بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
================
الفِتْنَةُ فِي الدِّينِ أَشَدُّ أَنْوَاعِ الفِتَنِ
================
فيا أيُّها الإخوةُ الكِرام نحنُ في زمنٍ كثُرَت فيهِ الفِتَن والتّقلُبات، فنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وإنَّ الْفِتَنِ التي أَعْني هي الفتنةُ في الدّين، أَمّا فِتْنَةُ المرء فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ فهذِه كما قالَ أمير المؤمنينعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ- تِلْكَ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ، ولكن الْفِتَنِ التي سألَ عنها- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ- وعَنْ خَبرِها أصحابَ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-هي الْفِتَن التي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ، هي الْفِتَنُ في الدِّين، التي (يُمْسِي الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، والعكس يُصْبِحُ مُؤْمِنًا ويُمْسِي كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ فيها بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا قليل)نسألُ الله العافية والسلامة، هذه التي قالَ فيها النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما قال، وهذه الْفِتَن التي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ، هي التي سألَ عنها الفاروق- رَّضِيَ اللّهُ تعالى عَنْهُ وأَرْضَاه- سألَ عنها أصحاب النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائِلًا:(أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكر حَدِيثَ الْفِتَنِ)، أو الْفِتَنِ، فَذُكِر له ما تقدّم، فَقَالَ: لا(أَيُّكُمْ سَمِعَ النَّبِيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذكُر الْفِتَنِ التي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ؟)فَقامَ لهُ حُذَيْفَةَ- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ- وأخبره بالحديث الذي تعلمونهُ في الصحيح، وأنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:((تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَما يُعْرَضُ الْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأَيُّما قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، وأ َيُّما قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، حَتَّى تَعودُ القُلوب عَلَى قَلْبَيْنِ، أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا لا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، وَأَسودَ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ))نعوذ باللهِ من ذلك-ثُمَّ قالَ حُذَيْفَةَ: ((وحَدْثتهُ أنَّ بَينهُ وبَينَها بَابًا مُغْلَق يُوشِكُ أَنّ يُكْسَر، فَقَالَ له أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ -: أَكَسْرًا لاَ أَبَا لَكَ؟ لَعَلَّهُ يُفْتَح، أو يُفتَحْ لَعَلَّهُ يُغْلَق، فَقَالَ: لا، بَلْ يُكْسَرُ، فَقيلَ لحُذَيْفَةَ - رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ-: أكان عُمَرَ يَعْرِفُ أنّهُ ذَلكَ الْبَابُ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَما تَعْرِف أنَّ قَبلَ غَدٍ اللَيلَة))، والكَسْر هُنا هو قَتله - رضِيَ اللّهُ عَنْهُ -، إذ بقتله فُتِحَ باب الْفِتَن على أُمة الإ سلام، ولم تَزل من ذلك الحين الْفِتَنُ كل يومٍ تَحْدُث، فبعد قتله -رَّضِيَ اللّهُ تعالى عَنْهُ- على يدِ أَبي لُؤْلُؤَةَ الْمَجُوسِيُّ- قبّحهُ الله-، وهو الذي يحتفلُ بهِ الفُرس، وجعلوا له مشهدًا عندهم، ويزعمون أنهم على الإسلام، ويترضّون عَنهُ- قَبّحهم الله قاطبة-، هؤلاء الروافض هم نَسلُ هذا وأمثاله، تلاميذُ هذا وأمثالهِ، فَأصلهم الأول هو الذي كسر القُفل في الإسلام، ولم يزالوا إلى يومنا هذا وهم مِعْوَلُ هَدم في الإسلام، يهدمون الدّين ويزعمون أنهم مهتدون، عاملهم الله بما يستحقون، وكفى الله المؤمنين شرّهم، وقطع دابرهم، وكسر شوكتهم، واستّأصل شأفتهم، نسأل الله - جَلَّ وَعَلا- أن يكسر رايتهم، وأن يُوفِّق وَيُعين من قام في ذلك وسعى في كسرها، ومن هذا بهذه المناسبة ما قَامَت به هذه البلاد المُوفقّة من إعلان الحرب على أذنابهم في بلاد اليمن، يَمَن الإيمان، اليمن السعيد، الأنَّ هذه الدولة الرافضيّة تُريد أن تُحيط ببيضة الإسلام، مهبط الوحيّ، فتتسلّط على أهل الإسلام بعد أن تحيط بهم إحاطة السوار بالمعصم، في الشام إلى العراق، ثم بعد ذلك هُم من الشرق ثم ينزلون إلى الجنوب فيحيطون بأمة الإسلام، جُرثومة اﻹسلام، هم العرب فبهم نصر الله هذا الدين، وهؤلاء إضافة إلى ما عندهم من الزندقة والشعوبية ونعني بها بُغض العربي، وأهل الإسلام أهل السُنّة، يسعون في إقامة دولتهم الفارسية التي أقامها أجدادهم من الزنادقة، يَسْعَوْن لإعادة ذلك، فالحرب لهؤلاء حرب إيمان، بيننا وبينهم حرب بين أهل الإيمان وأهل الزَندَقة والطغيان- عياذًا بالله من ذلك-، وإنها لحرب يؤجر المرء الذي يقوم في صفِّ أهل الإيمان في مقاتلة هؤلاء - قطع الله دابرهم- قومٌ لم يَسْلَم مِنْهُم النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فما عَسى أن يُقال فيهم، عَائِشَةُ- أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ-عِرْض كُلِّ مُؤْمِنَ، فِراش رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِندهم مقالتهم فيها معروفة، تِلكُم المقالة الخبيثة.
أصحاب رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إما مرتدّون كلهم أو جُلّهُم، أو فَسَقة كُلهم أو جلّهم.
