بسم الله الرحمن الرحيم
إعلان النكير على عمليات التفجير
للشيخ محمد بن هادي بن علي المدخلي حفظه الله
للتحميل من هنا
أو من هنا
لتحميل التفريغ :من هنا
للشيخ محمد بن هادي بن علي المدخلي حفظه الله
للتحميل من هنا
أو من هنا
لتحميل التفريغ :من هنا
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد: فيا معشر الإخوان إن من أعظم نعم الله على عبده بعد أن يمن عليه ويوفقه للإسلام فيتّبعه، من أعظم النعم عليه بعد هذا أن يوفقه لسلوك السنة واتباعها ,فإن الإسلام هو السنة والسنة هي الإسلام ولا ينفك أحدهما عن الآخر ،ولم يزَل -عليه الصلاة والسلام- يفقّه أصحابه ويعلمهم -صلوات الله وسلامه عليه- ، وكلما طرأ طارئ قام فيهم خطيبا ومنذرا ومحذرا ،وقد تعدد ذلك في مواطن عدة أنه - عليه الصلاة والسلام- كان يقول:« من رغب عن سنتي فليس مني »، ولم يزل على هذه الحال حتى دنا أجله - صلوات الله وسلامه عليه – فوعظ أصحابه تلك الموعظة البليغة التي وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون - كما جاء ذلك في حديث العرباض بن سارية - فكان في هذه الموعظة يوصي بالسنة - صلوات الله وسلامه عليه- ،جاء فيها حينما قالوا له :" كأنها موعظة مودع فأوصنا "قال موصيا وواعظا وموجها ومحذرا ومرشدا إلى سبل الخلاص إذا وقعت الفتن- صلوات الله وسلامه عليه - فهو الرؤوف الرحيم ,قال :« أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ,فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ،تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ،وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار »كما جاءت هذه الزيادة بإسناد صحيح عند النسائي - رحمه الله- , فجمع - صلوات الله وسلامه عليه - في هذه الوصية البليغة أمورا عظيمة يصلح بها الدين والدنيا ،وتستقيم بها الحياة وتصلح بها الآخرة في المَعاد لكل من تمسك بها ،ورأس هذه الوصايا تقوى الله -جل وعز- التي هي وصية ربنا للأمم من قبلنا في قوله: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ ﴾[النساء : من الآية 131 ]، وتقوى الله هي العمل على نور من الله ترجو ثواب الله وتحشى عقابه ,ولا يمكن أن يكون الأمر كذلك إلا إذا سلك العبد سبيل التعلم - العلم الشرعي- فإنه قد صح عن رسول الله أنه قال:« من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» ,و«خيرا»هنا نكرة في سياق الإخبار تعم القليل والكثير والصغير والكبير مما يحتاج إليه الناس في أمور حياتهم، في دينهم ودنياهم ,فإذا وُفق العبد لسلوك السنة واتباعها فإنه قد عُصم بإذن الله تعالى من شياطين الإنس والجن الذين أخبر الله - جل وعز- عنهم أنهم ﴿ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُون.وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ﴾[الأنعام :112- 113 ]، وإن من أعظم طرق التفقه لزوم حِلق العلم وطلب العلم على أشياخه الذين عُرفوا به واشتهروا به وشهد لهم الناس بذلك ,فإن هؤلاء هم الذين يُرجع إليهم ,فإذا وُفق العبد لذلك فقد عصمه الله من شر كثير ووفقه إلى خير كثير ؛ وما نراه في هذه الأزمان ونقرأه فيما سبق من الأزمان من الإنحرافات إنما هو بسبب القصور في هذا الجانب , بسبب ترك أخذ العلم عن أهله والرجوع إلى أهله المشهود لهم بالإمامة في الدين والإستقامة على أمر رب العالمين فإن المرء إذا فرّط في ذلك فبقدر ما يفرط بقدر ما يقع في الأغلاط ,ومن هذه الأمور التي نعيشها نحن المسلمين -في هذه الأيام وهذه الأزمان المتأخرة- الإنحراف عن السنة في أفعال كثير من الناس ،وهذا خطره عظيم وهو داء جسيم يحمل صاحبَه على ارتكاب المنكرات والوقوع في المحرمات على اختلاف أنواعها ,وقد سمعتم معشر الإخوان من أخينا المتكلم والمقدم عنوان هذه الكلمة وأنه" إعلان النكير على عمليات التفجير "هذه العمليات التي بُلينا بها في هذه الأزمان المتأخرة وابتُليت بها أمة الإسلام عامة ،وأهل هذه البلاد خاصة بعد أن لم يكونوا يعرفوها، ابتلاء من الله واختبار وامتحان منه - جل وعز- ليرى صبر عباده ويرى ثباتهم على دينهم ودعوتهم إلى سنة نبيهم وصبرهم على تحمل الأذى الذي يلحقهم في سبيل ذلك ﴿والعاقبة للمتقين﴾ ، هذه العمليات التي كانت المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين من أوائل البلاد الإسلامية ابتلاء بها ,وما ذلك إلا بسبب جنوح من جنح به الفكر -كما أسلفنا قبل قليل- فتلقّى علمه وفكره وتوجيهه ممن لا يُعرف بالعلم ولا بالسنة ،فضلّ في نفسه وأضلّ كثيرا وأضلّ عن سواء السبيل .
إن هذه العمليات الإجرامية محرمة شرعا ,ولست آتي إليكم بجديد ,فقد سمعتم كثيرا عنها وكثيرا ،ولكن من خلال تتبعي لكلام أهل العلم ونظري في استدلالاتهم جمعتُ من كلام الله جل وعز وكلام رسوله ثم من كلام أهل العلم ما أحببت طرحه على إخواني نصيحة لهم لوجه الله تعالى وإبراء لذمتي وقياما بأداء واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ,فإن الله قد وزعه وقسّمه على المسلمين على حسب طبقاتهم واختلاف قدراتهم ،ومن هذا المنطلق قال : « من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان »،وإن مما يجب على دعاة السنة وأهل السنة ,يجب عليهم البيان في مثل هذه النوازل العظيمة ,البيان للناس حتى يدَعوهم على المحجة البيضاء كما ودَعهم رسولنا عليها ؛ الواجب على الجميع ،على كل من آتاه الله قدرة وقوة علمية وبيانية أن يبين الحكم الشرعي في ذلك وأن ينصح لعباد الله وأن يحذّرهم من مغبة هذه الأعمال الإفسادية الإجرامية التي لا تعود على الإسلام والمسلمين إلا بشر ؛ وإني أحصر الكلام فيها وبيان حرمتها في عشرة أوجه :
•الوجه الأول:أنها من السعي بالفسادفي الأرض .
•والوجه الثاني:أن فيها قتل الأنفس بغير حق شرعي .
•والوجه الثالث:أن فيها قتل أنفس المسلمين خاصة .
•والوجه الرابع:أن فيـها قتل النفس المعصومة التي عصمـها الله مـن غـير المسلمين .
•والوجه الخامس:إخافة الآمنين من المسلمين .
•والوجه السادس:أنها فيها قتل للنفس إذا رافقها تفجير الإنسان نفسه . كما أنها فيها من:
•الوجه السابع1:غدر وخيانة لمن أوتى العهد ،وهذا لا يجوز في شريعة الإسلام .
•والوجه الثامن2:فيها إتلاف مكتسبات المسلمين وخيراتهم وأموالهم التي عمروها وحصّلوها وشيدوها .
•والوجه التاسع3:أن فيها تشويها لسمعة الإسلام وأهله .
•والوجه العاشر:أن فيها فتح باب للشر على المسلمين لا يعلم عاقبته إلا الله .
هذه هي الأوجه ملخصة ،ولنستعن بالله تعالى على الإبتداء في هذه الوجوه باختصار، فإن الوقت لا يتسع للبسط .
