113 - الشَّعْبِيُّ عَامِرُ بنُ شَرَاحِيْلَ بن عَبْدِ بنِ ذِي كِبَارٍ
وَذُوْ كِبَارٍ: قَيْلٌ مِنْ أَقْيَالِ اليَمِنِ، الإِمَامُ، عَلاَّمَةُ العَصْرِ، أَبُو عَمْرٍو الهَمْدَانِيُّ، ثُمَّ الشَّعْبِيُّ.
وَيُقَالُ: هُوَ عَامِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ مِنْ سَبْيِ جَلُوْلاَءَ.
مَوْلِدُهُ: فِي إِمْرَةِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، لِسِتِّ سِنِيْنَ خَلَتْ مِنْهَا، فَهَذِهِ رِوَايَةٌ.
وَقِيْلَ: وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، قَالَهُ شَبَابٌ.
وَكَانَتْ جَلُوْلاَءُ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ.
وَرَوَى: ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ السَّرِيِّ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: وُلِدْتُ عَامَ جَلُوْلاَءَ.
فَهَذِهِ رِوَايَةٌ مُنْكَرَةٌ، وَلَيْسَ السَّرِيُّ بِمُعْتَمَدٍ، قَدِ اتُّهِمَ.
وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ يُوْنُسَ: وُلِدَ الشَّعْبِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ.
وَيُقَارِبُهَا: رِوَايَةُ حَجَّاجٍ الأَعْوَرِ، عَنْ شُعْبَةَ:
قَالَ لِي أَبُو إِسْحَاقَ: الشَّعْبِيُّ أَكْبَرُ مِنِّي بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ. (4/296)
قُلْتُ: وَإِنَّمَا وُلِدَ أَبُو إِسْحَاقَ بَعْد سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: هُوَ مِنْ حِمْيَرٍ، وَعِدَادُهُ فِي هَمْدَانَ.
قُلْتُ: رَأَى عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَصَلَّى خَلْفَهُ.
وَسَمِعَ مِنْ: عِدَّةٍ مِنْ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ.
وَحَدَّثَ عَنْ: سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَسَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي مُوْسَى الأَشْعَرِيِّ، وَعَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ، وَأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي مَسْعُوْدٍ البَدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعْدٍ، وَعَائِشَةَ، وَجَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، وَالمُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَعْبِ بنِ عُجْرَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَمُرَةَ، وَسَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ، وَالنُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ، وَالبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ، وَزَيْدِ بن أَرْقَمَ، وَبُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْبِ، وَالحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، وَحُبْشِيِّ بنِ جُنَادَةَ، وَالأَشْعَثِ بنِ قَيْسٍ الكِنْدِيِّ، وَوَهْبِ بنِ خَنْبَشٍ الطَّائِيِّ، وَعُرْوَةَ بنِ مُضَرِّسٍ، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ، وَأَبِي سَرِيْحَةَ الغِفَارِيِّ، وَمَيْمُوْنَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، وَأُمِّ هَانِئ، وَأَبِي جُحَيْفَةَ السُّوَائِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى، وَعَبْدِ اللهِ بنِ يَزِيْدَ الأَنْصَارِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبْزَى، وَعَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَالمِقْدَامِ بن مَعْدِ يْكَرِبَ، وَعَامِرِ بنِ شَهْرٍ، وَعُرْوَةَ بنِ الجَعْدِ البَارِقِيِّ، وَعَوْفِ بنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ مُطِيْعِ بنِ الأَسْوَدِ العَدَوِيِّ، وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ صَيْفِيٍّ، وَغَيْرِ هَؤُلاَءِ الخَمْسِيْنَ مِنَ الصَّحَابَةِ. (4/297)
وَحَدَّثَ عَنْ: عَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدِ، وَالحَارِثِ الأَعْوَرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، وَالقَاضِي شُرَيْحٍ، وَعِدَّةٍ.
رَوَى عَنْهُ: الحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَدَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ، وَمَكْحُوْلٌ الشَّامِيُّ، وَمَنْصُوْرُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الغُدَانِيُّ، وَعَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، وَمُغِيْرَةُ بنُ مِقْسَمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُوْقَةَ، وَمُجَالِدٌ، وَيُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو حَنِيْفَةَ، وَعِيْسَى بنُ أَبِي عِيْسَى الحَنَّاطُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَيَّاشٍ المَنْتُوْفُ، وَأَبُو بَكْرٍ الهُذَلِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم.
وَقَبِيْلَتُهُ: مَنْ كَانَ مِنْهُم بِالكُوْفَةِ، قِيْلَ: شَعْبِيٌّ.
وَمَنْ كَانَ بِمِصْرَ، قِيْلَ: الأُشْعُوْبِيُّ.
وَمَنْ كَانَ بِاليَمَنِ، قِيْلَ لَهُم: آلُ ذِي شَعْبَيْنِ.
وَمَنْ كَانَ بِالشَّامِ، قِيْلَ: الشَّعْبَانِيُّ.
وَأُرَى قَبِيْلَةَ شَعْبَانَ نَزَلَتْ بِمَرْجِ كَفْرَ بَطْنَا، فَعُرِفَ بِهِم، وَهُمْ جَمِيْعاً وَلَدُ حَسَّانِ بنِ عَمْرِو بنِ شَعْبَيْنِ.
قَالَ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: فَبَنُو عَلِيِّ بنِ حَسَّانِ بنِ عَمْرٍو رَهْطُ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، دَخَلُوا فِي جُمْهُوْرِ هَمْدَانَ، وَكَانَ الشَّعْبِيُّ تَوْءماً ضَئِيْلاً، فَكَانَ يَقُوْلُ: إِنِّي زُوْحِمْتُ فِي الرَّحِمِ.
قَالَ: وَأَقَامَ فِي المَدِيْنَة ثَمَانِيَة أَشْهُرٍ هَارِباً مِنَ المُخْتَارِ، فَسَمِع مِنِ ابْنِ عُمَرَ، وَتَعَلَّمَ الحِسَابَ مِنَ الحَارِثِ الأَعْوَرِ، وَكَانَ حَافِظاً، وَمَا كَتَبَ شَيْئاً قَطُّ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُرَّةَ الشَّعْبَانِيُّ، حَدَّثَنِي أَشْيَاخٌ مِنْ شَعْبَانَ؛ مِنْهُم: مُحَمَّدُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ - وَكَانَ عَالِماً -:
أَنَّ مَطَراً أَصَابَ اليَمَنَ، فَجَحَفَ السَّيْلُ مَوْضِعاً، فَأَبْدَى عَنْ أَزَجٍ عَلَيْهِ بَابٌ مِنْ حِجَارَةٍ، فَكُسِرَ الغَلَقُ، وَدُخِلَ، فَإِذَا بَهُوٌ عَظِيْمٌ، فِيْهِ سَرِيْرٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَإِذَا عَلَيْهِ رَجُلٌ، شَبَرْنَاهُ فَإِذَا طُوْلُهُ اثْنَا عَشَرَ شِبْراً، وَإِذَا عَلَيْهِ جِبَابٌ مِنْ وَشْيٍ مَنْسُوْجَةٌ بِالذَّهَبِ، وَإِلَى جَنْبِهِ مِحْجَنٌ مِنْ ذَهَبٍ، عَلَى رَأْسِهِ يَاقُوْتَةٌ حَمْرَاءُ، وَإِذَا رَجُلٌ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، لَهُ ضَفْرَانِ، وَإِلَى جَنْبِهِ لَوْحٌ مَكْتُوْبٌ فِيْهِ بِالحِمْيَرِيَّةِ:
بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ رَبَّ حِمْيَرٍ، أَنَا حَسَّانُ بنُ عَمْرٍو القَيْلُ، إِذْ لاَ قَيْلَ إِلاَّ اللهُ، عِشْتُ بِأَمَلٍ، وَمُتُّ بِأَجِلٍ؛ أَيَّامَ وَخْزِهَيْدَ، وَمَا وَخْزُهَيْدُ؟ هَلَكَ فِيْهِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَيْلٍ، فَكُنْتُ آخِرَهُم قَيْلاً، فَأَتَيْتُ جَبَلَ ذِي شَعْبَيْنِ؛ لِيُجِيْرَنِي مِنَ المَوْتِ، فَأَخْفَرَنِي.