كتاب الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عندهم مُحرّف.
أَبُوبَكرٍ وَعُمَر عندهم أفْجَر الناس-عليهم من الله ما يستحقّون.
وقل ما شِئتَ من المَخَازِي التي هي في كُتبهم مَسْطُورة، وعن رؤوس ضَلالِهم مشهورة، وعن المعاصرين من رؤوس الضلال فيهم مسموعةٌ مرئِيةٌ منشورة، نعوذُ باللهِ من ذلك.
الشاهِد، نعودُ إلى حديثنا فنقول:
إنَّ هؤلاء الذين كَسروا الباب بِقتلِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ- رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ- كان بدايةً للفِتَن، كَانت بدايةُ الْفِتَن، ولم نَزّل كُل يومٍ تطلعُ علينا فِتْنَة، فجاءت الفِتنةُ الثانية بعد ذلك بِقتل عُثْمَان - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - والذي قتلهُ هم أتباعُ ابن السَوْداء، ابن سَبأ، الخوارج والروافض أتباعُهُ، أتباعُ ابن السوداء، عبد الله بن سبأ اليهودي، فشجرةٌ خبيثة أنتجَت فرعيْنِ خبيثين، ثُم قُتل أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَليٌّ- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ- ثُمَّ لم تَزَل الْفِتَن بينَ الحينِ والآخَر، وإنّ من أعظم الفِتَنِ يا عِباد الله، التَلوّنُ في دِينِ اللهِ – جَلّ وَعَلا- كما قال النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا قَليل)).
الفِتْنَةُ فِي الدِّينِأَشَدُّأَنْوَاعِ الفِتَنِ، من فُتنَ في دينِهِ فهو المُرَزّى الرَّزِيَّةُ العَظِيمَة:
إِنَّ المُرَّزِى مَن يُرْزَّى دِينَهُ * لا مَنْ يُرَزّى نَاقةً وَفِصَالَها
كما قال إمامُ أهلِ السُنة أَحْمدُ بن حَنْبل - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - حينما أنشأ هذِهِ الأبيات المشهورة،
يَا ابنَ المَدِينِيّ الذي عَرَضَتْ لَهُ * دُنْيا فَجَادَ بِدِينِهِ لِيَنَالَها
مَاذا دَعَاكَ إِلى انتحالِ مَقَالةٍ * قَدْ كُنتَ تَزْعُم كَافرًا مَنْ قَالَها
إِنَّ المُرَّزِى مَن يُرْزي دِينَهُ * لا مَنْ يُرَزّى نَاقةً وَفِصَالَها
حينما دَارَ وَأجابَ في فِتْنةِ الخَلْق، القولِ بخلقِ القُرآن، فعاتبهُ أَحْمَد - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ- عِتابًا شَديدًا.
الشاهِد؛ الْفِتَنةُ العظيمة هي فتنةُ الدين، واليوم الْفِتَن مُتكاثِرة، فَنعوذُ باللهِ منها، ونسأل الله الثبات على الحقِّ والهُدى، ولُيُعلم أنَّ المرءَ لا يُحْمَدُ في عَصْرِ الْفِتَن إلا بِمُغادرةِ هذِهِ الدُنيا وهو على السُّنةِ والإيمان الصحيح، قال- جَلّ وَعلا - في حقِّ الصّحابةِ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُم-: ( مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ )، يعني سار إلى الله، مات أو قُتل في سبيل الله،( وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ ) والقَيدُ ما هو؟! ( وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً ) [الأحزاب:23]، وهذا الذي نردُّ بِهِ نحنُ وإياكم جميعًا معاشِر أهل السُّنة على الروافض الفجَرةَ، الذين يطعنون في الصحابة - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُم - فإنَّ الله قد زَكَّاهُم بِقولِه:( فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ )، ثُمَّ قَال في الجميع، ( وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً )، فَشَهِد لهم - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أولًا بالصدّق؛( صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ )، ثم هؤلاءِ الصادقين انقسموا إلى قسمين قِسمٍ قد مات، وهم الذين ماتوا في أول الإسلام، وَهُم الذّينَ قال اللهُ فيهم
( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ) [ البقرة 143]، هؤلاءِ هم السابَقون، أي: (صلاتكم إلى بيت المقدِس)، ومنهم من ينتظِر - باقيّ حيّ- والشهادة لهذا الذي بقي بأنهُ ثابتٌ على الحقّ، على الصّدق الذي عاهدَ الله عليه، فقال الله - جَلّ وَعَلا-:( وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً )، فدلّ ذلك على أن هؤلاءِ الأَصْحَاب الأَخْيَار الأَبْرَارِ على هذا الأمر، وهو الثباتُ على الدِّين، وعدم الّتغيُر فيه، فيُمدحُ المرء بِثباتِهِ على الدِّين، وما دام على ظهرِ الحياة فإنَّ الواجِب عليه أن يخاف على نفسِه، وقد كان رسولنا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكثر من قولِه(يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) وهو المعصوم- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَريٌ بنا نحنُ أن نُكثِر من هذا الدُعاء، فيُمدحُ المرءُ إذا فارق الدُّنيا وهو على الثّبات.
