السلام عليكم و رحمة الله و بركاته...
هذه المشاركة وضعتها لدفع شبهة يتناقلها أهل الأهواء من أتباع المليباري، ومفادها أنّ محدث اليمن و عالمها الشيخ مقبل -رحمه الله- كان يقول بالتفريق بين المتقدمين و المتأخرين، وحجتهم في هذا الزعم الخاطئأنّ الشيخ مقبل-رحمه الله- قد أطلق في غير موضع مثل هذه العبارة، والجواب:أن نعم ! ولكن الشيخ يعقب ذلك ببيان مراده فيقول: هم أعلم و أحفظ للأحاديث ...الخ كلامه .
لكن أصحاب المنهج المنحرف يفسرونها بما يشتهون فينزلونها على البدعة الحادثة القائلة باختلاف المتقدمين و المتأخرين في القواعد و المنهج في الحكم على الأحاديث والأسانيد.
وهذا هو ديدن أهل البدع يأتون بكلام لأحد علماء السنة فيه إجمال-أو ليس فيه فيحرفونه- فينزلونه على ما يوافق هواهم، ثم لا ينظرون إلى سياق كلامه أو المواطن الأخرى التي تعرض فيها لنفس المبحث، ثم هم يفرحون بما عندهم من العلم و الله المستعان.
فأحببت كتابة هذه السطور وإنما عملي فيها نقل كلام الشيخ مقبل -رحمه الله- أو إقراره على كلام أبي العينين، وليس في ذلك زيادة جهد ومن الله العون!
فأبدأ بسم الله بهذه المقالة الموسومة:
فأرجو ممن يتأمل هذه النقول، وضع عبارة الشيخ أمام عينيه ، فهو إقرار صريح ، ويشمل ذلك خلاصة أجوبة الشيخ الألباني على أسئلة ابي العينين وفقه الله.
قال الشيخ رحمه الله في معرض تقدمته للكتاب:
((أما الكتاب الذي بين أيدينا، فقد تناول مواضيع، منها أن بعض طلبة العلم لا يقبل من المتأخرين تصحيحا و لا تحسينا، و يقول أنهم متساهلون، و الناس في المسألة طرفان و وسط.
أ- الطرف الأول: يرفض جهود العلماء المتأخرين، و هذا خطأ، فالرسول صلى الله عليه و على آله و سلم يقول: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم و لا من خذلهم حتى يأتيهم أمر الله و هم على ذلك)).
ب- الثاني: لا يفرق بين المتقدمين و المتأخرين إذا اختلفوا، مثلا يجزم أبوحاتم الرازي و الإمام البخاري أو الإمام أحمد بأن الحديث لا يصح بحال من الأحوال، فيأتي الباحث المعاصر، و يجمع له طرقا بين شاذة و منكرة و ضعيفة جداً، فيقول: و الحديث حسن لغيره. (فبين مراده بأنها ليست طرقا صالحة للإستشهاد)
ب- القسم الثالث: هم الذي ينزلون الناس منازلهم، فلا يساوون المتأخرين بالمتقدمين، ولا يرفضون علوم المتأخرين، لكنهم لا يعارضون كلام البخاري بكلام ابن حجر، و لا كلام الإمام أحمد بن حنبل بكلام شيخ الإسلام بن تيمية،و لا بين الذهبي و أبي زرعة و أبي حاتم الرازيين، لأن العلماء المتقدمين مثل يحي بن سعيد القطان، و يحي بن معين، و الإمام أحمد، و على بن المديني، و الإمام البخاري، و إبي حاتم، أبي زرعة يحفظون حديث المحدث و كم روى عن كل شيخ، و كم روى عنه كل طالب، و من ثم تجدهم يقولون: هذا الحديث ليس في أصول فلان، و تارة يقولون: هذا الحديث لم يسمعه فلان من فلان، فقد حفظ الله بهم الدين، و خدموا السنة خدمة ليس لها نظير، فجزاهم الله عن الإسلام خيراً.