فأما الوجه الأول، وهو كونها من السعي في الأرض بالفساد:فإن الله قد حرم ذلك في كتابه,فقال جل وعز: ﴿ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾[الأعراف : 56 ] ، وقالسبحانه: ﴿ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف : 85 ] ، فعلّق هذا الأمر على أهل الإيمان ,فمن كان مؤمنا فإنه لا يسعى بالفساد في الأرض وإنما يسعى بعمارتها وإصلاحها ,وقد احتجت الملائكة- عليهم الصلاة والسلام- حينما قضى الله بإنزال آدم وذريته إلى الأرض ,قالوا: ﴿ قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾[البقرة : 30 ]، أمر قضاه الله -جل وعز- وأراده كونا وقدرا لا شرعا فإن الشر ليس إليه وهو غير خارج عن إرادته ﴿ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ ، كما أن الإفساد في الأرض ونقض العهود والسعي بجميع أنواع الفساد هذا من صفات المنافقين – عافانا الله وإياكم من ذلك - ,قال -جل وعلا- مخبرا عنهم : ﴿ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾[البقرة : 27 ] ، فأخبر أن هؤلاء المفسدين الساعين في الأرض بالفساد هم الخاسرون ,وحقا فإنهم خاسرون ,خاسرون في الدنيا وخاسرون في الآخرة ,خاسرون في الدنيا بإظهار الله - جل وعز- عليهم ,أو بأخذه لهم أخذ عزيز مقتدر ، خاسرون في الآخرة ،خاسرون رحمة الله التي هي قريب من المحسنين ،وهؤلاء مفسدون ،وما عند الله لا ينال إلا بطاعته لا بمعصيته , وقال - جل وعلا- : ﴿ وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾[الرعد : 25 ]، فانظروا يا عباد الله ماذا أعد الله للساعين في الأرض بالفساد القاطعين لما أمر الله به أن يوصل ﴿لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ عياذا بالله ، طردٌ وإبعاد من رحمة الله - جل وعز- ودار سيئة عنده ألا وهي جهنم التي أعدها للعصاة المخالفين لأمره سبحانه ولأمر رسوله ؛ ثم اعلموا أن من سعى بهذا السعي فهو مشابه أيضا لليهود الذين ذمهم الله بهذه الصفة ،فقال - جل وعلا- : ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾[المائدة : 64 ]، هذه صفات الذين غضب الله عليهم ، الذين نسأل الله - جل وعز- في كل ركعة من صلواتنا بقولنا :﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ • صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾[ الفاتحة 7-6]، فالمغضوب عليهم هم اليهود ,والسعي بالإفساد في الأرض وإشعال الفتن هو من أبرز سماتهم وأخص صفاتهم ,فالله أخبر في هذه الآية أنهم ﴿ يَسْعَوْن فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾,فليتنبه العبد المسلم لذلك ولينظر أين يضع نفسه ,أفي المنزلة التي يحبها الله ويحب أهلها أو في المنزلة التي يبغضها الله ويبغض أهلها ؟ ,والفساد لا يصلح الله عمل صاحبه ولا يوفقه -وإن قام به- فإنه يُمكِن منه ويعين عليه ويُظهر عليه والعاقبة لأهب الصلاح والتقوى , قال مخبرا عن موسى حينما واجه سحرة فرعون الذين تجبّر فرعون بسببهم في الأرض ,قال موسى حينما واجههم بدعوة الله : ﴿ مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾[يونس : 81 ]، فالله - جل وعز- لا يصلح عمل المفسدين وإنما يبطله ويتلفه ويطفئه بإذن الله ﴿ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً﴾ ، فهذا الإفساد يعين الله أهل الحق ,أهل الهدى ، أهل الخير ,أهل الصلاح ، يعينهم على إزالته ،ويعينهم على الظهور على أهله ,ويعينهم على أخذ أهله بالحق وإعادتهم إلى الجادة وتحكيم شرع الله فيهم ؛ وكما أخبر سبحانه في هذه الآيات بأنه لا يحب المفسدين ,فهو سبحانه أيضا لا يحب عملهم الفاسد ,قال -جل وعز-: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ • وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ • وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾[البقرة : 206-205-204 ]، هذا الإنسان الساعي في الأرض بالفساد وهو يُظهر أنه يدعو إلى الخير ويدعو إلى الهدى ويستشهد بالله على ما في قلبه وهو في الحقيقة ألدّ الخصام ,ساعٍ في مباينة أمر الله ورسوله مضادٍّ لأمة الإسلام متطلبٍ الشر والغوائل لهم ,فالله قد وعده بهذا الجزاء حينما قال: ﴿ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ وفعلا بئس المهاد ,بئس المنقلب ,بئس المرجِع جهنم - والعياذ بالله- لمن كانت هذه حاله وهذا شأنه ، شأنه كله السعي بالفساد في الأرض , ويقول - جل وعز- : ﴿ إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾[المائدة : 33 ]، وهذه نتيجة حتمية موافقة لحال المفسدين ،من كان لا يمكن أن يُستصلَح فهذا جزاؤه ,إذا قام بحرب الله ورسوله - صلوات الله وسلامه عليه- وسعى في الأرض فسادا وقتل وسفك الدماء فجزاؤه ذلك ﴿أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ﴾ هذا خزيهم في الدنيا ،وأما الآخرة فقد وصفها الله بقوله :﴿ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ عظيم لا يصفه أحد ولا يتصوره متصور - عافانا الله وإياكم من ذلك- فهذا هو الجزاء العدل لكل مفسد في الأرض ,وهذا حكم الله الحق في كل من يسعى في الأرض بالفساد ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾[المائدة : 50 ]، لا أحد ، عن الله هو خالق الخلق وهو أعلم بما يصلحهم.
فيا إخوة الإسلام ،حذار حذار من هذه الحركات التي يأتينا بها هؤلاء الأقوام، حركات مريبة تؤدي إلى تصرفات آثمة عن المجتمع غريبة ,فتُهلك الحرث والنسل ولا تبقي شيئا إلا أتت عليه ,حذار حذار أيها الإخوة ممن رأيتموه يحمل شيئا من ذلك فقفوا على يديه وعظوه ,فإن لم تستطيعوا فارفعوا أمره إلى من يقوم بوعظه واستصلاحه وإعادته إلى الجادة .