جاءَ في المُسندِ بإسنادٍ حسنٍ، من حديث المِقْدَاد - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - قال :" لاَ أَشْهَدُ لأَحَدٍ بِشَيء، بَعْدَ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- حَتَّى أَنْظُرَ عَلامَ يَمُوتُ - أو كما قال- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ- قِيل لَهُ ما سَمِعت من النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ : سَمِعتهُ يَقول:"لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَشَدُّ تَقُلُبًا مِنْ الْقِدْرِ اسجْتَمَعَتْ غَلْيًانا"، يقول أنا ما عاد أشهد لأحد حتى أنظُر بماذا يُختم لهُ، على ماذا مات، أما مادام على الحياة فأنا لا أدري ما أقول فيه، أتوقف، لماذا! لأنَّ الفِتَن هذِهِ تُقلّب القُلوب، والقُلوبُ تتقلّب، وَمَا سُمِّيَ الْإِنْسانُ إلّا لِنَسِيَهُ، وَلا الْقَلْبُ إلّا لِأَنَّه يتقلبُ؛
فاللهُ - جَلّ وَعَلا - أثنى وشَهِد هؤلاءِ الأخيارِ الأبرار، بأن منهم من مات على الصِّدق والباقي لم يُبَدَّلُواْ تَبْدِيلاً، فهكذا يُثنى على الإنسان من مات على الصِدق ومن بقِيَ ولم يُبدل تبديلا؛ يُشهدُ لهُ بذلك.
إذن فهذا الثناءُ مرتبِطٌ بالثبات، وهذا فيهِ كَسرٌ للشُبّهةِ الخبيثة التي الآن تُردَّدُ على المسامِع ويُلّبّسُ بِها على أهلِ السُّنّة، عَسْكرِ القُرآنِ وَالحَديث، فيأتي المُبطِل ويَنْحرِف ويتغيّر، ثم يدعو إلى باطِله، بعد أن كان على خير، ويُقال للرادِ عليهِ : أُسكُت عنهُ له سَابِقة! اللهُ أكبر! ما قيمة هذِهِ السَابِقة وقد تغيّر؟! هذا مُضَادّة للنصوص ومُضادّة لهذا الذي سمِعتم من كلامِ اللهِ وكلامِ رسُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قِيل لِحُذَيْفَةَ- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ-: (مَتى نَعْلَم أنَّ الرَجُل قَدّ فُتِن؟ قَال: إذا رَأْيتهُ يَرى الذي كَانَ يَرَاهُ بِالأَمْس حَرَامًا، يَرَاهُ اليوم حَلَالًا، أَوْ الذي يَراهُ بالأمس حَلَالًا يَراهُ اليوم حَرَامًا، فَاعلَم أنهُ قَدْ فُتِن)؛فإذا تَغيّر العَبْد، ما قيمةُ السَابِقة! قد ينتقِل إلى الرِدّة- عياذًا بالله من ذلك؛
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) الآيات، [المائدة54]
فالقلبُ ضَعيف قد يَرْتّد.
أضربِ لكم مِثالًا - وقد ضربتُه مرّات لبعضِ إخوانِكم في سنواتٍ سابِقة - عبدُ الله القصيمي، جَرّدَ سيف الإيمان في الردِّ على المُحاربين للدعوةِ السلفية، دعوة الإمام المُجدّد المُجاهِد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، فـ (الحُسام الماحِق) و(الضياءِ الشّارِق) و(صِراعٌ بين الإسلام والوثنيّة) حتى مُدِحَ وقَرَّضَ له في هذا الكتاب عددٌ من كبار العلماء وقيل فيه:
صراعٌ بين إسلامٍ وكُفْرِ يقومُ به القَصيمِيُّ الشُجاعُ
إلى آخره..
و(البروق النَّجدية لاكتساح الظلمات الدجوية)، وقل ما شئت من كتبه العظيمة في هذا الباب، وفي الأخير خُتِمَ له بسوء، تَرَكَ هذا كله وحُكِم عليه بالرِّدة وجاء بالضلالات، إذ ألَّفَ كتابه (الأغلال)، على هذه القاعدة الخبيثة الملّعونة نقول له جهود سابقة!
نَصَرالدعوة السلفية!
كُتبه هذه موجودة في الرَّد على أعدائها!
لا، لابُدّ أن يكون-؛ ( وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً ) ،أمّا الذي يُبدِّل ويبيع دينه بعرضٍ من الدُّنيا قليل فهذا لا عِبرة به، يكون اليوم سنِّي وغدًا بِدعي ولو كان من تلاميذ كبار العلماء، الواجب أن يُبَيَّن حالُه.
(وَاصِلُ بن عَطَاء)- أنا أسألكم- تلميذ من؟ أجيبوا، في حَلَقةِ من؟ مالكم لا تجيبون؟! تلميذ من؟ حَسَن البَصّري، وفي الأخير (اعْتَزَلَنا وَاصِلْ)، فصار رأس المُعْتَزِلَة؛ لماذا؟ لأنَّ حَسَنًا - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ -ابنَ أَبي الحَسَنْ البَصْريّ سُئل عن صاحب الكَبيرة السؤال الآتي:
هو في النارِ وإلا مُسلِم؟ مُؤمنٌ ولا كَافِر؟ فَسَكَت الحَسَن يتَأَمّل، فَالرَجُل بادَرْ إلى الإجابة، وَقَال: (هُوَ في مَنْزِلَة بين المنزِلَتين، لا مُسْلِم ولا كَافِر) فين نضعه؟ أين؟ فأساءَ الأدّب بالتَّقدُم بين يدي الشُّيوخ الرّاسخين، ولم يُوفَّق لِصَوابِ الجَواب، حَيْث جاء بما يُضادُّ القرآن المبين، وحديثَ سَيد المرسلين، ثم بعد ذلك أحدث الشَّقّ، فتنحَّى ناحيةً من المسجد وانخزل بثُلَّةٍ معه، ومن هنا أُطلِقَ عليهم اسم (المُعْتَزِلَة)، مَا نَفعهُ أنهُ تِلميذُ الحَسَن البَصرِي.