وَإِلَى جَنْبِهِ سَيْفٌ مَكْتُوْبٌ فِيْهِ: أَنَا قَيْلٌ، بِي يُدْرَكُ الثَّأْرُ. (4/29
شُعْبَةُ: عَنْ مَنْصُوْرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
أَدْرَكْتُ خَمْسَ مائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: عَنْ مَكْحُوْلٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنَ الشَّعْبِيِّ.
هُشَيْمٌ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
مَا مَاتَ ذُوْ قَرَابَةٍ لِي وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، إِلاَّ وَقَضَيْتُ عَنْهُ، وَلاَ ضَرَبْتُ مَمْلُوْكاً لِي قَطُّ، وَلاَ حَلَلْتُ حَبْوَتِي إِلَى شَيْءٍ مِمَّا يَنْظُرُ النَّاسُ. (4/299)
أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ أَبِي حَصِيْنٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ كَانَ أَفْقَهَ مِنَ الشَّعْبِيِّ.
قُلْتُ: وَلاَ شُرَيْحٌ؟
فَغَضِبَ، وَقَالَ: إِنَّ شُرَيْحاً لَمْ أَنْظُرْ أَمْرَهُ.
زَائِدَةُ: عَنْ مُجَالِدٍ، قَالَ:
كُنْتُ مَعَ إِبْرَاهِيْمَ فِي أَصْحَابِ المُلاَّ، فَأَقْبَلَ الشَّعْبِيُّ، فَقَامَ إِلَيْهِ إِبْرَاهِيْمُ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَعْوَرُ، لَوْ أَنَّ أَصْحَابِي أَبْصَرُوْكَ.
ثُمَّ جَاءَ، فَجَلَسَ فِي مَوْضِعِ إِبْرَاهِيْمَ.
سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْقَهَ مِنَ الشَّعْبِيِّ، إِلاَّ سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ، وَلاَ طَاوُوْسَ، وَلاَ عَطَاءً، وَلاَ الحَسَنَ، وَلاَ ابْنَ سِيْرِيْنَ، فَقَدْ رَأَيْتُ كُلَّهُم.
عَبْدُ اللهِ بنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنَا جَرِيْرُ بنُ أَيُّوْبَ، قَالَ:
سَأَلَ رَجُلٌ الشَّعْبِيَّ عَنْ وَلَدِ الزِّنَى: شَرُّ الثَّلاَثَةِ هُوَ؟
فَقَالَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ، لَرُجِمَتْ أُمُّهُ وَهُوَ فِي بَطْنِهَا، وَلَمْ تُؤَخَّرْ حَتَّى تَلِدَ. (4/300)
ابْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا حُرٌّ، عَنْ مُغِيْرَةَ:
قَالَ رَجُلٌ مِنَ الكَيْسَانِيَّةِ عِنْدَ الشَّعْبِيِّ: كَانَتْ عَائِشَةُ مِنْ أَبْغَضِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِ.
قَالَ: خَالَفْتَ سُنَّةَ نَبِيِّكَ.
عَلِيُّ بنُ القَاسِمِ: عَنْ أَبِي بَكْرٍ الهُذَلِيِّ:
قَالَ لِي ابْنُ سِيْرِيْنَ: الْزَمِ الشَّعْبِيَّ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يُسْتَفْتَى وَأَصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَوَافِرُوْنَ.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ المَدَائِنِيُّ فِي كِتَابِ (الحِكْمَةِ):
قِيْلَ لِلشَّعْبِيِّ: مِنْ أَيْنَ لَكَ كُلُّ هَذَا العِلْمِ؟
قَالَ: بِنَفْيِ الاغْتِمَامِ، وَالسَّيْرِ فِي البِلاَدِ، وَصَبْرٍ كَصَبْرِ الحَمَامِ، وَبُكُوْرٍ كَبُكُوْرِ الغُرَابِ.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عُلَمَاءُ النَّاسِ ثَلاَثَةٌ: ابْنُ عَبَّاسٍ فِي زَمَانِهِ، وَالشَّعْبِيُّ فِي زَمَانِهِ، وَالثَّوْرِيُّ فِي زَمَانِهِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ الشَّعْبِيُّ ضَئِيْلاً، نَحِيْفاً، وُلِدَ هُوَ وَأَخٌ لَهُ تَوْءماً. (4/301)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: سَمِعَ الشَّعْبِيُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قَالَ: وَلاَ يَكَادُ يُرْسِلُ إِلاَّ صَحِيْحاً.
رَوَى: عَقِيْلُ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ الغُدَانِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
أَدْرَكْتُ خَمْسَ مائَةِ صَحَابِيٍّ، أَوْ أَكْثَرَ، يَقُوْلُوْنَ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ.
وَأَمَّا عَمْرُو بنُ مَرْزُوْقٍ، فَرَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ، وَفِيْهِ: يَقُوْلُوْنَ: عَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ فِي الجَنَّةِ.
ابْنُ فُضَيْلٍ: عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُوْلُ:
مَا كَتَبْتُ سَوْدَاءَ فِي بَيْضَاءَ إِلَى يَوْمِي هَذَا، وَلاَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِحَدِيْثٍ قَطُّ إِلاَّ حَفِظْتُهُ، وَلاَ أَحْبَبْتُ أَنَّ يُعِيْدَهُ عَلَيَّ.
هَذَا سَمَاعُنَا فِي (مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ).
أَنْبَأَنَا مَالِكُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ:
فَكَأَنَّ الشَّعْبِيَّ يُخَاطِبُكَ بِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أُمِّيٌّ، لاَ كَتَبَ وَلاَ قَرَأَ.
الفَسَوِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ): حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ شُبْرُمَةَ، سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُوْلُ:
مَا سَمِعْتُ مُنْذُ عِشْرِيْنَ سَنَةً رَجُلاً يُحَدِّثُ بِحَدِيْثٍ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُ، وَلَقَدْ نَسِيْتُ مِنَ العِلْمِ مَا لَوْ حَفِظَهُ رَجُلٌ لَكَانَ بِهِ عَالِماً.
نُوْحُ بنُ قَيْسٍ: عَنْ يُوْنُسَ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ وَادِعٍ الرَّاسِبِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
مَا أَرْوِي شَيْئاً أَقَلَّ مِنَ الشِّعْرِ، وَلَوْ شِئْتُ، لأَنْشَدْتُكُم شَهْراً لاَ أُعِيْدُ. (4/302)
وَرُوِيَتْ عَنْ: نُوْحٍ مَرَّةً، فَقَالَ: عَنْ يُوْنُسَ، وَوَادِعٍ.
مَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ: سَمِعْتُ أَبَا أُسَامَةَ يَقُوْلُ:
كَانَ عُمَرُ فِي زَمَانِهِ رَأْسَ النَّاسِ وَهُوَ جَامِعٌ، وَكَانَ بَعْدَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي زَمَانِهِ، وَكَانَ بَعْدَهُ الشَّعْبِيُّ فِي زَمَانِهِ، وَكَانَ بَعْدَهُ الثَّوْرِيُّ فِي زَمَانِهِ، ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُ يَحْيَى بنُ آدَمَ.