أما الوجه الثاني وهو أن هذه التفجيرات فيها قتل للأنفس بغير حق: فهذا ظاهر وأظهر من أن يُستدل عليه ,ولكن الشأن في حكم ذلك ,ما حكم هذا الفعل ؟ إن حكمه محرم ,قد تظافرت النصوص وتواترت الأدلة عن الله في كتابه وعن رسول الله في سنته ,تظافرت على تحريم هذا الأمر ،فمن ذلك ما جاء في الوصايا في آخر سورة الأنعام في قول الله -جل وعلا- : ﴿ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[الأنعام : 151 ] ,وانظروا إلى قول الله -جل وعز- : ﴿ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾ ، وقوله سبحانه :﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾,فالنفس التي حرم الله قتلها -كما جاءت بها الأدلة مصرِّحة مبيِّنة - هي النفس المؤمنة من ذكر أو أنثى ,صغير وكبير ،وبرّ وفاجر ، هذا من المسلمين ، ومن غير المسلمين الذين عُصمت دماؤهم بالعهد والميثاق ، وقوله تعالى في هذه الآية ﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ خطاب من الله لعباده المؤمنين ,أي :تعقلون عن الله وصيته ثم تحفظونها ثم تراعونها ثم تقومون بها ؛ وفي معنى هذه الآية ما جاء في وصف عباد الله ,عباد الرحمن في سورة الفرقان حيث أثنى الله على عباده المؤمنين بعدد من الصفات ومنها قوله تعالى:﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً • يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانا •إلَّا مَن تَابَ﴾ الآيات، [لفرقان : 68-69 ]، فوصف الله عباده المؤمنين ,عباد الرحمن الصالحين بهذا الصفات التي منها انهم لا يقتلون النفس التي حرمها الله إلا بالحق ، والنفس -كما سبق بيانها - نفس المسلم والكافر المعاهد ، وقوله في الآية ﴿إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ كما جاءت به النصوص ،كقتل النفس بالنفس وقتل الزاني المحصن والكافر الذي يحل قتله شرعا ,فإذا كان الأمر كذلك فينبغي للعبد المؤمن أن يتصف بهذه الصفات الجميلة التي أثنى الله على أهلها وأشاد بذكرهم وسطّر صفاتهم في كتابه - سبحانه- يتلى إلى يوم القيامة ؛ ويقول -جل وعز- في آية أخرى: ﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً ﴾[الإسراء : 33 ]،قال الشيخ العلامة ابن سعدي -رحمه الله- :" قوله تعالى ﴿حَرَّمَ اللّهُ﴾ يعني :حرم قتلها من الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد والمسلم والكافر الذي له عهد "؛ وقال -جل وعز- :﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ﴾[المائدة : 32 ]،قال الشيخ ابن سعدي - رحمه الله- : " يعني أن القاتل على قتل النفس التي لم تستحق القتل إذا علم أنه لا فرق عنده بين هذا المقتول وبين غيره فإنه حينئذ يُعلم أن ذلك إنما جاء بحسب ما دعته إليه نفسه الأمارة بالسوء فتُجرِّؤه على قتله ,فإذا كان الأمر كذلك استحق أن يكون كمن قتل الناس جميعا "،ثم قال - رحمه الله- : " ودلت الآية على أن القتل يجوز بأحد أمرين:إما أن يقتل نفسا بغير حق متعمدا في ذلك، فإنه يحل قتله، إن كان مكلفا مكافئا، ليس بوالد للمقتول. وإما أن يكون مفسدا في الأرض"، فالمفسد في الأرض يجوز قتله ، قال - رحمه الله -: " وإما أن يكون مفسدا في الأرض بإفساده لأديان الناس و أبدانهم أو أموالهم، كالكفار المرتدين وكالمحاربين، والدعاة إلى البدع الذين لا ينكشف4 شرهم إلا بالقتل"كما حصل في سابق عهد في قرون مضت حيث قتل الجهم بن صفوان والجعد بن درهم ممن عظُمت فتنتهم ولم ينقطع شرهم إلا بقتلهم حتى توارى كل من يدين بهذه المقالة ثم ظهروا بعد ذلك وتسلطوا على المسلمين ثم جعل الله الكرة لأهل الإسلام ،ولذلك قال في هذه الصور ابن القيم - رحمه الله- :
من أجل ذا ضحى بجعد خـالد الـ *** قسري يوم ذبـائح القـربان
إذ قـال إبـراهيم ليـس خليـله *** كلا ولا موسى الكليم الداني
شكر الضحية كل صـاحب سـنة*** لله درك من أخـي قـربـان
فالحاصل : هؤلاء الذين لا يندفع شرهم إلا بالقتل من أهل الأهواء والبدع فإنهم كذلك ،وكذلك قطاع الطرق ممن يصول على الناس ويجول فيقتل الناس المسافرين ويأخذ أموالهم ويعتدي على حرماتهم فإن هذه حرابة يطبَّق على أصحابها جزاء الحرابة جزاء وفاقا . فهذه الأدلة أيها الإخوة من كلام الله كلها دالة على تحريم قتل النفس بغير حق من حيث العموم ,وأما النفس المعصومة المحرم قتلها بغير حق فهي -كما سبق الكلام- على قسمين : إما أن تكون مسلمة عُصمت بسبب الإسلام وإما أن تكون معصومة بسبب شيء آخر كالعهد والذمة والأمان ,فهذه هي الأنفس التي عصم الله إراقة دمائها .
فأما القسم الأول 5وهو نفس المسلم:فإن الله -جل وعز- قد عظّم ذلك أشد التعظيم ،وحرمه أشد التحريم ،وجاء فيه عن رسول الله النصوص الكثيرة المتظافرة المتواترة كلها تنهى عن هذا الأمر,بل جاء في وعيد من قتل النفس المسلمة ما لم يأت في غيرها من الكبائر ،وسيأتي - إن شاء الله - معنا بيان ذلك , قال الله تعالى: ﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ﴾[النساء : 93 ] ، فهذه الآية فيها وعيد للقاتل الذي يقتل المسلمين عمدا وهو وعيد ترتجف له القلوب وتنصدع له الأفئدة وينزعج منه أولوا العقول ,هذا الوعيد ﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ﴾,قال الشيخ ابن سعدي - رحمه الله تعالى- في تفسيره: " لم يرد في أنواع الكبائر أعظم من هذا الوعيد"،انظروا معشر الإخوان ، " لم يرد في أنواع الكبائر أعظم من هذا الوعيد بل ولا مثله، ألا وهو الإخبار بأن جزاءه جهنم، .. بما فيها من العذاب العظيم، والخزي المهين،و فيها أيضا سخط الجبار -جل وعز-، وفيها فوات الفوز والفلاح،وذلك بلعنه وطرده وإبعاده من رحمته وحصول الخيبة والخسارة. فعياذًا بالله من كل سبب يبعد من رحمته -جل وعز- "انتهى كلامه رحمه الله. هذه الآية عظيمة جدا ،ولو لم يكن في قتل نفس المسلم إلا هي لكفى بها ,فكيف وغيرها من الآيات التي سبق ذكرها كثير ، وجاء في السنة عن رسول الله أنه قال: « لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم »خرجه النسائي والترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ,وخرجه أيضا النسائي من حديث بريدة بإسناد حسن ،وخرجه ابن ماجه من حديث البراء بن عازب وحسّن إسناده المنذري وفيه ضعف لكنه يرتقي بالشواهد التي ذكرناها ,والحديث بمجموع طرقه حديث صحيح، لكن احفظوا لفظه «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم »زوال الدنيا كلها أهون على الله من قتل رجل مسلم ؛ فيا عباد الله ما أعظم حرمة الدماء ,ما أعظم حرمة دماء المسلمين ،ما أعظم حرمة دماء المعصومين الذين يُعتدى عليهم بغير حق - نسأل الله العافية والسلامة- . وجاء عنه - عليه الصلاة- والسلام أيضا أنه قال : « لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار»لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في قتل مؤمن لأكبهم الله في النار - عياذا بالله من ذلك- خرجه الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري ومن حديث أبي هريرة ,وخرجه الطبراني أيضا في "الصغير" من حديث أبي بكرة ,وقد روي عن غير هؤلاء من الصحابة ،روي عن رسول الله مما يقارب ستة أوجه عن ستة من الأصحاب فيما وقفت على جمع طرق أحاديثهم وهو حديث صحيح ؛ فانظروا يا عباد الله « لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار»عياذا بالله من النار ، نسأل الله العافية والسلامة ,نعوذ بالله من غضبه وأليم عقابه . ويقول - عليه الصلاة والسلام- :« كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا أو قتل مؤمنا متعمدا »خرجه أبو داود وابن حبان في "صحيحه" وهو حديث صحيح ,كما خرجه الإمام أحمد من حديث معاوية رضي الله تعالى عنه ؛ فهذه الأحاديث معشر الإخوان كلها دالة على عظم قتل المسلم وأنه جرم عظيم ,فبالله بأي حق يستحل هؤلاء أصحاب هذه العمليات الإجرامية الدخول بين المسلمين ،وفي تجمعات المسلمين فيعتدون على دمائهم وعلى حرماتهم فيقتلون الصغير والكبير والرجل والأنثى بأي وجه يستجيزون ذلك؟ اللهم إنا لا نعلم لهم وجها إلا أن الشيطان قد استزلهم فنعوذ بالله أن نتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ؛ معشر الإخوان لأجل عظم دم المسلم ومكانته عند الله - جل وعز- وعلو شأنه روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: " لا توبة للقاتل عمدا لمؤمن "جاء ذلك عن ابن عباس - رضي الله عنهما- أنه كان لا يرى توبة لقاتل مسلم عمدا ,وما ذلك إلا لعظم الجرم ،وسمعتم ﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً ﴾.