فالعبّرة معشر الأحبة؛ بالثَّباتِ على الحقِّ والهُدى، أمَّا من بدَّلَ وغيَّر فلا عِبرة به ويُرَدُّ عليه، أما حِفْظ السَّابِقة له إذا كان الخلاف فيما يسُوغُ فيه الخلاف، أمّا أنّ يَهدِم أصول السُّنّة والإسلام، وينْصُر أهل الأهواء والبدع، ويُدافع عنهم، أو يعتَذِرَ لهم، أو يُهَوِّن من شأنهم، ورُبما حَارَب أهل السُّنّة الرَّادين عليهم فهذا لا كرامة لَهُ، ولو كان تلميذًا لمشايخ الإسلام.
لا عيب على مشايخ الإسلام به، لا يَضُرُّهم هذا، مَن أحسَن فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا؛ ( وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ) [فصلت:46]، ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) [الأنعام:164 ]، (وَلَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ)، ( وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ) [النساء:113 ]،كل هذه الآيات دالّة على هذا المعنى.
فليُعلم- أيها الأحبّة- أنَّ هذه الشُّبهة التي الآن يأتوننا بها ليُلبِّسوا بها على السَّلفيين شُبهةٌ داحضّة - ولله الحمد-، كتاب الله يدحضُها، وسنة رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تدحَضُها، وقول الصحابة يدحضها، وعمل سلف الأمة وأقوالهم المأثورة تدحضها، وإنما يريد هؤلاء الدفاع عن أنفسهم، وهيهات، فإن دين الله منصور، وعند كُلِّ زلةٍ قائمٌ لله يقوم بنصرة دينه، فلتُحْذَر هذه المقالة ولا يُسْمَع إلى مُنْشِئها، ولا إلى مُبديها، ومن يُعيدها ويرويها، فإنها مَدْخَلُ شرٍّ على أهل السُّنّة، وعلى طلبة الحديث وأنصار الحديث، نسأل الله- جَلَّ وَعَلا- أن يعافينا وإياكم.
فالمرء إنما يَنْبُلُ بثباتهِ على السُّنّة واتِّباعه لها، ويَصْغُر بمُخالفته له ومحاربته لأهلها، والأصاغِر هُم أهلُ الأهواءِ والبِدع وإن كانوا أبناء سبعين، والكبار هم أهل السُّنّة الثّابتون عليها، وإن كانوا أبناء عشرين، فالعِبرة بالدِّين لا بالسنِّ والتقدّم، وإلا لأوجب ذلك أن تُسَوِّيَ بين الصالح والطالح، والخبيث والصالح لا يستويان، فنقول: الباطِل يُرَدُّ على صاحبه والمُبْطِلُ يُرَدُّ عليه، بل من عاند يُخْشَنُ لهُ في العِبارة، بَلْ ولو كان شيخًا له وخالَف السُّنّة ونَصَرَ البِدعة فإنه يجب على طلبة العلم أن يُظهِروا له الخشونة في اللفظ، والذين يَتمسَّحون بأقوال مشايِخِنا - مشايخ الإسلام في هذا الزَّمان- إمَّا أنهم لم يعرفوا هؤلاء حَقَّ المعرفة، أو لم يطَّلعوا على مقالاتهم، ومنهم من هو قاصرٌ لا يستطيع الوقوف بنفسه، لابُدَّ وأن يُقْرَأ عليه للعوارِض التي تَعْرِضُ فتمنعه من القراءة، فَرُبما قَصَّر ولم يطّلع على هذا، والذي يقرأُ له أو عليه لِقلَّةِ عِلمِه، لا يَقرأُ عَليهِ مِثل ذلك إن كان مُنحرفًا، وإن كان جاهلًا فكيف له أن يطّلع على هذا؟! وقد سُئل عن هذا شيخُنا شيخ الإسلام في هذا الزمان الشيخ عبدالعزيز بن باز- رحمه الله تعالى- ومسطورٌ في فتاويه، وأخبر بوجوب إنكار الطلبة على المُدّرس والإخشان له إذا كان عنده من هذا الذي ذكرت، ويُظهر له الإنكار والخشونة في الكلام والهجر لعلَّه يعود.
هذا مع المُدَرِّس، اليوم يقولك إذا مدرسك أحسن إليك حتى إن كان على بدعة استقبله! هذا باطل! إذا زاغ هو أين ذهبنا بأوثّق عُرى الإيمان-الحبّ في الله والبغض في الله-؟ أين؟! الأوزاعي - رحمه الله-يَأتيه ثور بن يزيد الحِمْصي فيمدُّ إليهِ يدّه يُسَلّم، فيقول: (لا يَا ثَور، هُوَ الدّين، لَوْ كاَنَتْ الدّنَيا لَسَلَّمْنا عَليَك) لَو كَان الخِلاف في الدُنيا الأمر سَهل، هذا الذي يُقال فيه له سابقة، هب له هفوه وخطأه، أما الهفوة في الدين لا.
وما بالنا اليوم نقول لمن يدعو إلى هذا بأنهم غلاة ومُتَشَدِّدون؟!
إذًا لم لا يقال عنكم أنتم أنكم مُمَيِّعون، وللسُنّة وطريقة أهلها مُضَيِّعون؟! أتريدون أن تُضَيِّعوا غَيْركُم؟! مَعَاذَ الله.
أسأل الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-بأسمائه الحُسنى، وصِفاتِه العُلا أن يُثَبِّتنا وإياكم على الحقِّ والهُدى، ويربط على قلوبنا عليه، وأن يجعلنا ممن يقوم لله، ويقول لله، ويمشي لله، ويُجاهِد في الله، لا تَأخذه في الله لومَةُ لائم، مُعظِّمًا لكتاب الله وسنة رَسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-مُتَّبعًا لأكرّم من سار على ذلك، إنه جوادٌ كريم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبيّنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان .
الشيخ الدكتور :: - محمد بن هادي المدخلي - حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
================
الفِتْنَةُ فِي الدِّينِ أَشَدُّ أَنْوَاعِ الفِتَنِ
================
فيا أيُّها الإخوةُ الكِرام نحنُ في زمنٍ كثُرَت فيهِ الفِتَن والتّقلُبات، فنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وإنَّ الْفِتَنِ التي أَعْني هي الفتنةُ في الدّين، أَمّا فِتْنَةُ المرء فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ فهذِه كما قالَ أمير المؤمنينعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ- تِلْكَ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ، ولكن الْفِتَنِ التي سألَ عنها- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ- وعَنْ خَبرِها أصحابَ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-هي الْفِتَن التي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ، هي الْفِتَنُ في الدِّين، التي (يُمْسِي الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، والعكس يُصْبِحُ مُؤْمِنًا ويُمْسِي كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ فيها بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا قليل)نسألُ الله العافية والسلامة، هذه التي قالَ فيها النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما قال، وهذه الْفِتَن التي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ، هي التي سألَ عنها الفاروق- رَّضِيَ اللّهُ تعالى عَنْهُ وأَرْضَاه- سألَ عنها أصحاب النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائِلًا:(أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكر حَدِيثَ الْفِتَنِ)، أو الْفِتَنِ، فَذُكِر له ما تقدّم، فَقَالَ: لا(أَيُّكُمْ سَمِعَ النَّبِيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذكُر الْفِتَنِ التي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ؟)فَقامَ لهُ حُذَيْفَةَ- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ- وأخبره بالحديث الذي تعلمونهُ في الصحيح، وأنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:((تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَما يُعْرَضُ الْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأَيُّما قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، وأ َيُّما قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، حَتَّى تَعودُ القُلوب عَلَى قَلْبَيْنِ، أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا لا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، وَأَسودَ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ))نعوذ باللهِ من ذلك-ثُمَّ قالَ حُذَيْفَةَ: ((وحَدْثتهُ أنَّ بَينهُ وبَينَها بَابًا مُغْلَق يُوشِكُ أَنّ يُكْسَر، فَقَالَ له أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ -: أَكَسْرًا لاَ أَبَا لَكَ؟ لَعَلَّهُ يُفْتَح، أو يُفتَحْ لَعَلَّهُ يُغْلَق، فَقَالَ: لا، بَلْ يُكْسَرُ، فَقيلَ لحُذَيْفَةَ - رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ-: أكان عُمَرَ يَعْرِفُ أنّهُ ذَلكَ الْبَابُ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَما تَعْرِف أنَّ قَبلَ غَدٍ اللَيلَة))، والكَسْر هُنا هو قَتله - رضِيَ اللّهُ عَنْهُ -، إذ بقتله فُتِحَ باب الْفِتَن على أُمة الإ سلام، ولم تَزل من ذلك الحين الْفِتَنُ كل يومٍ تَحْدُث، فبعد قتله -رَّضِيَ اللّهُ تعالى عَنْهُ- على يدِ أَبي لُؤْلُؤَةَ الْمَجُوسِيُّ- قبّحهُ الله-، وهو الذي يحتفلُ بهِ الفُرس، وجعلوا له مشهدًا عندهم، ويزعمون أنهم على الإسلام، ويترضّون عَنهُ- قَبّحهم الله قاطبة-، هؤلاء الروافض هم نَسلُ هذا وأمثاله، تلاميذُ هذا وأمثالهِ، فَأصلهم الأول هو الذي كسر القُفل في الإسلام، ولم يزالوا إلى يومنا هذا وهم مِعْوَلُ هَدم في الإسلام، يهدمون الدّين ويزعمون أنهم مهتدون، عاملهم الله بما يستحقون، وكفى الله المؤمنين شرّهم، وقطع دابرهم، وكسر شوكتهم، واستّأصل شأفتهم، نسأل الله - جَلَّ وَعَلا- أن يكسر رايتهم، وأن يُوفِّق وَيُعين من قام في ذلك وسعى في كسرها، ومن هذا بهذه المناسبة ما قَامَت به هذه البلاد المُوفقّة من إعلان الحرب على أذنابهم في بلاد اليمن، يَمَن الإيمان، اليمن السعيد، الأنَّ هذه الدولة الرافضيّة تُريد أن تُحيط ببيضة الإسلام، مهبط الوحيّ، فتتسلّط على أهل الإسلام بعد أن تحيط بهم إحاطة السوار بالمعصم، في الشام إلى العراق، ثم بعد ذلك هُم من الشرق ثم ينزلون إلى الجنوب فيحيطون بأمة الإسلام، جُرثومة اﻹسلام، هم العرب فبهم نصر الله هذا الدين، وهؤلاء إضافة إلى ما عندهم من الزندقة والشعوبية ونعني بها بُغض العربي، وأهل الإسلام أهل السُنّة، يسعون في إقامة دولتهم الفارسية التي أقامها أجدادهم من الزنادقة، يَسْعَوْن لإعادة ذلك، فالحرب لهؤلاء حرب إيمان، بيننا وبينهم حرب بين أهل الإيمان وأهل الزَندَقة والطغيان- عياذًا بالله من ذلك-، وإنها لحرب يؤجر المرء الذي يقوم في صفِّ أهل الإيمان في مقاتلة هؤلاء - قطع الله دابرهم- قومٌ لم يَسْلَم مِنْهُم النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فما عَسى أن يُقال فيهم، عَائِشَةُ- أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ-عِرْض كُلِّ مُؤْمِنَ، فِراش رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِندهم مقالتهم فيها معروفة، تِلكُم المقالة الخبيثة.
أصحاب رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إما مرتدّون كلهم أو جُلّهُم، أو فَسَقة كُلهم أو جلّهم.