شَرِيْكٌ: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، قَالَ:
مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِالشَّعْبِيِّ وَهُوَ يَقْرَأُ المَغَازِي، فَقَالَ: كَأَنَّ هَذَا كَانَ شَاهِداً مَعَنَا، وَلَهُوَ أَحْفَظُ لَهَا مِنِّي وَأَعْلَمُ.
أَشْعَبُ بنُ سَوَّارٍ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ، قَالَ:
قَدِمْتُ الكُوْفَةَ، وَلِلشَّعْبِيِّ حَلْقَةٌ عَظِيْمَةٌ، وَالصَّحَابَةُ يَوْمَئِذٍ كَثِيْرٌ.
ابْن عُيَيْنَةَ: عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: مَا جَالَسْتُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنَ الشَّعْبِيِّ.
وَقَالَ عَاصِمُ بنُ سُلَيْمَانَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ أَهْلِ الكُوْفَةِ وَالبَصْرَةِ وَالحِجَازِ وَالآفَاقِ مِنَ الشَّعْبِيِّ.
أَبُو مُعَاوِيَةَ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يَقُوْلُ:
قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَلاَ تَعْجَبُوْنَ مِنْ هَذَا الأَعْوَرِ؟! يَأْتِيْنِي بِاللَّيْلِ، فَيَسْأَلُنِي، وَيُفْتِي بِالنَّهَارِ - يَعْنِي: إِبْرَاهِيْمَ -.
أَبُو شِهَابٍ: عَنِ الصَّلْتِ بنِ بَهْرَامَ، قَالَ: مَا بَلَغَ أَحَدٌ مَبْلَغَ الشَّعْبِيِّ أَكْثَرَ مِنْهُ يَقُوْلُ: لاَ أَدْرِي. (4/303)
أَبُو عَاصِمٍ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ:
كَانَ الشَّعْبِيُّ إِذَا جَاءهُ شَيْءٌ اتَّقَاهُ، وَكَانَ إِبْرَاهِيْمُ يَقُوْلُ وَيَقُوْلُ.
جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ:
كَانَ إِبْرَاهِيْمُ صَاحِبَ قِيَاسٍ، وَالشَّعْبِيُّ صَاحِبَ آثَارٍ.
ابْنُ المُبَارَكِ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ:
كَانَ الشَّعْبِيُّ مُنْبَسِطاً، وَكَانَ إِبْرَاهِيْمُ مُنْقَبِضاً، فَإِذَا وَقَعَتِ الفَتْوَى، انْقَبَضَ الشَّعْبِيُّ، وَانْبَسَطَ إِبْرَاهِيْمُ.
وَقَالَ سَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ: مَا اجْتَمَعَ الشَّعْبِيُّ وَإِبْرَاهِيْمُ، إِلاَّ سَكَتَ إِبْرَاهِيْمُ.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الجَابِيَةِ الفَرَّاءُ، قَالَ:
قَالَ الشَّعْبِيُّ: إِنَّا لَسْنَا بِالفُقَهَاءِ، وَلَكِنَّا سَمِعنَا الحَدِيْثَ فَرَوَيْنَاهُ، وَلَكِنَّ الفُقَهَاءَ مَنْ إِذَا عَلِمَ، عَمِلَ.
مَالِكُ بنُ مِغْولٍ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُوْل: لَيْتَنِي لَمْ أَكُنْ عَلِمْتُ مِنْ ذَا العِلْمِ شَيْئاً.
قُلْتُ: لأَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَى العَالِمِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْمَلَ بِهِ، ويُنَبِّهَ الجَاهِلَ، فَيَأْمُرَهُ وَيَنْهَاهُ، وَلأَنَّهُ مَظِنَّةٌ أَنْ لاَ يُخْلِصَ فِيْهِ، وَأَن يَفْتَخِرَ بِهِ، ويُمَارِيَ بِهِ، لِيَنَالَ رِئَاسَةً، ودُنْيَا فَانِيَةً.
الحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ:
سُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنْ شَيْءٍ، فَلَمْ يُجِبْ فِيْهِ، فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ: أَبُو عَمْرٍو يَقُوْلُ فِيْهِ كَذَا وَكَذَا.
فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هَذَا فِي المَحْيَا، فَأَنْتَ فِي المَمَاتِ عَلَيَّ أَكْذَبُ. (4/304)
قَالَ ابْنُ عَائِشَةَ: وَجَّهَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ الشَّعْبِيَّ إِلَى مَلِكِ الرُّوْمِ -يَعْنِي: رَسُوْلاً- فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ:
يَا شَعْبِيُّ، أَتَدْرِي مَا كَتَبَ بِهِ إِلَيَّ مَلِكُ الرُّوْمِ؟
قَالَ: وَمَا كَتَبَ بِهِ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟
قَالَ: كُنْتُ أَتَعَجَّبُ لأَهْلِ دِيَانَتِكَ، كَيْفَ لَمْ يَسْتَخْلِفُوا عَلَيْهِم رَسُوْلَكَ؟!
قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، لأَنَّهُ رَآنِي وَلَمْ يَرَكْ.
أَوْرَدَهَا: الأَصْمَعِيُّ؛ وَفِيْهَا قَالَ: يَا شَعْبِيُّ، إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُغْرِيَنِي بِقَتْلِكَ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ مَلِكَ الرُّوْمِ، فَقَالَ: للهِ أَبُوْهُ! وَاللهِ مَا أَرَدْتُ إِلاَّ ذَاكَ.
يُوْسُفُ بنُ بَهْلُوْلٍ الحَافِظُ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بنُ نُوْحٍ، حَدَّثَنِي مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ الحَجَّاجُ، سَأَلنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ العِلْمِ، فَوَجَدَنِي بِهَا عَارِفاً، فَجَعَلَنِي عَرِيْفاً عَلَى قَوْمِي الشَّعْبِيِّيْنَ، وَمَنْكِباً عَلَى جَمِيْعِ هَمْدَانَ، وَفَرَضَ لِي، فَلَمْ أَزَلْ عِنْدَهُ بِأَحْسَنِ مَنْزِلَةٍ حَتَّى كَانَ شَأْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الأَشْعَثِ، فَأَتَانِي قُرَّاءُ أَهْلِ الكُوْفَةِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَمْرٍو، إِنَّكَ زَعِيْمُ القُرَّاءِ.
فَلَمْ يَزَالُوا حَتَّى خَرَجْتُ مَعَهُم، فَقُمْتُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ أَذْكُرُ الحَجَّاجَ، وَأَعِيْبُهُ بِأَشْيَاءَ، فَبَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ:
أَلاَ تَعْجَبُوْنَ مِنْ هَذَا الخَبِيْثِ؟! أَمَا لَئِنْ أَمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُ، لأَجْعَلَنَّ الدُّنْيَا عَلَيْهِ أَضْيَقَ مِنْ مَسْكِ جَمَلٍ.
قَالَ: فَمَا لَبِثْنَا أَنْ هُزِمْنَا، فَجِئْتُ إِلَى بَيْتِي، وَأَغْلَقْتُ عَلَيَّ، فَمَكَثْتُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، فَنَدَبَ النَّاسَ لِخُرَاسَانَ، فَقَامَ قُتَيْبَةُ بنُ مُسْلِمٍ، فَقَالَ: أَنَا لَهَا.
فَعَقَدَ لَهُ عَلَى خُرَاسَانَ، فَنَادَى مُنَادِيْهِ: مَنْ لَحِقَ بِعَسْكَرِ قُتَيْبَةَ، فَهُوَ آمِنٌ.
فَاشْتَرَى مَوْلَىً لِي حِمَاراً، وَزَوَّدَنِي، ثُمَّ خَرَجْتُ، فَكُنْتُ فِي العَسْكَرِ، فَلَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا فَرْغَانَةَ. (4/305)
فَجَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ بَرِقَ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ، عِنْدِي عِلْمُ مَا تُرِيْدُ.
فَقَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟
قُلْتُ: أُعِيْذُكَ أَلاَّ تَسْأَلَ عَنْ ذَاكَ.
فَعَرَفَ أَنِّي مِمَّنْ يُخْفِي نَفْسَهُ، فَدَعَا بِكِتَابٍ، فَقَالَ: اكْتُبْ نُسْخَةً.
قُلْتُ: لاَ تَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ.
فَجَعَلْتُ أُمِلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ يَنْظُرُ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ كِتَابِ الفَتْحِ.
قَالَ: فَحَمَلَنِي عَلَى بَغْلَةٍ، وَأَرْسَلَ إِلَيَّ بِسَرَقٍ مِنْ حَرِيْرٍ، وَكُنْتُ عِنْدَهُ فِي أَحْسَنِ مَنْزِلَةٍ، فَإِنِّي لَيْلَةً أَتَعَشَّى مَعَهُ، إِذَا أَنَا بِرَسُوْلِ الحَجَّاجِ بِكِتَابٍ فِيْهِ:
إِذَا نَظَرْتَ فِي كِتَابِي هَذَا، فَإِنَّ صَاحِبَ كِتَابِكَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، فَإِنْ فَاتَكَ، قَطَعْتُ يَدَكَ عَلَى رِجْلِكَ، وَعَزَلْتُكَ.
قَالَ: فَالْتَفَتَ إِلَيَّ، وَقَالَ: مَا عَرَفْتُكَ قَبْلَ السَّاعَةِ، فَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ الأَرْضِ، فَوَاللهِ لأَحْلِفَنَّ لَهُ بِكُلِّ يَمِيْنٍ.
فَقُلْتُ: أَيُّهَا الأَمِيْر، إِنَّ مِثْلِي لاَ يَخْفَى.
فَقَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ.
قَالَ: فَبَعَثَنِي إِلَيْهِ، وَقَالَ: إِذَا وَصَلْتُمْ إِلَى خَضْرَاءِ وَاسِطَ، فَقَيِّدُوْهُ، ثُمَّ أَدْخِلُوْهُ عَلَى الحَجَّاجِ.
فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْ وَاسِطٍ، اسْتَقْبَلَنِي ابْنُ أَبِي مُسْلِمٍ، فَقَالَ:
يَا أَبَا عَمْرٍو، إِنِّي لأَضِنُّ بِكَ عَنِ القَتْلِ، إِذَا دَخَلْتَ عَلَى الأَمِيْرِ، فَقُلْ كَذَا، وَقُلْ كَذَا.
فَلَمَّا أُدْخِلْتُ عَلَيْهِ، وَرَآنِي، قَالَ: لاَ مَرْحَباً وَلاَ أَهْلاً، جِئْتَنِي وَلَسْتَ فِي الشَّرَفِ مِنْ قَوْمِكَ، وَلاَ عرِيْفاً، فَفَعَلْتَ وَفَعَلْتَ، ثُمَّ خَرَجْتَ عَلَيَّ.
وَأَنَا سَاكِتٌ، فَقَالَ: تَكَلَّمْ.
فَقُلْتُ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، كُلُّ مَا قُلْتَهُ حَقٌّ، وَلَكِنَّا قَدِ اكْتَحَلْنَا بَعْدَكَ السَّهَرَ، وَتَحَلَّسْنَا الخَوْفَ، وَلَمْ نَكُنْ مَعَ ذَلِكَ بَرَرَةً أَتْقِيَاءَ، وَلاَ فَجَرَةً أَقْوِيَاءَ، فَهَذَا أَوَانُ حَقَنْتَ لِي دَمِي، وَاسْتَقْبَلْتَ بِيَ التَّوْبَةَ.
قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ. (4/306)
وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: لَمَّا أُدْخِلَ الشَّعْبِيُّ عَلَى الحَجَّاجِ، قَالَ: هِيْه يَا شَعْبِيُّ!
فَقَالَ: أَحْزَنَ بِنَا المَنْزِلُ، وَاسْتَحْلَسْنَا الخَوْفَ، فَلَمْ نَكُنْ فِيْمَا فَعَلْنَا بَرَرَةً أَتْقِيَاءَ، وَلاَ فَجَرَةً أَقْوِيَاءَ.
فَقَالَ: للهِ دَرُّكَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالَ أَصْحَابُنَا:
كَانَ الشَّعْبِيُّ فِيْمَنْ خَرَجَ مَعَ القُرَّاءِ عَلَى الحَجَّاجِ، ثُمَّ اخْتَفَى زَمَاناً، وَكَانَ يَكْتُبُ إِلَى يَزِيْدَ بنِ أَبِي مُسْلِمٍ أَنْ يُكَلِّمَ فِيْهِ الحَجَّاجَ.
قُلْتُ: خَرَجَ القُرَّاءُ وَهُمْ أَهْلُ القُرْآنِ وَالصَّلاَحِ بِالعِرَاقِ عَلَى الحَجَّاجِ؛ لِظُلْمِهِ وَتَأْخِيْرِهِ الصَّلاَةَ وَالجَمْعِ فِي الحَضَرِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَذْهَباً وَاهِياً لِبَنِي أُمَيَّةَ، كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يَكُوْنُ عَلَيْكُم أُمَرَاءُ يُمِيْتُوْنَ الصَّلاَةَ).
فَخَرَجَ عَلَى الحَجَّاجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ الأَشْعَثِ بنِ قَيْسٍ الكِنْدِيُّ، وَكَانَ شَرِيْفاً، مُطَاعاً، وَجَدَّتُهُ أُخْتُ الصِّدِّيْقِ، فَالْتَفَّ عَلَى مائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيْدُوْنَ، وَضَاقَتْ عَلَى الحَجَّاجِ الدُّنْيَا، وَكَادَ أَنْ يَزُوْلَ مُلْكُهُ، وَهَزَمُوْهُ مَرَّاتٍ، وَعَايَنَ التَّلَفَ، وَهُوَ ثَابِتٌ مِقْدَامٌ، إِلَى أَنِ انْتَصَرَ، وَتَمَزَّقَ جَمْعُ ابْنِ الأَشْعَثِ، وَقُتِلَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ، فَكَانَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ الحَجَّاجُ مِنْهُم، قَتَلَهُ، إِلاَّ مَنْ بَاءَ مِنْهُم بِالكُفْرِ عَلَى نَفْسِهِ، فَيَدَعُهُ. (4/307)
سَعْدُ بنُ عَامِرٍ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عِيْسَى الحَنَّاطِ، قَالَ:
قَالَ الشَّعْبِيُّ: إِنَّمَا كَانَ يَطْلُبُ هَذَا العِلْمَ مَنِ اجْتَمَعَتْ فِيْهِ خَصْلَتَانِ: العَقْلُ وَالنُّسْكُ، فَإِنْ كَانَ عَاقِلاً، وَلَمْ يَكُنْ نَاسِكاً، قَالَ: هَذَا أَمْرٌ لاَ يَنَالُهُ إِلاَّ النُّسَّاكُ، فَلَنْ أَطْلُبَهُ.
وَإِنْ كَانَ نَاسِكاً، وَلَمْ يَكُنْ عَاقِلاً، قَالَ: هَذَا أَمْرٌ لاَ يَنَالُهُ إِلاَّ العُقَلاَءُ، فَلَنْ أَطْلُبَهُ.
يَقُوْلُ الشَّعْبِيُّ: فَلَقَدْ رَهِبْتُ أَنْ يَكُوْنَ يَطْلُبُهُ اليَوْمَ مِنْ لَيْسَ فِيْهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، لاَ عَقْلَ وَلاَ نُسْكَ.