والوجه الثاني وهو في الحقيقة الوجه الرابع،وإنما هو الوجه الثاني من الأنفس المعصومة ,فالوجه الرابع هو أن تكون النفس معصومة بسبب الذمة أو بسبب العهد والأمان ,فهذا أيضا وردت فيه أحاديث بخصوصه عن رسول الله ،وهذا هو بيت القصيد ,وهذا الذي في هذا الزمان يسعى أصحاب هذه العمليات الإجرامية الإفسادية يسعى إلى القيام به ويزعمون أنه جهاد ,أي جهاد هذا - عافانا الله وإياكم-؟ ،إن الجهاد معروف في شريعة الإسلام ,له حدوده وله رسومه وله طريقه وله أهله الذين يقومون به وله علماء يبينون أحكامه ,أما هذه الأفعال الشنعاء الآثمة الباغية فليست من الجهاد في شيء وإنما هي من جهاد الشيطان والإستجابة لداعيه والإعراض عن نداء الرحمن - عافانا الله وإياكم-.
جاء في الوعيد والتشديد في قتل من عُصم دمه بسبب العهد والأمان أو الذمة ,جاءت النصوص أيضا عن رسول الله صحيحة صريحة لا تحتمل التأويل ولا لَبس فيها ولا غموض ,أوضح من الشمس في كبد السماء ليس دونها قتَر- يعني سحاب- ,فمن ذلك ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما- أن النبي قال:« من قتل معاهدا لم يُرَحْ رائحة الجنة» أو«لم يَرَح رائحة الجنة»أو « لم يَرِح رائحة الجنة »كل هذه الأوجه الثلاثة ضبط العلماء بها الحديث , «من قتل معاهدا لم يَرَح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما » , «من قتل معاهدا»انظروا يا عباد الله رحمة الإسلام وعدل الإسلام «من قتل معاهدا لم يَرَح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما »،فقل لأولئك الذين يحاولون إلصاق التهم بأهل الإسلام وأهل الدين والإستقامة على أمر رب العالمين ,قل لهم أقصِروا فإن هذا هو ديننا ونحن ملتزمون به بإذن ربنا لا نفرط فيه إن شاء الله ،فإن جاء بعض التصرفات الشاذة الرعناء المنحرفة كهذه التي سمعناها فهذه ليست من الإسلام في شيء ولا تمثل الإسلام ولا أهله واللهُ ورسوله والإسلام منها بريء غاية البراءة ؛ فيا معشر الإخوان اسمعوا ,معاهد ليس من المسلمين «من قتل معاهدا لم يَرَح رائحة الجنة »خرجه البخاري في صحيحه , قال الحافظ بن حجر - رحمه الله- معلقا على تبويب البخاري - رحمه الله تعالى- وذلك حينما بوب على هذا الحديث في موضعين من الجامع الصحيح، الموضع الأول في كتاب الجزية ،بوّب عليه بقوله :" باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم" ,وبوب عليه في كتاب الديات "باب إثم من قتل ذميا " ,هنا قال:" باب إثم من قتل معاهدا "وفي الديات قال "باب إثم من قتل ذميا " ,قال الحافظ بن حجر - رحمه الله- : " المراد به من له عهد مع المسلمين سواء كان بعقد جزية أو هدنة من سلطان أو أمان من مسلم "،يعني لو جاء واحد من المسلمين وقال :أنا قد أجرت فلانا هذا الكافر الذي دخل ,أعطيته الأمان ،وجب قبول جواره ،وسيأتي معنا - إن شاء الله - بيان ذلك ,وذلك لأن المسلمين تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم ،وسيأتي معنا إن شاء الله في حديث أم هانئ حينما أجارت حمويها ،وقيل أجارت رجلا فلان ابن هبيرة فأراد علي قتله فاشتكت إلى النبي ذلك فقال - عليه الصلاة والسلام- :« قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ»وسيأتي - إن شاء الله- معنا ؛ إذن فمن كان له عهد أو ذمة مع المسلمين أو أمان مع المسلمين فإنه لا يجوز قتله ولا الإعتداء عليه ,فالتعرض للمستأمَنين الذين يدخلون بلاد الإسلام بالأمان محرم شرعا كما في هذا الحديث وكما سيأتي معنا في غيره ،ولأجل ذلك قالت هيئة كبار العلماء في بيانهم الذي صدر في عام 1417حينما أنكروا الحوادث السابقة في مدينة الخُبَر الحوادث التفجيرية التي حصلت أنكروها ,قالوا في بيانهم: " فلا يجوز التعرض لمستأمن بأذى فضلا عن قتله في مثل هذه الجريمة الكبيرة النكراء ,وهذا "، يعني حديث البخاري الذي تلوناه قريبا ، " وهذا الحديث وعيد شديد لمن قتل معاهدا وأنه كبيرة من الكبائر المتوعَّد عليها بعدم دخول القاتل الجنة -نعوذ بالله من الخذلان - "،معاهد، ذمي كافر ,النبي يقول : « لا يُقتل مسلم بكافر »ولكن إذا اعتدى المسلم على الكافر وهو معاهد و مستأمن أو ذمي فإن هذا جزاؤه يا عباد الله ،وذلك لأنه لم يرتفع بنفسه إلى ما أراد الله له وهو التزامه بآيات الله وكلام رسوله فهان على الله " وما أهون الخلق على الله إن هم ضيعوا أمره"؛ ومن الأدلة أيضا في هذا الشأن بالخصوص ما جاء عن أبي هريرة أن رسول الله قال: « ألا من قتل نفسا معاهدة لها ذمة الله ورسوله فقد أخفر ذمة الله ولا يَرِح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفا » , «ألا من قتل نفسا معاهدة »، « ألا»أداة تنبيه , « ألا من قتل نفسا معاهدة لها ذمة الله ورسوله فقد أخفر ذمة الله ولا يَرِح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفا »خرجه الترمذي وابن ماجه وهو حديث صحيح , قال العلامة الشوكاني - رحمه الله- قال:" المعاهَد هو الرجل من أهل الحرب يدخل إلى دار الإسلام بأمان ,فيَحرُم على المسلمين قتله بلا خلاف بين أهل الإسلام " ، انظروا هذه العبارة , المعاهَد من هو؟ ،"الرجل من أهل الحرب" ،رجل من أهل الحرب ،ناس بيننا وبينهم حرب من الكفار ، فدخل هذا المعاهد بعهد فأمِن ,هذا الرجل المعاهد الذي دخل إلى دارنا وأعطيناه الأمان فأمن بسبب ذلك ،هذا يحرم على المسلمين قتله ،وتأملوا عبارة الشوكاني - رحمه الله- هذه الأخيرة وهي قوله: " بلا خلاف نعلمه بين أهل الإسلام حتى يرجع إلى مأمنه " ,فمن الذي خالف ؟ إنهم هؤلاء المجرمون المفسدون الذين يسعون في الأرض فسادا ,خالفوا أهل الإسلام قاطبة فاستحلوا سفك هذه الدماء المحرمة التي حرمها الله وحرمها رسوله ,وخالف هؤلاء العصاة فاستحلوها - عياذا بالله- . وقوله: « فقد أخفر ذمة الله»أي : نقضها وغدر بها ,هذا معنى « فقد أخفر ذمة الله»يعني:غدَرَ بذمة الله وبعهد الله وبالأمان الذي أعطيناه لذلك الكافر المحارب حتى أمن على نفسه وأهله .