و ليس معنى هذا أنا لا نقبل تصحيح المتأخرين و لا تحسينهم، فإن النبي صلى الله عليه و على أله وسلم يقول: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم و لا من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)).
ولم يقبل العلماء من ابن الصلاح قوله بانقطاع التصحيح و التحسين، بل ردوه و دفعوه و عملوا بخلافه، و كثيرا ما نسمع المقلدة و ذوي الأهواء يدندنون بهذا، و يقولون: تكفينا كتب المتقدمين، و هو يخشون من تعليق على حديث أو ترجمة لباب تهدم بدعهم، و هكذا قال بعض المبتدعة للحاكم أبي عبدالله صاحب المستدرك فما أشبه الليلة بالبارحة.... إلى أن قال (( و قد كفانا أخونا في الله الشيخ أحمد أبو العينين الرد على هؤلاء و أولئك، فجزاه الله خير)) ...الخ كلامه رحمه الله.
و يقصد بهؤلاء الذين يفرقون بين منهج المتقدمين و المتأخرين في الحديث الحسن لغيره وغيره و بأولئك التكفيرين.
و الآن مقتطفات من كلام أبي العينين الذي ذكره في الرد عليه بإقرار الشيخ مقبل فهل من مريد للحق:
1- ذكره أنواع المنحرفين في مسألة المتقدمين و المتأخرين :
قال في المقدمة الأولى التي كانت في زمن الشيخ:
و آخرون ممن قسموا علماء الأمة إلى متقدمين و متأخرين، و جعلوا للمتقدمين منهجا و للمتأخرين أخرا ، و جعلوا أنفسهم من أنصار مذهب الأئمة المتقدمين، و كلما رأوا رأياً نسبوه للمتقدمين، و جعلوا الأئمة المتأخرين خصومهم، و أقحموا أنفسهم في مسائل عظيمة يحجم عنها كبار الحفاظ و الأئمة، فوجدنا من يضعف أحاديث الصحيحين أو أحداهما، و هو يدعي أن ذلك مذهب المتقدمين،و هؤلاء لم يفهموا كلام علمائنا المتقدمين و المتأخرين.
فقد ذكر بعض اخواننا لأحد هؤلاء الطلبة حديثا رواه مسلم في صحيحه....(ذكر السند) عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه على آله و سلم صائما في العشر قط)).
فقال ذلك الطالب : إنه حديث معلول ذكره ابن أبي حاتم في العلل.
نعم ذكر ابن أبي حاتم في العلل : فقال بعد ذكر طريق مسلم:
((و رواه أبو الأحوص، فقال عن منصور عن إبراهيم عن عائشة، فقال: هذا خطأ، و رواه الثوري عن الأعمش و منصور عن إبراهيم: قال حديث عن النبي صلى الله عليه و سلم))ا.هـ
فحكم أبو حاتم على طريق أبي الأحوص بالخطأ، و سكت عن الآخرين، و كذلك ذكره الدارفطني في الأحاديث المنتقدة على الشيخين و قد بين شيخنا مقبل رحمه الله أن طريق مسلم الموصولة هي الراجحة، و هو الذي رجحه الترمذي أيضا. (الطبعة الثانية كانت بعد موت الشيخ فقال رحمه الله و لكن هذه مقدمة الطبعة الأولى فلا مدخل لكم يا أهل الأهواء).
فهذا يدل على العجلة و الجرأة في تضعيف الأحاديث، مع ذلك ينسبون أنفسهم لمذهب الأئمة المتقدمين في ذلك.
