التغير المطلوب / إفتتاحية مجلة الإصلاح العدد 24
ها هي مجلة " الإصلاح " تستقبل عامها الخامس و أوطان عربية إسلامية تستفيق على وقع أحداث متتابعة متسارعة كأمواج البحر المتلاطمة ، و إنتفاضات " شبابية " ، و ثورات شعوب على حكامها ، رافعة شعار التغير ، و قد يوافق ذلك مجرى السنن الكونية من النهاية الوخيمة و العاقية السيئة للظلم و الجور و الإستبداد ، لكن هذا لا يسوغ الخروج في هذه الثورات العارمة ، و المظاهرات الحاشدة ، لأنها ليست من أساليب الشريعة في المناصحة و لا من طرائق تغير المنكر ، و دفع الظلم و درئه ، كما قرره العلماء المحققون من أهل السنة و الجماعة .
إن من المعلوم قطعا أن تغير الأحوال بيد الله تعالى وحده ، يصرف الأمور وفق مشيئته و إرادته ، يعز و يذل ، و يرفع و يضع ، و يؤتي الملك من يشاء و ينزعه ممن يشاء ، لكن الله جعل لهذا التغير سنة كونية ، فلا تتحول الأمة من حال الضيق و الضنك إلى حال السعة و العز و النعمة و المنعة و نحوها ، إلا إذا أحدث أفرادها التغير في أنفسهم ، قال تعالى : { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (11) سورة الرعد ، فليس من الحكمة أن يعيش أحد عمرا طويلا لا يسأم فيه من المطالبة بإستبدال حاكم أو تغير حكومة ، و لا يلتفت يوما إلى نفسه يعاتبها و يلومها و يغير ما بها من سوء و يطهرها مما علق بها من شرور ، و يصلح ما بينه و بين ربه سبحانه .
و قد علمنا التاريخ أن هذه الثورات قد تحمل معها رياح التغير ، فأطيحت أنظمت و أسقطت دول ، و قام على أنقاضها دول بإبديولجيات وضعية و فلسفات لائكية و نظم علمانية غيبة الدين تغيبا ، إلا أنها لم تحقق للناس ما كانوا يؤملون ، و خابت معها الظنون .
إن الذي دعا إليه الأنبياء و الرسل - عليهم السلام - و على رأسهم خاتم النبيين صلى الله عليه و سلم ، هو التغير النافع لكل مجتمع في أي مكان و في أي زمان ، و هو الإجتماع على أنه لا إله إلا الله و لا ما عبود بحق سواه ، و نبذ كل أنواع الشرك و مظاهره ، و أن يكون غرس التوحيد في نفوس أفراد الامة هو القضية التي يقوم عليها النظام ، و يهذا يكون الإصلاح و يتحقق العدل ، و أما التغير الذي لا يضع ذلك في حسبانه ، و يجعل أمر التوحيد و الدين هو أخر إهتماماته فهو الخسران بعينه .
و عليه ، فأي تغير لا يأخذ بزمامه ورثة الأنبياء - يعني العلماء الربانيين - فهو عرضة للإضراب و الإختلال ، و قد يستغرب هذا الكلام من لم تلتصق ثقافته بالوحي أو من صار لقمة سائغة لوسائل الإعلام تصقل ذهنه و أفكاره و تصوراته ، أما من لازم كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم علم يقينا أنه هو التغير المطلوب .