فانظروا معشر الإخوان لتروا بعد هذا مخالفة هؤلاء المفسدين ومن يسوغ فعلهم أو يعتذر لهم ,انظروا أين تجدونهم ,إنكم تجدونهم في طرف آخر مخالفين لأهل الإسلام جميعا ،وضعوا أنفسهم في مخالفة أهل الإسلام كافة ,فإذن لا يجوز السكوت عليهم ولا التغاضي عنهم ولا التهوين من شأنهم ولا تبرير عملهم لأنه على خلاف ما عليه أهل الإسلام -عافانا الله وإياكم- ؛ وجاء عن علي أنه قال:« المؤمنون تكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده»خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وهو حديث صحيح ، وكذلك خرّج الإمام أحمد وأبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال :قال رسول الله:« لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده»، نقل الشوكاني -رحمه الله- عند هذا الحديث عن بعض أئمة أهل العلم أنهم قالوا :" إن تحريم قتل المعاهد معلوم ضرورة من أخلاق الجاهلية"إن قتل المعاهد معلوم ضرورة من أخلاق الجاهلية فضلا عن الإسلام ،كان أهل الجاهلية يلقى الرجل بينه وبينه عهد وقد قتل ذلك الرجل والد ذلك الإنسان فلا يقتله ,لم ؟ للعهد الذي جرى بينهما ,فهذا خُلق معروف عند الجاهلية فضلا عن أهل الإسلام ,وقد جاء الإسلام فجاء بتثبيته وتوكيده والحث عليه وعلى القيام به لأنه من مكارم الأخلاق ولأنه به تظهر سماحة الإسلام وبه تظهر صورة الإسلام الصافية فيُحَبَّب الإسلام إلى من أراد الدخول فيه .
والوجه الخامس من الأوجه التي يحرم فعل هذه العمليات معها:هو أن في هذه العمليات التفجيرية والإنتحارية إيذاءً وإخافةً للمسلمين وترويعا لهم وهو محرّم ، وقد جاء النهي فيه عن رسول الله صريحا لا يحتمل التأويل في عدد من الأحاديث .
من هذه الأحاديث ما رواه أبو هريرة أن النبي قال :« لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان يَنـزَع »وفي لفظ: « ينـزَغ»،«لعل الشيطان يَنـزَع في يده فيقع في حفرة من النار» ، « لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح»يعني: إلى أخيه المسلم ,لماذا؟ لأن الشيطان ينزع أو ينزغ والسلاح جاهز فيقتل ذلك المسلم ,ابتداءً فيه ترويع حينما يخرج عليك أخوك المسلم بسلاحه يُخيفك ,فإذا نزغ الشيطان ربما تجاوز الأمر فأدى إلى القتل ,«فيقع-القاتل عياذا بالله- في حفرة من النار»متفق عليه ، وجاء عنه -يعني أبا هريرة- أن النبي قال: « من أشار إلى أخيه بحديدة»يعني: ليخيفه «من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينزِع وإن كان أخاه لأبيه وأمه»، « من أشار إلى أخيه بحديدة »ليخيفه ليروّعه ليَفْجَعه «فإن الملائكة تلعنه حتى ينزِع وإن كان أخاه لأبيه وأمه»، ما تقول أنا أمزح ,لا يجوز في هذا الباب المزاح لأن الشيطان قريب فلعله ينزَغ فتفوت فيُقتل ذلك الإنسان المسلم بغير حق , خرجه مسلم في صحيحه ؛ وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله :« المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» ، وجاء في هذا الحديث زيادة عند البيهقي وغيره « والمؤمن من أمِنه الناس على دمائهم وأموالهم » ,فبالله عليكم هل هؤلاء - أصحاب هذه العمليات- سلم المسلمون من ألسنتهم وأيديهم ,لا والله ما سلم المسلمون من أيديهم ،وتعَدَّوا على حرماتهم وأخافوهم وروّعوهم ، فأين يذهبون من هذا الوعيد عن رسول الله ؟ المسلم الحقيقي من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم ،وهؤلاء يفعلون هذه الأفاعيل المنكرة باسم الجهاد ,سبحان الله العظيم! ,إن الجهاد لا يكون بهذه الطريقة ,إن الجهاد ليس مكانه أن تدخل في بيوت عامة المسلمين فتقتل وتظلم وتخيف ،إن الجهاد إنما يكون في ميدان الجهاد في المقابلة بين أهل الإسلام وأهل الكفر إذا حمي الوطيس على الوجه المشروع الذي شرعه رسول الله ؛ فيا إخوة الإسلام ,إياكم والإغترار بهذا واعلموا أن المسلم معظّم عند الله - جل وعز- ومكرّم عنده ,فحذار من الإجتراء وحذار من الإستماع إلى ما يزخرف به هؤلاء الشياطين من شياطين الإنس والجن الذين يوحون إلى أوليائهم زخرف القول غرورا .
والوجه السادس:أن هذه العمليات الإجرامية التي يُقتل فيها -في بعض الأحايين- المفجِّر ,يقتل المفجِّر في بعض العمليات نفسه ,إذا كان الأمر كذلك فإنه يجتمع إضافة إلى ما سبق من الأوجه الماضية ,يجتمع إليها أنه قاتل لنفسه ,وقتل الإنسان لنفسه محرم وهو من الكبائر . عن أبي هريرة أن رسول الله قال:« من تردّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا ،ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا فيها مخلدا أبدا ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا »متفق عليه ،فانظروا يا عباد الله ،« من قتل نفسه بشيء عُذب به يوم القيامة»، فهؤلاء الذين يفجرون أنفسهم بهذه الطريقة سيلقون جزاءهم عند الله ، فاحذروا فعلهم وحذِّروا الناس منه بهذه النصوص الشرعية الصحيحة الصريحة الواردة عن رسول الله ، وجاء عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أيضا في وصف نوع آخر من القتل الذي يقتل به الإنسان نفسه فقال: قال رسول الله :« الذي يخنق نفسه يخنقها في النار والذي يطعن نفسه يطعنها في النار »خرجه البخاري ، وعن جندَب في قصة الرجل الذي أصابته الجراحة فجزِع فقتل نفسه ,قال النبي :« قال الله - جل وعز-بدرني عبدي بنفسه»يعني استعجل ، « بادرني عبدي بنفسه ،حرَّمت عليه الجنة » ,الله أكبر ! وعيد عظيم ! حرّم الله عليه الجنة ,مأواه إذن أين؟ النار ، خرجه البخاري , يقول الله -جل وعز- في هذا الحديث القدسي :« بادرني عبدي بنفسه ,حرّمت عليه الجنة» ,قال الحافظ بن حجر - رحمه الله-: " وهذا الحديث فيه الوعيد الشديد لأنه أشد من ظلم الإنسان لغيره " , أشد من ظلم الإنسان لغيره،فتزيد هذه العمليات المنكَرة شناعة ونكارا إلى نكارتها السابقة إذا فجّر الإنسان فيها نفسه وقتل نفسه فيها - عياذا بالله- .