و كل هؤلاء سواء الذين يغلون في التكفير، و يردون أقوال العلماء كلها، و لا يقيمون لها وزنا، أو الذين يتهمون بعض أئمة الإسلام و يبدعونهم بأشياء أخطؤوا فيها، أو الذين يتهمون أئمة الحديث: كابن تيمية، و ابن القيم، والذهبي، والعراقي، و ابن حجر، و غيرهم يتهمونهم بمخالفة منهج الأئمة المتقدمين، سواء في إعلال الأحاديث أو تصحيحها و تقويتها، كل هؤلاء، إنما أتوا من عدم فهمهم لكلام الإئمة المتقدمين و المتأخرين، و مع عدم فهمهم ابتلوا بالغرور و الإعجاب بالنفس، و إلا فكيف يطمئن جماعة من الطلاب في القرن الخامس عشر إلى أن يخالفوا مذهب أئمة الحديث في شيء من تخصصهم توافقوا عليه من بداية القرن الرابع إلى بداية القرن الخامس عشر، يعني ما يزيد على أحد عشر قرنا.
(في الهامش هذا على حسب قولهم و إلا فنحن لا نوافقهم على هذا التقسيم).
... ثم قال بعدها بأسطر:
لهذا فكان لزاما على أهل العلم أن يبينوا هذه الأمور، و أن يذبوا عن أهل العلم المتقدمين منهم و المتأخرين، و كنت أود أن يكتب في هذه الأمور نظرا لخطورتها و وعورة الكتابة فيها، أكابر العلماء، كشيخنا محمد ناصر الدين الألباني، أو شيخنا مقبل رحمهما الله، فانتظرنا حتى يكون شيء من ذلك، فلما لم نجد شيئا من ذلك، و الأمر يتفاقم و التشكيك في علماء المسلمين يتزايد عزمت على الكتابة في هذا الأمر، مع علمي بصعوبة هذا البحث....الخ
(في الهامش: قال شيخنا الألباني رحمه الله : إنني لا أنكر على طويلب علم أن يخالف الإمام أحمد أو غيره من الإئمة في تصحيح حديث أو تضعيفه إذا كان ذلك بحجة، فضلا عن مخالفة الألباني، لكننا في المقابل لا نقبل من أحد مهما كان علمه أن يعارض أو يطعن في القواعد الثابتة التي مشى عليها الأئمة و أثبتوها جيلا بعد جيل..ألخ).
قال فصل: دعوى التفريق بين المتقدمين و المتأخرين في تقوية الحديث الضعيف إذا جاء من غير وجه:
دعوى التفريق بين المتقدمين و المتأرخين في هذه المسألة دعوى ليس لها أساس من الصحة، و هي مردودة من أوجه كثيرة فمن ذلك: ذكر الوجه الأول و الثاني و خلاصته أنه أورد نصوص على تقوية الحديث الضعيف بمثله من كلام المتقدمين، و الثاني عدم وجود نص صريح على كلامهم و الثالث هو موضع الشاهد:
ثالثا: أين الحد الفاصل بين المتقدمين و المتأخرين، فإن تمسك بعضهم بقول الذهبي في مقدمة الميزان: ((فالحد الفاصل بين المتقدم و المتأخر هو رأس سنة ثلاثمائة)).
فنقول: إن الذهبي من المتأخرين فلا يسوغ لهم قبول قوله هنا، و رده حيث يخالفهم، و أيضا فإن كلام الذهبي لا صلة له بما نحن بصدده، ( و ذكر سياق كلام الذهبي من الميزان) ثم قال
قلت: فظهر بهذا مقصود الذهبي رحمه الله من هذا الحد الفاصل، و هو للتفريق بين الرواة في الأسانيد المتأخرة، فيتساهلون في رجال الإسناد المتأخرين، لأن الاعتماد في ذلك ليس على رجال الإسناد، و إنما على النسخ الثابتة للكتب المصنفة، و إنما يهتمون بالأسانيد حفاظاً على بقائها، و حرصا على شرف الإسناد الذي اختصت به هذه الأمةالخ كلامه.
ثم قال في الصفحة التي تليها:
فإذا كان كذلك فلا يوجد حد فاصل صحيح بين المتقدمين و المتأخرين، و هذا هو الذي تؤكده بديهة العقل...الخ كلامه.