قُلْتُ: أَظُنُّهُ أَرَادَ بِالعَقْلِ الفَهْمَ وَالذَّكَاءَ.
قَالَ مُجَالِدٌ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ يَزْدَرِدُ العِلْمَ ازْدِرَاداً.
وَقَلَّمَا رَوَى الأَعْمَشُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، فَرَوَى: حَفْصٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لاَ بَأْسَ بِذَبِيْحَةِ اللِّيْطَةِ.
فَقُلْتُ لِلأَعْمَشِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، مَا مَنَعَكَ مِنْ إِتْيَانِ الشَّعْبِيِّ؟
قَالَ: وَيْحَكَ! كَيْفَ كُنْتُ آتِيْهِ، وَهُوَ إِذَا رَآنِي سَخَرَ بِي، وَيَقُوْلُ: هَذِهِ هَيْئَةُ عَالِمٍ! مَا هَيْئَتُكَ إِلاَّ هَيْئَةُ حَائِكٍ.
وَكُنْتُ إِذَا أَتَيْتُ إِبْرَاهِيْمَ أَكْرَمَنِي، وَأَدْنَانِي.
قَالَ عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: حَدَّثَنِي الشَّعْبِيُّ بِحَدِيْثٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا يُرْفَعُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قَالَ: مَنْ دُوْنَهُ أَحَبُّ إِلَيْنَا، إِنْ كَانَ فِيْهِ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانُ.
خَالِدٌ الحَذَّاءُ: عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ:
مَا كُذِبَ عَلَى أَحَدٍ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ مَا كُذِبَ عَلَى عَلِيٍّ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
مَا جَلَسْتُ مَعَ قَوْمٍ مُذْ كَذَا وَكَذَا، فَخَاضُوا فِي حَدِيْثٍ إِلاَّ كُنْتُ أَعْلَمَهُم بِهِ. (4/30
عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ يَزِيْدَ، سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُوْلُ:
وَاللهِ لَوْ أَصَبْتُ تِسْعاً وَتِسْعِيْنَ مَرَّةً وَأَخْطَأْتُ مَرَّةً، لأَعَدُّوا عَلَيَّ تِلْكَ الوَاحِدَةَ.
وَعَنْ زَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَأَنِّي بِهَذَا العِلْمِ تَحَوَّلَ إِلَى خُرَاسَانَ.
عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: عَنْ عَمْرِو بنِ خَلِيْفَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
أَصْبَحَتِ الأُمَّةُ عَلَى أَرْبَعِ فِرَقٍ: مُحِبٌّ لِعَلِيٍّ مُبْغِضٌ لِعُثْمَانَ، وَمُحِبٌّ لِعُثْمَانَ مُبْغِضٌ لِعَلِيٍّ، وَمُحِبٌّ لَهُمَا، وَمُبْغِضٌ لَهُمَا.
قُلْتُ: مِنْ أَيِّهِمَا أَنْتَ؟
قَالَ: مُبْغِضٌ لِبَاغِضِهِمَا.
عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: حَدَّثَنَا عَمِّي، قَالَ لِي الشَّعْبِيُّ:
أُحَدِّثُكَ عَنِ القَوْمِ كَأَنَّكَ شَهِدْتَهُم، كَانَ شُرَيْحٌ أَعْلَمَهُم بِالقَضَاءِ، وَكَانَ عَبِيْدَةُ يُوَازِي شُرَيْحاً فِي عِلْمِ القَضَاءِ، وَأَمَّا عَلْقَمَةُ فَانْتَهَى إِلَى عِلْمِ عَبْدِ اللهِ، لَمْ يُجَاوِزْهُ، وَأَمَّا مَسْرُوْقٌ فَأَخَذَ عَنْ كُلٍّ، وَكَانَ الرَّبِيْعُ بنُ خُثَيْمٍ أَعْلَمَهُم عِلْماً، وَأَوْرَعَهُم وَرَعاً.
قَالَ زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ: كَانَ الشَّعْبِيُّ يَمُرُّ بِأَبِي صَالِحٍ، فَيَأْخُذُ بِأُذُنِهِ، وَيَقُوْل: تُفَسِّرُ القُرْآنَ وَأَنْتَ لاَ تَقْرَأُ القُرْآنَ!
عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ نَجْدَةَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، حَدَّثَنِي رَبِيْعَةُ بنُ يَزِيْدَ، قَالَ:
جَلَسْتُ إِلَى الشَّعْبِيِّ بِدِمَشْقَ، فِي خِلاَفَةِ عَبْدِ المَلِكِ، فَحَدَّثَ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ:
عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (اعْبُدُوا رَبَّكُم، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَأَقِيْمُوا الصَّلاَةَ، وَآتُوا الزَّكَاةَ، وَأَطِيْعُوا الأُمَرَاءَ، فَإِنْ كَانَ خَيْراً، فَلَكُم، وَإِنْ كَانَ شَرّاً، فَعَلَيْهِم، وَأَنْتُم مِنْهُ بُرَآءُ).
فَقَالَ لَهُ الشَّعْبِيُّ: كَذَبْتَ.
هَكَذَا رَوَاهُ الحَاكِمُ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُضَارِبٍ العُمَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مِهْرَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِهَا: أَخْطَأْتَ. (4/309)
قُرَادٌ: حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ طَارِقِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ:
كُنْتُ جَالِساً عَلَى بَابِ الشَّعْبِيِّ، إِذْ جَاءَ جَرِيْرُ بنُ يَزِيْدَ بنِ جَرِيْرٍ البَجَلِيُّ، فَدَعَا الشَّعْبِيُّ لَهُ بِوِسَادَةٍ.
فَقُلْنَا لَهُ: حَوْلَكَ أَشْيَاخٌ، وَجَاءَ هَذَا الغُلاَمُ فَدَعَوْتَ لَهُ بِوِسَادَةٍ؟!
قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْقَى لِجَدِّهِ وِسَادَةً، وَقَالَ: (إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيْمُ قَوْمٍ، فَأَكْرِمُوْهُ).
شَبَابَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ عِيَاضٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، قَالَ:
كُنْتُ أَمْشِي مَعَ قَيْسٍ الأَرْقَبِ، فَمَرَرْنَا بِالشَّعْبِيِّ، فَقَالَ لِي الشَّعْبِيُّ: اتَّقِ اللهَ، لاَ يُشْعِلْكَ بِنَارِهِ.
فَقَالَ قَيْسٌ: أَمَا -وَاللهِ- قَدْ كُنْتُ فِي هَذِهِ الدَّارِ - كَذَا قَالَ، وَلَعَلَّهُ فِي هَذَا الرَّأْيِ -.
ثُمَّ قَالَ لَهُ: وَمَا تَرَكْتُهُ إِلاَّ لِحُبِّ الدُّنْيَا.
قَالَ: فَقُلْتُ: إِنْ كُنْتَ كَاذِباً، فَلَعَنَكَ اللهُ.
قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفُ أَصْحَابَ عَلِيٍّ؟
قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا كُنْتُ أَعْرِفُ فُقَهَاءَ الكُوْفَةِ، إِلاَّ أَصْحَابَ عَبْدِ اللهِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْنَا عَلِيٌّ، وَلَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللهِ يُسَمَّوْنَ قَنَادِيْلَ المَسْجِدِ، أَوْ سُرُجَ المِصْرِ.
قَالَ قَيْسٌ: أَفَلاَ تَعْرِفُ أَصْحَابَ عَلِيٍّ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفُ الحَارِثَ الأَعْوَرَ؟
قَالَ: نَعَمْ، لَقَدْ تَعْلَّمْتُ مِنْهُ حِسَابَ الفَرَائِضِ، فَخَشِيْتُ عَلَى نَفْسِي مِنْهُ الوَسْوَاسَ، فَلاَ أَدْرِي مِمَّنْ تَعَلَّمَهُ.
قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفُ ابْنَ صَبُوْرٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَلَمْ يَكُنْ بِفَقِيْهٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِيْهِ خَيْرٌ.
قَالَ: فَهَلْ تَعْرِف صَعْصَعَةَ بنَ صُوْحَانَ؟
قَالَ: كَانَ رَجُلاً خَطِيْباً، وَلَمْ يَكُنْ بِفَقِيْهٍ.
قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفُ رُشَيْداً الهَجَرِيَّ؟
قَالَ الشَّعْبِيُّ: نَعَمْ، بَيْنمَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الهَجَرِيِّيْنَ، إِذْ قَالَ لِي رَجُلٌ: هَلْ لَكَ فِي رَجُلٍ عَلَيْنَا، يُحِبُّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَأَدْخَلَنِي عَلَى رُشَيْدٍ، فَقَالَ: خَرَجْتُ حَاجّاً، فَلَمَّا قَضَيْتُ نُسُكِي، قُلْتُ: لَوْ أَحْدَثْتُ عَهْداً بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ.
فَمَرَرْتُ بِالمَدِيْنَةِ، فَأَتَيْتُ بَابَ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقُلْتُ لإِنْسَانٍ: اسْتَأْذِنْ لِي عَلَى سَيِّدِ المُسْلِمِيْنَ.
فَقَالَ: هُوَ نَائِمٌ، وَهُوَ يَحْسِبُ أَنِّي أَعْنِي الحَسَنَ.
قُلْتُ: لَسْتُ أَعْنِي الحَسَنَ، إِنَّمَا أَعْنِي أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَإِمَامَ المُتَّقِيْنَ، وَقَائِدَ الغُرِّ المُحَجَّلِيْنَ.
قَالَ: أَوَ لَيْسَ قَدْ مَاتَ؟
فَبَكَى، فَقُلْتُ: أَمَا - وَاللهِ - إِنَّهُ لَيَتَنَفَّسُ الآنَ بِنَفَسِ حَيٍّ، وَيَعْتَرِقُ مِنَ الدِّثَارِ الثَّقِيْلِ.
فَقَالَ: أَمَا إِذْ عَرَفْتَ سِرَّ آلِ مُحَمَّدٍ، فَادْخُلْ عَلَيْهِ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ.
فَدَخَلْتُ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَأَنْبَأَنِي بِأَشْيَاءَ تَكُوْنُ.
قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَقُلْتُ لِرُشَيْدٍ: إِنْ كُنْتَ كَاذِباً، فَلَعَنَكَ اللهُ.
ثُمَّ خَرَجْتُ، وَبَلَغَ الحَدِيْثُ زِيَاداً، فَقَطَعَ لِسَانَهُ، وَصَلَبَهُ.
قَالَ شَبَابَةُ: وَحَدَّثَنِيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ. (4/310)
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ: عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ:
أَفْرَطَ نَاسٌ فِي حُبِّ عَلِيٍّ، كَمَا أَفْرَطَتِ النَّصَارَى فِي حُبِّ المَسِيْحِ.
وَرَوَى: خَالِدُ بنُ سَلَمَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
حُبُّ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَمَعْرِفَةُ فَضْلِهِمَا مِنَ السُّنَّةِ. (4/311)
مَالِكُ بنُ مِغْوَلٍ: عَنِ الشَّعْبِيِّ: مَا بَكَيْتُ مِنْ زَمَانٍ، إِلاَّ بَكَيْتُ عَلَيْهِ.
رَوَى: مُجَالِدٌ، وَغَيْرُهُ:
أَنَّ رَجُلاً مُغَفَّلاً لَقِيَ الشَّعْبِيَّ، وَمَعَهُ امْرَأَةٌ تَمْشِي، فَقَالَ: أَيُّكُمَا الشَّعْبِيُّ؟
قَالَ: هَذِهِ.
وَعَنْ عَامِرِ بنِ يِسَافٍ، قَالَ:
قَالَ لِي الشَّعْبِيُّ: امْضِ بِنَا، نَفِرَّ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ.
فَخَرَجْنَا، قَالَ: فَمَرَّ بِنَا شَيْخٌ، فَقَالَ لَهُ الشَّعْبِيُّ: مَا صَنْعَتُكَ؟
قَالَ: رَفَّاءٌ.
قَالَ: عِنْدَنَا دَنٌّ مَكْسُوْرٌ، تَرْفُوْهُ لَنَا؟
قَالَ: إِنْ هَيَّأْتَ لِي سُلُوْكاً مِنْ رَمْلٍ، رَفَوْتُهُ.
فَضَحِكَ الشَّعْبِيُّ حَتَّى اسْتَلْقَى.
رَوَى: عَطَاءُ بنُ السَّائِبِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
مَا اخْتَلَفَتْ أُمَّةٌ بَعْد نَبِيِّهَا، إِلاَّ ظَهَرُ أَهْلُ بَاطِلِهَا عَلَى أَهْلِ حَقِّهَا.
عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ: عَنِ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ:
رَأَيْتُ الشَّعْبِيَّ سَلَّمَ عَلَى نَصْرَانِيٍّ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ.
فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَوَ لَيْسَ فِي رَحْمَةِ اللهِ، لَوْلاَ ذَلِكَ، لَهَلَكَ.
رَوَى: مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَعَنَ اللهُ أَرَأَيْتَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الهُذَلِيُّ: قَالَ الشَّعْبِيُّ:
أَرَأَيْتُم لَوْ قُتِلَ الأَحْنَفُ، وَقُتِلَ مَعَهُ صَغِيْرٌ، أَكَانَتْ دِيَتُهُمَا سَوَاءً، أَمْ يُفَضَّلُ الأَحْنَفُ لِعَقْلِهِ وَحِلْمِهِ؟
قُلْتُ: بَلْ سَوَاءٌ.
قَالَ: فَلَيْسَ القِيَاسُ بِشَيْءٍ. (4/312)
مُجَالِدٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ: نِعْمَ الشَّيْءُ الغَوْغَاءُ، يَسُدُّوْنَ السَّيْلَ، وَيُطْفِئُوْنَ الحَرِيْقَ، وَيَشْغَبُوْنَ عَلَى وُلاَةِ السَّوْءِ.
وَبَلَغَنَا عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: يَا لَيْتَنِي أَنْفَلِتُ مِنْ عِلْمِي كَفَافاً، لاَ عَلَيَّ وَلاَ لِيَ.
إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ: عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ:
أَتَى رَجُلٌ الشَّعْبِيَّ، فَقَالَ: مَا اسْمُ امْرَأَةِ إِبْلِيْسَ؟
قَالَ: ذَاكَ عُرْسٌ مَا شَهِدْتُهُ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، قَالَ:
سُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَمَّنْ نَذَرَ أَنْ يُطِلِّقَ امْرَأَتَهُ، قَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ.
قَالَ: فَنَهَيْتُ الشَّعْبِيَّ أَنَا، فَقَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ الرَّجُلَ، نَذْرُكَ فِي عُنُقِكَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ.
عِيْسَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ:
رَأَيْتُ الشَّعْبِيَّ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي المَسْجِدِ، وَرَأَيْتُ عَلَيْهِ مِلْحَفَةً حَمْرَاءَ، وَإِزَاراً أَصْفَرَ.
قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: اسْتَعْمَلَ ابْنُ هُبَيْرَةَ الشَّعْبِيَّ عَلَى قَضَاءٍ، وَكَلَّفَهُ أَنْ يُسَامِرَهُ، فَقَالَ: لاَ أَسْتطِيْعُ، فَأَفْرِدْنِي بِأَحَدِهِمَا.
قَالَ عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: كَانَ الشَّعْبِيُّ أَكْثَرَ حَدِيْثاً مِنَ الحَسَنِ، وَأَسَنَّ مِنْهُ بِسَنَتَيْنِ.
الهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
كَرِهَ الصَّالِحُوْنَ الأَوَّلُوْنَ الإِكثَارَ مِنَ الحَدِيْثِ، وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا حَدَّثْتُ إِلاَّ بِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الحَدِيْثِ.
قُلْتُ: الهَيْثَمُ وَاهٍ. (4/313)
وَرُوِيَ عَنِ: الشَّعْبِيِّ، قَالَ: رُزِقَ صِبِيَانُ هَذَا الزَّمَانِ مِنَ العَقْلِ مَا نَقَصَ مِنْ أَعْمَارِهِمْ فِي هَذَا الزَّمَانِ.
قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: مَرَّ الشَّعْبِيُّ وَأَنَا مَعَهُ بِإِنْسَانٍ وَهُوَ يَقُوْلُ:
فُتِنَ الشَّعْبِيُّ لَمَّا * رَفَعَ الطَّرْفَ إِلَيْهَا
فَلَمَّا رَأَى الشَّعْبِيَّ كَأَنَّهُ وَلَمْ يُتِمَّ البَيْتَ، فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: نَظَرَ الطَّرْفَ إِلَيْهَا.
قُلْتُ: هَذِهِ أَبْيَاتٌ مَشْهُوْرَةٌ، عَمِلَهَا رَجُلٌ تَحَاكَمَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ إِلَى الشَّعْبِيِّ أَيَّامَ قَضَائِهِ يَقُوْلُ فِيْهَا:
فَتَنَتْهُ بِبَنَانٍ * وَبِخَطَّيْ مُقْلَتَيْهَا
قَالَ لِلْجِلْوَازِ: قَدِّمْـ * ـهَا، وَأَحْضِرْ شَاهِدَيْهَا
فَقَضَى جَوْراً عَلَى الخَصْـ * ـمِ وَلَمْ يَقْضِ عَلَيْهَا (4/314)
قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: عَنِ الشَّعْبِيِّ: إِذَا عَظُمَتِ الحَلْقَةُ، فَإِنَّمَا هُوَ نَجَاءٌ أَوْ نِدَاءٌ.
قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ طَارِقٍ: أَخْبَرَكُمُ ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ اللَّبَّانُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَارِبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ كَعْبٍ (ح).
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حُبَيْشٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ زَنْجَوَيْه، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّقِّيُّ (ح).
وَحَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ المُعَلَّى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالُوا:
حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، عَنْ عَبَّادِ بنِ مُوْسَى، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
أُتِيَ بِيَ الحَجَّاجُ مُوْثَقاً، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى بَابِ القَصْرِ، لَقِيَنِي يَزِيْدُ بنُ أَبِي مُسْلِمٍ، فَقَالَ: إِنَّا للهِ يَا شَعْبِيُّ لِمَا بَيْنَ دَفَّتَيْكَ مِنَ العِلْمِ، وَلَيْسَ بِيَوْمِ شَفَاعَةٍ، بُؤْ لِلأَمِيْرِ بِالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ عَلَى نَفْسِكَ، فَبِالحَرِيِّ أَنْ تَنْجُوَ.
ثُمَّ لَقِيَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحَجَّاجِ، فَقَالَ لِي مِثْلَ مَقَالَةِ يَزِيْدَ، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ، قَالَ: وَأَنْتَ يَا شَعْبِيُّ فِيْمَنْ خَرَجَ عَلَيْنَا وَكَثَّرَ؟
قُلْتُ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، أَحْزَنَ بِنَا المَنْزِلُ، وَأَجْدَبَ الجَنَابُ، وَضَاقَ المَسْلَكُ، وَاكْتَحَلْنَا السَّهَرَ، وَاسْتَحْلَسْنَا الخَوْفَ، وَوَقَعْنَا فِي خِزْيَةٍ لَمْ نَكُنْ فِيْهَا بَرَرَةً أَتْقِيَاءَ، وَلاَ فَجَرَةً أَقْوِيَاءَ.
قَالَ: صَدَقَ وَاللهِ، مَا بَرُّوْا فِي خُرُوْجِهِمْ عَلَيْنَا، وَلاَ قَوُوْا عَلَيْنَا حَيْثُ فَجَرُوا، فَأَطْلَقُوا عَنِّي. (4/315)
قَالَ: فَاحْتَاجَ إِلَى فَرِيْضَةٍ، فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي أُخْتٍ وَأُمٍّ وَجَدٍّ؟
قُلْتُ: اخْتَلَفَ فِيْهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عُثْمَانُ، وَزَيْدٌ، وَابْنُ مَسْعُوْدٍ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ.
قَالَ: فَمَا قَالَ فِيْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ؟ إِنْ كَانَ لَمُنَقِّباً.
قُلْتُ: جَعَلَ الجَدَّ أَباً، وَأَعْطَى الأُمَّ الثُّلُثَ، وَلَمْ يُعْطِي الأُخْتَ شَيْئاً.
قَالَ: فَمَا قَالَ فِيْهَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ؟ يَعْنِي: عُثْمَانَ.
قُلْتُ: جَعَلَهَا أَثْلاَثاً.
قَالَ: فَمَا قَالَ فِيْهَا زَيْدٌ؟
قُلْتُ: جَعَلَهَا مِنْ تِسْعَةٍ، فَأَعْطَى الأُمَّ ثَلاَثاً، وَأَعْطَى الجَدَّ أَرْبَعاً، وَأَعْطَى الأُخْتَ سَهْمَيْنِ.
قَالَ: فَمَا قَالَ فِيْهَا ابْنُ مَسْعُوْدٍ؟
قُلْتُ: جَعَلَهَا مِنْ سِتَّةٍ، أَعْطَى الأُخْتَ ثَلاَثاً، وَأَعْطَى الأُمَّ سَهْماً، وَأَعْطَى الجَدَّ سَهْمَيْنِ.
قَالَ: فَمَا قَالَ فِيْهَا أَبُو تُرَابٍ؟
قُلْتُ: جَعَلَهَا مِنْ سِتَّةٍ، فَأَعْطَى الأُخْتَ ثَلاَثاً، وَالأُمَّ سَهْمَيْنِ، وَالجَدَّ سَهْماً.
قَالَ: مُرِ القَاضِي، فَلْيُمْضِهَا عَلَى مَا أَمْضَاهَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عُثْمَانُ، إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ الحَاجِبُ، فَقَالَ: إِنَّ بِالبَابِ رُسُلاً.
قَالَ: ائْذَنْ لَهُمْ.
فَدَخَلُوا عَمَائِمُهُمْ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ، وَسُيُوْفُهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ، وَكُتُبُهُمْ فِي أَيْمَانِهِمْ، فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ يُقَالُ لَهُ: سِيَابَةُ بنُ عَاصِمٍ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟
قَالَ: مِنَ الشَّامِ.
قَالَ: كَيْفَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ؟ كَيْفَ حَشَمُهُ؟
قَالَ: هَلْ كَانَ وَرَاءكَ مِنْ غَيْثٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، أَصَابَنِي فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ ثَلاَثُ سَحَائِبَ.
قَالَ: فَانْعَتْ لِي.