والوجه السابع من الأوجه التي ذكرناها في أنها يحرم بها هذه العمليات ، أن في هذه العمليات المَشينة الإجرامية غدر بمن قد أُعطي الأمان ،وهو محرم في الإسلام , قال الله - جل وعز- : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ﴾[المائدة : 1]، وقال سبحانه : ﴿ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ﴾[الإسراء : 34 ]، وقال عليه الصلاة والسلام :« أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا ائتُمن خان وإذا خاصم فجر »متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- ، وعن عبد الله بن مسعود وابن عمر أيضا وأنس بن مالك - رضي الله عنهما- أنهم جميعا رووا عن رسول الله أنه قال:« لكل غادر لواء يوم القيامة يقال هذه غدرة فلان بن فلان»،النبي معشر الإخوان يخبر في هذا الحديث أن العرب كانت تعرف قديما قبل الإسلام أن من غدر بعهده كانوا يُقيمون له في الأسواق والمجامع التي يرتادونها يقيمون له علما يضعونه عند ظهره ويقال :هذا علم فلان لأنه غدر بكذا وكذا ،فيكون بذلك مَشينا بين العرب ,فجاء النبي وخاطب الناس بما يعلمون وبما يعهدون قبل الإسلام فأكد ذلك بقوله:« لكل غادر لواء يوم القيامة »يُركز هذا اللواء يُنصب خلف الغادر يوم القيامة وكفى بذلك فضيحة وخزيا وعارا وشَنارا لهؤلاء المجرمين الذين ينقضون العهود وينكثون بالعقود التي أبرمها حكام المسلمين أو آحاد المسلمين فأمّنوا من أمّنوا فدخلوا بلاد المسلمين وعاشوا بين ظهرانيهم ،يا ويلهم ويا خسارتهم إن هم قدموا على الله - عياذا بالله من ذلك- . نقول: إنه إذا كان أهل الإسلام تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ، والنبي قد أجار من أجارته أم هانئ , وقد أجمع العلماء على إمضاء إجارة المرأة ,على إمضاء جوار المرأة ,إذا أجارت المرأة شخصا فإن الواجب على المسلمين أن يُمضوا ذلك الجوار ،« قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ»متفق عليه ، فكيف إذا كان الذي يعطي العهد والأمان هو أمير المسلمين ،حاكم المسلمين ،أمير المؤمنين ,الخليفة ، السلطان ،الملك ، رئيس الجمهورية أو نحو ذلك ، فإن هذا الأمر يعظم حينئذ لأن الذي أجاره له علينا حق السمع والطاعة في المعروف ,وهذا منه ؛ فالواجب أن يقف المسلم عند حدود الله ولا يتعداها ،وعليه أن يحذر الإجتراء على محارم الله ,فإن الغدر حرام بالإتفاق سواء كان في حق المسلم أو في حق الذمي .
والوجه الثامنمن هذه الأوجه التي ذكرناها مجملة في أول الكلام , الوجه الثامن أن في هذه العمليات الإجرامية التفجيرية فيها إتلاف للمكتسبات - مكتسبات المسلمين- ,وفيها إتلاف لأموال المسلمين وإهلاك لمقتنياتهم وإفساد لحروثهم ،زروعهم ،تجاراتهم ، بيوتهم ونحو ذلك من أموالهم ، وقد قال :« كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه »،فإن الإفتيات على هذه المصالح - مصالح المسلمين- والتعدي عليها بالإفساد محرم شرعا والفاعل له واقع في محرم من المحرمات دلت النصوص الصريحة عليه ومجترئ على محارم الله - جل وعلا- مستخف بها أو مستهين بها أو مستحل لها على أي حال كان هو وما في نفسه وقلبه والله - جل وعلا- هو حسيبنا عليه . الحاصل:أنه معتد على أموال المسلمين ومقدَّراتهم ومكتسباتهم ومفسد لما تقوم عليه حياتهم من أمور معاشهم ،وهذا محرم كما سبق ذكره في الأدلة السابقة .
وأما الوجه التاسع ،فهو: إن في هذه العمليات المنكرة الخبيثة تشويها لسمعة المسلمين وتشويها لسمعة الإسلام خاصة عند أهل الكفر وتشويه سمعة الإسلام وتشويه سمعة المسلمين كما نحن نعيشه في هذه الأيام ونلاحظه ونسمعه ونقرأه ونراه بأعيننا ,تشويه سمعة الإسلام وسمعة المسلمين هذا فيه خطر عظيم فإنه يؤدي إلى صد الناس عن الدخول في هذا الدين والإعراض عنه بل وربما استعداهم -كما سيأتي- على هذا الدين ,وهذا من أعظم المصايب ,فأصبح هؤلاء ومن يشاركهم فتنة على أهل الإسلام - عافانا الله وإياكم من ذلك - ،ومن دعاء عباد الله المؤمنين أنهم كانوا يقولون :﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾[الممتحنة : 5 ]، يفتتنون ويفتنون ,فهؤلاء يفتنون الناس بفعلهم هذا ويصدون عن سبيل الله من أراد الدخول فيه من أهل الكفر ,وإذا كان الأمر كذلك - وهو كذلك- فإن هذا العمل محرم ،فإن رسول الله ترك قتل المنافقين حتى لا يكون ذلك سببا للصد عن الدخول في دين الإسلام ،وقال الحديث الذي تعلمون : « لا تسمع بي العرب تقول محمد يُقتّل أصحابه »أو « يقتل أصحابه» , يصد هذا عن دين الإسلام ،ماذا يستفيد هؤلاء إذا كان هؤلاء المسلمين هذه أخلاقهم ,هذه فعالهم ,هذه طباعهم ,هذا فهمهم ,هذه حضارتهم كما يقال ، ما الفائدة؟ ما الذي جناه أهل الإسلام؟ ما الذي جنيناه على الإسلام إلا الصد عنه ,فنعوذ بالله نعوذ بالله نعوذ بالله ثلاثا أن نكون ممن يصد عن سبيله وأن نكون ممن يكون مفتاحا للشر مغلاقا للخير.
فيا عباد الله ,هذه واللهِ بلية عظيمة وكارثة جسيمة نعيشها نحن المسلمين في هذه الآونة الأخيرة ,وخاصة منذ أن وقعت الواقعة في 11 سبتمبر ونحن لا نجني إلا شرا ووبالا على الإسلام وأهل الإسلام ،وواقع الحال - كما يقال- يغني عن المقال ،وكلكم ترون وتسمعون ماذا جنينا من ذلك .
كما أن في هذه العمليات الإفسادية6: فيها الإستعداء لدول الكفر ولأهل الكفر قاطبة على أمة الإسلام ,استعداء للكافرين على المؤمنين مع ضَعف المسلمين في هذه الأيام ,مع ضعفهم وقوة أعدائهم واختلاف المسلمين وفُرقتهم ,اختلافهم في العقائد ،اختلافهم في المناهج ,اختلافهم في الطرق ،لا تجد إلا من رحم الله على ما كان عليه رسول الله وأصحابه ,اللهم اجعلنا منهم ؛ تفرق ،ضعف في أمة الإسلام لا يعد ولا يحصى ،وانظروا يمنة ويسرة ،شرقوا وغربوا ترون الحال التي تمر بها أمة الإسلام ،فمع هذا التفرق والضعف هؤلاء المجرمون يستعْدون بأعمالهم الخبيثة هذه أعداء الإسلام على أهل الإسلام ؛ فيا إخوة الإسلام ,حذار حذار من ذلك ,حذار حذار أن تسكتوا عمن تسمعوا منه شيئا من التبريرات ديانة لله - جل وعلا- قوموا عليه وأنكروا عليه ,أدوا واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكونوا خير من يقوم ببيان صفاء الإسلام وإظهار نقائه وإظهار وجهه الحسن لأمة لا تعرف عن الإسلام إلا هذا الوجه الذي قدمه هؤلاء المجرمون - عاملهم الله بما يستحقون- .
فهذه عشرة أوجه جمعتها ،ولمن أراد أن يتقصى لعله يأخذ أكثر من ذلك . وهنا نقطة أختم بها وهي العلاج ,ما هو العلاج؟ وما هو السبيل إلى تلافي مثل هذه الأمور وهذه المنكرات ؟ .
أقول:إن العلاج يتمثل في أمور :
أولا:القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على أيدي هؤلاء المجرمين المفسدين وردعهم قبل أن يفعلوا أفعالهم الشنيعة ،وكف شرهم عن المسلمين وغيرهم في بلاد الإسلام ، قال تعالى :﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[آل عمران : 104 ]، وقال سبحانه:﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾[آل عمران : 110 ]، وقال جل وعز :﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾[التوبة : 71 ] . ويقول عليه الصلاة والسلام كما في حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم « من رأى منكم فلغيره »، وأيضا جاء عن النعمان بن بشير -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- كما في صحيح البخاري :« مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا أرادوا أن يستقوا الماء مروا على من فوقهم فأخذوا الماء فقالوا لو خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا»قال عليه الصلاة والسلام :« فإن هم تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعا وإن هم أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا » .
فيا إخوة الإسلام ,إن القائم على حدود الله مثله كمثل من يأخذ على الواقع في حدود الله بهذه الصورة ،يأخذ على يديه فلا يخرق السفينة , فسفـينة الإسلام ماخرة7 والناس يركبونها ,وهؤلاء يريدون إفسادها ,فحذار حذار أن تسكتوا عنهم فيهلكوا ونهلك معهم ,قال الله جل وعز: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ .كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾[المائدة : 79 - 78 ]، فيا معشر الإخوان ,إن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دورا عظيما وفائدة جسيمة نتخطى بها إن شاء الله الهلاك الذي ينزل بمن لم ينه عن المنكر ويأمر بالمعروف .
والثاني من أسباب العلاج :وهو نصيحة لإخواني المعلمين والمدرسين والمربين ,فأقول لهم : يا أيها المعلمين اتقوا الله في أنفسكم ,أدوا ما ائتُمنتم عليه , يا أهل التربية قوموا بواجبكم ، انصحوا لأبنائكم ,أبنائكم الطلاب , أدوا الأمانة ,حذروهم من هذه الأفعال المشينة المزرية التي لا تجر على الإسلام وعلى أهله إلا شرا وضررا ودمارا وخطرا ، إياكم أن تسكتوا على ذلك فإن الشباب في غاية من الحاجة وبأمس الحاجة إلى توجيهكم ,فإن أنتم قمتم بذلك أديتم الأمانة التي ائتُمنتم عليها ،وإن لم تفعلوا فإنكم والله مفرّطون ،والله سيسألكم .
وكذلك ثالثا: يجب على رجال الأمن الذين يحرسون بلاد الإسلام أن يقوموا بواجبهم فلا يتساهلوا مع هؤلاء المفسدين، أو من سمع عنهم شيئا ينبغي له بل يجب عليه أن لا يتهاون فيه ,فعليه أن يسارع بإخبار المسؤولين عن ذلك ,فإن هؤلاء أهل إفساد ولا يجوز السكوت عليهم أو التغاضي عنهم أو التقليل من شرهم وخطرهم فإنهم كالعقارب مندسّون وقد أظهروا شوكاتهم فإذا تمكنوا لدغوا وإذا لدغوا قتلوا ولات ساعة مندم ؛ فيا رجال الأمن اتقوا الله ولنتق الله جميعا فكلنا رجال أمن نحرص على أمان بلاد المسلمين ،فهذه البلاد كيف كانت قبل قيام هذه الدولة وكيف هي الآن؟ فلنحمد الله - جل وعز- على ما نحن فيه من الأمن والإيمان والنعمة التي يسوقها الله علينا من أطراف الأرض من نعمة رغد العيش الذي لم تكن تعرفه هذه البلاد ,وقد امتن الله بهذين الأمرين على أمة قبلنا واحتج بها عليهم في صرف العبادة له فقال - جل وعلا- ممتنا على قريش : ﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ • إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ • فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ •الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾ ، الرّغد والأمان نعمتان من الله عظيمتان يجب على المسلمين أن يُحافظوا عليها ويجب على المؤمنين أن يحرصوها كل الحرص لأنه إذا انفرط العقد وانفلت الزمام تسلط الناس بعضهم على بعض ،وأنتم ترونه في هذه الأيام في البلدان المجاورة ,فاحرصوا يا إخوة الإسلام على هذا واعلموا أن إعانتكم لرجال الأمن الأصليين الرسميين إعانة لهم على الخير ،فيجب عليكم أن تقوموا بذلك حِسبة لله تعالى .
كذلك يجب على أهل الإعلام أن يقوموا بواجبهم في بيان حقيقة الإسلام وتبصير الناس به وأن لا ينشروا عن الإسلام إلا ما جاء عن الله وعن رسول الله ،وعليهم أن يتقوا الله في مراقبة المطبوعات والمسموعات والمرئيات التي تدخل علينا نحن المسلمين فإن لها أثرا عظيما في تغيير فكر الناس والتأثير فيه ،فإذا لم يقم أهل الإعلام بواجبهم ويؤدوا الرسالة التي أوجب الله عليهم وهي إظهار سماحة الإسلام وإظهار أحكامه المطهرة فإنهم مفرّطون ومقصرون في ذلك .
ومن هنا بهذه المناسبة أقول لأصحاب المكتباتالتي تبيع الكتب ,عليهم أن يتقوا الله جل وعز ويراقبوا ربهم فإن ناشئة المسلمين يُقبلون عليهم وعلى مكتباتهم ،فعليهم أن ينشروا ولا يهيئوا للبيع إلا ما كان ناصحا ويكون ذلك بالتعاون مع من له معرفة بهذا الأمر وخاصة أهل العلم الشرعي ,فإن نشر الكتب التي تحتوي على الأفكار المنحرفة التكفيرية الخارجية التي تسمي هذه الأفعال الإجرامية تسميها جهادا هي التي وصلت بمثل هؤلاء إلى هذه الحال ,فليعلم أولئك أنهم مسؤولون وبين يدي الله موقوفون وسيسألهم عن كل ما يفعلونه ويقدمونه لأبناء الإسلام.
كذلك أوجه من هنا نصيحة لإخوتي الذين يطلعون ويظهرون في الإذاعات أو في المرئيات من الدعاة ، من العلماء ، أنصح لهم أن يقوموا بواجب البيان وأن يقوموا بواجب التحذير من هذه الأفكار المنحرفة وألا يبرروها من طرْف خفي إذا كانوا هنا أو بالصراحة إن كانوا في خارج هذه البلاد ،فليتقوا الله في أنفسهم فإن تبرير مثل هذه الأفعال الإجرامية سيعود على الجميع وسيصطلي هؤلاء مع من يصطلي بنار الفتنة إن هي عمت وطمت - عافانا الله وإياكم من ذلك- , فإنني أقول:يا إخوتي ،هؤلاء خاصة الذين يطلعون في البرامج التي تذاع في هذه الأيام وفي هذه الأحداث خاصة ،سمعنا عجبا ما بين مصرح وما بين ملمّح وما بين مفترٍ ، ومن الذين يفترون الذين اندسوا في صفوف المسلمين وهم يترقبون الفينة والأخرى لينقضوا على أهل الإسلام وأهل الإصلاح ،فإن هؤلاء خطرهم عظيم وهم أشبه ما يكونون بالمنافقين ،هؤلاء الذين يفترون فيقولون إن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هي التي أدت إلى مثل هذا الفكر المتطرف ، أقول:إن هذه فرية بلا مرية وإنها كذبة واضحة جلية ، إن دعوة شيخ الإسلام الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب إنما قامت وأنشأت دولة وعمّرت الأرض وأنشأت حضارة بعد أن لم تكن هذه البلاد شيئا مذكورا ,أنشأ الله بفضله ورحمته بسبب هذه الدعوة المباركة منذ أن قام الإمام محمد بن عبد الوهاب وأنصاره من آل سُعود مقدَّمهم إمامهم ورئيسهم محمد ابن سعود - رحمهم الله تعالى- حينما التقيا وتعاهدا على نصرة الإسلام والدعوة إليه ,قامت الحضارة أولا ثم سقطت الدولة لأمر أراده الله ابتلاء منه واختبارا ثم قامت الثانية ثم سقطت لأمر أراده الله - جل وعز- ابتلاء منه وامتحانا واختبارا ,ثم قامت هذه الدولة الثالثة التي لا نزال نتفيأ ظلالها ولله الحمد ويتفيأ ظلالها غيرنا ممن يفد علينا .