وقال بعدها في ص 176:
فمما سبق يظهر أنه لا خلاف بين متقدمين و متأخرين سوى أن المتأخرين صاغوا كلام المتقدمين بعبارات و مصطلحات يسهل فهمها على من بعدهم فمن ادعى للمتقدمين منهجاً، و للمتأخرين آخر فقد أخطأ خطأ بيناً.
قال فصل: اعتمادهم فيما ادعوه على تضعيف بعض الأئمة المتقدمين لبعض الأحاديث الضعيفة التي تعددت طرقها:
فرد بكلام طيب جميل و أتى بأمثلة اختلف فيها السلف تصحيحا و تضعيفا منها حديث البسملة و حديث أفطر الحاجم و المحجوم و حديث لا نكاح إلا بولي قلت: ((و ثلاثتها يقبلها الشيخ مقبل رحمه الله فالثاني و الثالث في الصحيح المسند، و الأول قال في إجابة السائل ثابت عن النبي صلى الله عليه و سلم.... رغم قول يحي بن معين في حديث الحجامة: ليس يثبت فيها خبر؟.))
ثم قال: فهذه الأمثلة تبين أن المتقدمين يختلفون في أحاديث ضعيفة بعينها لها طرق، فبعضهم يرى أنها بمجموعها تفيد قوة، و بعضهم لا يرى ذلك، و هذا أمر اجتهادي بحدث بين المتقدمين، كما يحدث بين المتأخرين، و أن لهؤلاء منهجا و لهؤلاء آخر، فهم يزعمون أن المتقدمين متفقون على قول واحد و مسلك واحد، و هذا ما ظهر بطلانه من الأمثلة السابقة، و ظهر أنهم لا يمشون على قاعدة في ذلك عى قاعدة، و إنما لكل إمام منهم في كل حديث اجتهاد، ومن ثم اختلفوا و بالله التوفيق.
رابعا: فإن قالوا هناك أحاديث: لها طرق ضعيفة صححها بعض المتأخرين، وضعفها بعض الأئمة من المتقدمين من غير أن نعلم لهم مخالفا من المتقدمين، فنقول: هذه أشياد قليلة لا يستنبط منها قاعدة، و عدم علمنا بوجود مخالف لا ينفيه، و يقابل ذلك أننا نجد تصحيح بعض الأئمة المتقدمين لأحاديث طرقها ضعيفة و لا نعلم لهم مخالفا، فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
1- حديث الوضوء بماء البحر، ذكر كلام الترمذي في العلل أنه سأل البخاري عنه فقال: هو حديث صحيح مع أن طرقه لا تخلو من مقال.
2- حديث بضاعة صححه أحمد بن حنبل و يحي بن معين كما في التلخيص. و طرقه كلها ضعيفة كما في الإرواء.
..الخ كلامه في إثبات تصحيح السلف لأحاديث بتعدد الطرق زدته هنا للفائدة رغم بعده قليلا على موضوعنا.
هذا كله و الشيخ مقبل-رحمه الله- مقرٌ لكلامه ، بل مادحا للكتاب يقول قد كفانا الرد فهل يصح أن ينسب الشيخ مقبل -رحمه الله- لمن يفرقون بين منهج المتقدمين و المتأخرين.
إنما قصد بهذا الفضل و العلم و الحفظ، لا أنّ هناك فرق في المنهج على ما يدعيه هؤلاء أو ما يقع من بعض طلبة العلم ممن لم يتعبوا أنفسهم لمعرفة مراد الشيخ و تتبع رأيه في المسألة، أو أقلها الاتصال بكبار طلبة كالشيخ يحي و الشيخ محمد الإمام و الشيخ عبدالعزيز و الشيخ عبدالرحمن أو طلبة العلم الكبار في دماج من المتخصيين في الحديث مثل الباحث الفاضل حسن المروعي و الباحث الفاضل علي الرازحي ، لكن وقفوا صامتين يسمعون ما ينشر حتى دخل الشك إلى قلوبهم، و قد قيدت كلامي بالبعض فلا أتهم طلبة العلم عموما و إنما قلت (البعض).
