نصرةٌ أم إساءة؟!
بقلم: الشَّيخ توفيق عمروني حفظه الله
مدير مجلَّة الإصلاح
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ من تداعيات الحَملة المسيئة لجنَاب نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم بنشر رسُوماتٍ ساخرة على صفحات مجلة فرنسيَّة سافلة ، أن أبانت عن غوغائيَّة بعض الأقلام الصُّحفيَّة الَّتي أبَت إلاَّ أن تُعلنها حربًا كلاميَّةً فيها كثيرٌ من الإساءة والافتراء في حقِّ السَّلفيِّين لكونهم لم ينساقوا وراء دعواتهم للتَّظاهر والمسيرات، وذكَّروا النَّاسَ بحكم هذه المظاهرات ، وأعادوا نقلَ ما تقرَّر عند العُلماء الرَّبَّانيِّين من أنَّها ليست من الوسائل المشروعات ، فكيف تكون وسيلةً لنصرة سيِّد البريَّات صلَّى الله عليه وسلَّم؟!
إنَّ نصرتَه صلَّى الله عليه وسلَّم حتمٌ واجبٌ من مقتَضيات الإيمان ، وأعظمُ ما يُنصَرُ به صلَّى الله عليه وسلَّم هو اتِّباعُ هديه ونشرُ سنَّته ، ليس ليوم واحدٍ ، أو لمدَّة أسبوع أو شهر ولكن مدى الحياة ، والسَّلفيُّون هم أسعد النَّاس بهذه النُّصرة كما هو ظاهرٌ لكلِّ ذي عينَيْن ، إلاَّ مَن نظر إليهم بعَين السَّخط من بعضِ مُسوِّدة الجرائد فإنَّه رماهم بالتَّخاذل عن نُصرتِه صلَّى الله عليه وسلَّم والتَّقاعس عنها!!
والمسلمُ يستبشر لهبَّة المسلمين لنُصرة نبيّهم صلَّى الله عليه وسلَّم ، لكن يكدَّر صفوَ هذه البشارةِ إذا أدركَ أنَّها مجرَّد عواطف وحماسات ، يعوزُها العلمُ الصَّحيح لتَرشيدها ، لأنَّ مِن القَواعِد الشَّرعيَّة أنَّ عملَ المسلم لا يُقبَل حتَّى يتوفَّر فيه شرطان :
- أحدهما النِّية الحسَنة وهي: الإخلاص
- والثَّاني موافقة السُّنَّة وهو: المتابعة
وإلاَّ كان العَمل مردودًا ، ولـمَّا كان نُصرةُ نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم منَ العمل المتقَرَّب به إلى الله تعالى ، كان لزامًا على المرء أن يتعرَّف على كيفية الانتصَار للنَّبيِّ المختَار صلَّى الله عليه وسلَّم ، قبل الإقدام على أيِّ تصرُّف ، فإنَّ العلمَ قبلَ القَول والعَمل ، ومَن عَملَ بغَير علم كانَ ما يُفسِد أكثرَ ممَّا يُصلح ، والقصدُ الحسنُ لوحده غير كاف ، إذ ما من مبتَدع إلاَّ ويحسبُ أنَّه يقصدُ خيرًا ، لكن لـمَّا خالف الهديَ النَّبوي خابَ سعيُه ، ولم تنفَعْه نيَّتُه ولا قصدُه.
وأعجبُ من صحيفَة تكتب بالبند العَريض : شكرًا لكُم أيُّها الجزائريُّون!فقَد نصرتُم نبيَّكم، وبرئت ذمَّتُكم ، لمجرَّد خروج في مسيرة احتجاجيَّة أو رَفْع لافتة مندَّدة ، إنَّ هذه المغالطة تُنبـئ عن قلَّة العلم الشَّرعي الصَّحيح في الوسط الإعلامي ، وإلاَّ لما كان يصدرُ منهم مثل هذه العبارة المضحكة المبكية.
فمنَ الظُّلم بمكان أن يُعابَ على السَّلفيِّين تمسُّكُهم بالعلم والسُّنَّة ، وهو ما جعلهم لا يُجارون الحُشود ولا يستنَفرهُم الإعلام المثير ، ولا يُسايرون مَن لا علمَ عندَه ، ولا يسوقُهم مَن لا فقهَ معَه ، لأنَّهم يرونَ أنَّ الرَّشاد في تسليم زمام قيادة الأمَّة لعُلمائها الأبرار ، فعَن رأيهم يصدر النَّاس ويسترشدون ، وبأقوالهم يستنيرون طريقَ النَّجاة ، لا بكتابات الإعلاميِّين وأقلام الصّحافيِّين ، ففرقٌ كبيرٌ بين العالمِ والإعلامي ، والغاية المرجوَّةُ أن نكونَ أمَّةً يقودُها العلمُ لا الإعلامُ.
(افتتاحية) : مجلَّة الإصلاح العدد الرابع والأربعون ، ربيع الأوَّل/ربيع الآخر 1436هــ الموافق لـ: جانفي/فيفري 2015م.