فيا معشر الإخوان ,إن هذه الأكاذيب وهذه الأراجيف إنها واضحة لا تنطلي إلا على من ضعُف لبه وأظلمت بصيرته - عافانا الله وإياكم من ذلك- . فليعلم هؤلاء المندسّون أن هذا الكلام لا ينطلي علينا ، والذين يحتجون أيضا ويقولون إن الجهاد إنما جاء به محمد بن عبد الوهاب , فنقول أيضا:إن هذا من الإفتراء على محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى- ,فهو إنما قاتل -كما جاء ذلك في صريح عباراته في رسائله- إنما قاتل دفاعا عن النفس والحرمة ،ولم يزل علماء الدعوة - رحمهم الله- يُنكرون التطرف ,فهذا الإمام العلامة المجدد في زمانه الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن8-رحمهم الله تعالى جميعا- ينص في الرسالة الأولى من رسائله التي جُمعت في مجلد ,ينص على محاربته لهذا الفكر حينما دخل على أبناء الدعوة الإسلامية حينما وفد به رجلان من فارس ، وكذلك الشيخ العلامة سليمان بن سحمان9- رحمه الله تعالى- فله كتاب في هذا وله عدة كتب غيره لكن هذا مشهور وهو كتابه "منهاج الحق والإتباع في الرد على أهل الزيغ والإبتداع" ردّ فيه على هؤلاء التكفيريين الذين قاموا وعاثوا في الأرض فسادا فهيأ الله لهم من يقمعهم ؛ فنقول معشر الإخوان ,إن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بريئة كل البراءة من هذه الإلصاقات التي يلصقها بها أعداؤها ولم تزل مباركة طيبة تؤتي ثمارها المرة بعد المرة ولا نزال نحن نعيش في ظلالها الوارفة إلى يومنا هذا ,فأي كذب أظهر من هذا الكذب ؟ وأي افتراء أظهر من هذا الإفتراء يا معشر الإخوان؟ فانتبهوا وفقكم الله لذلك واعلموا أن علماءنا المعاصرين - حفظهم الله ومتع بهم- لم يزالوا على خط علمائهم السابقين ينكرون هذه الأعمال الإجرامية في بياناتهم التي حصلت في الإنكار يوم أن حصل التفجير في مكة في 1409وفي العلية في اثنا عشر وفي الـخُبَر في سبعة عشر، وهذا الأخير الذي حصل في الرياض لأنهم سائرون على طريق السالفين من علمائهم ,مقتفون لآثارهم رحم الله من مات وحفظ من بقي ، فنقول:إن الذين يريدون أن يدخلوا بيننا وبين علمائنا بهذا النوع من الدّسّ الرخيص ,إن أهل الخير والفضل والصلاح لهم بالمرصاد .وهناك فرية نختم الحديث بها وهي القول بأن هذه الدولة إنما مكّن لها هؤلاء العلماء . أقول:إن الله هو الممكن بيده الملك يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء ، وأمر التحام العلماء عندنا مع الحكام ليس بالغريب ,فقام العلماء بفضل الله ثم بسبب الحكام ،وقام الحكام بفضل الله ثم بسبب هذه الدعوة المباركة منذ أن التقى الإمامان الجليلان محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود - رحمهما الله- ،فقال الثاني للأول :"أبشر بالعز والنصر والمنَعة " ، يقول للإمام محمد بن عبد الوهاب , فقال له الإمام محمد بن عبد الوهاب :" وأنا أبشرك بالنصر والتمكين ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ﴾[النور : 55 ]، فالدولة هذه منذ أن قامت قامت على الأمراء والعلماء ،فلا نعرف انفصالا بين العلماء والأمراء ،ومن حاول التشكيك في ذلك فإنما أراد أن يطبق فينا فكرا وافدا جاء به حمله في خزعبلات ذهنه وأراد أن يطبقه علينا ،فنقول:إن اللُّحمة بين أهل العلم وبين الأمراء في هذه البلاد غير مستنكَرة وهي واضحة جلية لا يتخفى أصحابها بها .
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعلنا وإياكم جميعا هداة مهتدين صالحين مصلحين ،كما أسأله أن يُمكّن من هؤلاء الفجرة المردة العائثين في الأرض فسادا ،وأن يُظهِر عليهم وأن يستأصل شأفتهم وأن يقطع دابرهم ،وأسأله - جل وعز- باسمه العظم الذي إذا سُئل به أعطى وإذا دُعي به أجاب أن يُعلِي راية الإسلام وان ينصره وأهله في كل مكان وأن يحفظ على المسلمين أمنهم واستقرارهم في جميع ديارهم ,كما أسأله سبحانه أن يثبتنا وإياكم جميعا على الحق حتى نلقاه وأن يزيدنا من واسع فضله وأن يجنبنا وإياكم الفتن ما ظهر منها وما بطن .
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد ، والحمد لله رب العالمين .
1 هنا قال الشيخ :الوجه السادس .
2هنا قال: الوجه السابع
3هنا قال : الوجه الثامن .
4 في "تيسير الكريم الرحمن": " ..الذين لا ينكفّ شرهم..." .
5 وهو الوجه الثالث من الوجوه التي ذكرها الشيخ في أول الشريط.
6هذا هو الوجه العاشر من الأوجه التي ذُكرت مجملة في أول المحاضرة.
7مَخَرَتِ السفينةُ تَمْخَرُ وتَمْخُر مَخْراً ومُخُوراً جرت تَشُقُّ الماءَ مع صوت وقيل استقبلتِ الريح في جريتها. ( اللسان 5/160).
8 هو العلامة الأوحد الكبير علامة المعقول والمنقول حاوي علمي الفروع والأصول كما وصفه بهذا علامة العراق محمود شكري الأوسي: الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. ولد هذا العالم الجليل سنة 1225هـ في مدينة الدرعية موطن دعوة التوحيد ومهد علمائها في ذلك الحين.. وكان رحمه الله إلى جانب ما اتصف به من العلم والفضل قوي الشخصية صادق اللهجة مخلصاً لدينه ووطنه، وكان أمارا بالمعروف نهاءاً عن المنكر غيوراً على حرمات الإسلام والدين وكان مع هذا عالماً ربانياً وزعيماً دينياً مهاباً محترماً عند ولاة الأمور ومن دونهم من الخاصة والعامة، كافح عن نشر العلم وبث الدعوة والدفاع عن الدين وكرس جهده وأوقف حياته على نشر العلم وبث الدعوة والدفاع عنها في حياة والده. وبعد وفاته -رحمه الله- .. توفي في الرابع عشر من شهر القعدة سنة 1293 هـ عن ثمانية وستين عاماً قضى معظمها في تحصيل العلم ونشره، ثم في الكفاح الدائب والنضال المتواصل عن عقيدة الإسلام والدين والذود عن حياض المسلمين وحرماتهم والوقوف دون استباحة أموالهم وانتهاك أعراضهم في تلك الفتن العمياء التي حصلت في هذه الجزيرة ..غفر الله له وأسكنه فسيح جنته وبارك في خلقه وأحفاده انه سميع مجيب. ( "مشاهير علماء نجد وغيرهم" بتصرف ،وانظر ترجمته -رحمه الله- مطولة في نفس الكتاب ص1/6.
9هو العلامة الشهير صاحب المؤلفات والردود الذي جرد قلمه وسخر يراعه لنصرة الإسلام والنضال عن عقيدة التوحيد الشيخ سليمان بن سحمان بن مصلح ابن حمدان بن مسفر بن محمد بن مالك بن عامر الخثعمي التبالي العسيري النجدي. ولد سنة 1266هـ ، توفي -رحمه الله- بمدينة الرياض سنة 1349 من الهجرة وصلى عليه الناس بمسجد جامع الرياض= =الكبير ودفن في مقبرة العود غفر الله له وعفا عنه وجزاه عن دفاعه عن الإسلام ونضاله عن الدين خير الجزاء. "مشاهير علماء نجد وغيرهم"بتصرف .( وانظر ترجمته مطولة في "مشاهير علماء نجد وغيرهم" 2/93).
تعليق