قَالَ: أَصَابَتْنِي سَحَابَةٌ بِحَوْرَانَ، فَوَقَعَ قَطْرٌ صِغَارٌ، وَقَطْرٌ كِبَارٌ، فَكَانَ الكِبَارُ لُحْمَةً لِلْصِّغَارِ، فَوَقَعَ سَبْطٌ مُتَدَارَكٌ، وَهُوَ السَّحُّ الَّذِي سَمِعْتَ بِهِ، فَوَادٍ سَائِلٍ، وَوَادٍ نَازِحٍ، وَأَرْضٌ مُقْبِلَةٌ، وَأَرْضٌ مُدْبِرَةٌ، فَأَصَابَتْنِي سَحَابَةٌ بِسَوَاءَ -أَوْ قَالَ: بِالقَرْيَتَيْنِ- شَكَّ عِيْسَى، فَلَبَّدَتْ الدِّمَاثَ، وَأَسَالَتِ العَزَازَ، وَأَدْحَضَتِ التِّلاَعَ، فَصَدَعَتْ عَنِ الكَمْأَةِ أَمَاكِنَهَا، وَأَصَابَتْنِي أَيْضاً سَحَابَةٌ فَقَاءتِ العُيُوْنُ بَعْدَ الرِّيِّ، وَامْتَلأَتِ الإِخَاذُ، وَأُفْعِمَتِ الأَوْدِيَةُ، وَجِئْتُكَ فِي مِثْلِ وِجَارِ الضَّبُعِ. (4/316)
ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ.
فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، فَقَالَ: هَلْ كَانَ وَرَاءكَ مِنْ غَيْثٍ؟
قَالَ: لاَ، كَثُرَ الإِعْصَارُ، وَاغْبَرَّ البِلاَدُ، وَأُكِلَ مَا أَشْرَفَ مِنَ الجَنْبَةِ، فَاسْتَيْقَنَّا أَنَّهُ عَامُ سَنَةٍ.
فَقَالَ: بِئْسَ المُخْبِرُ أَنْتَ.
ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ.
فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَامَةِ، فَقَالَ: هَلْ كَانَ وَرَاءكَ مِنْ غَيْثٍ؟
قَالَ: تَقَنَّعَتِ الرُّوَّادُ تَدْعُو إِلَى زِيَادَتِهَا، وَسَمِعْتُ قَائِلاً يَقُوْلُ: هَلُمَّ أُظْعِنُكُمْ إِلَى مَحَلَّةٍ تُطْفَأُ فِيْهَا النِّيْرَانُ، وَتَشَكَّى فِيْهَا النِّسَاءُ، وَتَنَافَسُ فِيْهَا المِعْزَى. (4/317)
قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَلَمْ يَدْرِ الحَجَّاجُ مَا قَالَ.
فَقَالَ: وَيْحَكَ! إِنَّمَا تُحَدِّثُ أَهْلَ الشَّامِ، فَأَفْهِمْهُمْ.
فَقَالَ: نَعَمْ، أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، أَخْصَبَ النَّاسُ، فَكَانَ التَّمْرُ، وَالسَّمْنُ، وَالزُّبْدُ، وَاللَّبَنُ، فَلاَ تُوْقَدُ نَارٌ لِيُخْتَبَزَ بِهَا، وَأَمَّا تَشَكِّي النِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ تَظَلُّ بِرِبْقِ بَهْمِهَا تَمْخَضُ لَبَنَهَا، فَتَبِيْتُ وَلَهَا أَنِيْنٌ مِنْ عَضُدَيْهَا، كَأَنَّهَا لَيْسَتَا مَعَهَا، وَأَمَّا تَنَافُسُ المِعْزَى، فَإِنَّهَا تَرْعَى مِنْ أَنْوَاعِ الشَّجَرِ، وَأَلْوَانِ الثَّمَرِ، وَنَوْرِ النَّبَاتِ مَا تُشْبِعُ بُطُوْنَهَا، وَلاَ تُشْبِعُ عُيُوْنَهَا، فَتَبِيْتُ وَقَدِ امْتَلأَتْ أَكْرَاشُهَا، لَهَا مِنَ الكَظَّةِ جِرَّةٌ، فَتَبْقَى الجِرَّةُ حَتَّى تَسْتَنْزِلَ بِهَا الدَّرَّةَ.
ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ.
فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنَ المَوَالِي، كَانَ يُقَالُ أَنَّهُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَقَالَ: هَلْ كَانَ وَرَاءكَ مِنْ غَيْثٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِنِّي لاَ أُحْسِنُ أَقُوْلُ كَمَا قَالَ هَؤُلاَءِ.
قَالَ: قُلْ كَمَا تُحْسِنُ.
قَالَ: أَصَابَتْنِي سَحَابَةٌ بِحُلْوَانَ، فَلَمْ أَزَلْ أَطَأُ فِي إِثْرِهَا حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى الأَمِيْرِ.
فَقَالَ الحَجَّاجُ: لَئِنْ كُنْتَ أَقْصَرَهُمْ فِي المَطَرِ خُطْبَةً، إِنَّكَ أَطْوَلُهُمْ بِالسَّيْفِ خَطْوَةً. (4/31
وَبِهِ: إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ بنُ جَبَلَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبَّادِ بنِ مُوْسَى العُكْلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ الهُذَلِيُّ، قَالَ:
قَالَ لِي الشَّعْبِيُّ: أَلاَ أُحَدِّثُكَ حَدِيْثاً تَحْفَظُهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ إِنْ كُنْتُ حَافِظاً كَمَا حَفِظتُ:
إِنَّهُ لَمَّا أُتِيَ بِيَ الحَجَّاجُ وَأَنَا مُقَيَّدٌ، فَخَرَجَ إِلَيَّ يَزِيْدُ بنُ أَبِي مُسْلِمٍ، فَقَالَ: إِنَّا للهِ...، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ: أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، وَمُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
شَهِدْتُ عَلِيّاً جَلَدَ شُرَاحَةَ يَوْمَ الخَمِيْسِ، وَرَجَمَهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَكَأَنَّهُم أَنْكَرُوا، أَوْ رَأَى أَنَّهُم أَنْكَرُوا، فَقَالَ: جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللهِ، وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
رَوَاهُ: جَمَاعَةٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَزَادَ بَعْضُهُم: إِنَّهَا اعْتَرَفَتْ بِالزِّنَى.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُجَالِدٍ، وَخَلِيْفَةُ، وَطَائِفَةٌ: مَاتَ الشَّعْبِيُّ سَنَة أَرْبَعٍ وَمائَةٍ.
زَادَ ابْنُ مُجَالِدٍ: وَقَدْ بَلَغَ ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمائَةٍ، عَنْ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.
وَفِيْهِمَا أَرَّخَهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ.
وَقَالَ الفَلاَّسُ: فِي أَوَّلِ سَنَةِ سِتٍّ وَمائَةٍ.
وَقَالَ يَحْيَى: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَةٍ.
وَالأَوَّلُ أَشْهَرُ.
وَمِنْ كَلاَمِهِ: ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
إِنَّمَا سُمِّيَ هَوَىً؛ لأَنَّهُ يَهْوِي بِأَصْحَابِهِ.
أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ مُغِيْرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لاَ أَدْرِي: نِصْفُ العِلْمِ. (4/319)
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَارِسِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا:
أَنْبَأَنَا ابْنُ اللَّتِّيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَنْبَأَنَا الدَّاوُوْدِيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ حَمُّوْيَةَ، أَنْبَأَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ - هُوَ ابْنُ مِغْوَلٍ - قَالَ:
قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا حَدَّثُوْكَ هَؤُلاَءِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخُذْهُ، وَمَا قَالُوْهُ بِرَأْيِهِم، فَأَلْقِهِ فِي الحُشِّ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ إِجَازَةً، أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو طَالِبٍ بنُ غَيْلاَنَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الجَهْمِ السِّمَّرِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْلَى، وَيَزِيْدُ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ:
أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى الكَعْبَةِ، فَمَشَى نِصْفَ الطَّرِيْقِ، ثُمَّ رَكِبَ؟
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا كَانَ عَاماً قَابِلاً، فَلْيَرْكَبْ مَا مَشَى، وَلْيَمْشِي مَا رَكِبَ، وَيَنْحَرُ بَدَنَةً. (4/320)