كتاب الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عندهم مُحرّف.
أَبُوبَكرٍ وَعُمَر عندهم أفْجَر الناس-عليهم من الله ما يستحقّون.
وقل ما شِئتَ من المَخَازِي التي هي في كُتبهم مَسْطُورة، وعن رؤوس ضَلالِهم مشهورة، وعن المعاصرين من رؤوس الضلال فيهم مسموعةٌ مرئِيةٌ منشورة، نعوذُ باللهِ من ذلك.
الشاهِد، نعودُ إلى حديثنا فنقول:
إنَّ هؤلاء الذين كَسروا الباب بِقتلِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ- رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ- كان بدايةً للفِتَن، كَانت بدايةُ الْفِتَن، ولم نَزّل كُل يومٍ تطلعُ علينا فِتْنَة، فجاءت الفِتنةُ الثانية بعد ذلك بِقتل عُثْمَان - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - والذي قتلهُ هم أتباعُ ابن السَوْداء، ابن سَبأ، الخوارج والروافض أتباعُهُ، أتباعُ ابن السوداء، عبد الله بن سبأ اليهودي، فشجرةٌ خبيثة أنتجَت فرعيْنِ خبيثين، ثُم قُتل أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَليٌّ- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ- ثُمَّ لم تَزَل الْفِتَن بينَ الحينِ والآخَر، وإنّ من أعظم الفِتَنِ يا عِباد الله، التَلوّنُ في دِينِ اللهِ – جَلّ وَعَلا- كما قال النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا قَليل)).
الفِتْنَةُ فِي الدِّينِأَشَدُّأَنْوَاعِ الفِتَنِ، من فُتنَ في دينِهِ فهو المُرَزّى الرَّزِيَّةُ العَظِيمَة:
إِنَّ المُرَّزِى مَن يُرْزَّى دِينَهُ * لا مَنْ يُرَزّى نَاقةً وَفِصَالَها
كما قال إمامُ أهلِ السُنة أَحْمدُ بن حَنْبل - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - حينما أنشأ هذِهِ الأبيات المشهورة،
يَا ابنَ المَدِينِيّ الذي عَرَضَتْ لَهُ * دُنْيا فَجَادَ بِدِينِهِ لِيَنَالَها
مَاذا دَعَاكَ إِلى انتحالِ مَقَالةٍ * قَدْ كُنتَ تَزْعُم كَافرًا مَنْ قَالَها
إِنَّ المُرَّزِى مَن يُرْزي دِينَهُ * لا مَنْ يُرَزّى نَاقةً وَفِصَالَها
حينما دَارَ وَأجابَ في فِتْنةِ الخَلْق، القولِ بخلقِ القُرآن، فعاتبهُ أَحْمَد - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ- عِتابًا شَديدًا.
الشاهِد؛ الْفِتَنةُ العظيمة هي فتنةُ الدين، واليوم الْفِتَن مُتكاثِرة، فَنعوذُ باللهِ منها، ونسأل الله الثبات على الحقِّ والهُدى، ولُيُعلم أنَّ المرءَ لا يُحْمَدُ في عَصْرِ الْفِتَن إلا بِمُغادرةِ هذِهِ الدُنيا وهو على السُّنةِ والإيمان الصحيح، قال- جَلّ وَعلا - في حقِّ الصّحابةِ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُم-: ( مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ )، يعني سار إلى الله، مات أو قُتل في سبيل الله،( وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ ) والقَيدُ ما هو؟! ( وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً ) [الأحزاب:23]، وهذا الذي نردُّ بِهِ نحنُ وإياكم جميعًا معاشِر أهل السُّنة على الروافض الفجَرةَ، الذين يطعنون في الصحابة - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُم - فإنَّ الله قد زَكَّاهُم بِقولِه:( فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ )، ثُمَّ قَال في الجميع، ( وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً )، فَشَهِد لهم - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أولًا بالصدّق؛( صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ )، ثم هؤلاءِ الصادقين انقسموا إلى قسمين قِسمٍ قد مات، وهم الذين ماتوا في أول الإسلام، وَهُم الذّينَ قال اللهُ فيهم
( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ) [ البقرة 143]، هؤلاءِ هم السابَقون، أي: (صلاتكم إلى بيت المقدِس)، ومنهم من ينتظِر - باقيّ حيّ- والشهادة لهذا الذي بقي بأنهُ ثابتٌ على الحقّ، على الصّدق الذي عاهدَ الله عليه، فقال الله - جَلّ وَعَلا-:( وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً )، فدلّ ذلك على أن هؤلاءِ الأَصْحَاب الأَخْيَار الأَبْرَارِ على هذا الأمر، وهو الثباتُ على الدِّين، وعدم الّتغيُر فيه، فيُمدحُ المرء بِثباتِهِ على الدِّين، وما دام على ظهرِ الحياة فإنَّ الواجِب عليه أن يخاف على نفسِه، وقد كان رسولنا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكثر من قولِه(يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) وهو المعصوم- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَريٌ بنا نحنُ أن نُكثِر من هذا الدُعاء، فيُمدحُ المرءُ إذا فارق الدُّنيا وهو على الثّبات.