وبهذا ينتهي الاقتباس وتم المقصود فأسأل الله أن يكتب الأجر و يخلص النية و يظهر الحق لا إله إلا هو و الله المستعان على ما يصفون.
نقله أخوكم: أبوصهيب عاصم بن علي الأغبري..
هذه المشاركة وضعتها لدفع شبهة يتناقلها أهل الأهواء من أتباع المليباري، ومفادها أنّ محدث اليمن و عالمها الشيخ مقبل -رحمه الله- كان يقول بالتفريق بين المتقدمين و المتأخرين، وحجتهم في هذا الزعم الخاطئأنّ الشيخ مقبل-رحمه الله- قد أطلق في غير موضع مثل هذه العبارة، والجواب:أن نعم ! ولكن الشيخ يعقب ذلك ببيان مراده فيقول: هم أعلم و أحفظ للأحاديث ...الخ كلامه .
لكن أصحاب المنهج المنحرف يفسرونها بما يشتهون فينزلونها على البدعة الحادثة القائلة باختلاف المتقدمين و المتأخرين في القواعد و المنهج في الحكم على الأحاديث والأسانيد.
وهذا هو ديدن أهل البدع يأتون بكلام لأحد علماء السنة فيه إجمال-أو ليس فيه فيحرفونه- فينزلونه على ما يوافق هواهم، ثم لا ينظرون إلى سياق كلامه أو المواطن الأخرى التي تعرض فيها لنفس المبحث، ثم هم يفرحون بما عندهم من العلم و الله المستعان.
فأحببت كتابة هذه السطور وإنما عملي فيها نقل كلام الشيخ مقبل -رحمه الله- أو إقراره على كلام أبي العينين، وليس في ذلك زيادة جهد ومن الله العون!
فأبدأ بسم الله بهذه المقالة الموسومة:
((القول المبين في براءة الشيخ مقبل من التفريق بين قواعد المتقدمين و المتأخرين))
كان قد غاب عن ذهني مدة من الزمان كلام الشيخ مقبل في مقدمة كتاب "القول الحسن في كشف شبهات حول الاحتجاج بالحديث الحسن" للشيخ أبي العينين -هداه الله ووفقه- التي ذكر فيها صراحة ما يدين الله به في مسألة المتقدمين و المتأخرين ، بل أكّد على ما في الكتاب، و هذا إقرار منه بما سأنقله من هذا الكتاب ففيه نسف منهج أولئك ، و الشيخ قدم للكتاب مقرًا بما فيه بل قال كما سيأتي (( و قد كفانا أخونا في الله الشيخ أحمد أبو العينين الرد على هؤلاء و أولئك، فجزاه الله خير))فأرجو ممن يتأمل هذه النقول، وضع عبارة الشيخ أمام عينيه ، فهو إقرار صريح ، ويشمل ذلك خلاصة أجوبة الشيخ الألباني على أسئلة ابي العينين وفقه الله.
قال الشيخ رحمه الله في معرض تقدمته للكتاب:
((أما الكتاب الذي بين أيدينا، فقد تناول مواضيع، منها أن بعض طلبة العلم لا يقبل من المتأخرين تصحيحا و لا تحسينا، و يقول أنهم متساهلون، و الناس في المسألة طرفان و وسط.
أ- الطرف الأول: يرفض جهود العلماء المتأخرين، و هذا خطأ، فالرسول صلى الله عليه و على آله و سلم يقول: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم و لا من خذلهم حتى يأتيهم أمر الله و هم على ذلك)).
