدود –وهو عالم الغيب والشهادة- هداية لهم وزجرًا، يداوي بها أمراضهم العصية، وهأنتم قد رأيتم عاقبة تركها، وسيستعصي عليكم الداء حتى تلجئوا إلى الدواء.
أين المجـــددون؟!
هاهي أمة من الأمم تريد أن تعود القهقرى فهلا اخذتم بيدها فأنقذتموها من (الرجعية)؟! أما قرأتم في البرقيات الخصوصية في مقطم الثلاثاء 18 مارس سنة 1930: (وافق مجلس النواب الإيطالي على مشروع القانون القاضي بإدخال التعليم الديني في المدارس العالية –نعم! المدارس العالية – طبقا لما جاء في المعاهدة بين الحكومة الإيطالية والفاتيكان، وقد بنى موافقته على أن الأمة لا تستطيع أن تبلغ درجة رفيعة من الرقي بغير التربية الدينية).
أين أقلامكم الماضية وأسلحتكم المرهفة في محاربة الأديان وفي منع تعليمها!!
هذا مجال واسع تجولون فيه، فإن فزتم نلتم أعظم فخر بهداية أمة أوربية وإنقاذها من ظلمات الرجعية!
أؤكد لكم أيها المصلحون أن أحدكم سيغص بريقه ألف مرة قبل أن ينطق لسانه بكلمة أو يخط بقلمه حرفا وما بكم من عجز أو عيِّ، ولكنكم لا تحاربون من الأديان إلا دين الإسلام.
المصدر: كتاب حكم الجاهلية للعلامة أحمد شاكر رحمه الله تعالى