جاءَ في المُسندِ بإسنادٍ حسنٍ، من حديث المِقْدَاد - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - قال :" لاَ أَشْهَدُ لأَحَدٍ بِشَيء، بَعْدَ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- حَتَّى أَنْظُرَ عَلامَ يَمُوتُ - أو كما قال- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ- قِيل لَهُ ما سَمِعت من النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ : سَمِعتهُ يَقول:"لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَشَدُّ تَقُلُبًا مِنْ الْقِدْرِ اسجْتَمَعَتْ غَلْيًانا"، يقول أنا ما عاد أشهد لأحد حتى أنظُر بماذا يُختم لهُ، على ماذا مات، أما مادام على الحياة فأنا لا أدري ما أقول فيه، أتوقف، لماذا! لأنَّ الفِتَن هذِهِ تُقلّب القُلوب، والقُلوبُ تتقلّب، وَمَا سُمِّيَ الْإِنْسانُ إلّا لِنَسِيَهُ، وَلا الْقَلْبُ إلّا لِأَنَّه يتقلبُ؛
فاللهُ - جَلّ وَعَلا - أثنى وشَهِد هؤلاءِ الأخيارِ الأبرار، بأن منهم من مات على الصِّدق والباقي لم يُبَدَّلُواْ تَبْدِيلاً، فهكذا يُثنى على الإنسان من مات على الصِدق ومن بقِيَ ولم يُبدل تبديلا؛ يُشهدُ لهُ بذلك.
إذن فهذا الثناءُ مرتبِطٌ بالثبات، وهذا فيهِ كَسرٌ للشُبّهةِ الخبيثة التي الآن تُردَّدُ على المسامِع ويُلّبّسُ بِها على أهلِ السُّنّة، عَسْكرِ القُرآنِ وَالحَديث، فيأتي المُبطِل ويَنْحرِف ويتغيّر، ثم يدعو إلى باطِله، بعد أن كان على خير، ويُقال للرادِ عليهِ : أُسكُت عنهُ له سَابِقة! اللهُ أكبر! ما قيمة هذِهِ السَابِقة وقد تغيّر؟! هذا مُضَادّة للنصوص ومُضادّة لهذا الذي سمِعتم من كلامِ اللهِ وكلامِ رسُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قِيل لِحُذَيْفَةَ- رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُ-: (مَتى نَعْلَم أنَّ الرَجُل قَدّ فُتِن؟ قَال: إذا رَأْيتهُ يَرى الذي كَانَ يَرَاهُ بِالأَمْس حَرَامًا، يَرَاهُ اليوم حَلَالًا، أَوْ الذي يَراهُ بالأمس حَلَالًا يَراهُ اليوم حَرَامًا، فَاعلَم أنهُ قَدْ فُتِن)؛فإذا تَغيّر العَبْد، ما قيمةُ السَابِقة! قد ينتقِل إلى الرِدّة- عياذًا بالله من ذلك؛
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) الآيات، [المائدة54]
فالقلبُ ضَعيف قد يَرْتّد.
أضربِ لكم مِثالًا - وقد ضربتُه مرّات لبعضِ إخوانِكم في سنواتٍ سابِقة - عبدُ الله القصيمي، جَرّدَ سيف الإيمان في الردِّ على المُحاربين للدعوةِ السلفية، دعوة الإمام المُجدّد المُجاهِد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، فـ (الحُسام الماحِق) و(الضياءِ الشّارِق) و(صِراعٌ بين الإسلام والوثنيّة) حتى مُدِحَ وقَرَّضَ له في هذا الكتاب عددٌ من كبار العلماء وقيل فيه:
صراعٌ بين إسلامٍ وكُفْرِ يقومُ به القَصيمِيُّ الشُجاعُ
إلى آخره..
و(البروق النَّجدية لاكتساح الظلمات الدجوية)، وقل ما شئت من كتبه العظيمة في هذا الباب، وفي الأخير خُتِمَ له بسوء، تَرَكَ هذا كله وحُكِم عليه بالرِّدة وجاء بالضلالات، إذ ألَّفَ كتابه (الأغلال)، على هذه القاعدة الخبيثة الملّعونة نقول له جهود سابقة!
نَصَرالدعوة السلفية!
كُتبه هذه موجودة في الرَّد على أعدائها!
لا، لابُدّ أن يكون-؛ ( وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً ) ،أمّا الذي يُبدِّل ويبيع دينه بعرضٍ من الدُّنيا قليل فهذا لا عِبرة به، يكون اليوم سنِّي وغدًا بِدعي ولو كان من تلاميذ كبار العلماء، الواجب أن يُبَيَّن حالُه.
(وَاصِلُ بن عَطَاء)- أنا أسألكم- تلميذ من؟ أجيبوا، في حَلَقةِ من؟ مالكم لا تجيبون؟! تلميذ من؟ حَسَن البَصّري، وفي الأخير (اعْتَزَلَنا وَاصِلْ)، فصار رأس المُعْتَزِلَة؛ لماذا؟ لأنَّ حَسَنًا - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ -ابنَ أَبي الحَسَنْ البَصْريّ سُئل عن صاحب الكَبيرة السؤال الآتي:
هو في النارِ وإلا مُسلِم؟ مُؤمنٌ ولا كَافِر؟ فَسَكَت الحَسَن يتَأَمّل، فَالرَجُل بادَرْ إلى الإجابة، وَقَال: (هُوَ في مَنْزِلَة بين المنزِلَتين، لا مُسْلِم ولا كَافِر) فين نضعه؟ أين؟ فأساءَ الأدّب بالتَّقدُم بين يدي الشُّيوخ الرّاسخين، ولم يُوفَّق لِصَوابِ الجَواب، حَيْث جاء بما يُضادُّ القرآن المبين، وحديثَ سَيد المرسلين، ثم بعد ذلك أحدث الشَّقّ، فتنحَّى ناحيةً من المسجد وانخزل بثُلَّةٍ معه، ومن هنا أُطلِقَ عليهم اسم (المُعْتَزِلَة)، مَا نَفعهُ أنهُ تِلميذُ الحَسَن البَصرِي.