ب- الثاني: لا يفرق بين المتقدمين و المتأخرين إذا اختلفوا، مثلا يجزم أبوحاتم الرازي و الإمام البخاري أو الإمام أحمد بأن الحديث لا يصح بحال من الأحوال، فيأتي الباحث المعاصر، و يجمع له طرقا بين شاذة و منكرة و ضعيفة جداً، فيقول: و الحديث حسن لغيره. (فبين مراده بأنها ليست طرقا صالحة للإستشهاد)
ب- القسم الثالث: هم الذي ينزلون الناس منازلهم، فلا يساوون المتأخرين بالمتقدمين، ولا يرفضون علوم المتأخرين، لكنهم لا يعارضون كلام البخاري بكلام ابن حجر، و لا كلام الإمام أحمد بن حنبل بكلام شيخ الإسلام بن تيمية،و لا بين الذهبي و أبي زرعة و أبي حاتم الرازيين، لأن العلماء المتقدمين مثل يحي بن سعيد القطان، و يحي بن معين، و الإمام أحمد، و على بن المديني، و الإمام البخاري، و إبي حاتم، أبي زرعة يحفظون حديث المحدث و كم روى عن كل شيخ، و كم روى عنه كل طالب، و من ثم تجدهم يقولون: هذا الحديث ليس في أصول فلان، و تارة يقولون: هذا الحديث لم يسمعه فلان من فلان، فقد حفظ الله بهم الدين، و خدموا السنة خدمة ليس لها نظير، فجزاهم الله عن الإسلام خيراً.
و ليس معنى هذا أنا لا نقبل تصحيح المتأخرين و لا تحسينهم، فإن النبي صلى الله عليه و على أله وسلم يقول: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم و لا من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)).
ولم يقبل العلماء من ابن الصلاح قوله بانقطاع التصحيح و التحسين، بل ردوه و دفعوه و عملوا بخلافه، و كثيرا ما نسمع المقلدة و ذوي الأهواء يدندنون بهذا، و يقولون: تكفينا كتب المتقدمين، و هو يخشون من تعليق على حديث أو ترجمة لباب تهدم بدعهم، و هكذا قال بعض المبتدعة للحاكم أبي عبدالله صاحب المستدرك فما أشبه الليلة بالبارحة.... إلى أن قال (( و قد كفانا أخونا في الله الشيخ أحمد أبو العينين الرد على هؤلاء و أولئك، فجزاه الله خير)) ...الخ كلامه رحمه الله.
و يقصد بهؤلاء الذين يفرقون بين منهج المتقدمين و المتأخرين في الحديث الحسن لغيره وغيره و بأولئك التكفيرين.
و الآن مقتطفات من كلام أبي العينين الذي ذكره في الرد عليه بإقرار الشيخ مقبل فهل من مريد للحق:
1- ذكره أنواع المنحرفين في مسألة المتقدمين و المتأخرين :
قال في المقدمة الأولى التي كانت في زمن الشيخ:
و آخرون ممن قسموا علماء الأمة إلى متقدمين و متأخرين، و جعلوا للمتقدمين منهجا و للمتأخرين أخرا ، و جعلوا أنفسهم من أنصار مذهب الأئمة المتقدمين، و كلما رأوا رأياً نسبوه للمتقدمين، و جعلوا الأئمة المتأخرين خصومهم، و أقحموا أنفسهم في مسائل عظيمة يحجم عنها كبار الحفاظ و الأئمة، فوجدنا من يضعف أحاديث الصحيحين أو أحداهما، و هو يدعي أن ذلك مذهب المتقدمين،و هؤلاء لم يفهموا كلام علمائنا المتقدمين و المتأخرين.
فقد ذكر بعض اخواننا لأحد هؤلاء الطلبة حديثا رواه مسلم في صحيحه....(ذكر السند) عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه على آله و سلم صائما في العشر قط)).
فقال ذلك الطالب : إنه حديث معلول ذكره ابن أبي حاتم في العلل.
نعم ذكر ابن أبي حاتم في العلل : فقال بعد ذكر طريق مسلم:
((و رواه أبو الأحوص، فقال عن منصور عن إبراهيم عن عائشة، فقال: هذا خطأ، و رواه الثوري عن الأعمش و منصور عن إبراهيم: قال حديث عن النبي صلى الله عليه و سلم))ا.هـ
فحكم أبو حاتم على طريق أبي الأحوص بالخطأ، و سكت عن الآخرين، و كذلك ذكره الدارفطني في الأحاديث المنتقدة على الشيخين و قد بين شيخنا مقبل رحمه الله أن طريق مسلم الموصولة هي الراجحة، و هو الذي رجحه الترمذي أيضا. (الطبعة الثانية كانت بعد موت الشيخ فقال رحمه الله و لكن هذه مقدمة الطبعة الأولى فلا مدخل لكم يا أهل الأهواء).
فهذا يدل على العجلة و الجرأة في تضعيف الأحاديث، مع ذلك ينسبون أنفسهم لمذهب الأئمة المتقدمين في ذلك.
و كل هؤلاء سواء الذين يغلون في التكفير، و يردون أقوال العلماء كلها، و لا يقيمون لها وزنا، أو الذين يتهمون بعض أئمة الإسلام و يبدعونهم بأشياء أخطؤوا فيها، أو الذين يتهمون أئمة الحديث: كابن تيمية، و ابن القيم، والذهبي، والعراقي، و ابن حجر، و غيرهم يتهمونهم بمخالفة منهج الأئمة المتقدمين، سواء في إعلال الأحاديث أو تصحيحها و تقويتها، كل هؤلاء، إنما أتوا من عدم فهمهم لكلام الإئمة المتقدمين و المتأخرين، و مع عدم فهمهم ابتلوا بالغرور و الإعجاب بالنفس، و إلا فكيف يطمئن جماعة من الطلاب في القرن الخامس عشر إلى أن يخالفوا مذهب أئمة الحديث في شيء من تخصصهم توافقوا عليه من بداية القرن الرابع إلى بداية القرن الخامس عشر، يعني ما يزيد على أحد عشر قرنا.
(في الهامش هذا على حسب قولهم و إلا فنحن لا نوافقهم على هذا التقسيم).
... ثم قال بعدها بأسطر:
لهذا فكان لزاما على أهل العلم أن يبينوا هذه الأمور، و أن يذبوا عن أهل العلم المتقدمين منهم و المتأخرين، و كنت أود أن يكتب في هذه الأمور نظرا لخطورتها و وعورة الكتابة فيها، أكابر العلماء، كشيخنا محمد ناصر الدين الألباني، أو شيخنا مقبل رحمهما الله، فانتظرنا حتى يكون شيء من ذلك، فلما لم نجد شيئا من ذلك، و الأمر يتفاقم و التشكيك في علماء المسلمين يتزايد عزمت على الكتابة في هذا الأمر، مع علمي بصعوبة هذا البحث....الخ
(في الهامش: قال شيخنا الألباني رحمه الله : إنني لا أنكر على طويلب علم أن يخالف الإمام أحمد أو غيره من الإئمة في تصحيح حديث أو تضعيفه إذا كان ذلك بحجة، فضلا عن مخالفة الألباني، لكننا في المقابل لا نقبل من أحد مهما كان علمه أن يعارض أو يطعن في القواعد الثابتة التي مشى عليها الأئمة و أثبتوها جيلا بعد جيل..ألخ).
قال فصل: دعوى التفريق بين المتقدمين و المتأخرين في تقوية الحديث الضعيف إذا جاء من غير وجه:
دعوى التفريق بين المتقدمين و المتأرخين في هذه المسألة دعوى ليس لها أساس من الصحة، و هي مردودة من أوجه كثيرة فمن ذلك: ذكر الوجه الأول و الثاني و خلاصته أنه أورد نصوص على تقوية الحديث الضعيف بمثله من كلام المتقدمين، و الثاني عدم وجود نص صريح على كلامهم و الثالث هو موضع الشاهد:
ثالثا: أين الحد الفاصل بين المتقدمين و المتأخرين، فإن تمسك بعضهم بقول الذهبي في مقدمة الميزان: ((فالحد الفاصل بين المتقدم و المتأخر هو رأس سنة ثلاثمائة)).