فالعبّرة معشر الأحبة؛ بالثَّباتِ على الحقِّ والهُدى، أمَّا من بدَّلَ وغيَّر فلا عِبرة به ويُرَدُّ عليه، أما حِفْظ السَّابِقة له إذا كان الخلاف فيما يسُوغُ فيه الخلاف، أمّا أنّ يَهدِم أصول السُّنّة والإسلام، وينْصُر أهل الأهواء والبدع، ويُدافع عنهم، أو يعتَذِرَ لهم، أو يُهَوِّن من شأنهم، ورُبما حَارَب أهل السُّنّة الرَّادين عليهم فهذا لا كرامة لَهُ، ولو كان تلميذًا لمشايخ الإسلام.
لا عيب على مشايخ الإسلام به، لا يَضُرُّهم هذا، مَن أحسَن فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا؛ ( وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ) [فصلت:46]، ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) [الأنعام:164 ]، (وَلَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ)، ( وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ) [النساء:113 ]،كل هذه الآيات دالّة على هذا المعنى.
فليُعلم- أيها الأحبّة- أنَّ هذه الشُّبهة التي الآن يأتوننا بها ليُلبِّسوا بها على السَّلفيين شُبهةٌ داحضّة - ولله الحمد-، كتاب الله يدحضُها، وسنة رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تدحَضُها، وقول الصحابة يدحضها، وعمل سلف الأمة وأقوالهم المأثورة تدحضها، وإنما يريد هؤلاء الدفاع عن أنفسهم، وهيهات، فإن دين الله منصور، وعند كُلِّ زلةٍ قائمٌ لله يقوم بنصرة دينه، فلتُحْذَر هذه المقالة ولا يُسْمَع إلى مُنْشِئها، ولا إلى مُبديها، ومن يُعيدها ويرويها، فإنها مَدْخَلُ شرٍّ على أهل السُّنّة، وعلى طلبة الحديث وأنصار الحديث، نسأل الله- جَلَّ وَعَلا- أن يعافينا وإياكم.
فالمرء إنما يَنْبُلُ بثباتهِ على السُّنّة واتِّباعه لها، ويَصْغُر بمُخالفته له ومحاربته لأهلها، والأصاغِر هُم أهلُ الأهواءِ والبِدع وإن كانوا أبناء سبعين، والكبار هم أهل السُّنّة الثّابتون عليها، وإن كانوا أبناء عشرين، فالعِبرة بالدِّين لا بالسنِّ والتقدّم، وإلا لأوجب ذلك أن تُسَوِّيَ بين الصالح والطالح، والخبيث والصالح لا يستويان، فنقول: الباطِل يُرَدُّ على صاحبه والمُبْطِلُ يُرَدُّ عليه، بل من عاند يُخْشَنُ لهُ في العِبارة، بَلْ ولو كان شيخًا له وخالَف السُّنّة ونَصَرَ البِدعة فإنه يجب على طلبة العلم أن يُظهِروا له الخشونة في اللفظ، والذين يَتمسَّحون بأقوال مشايِخِنا - مشايخ الإسلام في هذا الزَّمان- إمَّا أنهم لم يعرفوا هؤلاء حَقَّ المعرفة، أو لم يطَّلعوا على مقالاتهم، ومنهم من هو قاصرٌ لا يستطيع الوقوف بنفسه، لابُدَّ وأن يُقْرَأ عليه للعوارِض التي تَعْرِضُ فتمنعه من القراءة، فَرُبما قَصَّر ولم يطّلع على هذا، والذي يقرأُ له أو عليه لِقلَّةِ عِلمِه، لا يَقرأُ عَليهِ مِثل ذلك إن كان مُنحرفًا، وإن كان جاهلًا فكيف له أن يطّلع على هذا؟! وقد سُئل عن هذا شيخُنا شيخ الإسلام في هذا الزمان الشيخ عبدالعزيز بن باز- رحمه الله تعالى- ومسطورٌ في فتاويه، وأخبر بوجوب إنكار الطلبة على المُدّرس والإخشان له إذا كان عنده من هذا الذي ذكرت، ويُظهر له الإنكار والخشونة في الكلام والهجر لعلَّه يعود.
هذا مع المُدَرِّس، اليوم يقولك إذا مدرسك أحسن إليك حتى إن كان على بدعة استقبله! هذا باطل! إذا زاغ هو أين ذهبنا بأوثّق عُرى الإيمان-الحبّ في الله والبغض في الله-؟ أين؟! الأوزاعي - رحمه الله-يَأتيه ثور بن يزيد الحِمْصي فيمدُّ إليهِ يدّه يُسَلّم، فيقول: (لا يَا ثَور، هُوَ الدّين، لَوْ كاَنَتْ الدّنَيا لَسَلَّمْنا عَليَك) لَو كَان الخِلاف في الدُنيا الأمر سَهل، هذا الذي يُقال فيه له سابقة، هب له هفوه وخطأه، أما الهفوة في الدين لا.
وما بالنا اليوم نقول لمن يدعو إلى هذا بأنهم غلاة ومُتَشَدِّدون؟!
إذًا لم لا يقال عنكم أنتم أنكم مُمَيِّعون، وللسُنّة وطريقة أهلها مُضَيِّعون؟! أتريدون أن تُضَيِّعوا غَيْركُم؟! مَعَاذَ الله.
أسأل الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-بأسمائه الحُسنى، وصِفاتِه العُلا أن يُثَبِّتنا وإياكم على الحقِّ والهُدى، ويربط على قلوبنا عليه، وأن يجعلنا ممن يقوم لله، ويقول لله، ويمشي لله، ويُجاهِد في الله، لا تَأخذه في الله لومَةُ لائم، مُعظِّمًا لكتاب الله وسنة رَسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-مُتَّبعًا لأكرّم من سار على ذلك، إنه جوادٌ كريم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبيّنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان .
الشيخ الدكتور :: - محمد بن هادي المدخلي - حفظه الله تعالى