فنقول: إن الذهبي من المتأخرين فلا يسوغ لهم قبول قوله هنا، و رده حيث يخالفهم، و أيضا فإن كلام الذهبي لا صلة له بما نحن بصدده، ( و ذكر سياق كلام الذهبي من الميزان) ثم قال
قلت: فظهر بهذا مقصود الذهبي رحمه الله من هذا الحد الفاصل، و هو للتفريق بين الرواة في الأسانيد المتأخرة، فيتساهلون في رجال الإسناد المتأخرين، لأن الاعتماد في ذلك ليس على رجال الإسناد، و إنما على النسخ الثابتة للكتب المصنفة، و إنما يهتمون بالأسانيد حفاظاً على بقائها، و حرصا على شرف الإسناد الذي اختصت به هذه الأمةالخ كلامه.
ثم قال في الصفحة التي تليها:
فإذا كان كذلك فلا يوجد حد فاصل صحيح بين المتقدمين و المتأخرين، و هذا هو الذي تؤكده بديهة العقل...الخ كلامه.
وقال بعدها في ص 176:
فمما سبق يظهر أنه لا خلاف بين متقدمين و متأخرين سوى أن المتأخرين صاغوا كلام المتقدمين بعبارات و مصطلحات يسهل فهمها على من بعدهم فمن ادعى للمتقدمين منهجاً، و للمتأخرين آخر فقد أخطأ خطأ بيناً.
قال فصل: اعتمادهم فيما ادعوه على تضعيف بعض الأئمة المتقدمين لبعض الأحاديث الضعيفة التي تعددت طرقها:
فرد بكلام طيب جميل و أتى بأمثلة اختلف فيها السلف تصحيحا و تضعيفا منها حديث البسملة و حديث أفطر الحاجم و المحجوم و حديث لا نكاح إلا بولي قلت: ((و ثلاثتها يقبلها الشيخ مقبل رحمه الله فالثاني و الثالث في الصحيح المسند، و الأول قال في إجابة السائل ثابت عن النبي صلى الله عليه و سلم.... رغم قول يحي بن معين في حديث الحجامة: ليس يثبت فيها خبر؟.))
ثم قال: فهذه الأمثلة تبين أن المتقدمين يختلفون في أحاديث ضعيفة بعينها لها طرق، فبعضهم يرى أنها بمجموعها تفيد قوة، و بعضهم لا يرى ذلك، و هذا أمر اجتهادي بحدث بين المتقدمين، كما يحدث بين المتأخرين، و أن لهؤلاء منهجا و لهؤلاء آخر، فهم يزعمون أن المتقدمين متفقون على قول واحد و مسلك واحد، و هذا ما ظهر بطلانه من الأمثلة السابقة، و ظهر أنهم لا يمشون على قاعدة في ذلك عى قاعدة، و إنما لكل إمام منهم في كل حديث اجتهاد، ومن ثم اختلفوا و بالله التوفيق.
رابعا: فإن قالوا هناك أحاديث: لها طرق ضعيفة صححها بعض المتأخرين، وضعفها بعض الأئمة من المتقدمين من غير أن نعلم لهم مخالفا من المتقدمين، فنقول: هذه أشياد قليلة لا يستنبط منها قاعدة، و عدم علمنا بوجود مخالف لا ينفيه، و يقابل ذلك أننا نجد تصحيح بعض الأئمة المتقدمين لأحاديث طرقها ضعيفة و لا نعلم لهم مخالفا، فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
1- حديث الوضوء بماء البحر، ذكر كلام الترمذي في العلل أنه سأل البخاري عنه فقال: هو حديث صحيح مع أن طرقه لا تخلو من مقال.
2- حديث بضاعة صححه أحمد بن حنبل و يحي بن معين كما في التلخيص. و طرقه كلها ضعيفة كما في الإرواء.
..الخ كلامه في إثبات تصحيح السلف لأحاديث بتعدد الطرق زدته هنا للفائدة رغم بعده قليلا على موضوعنا.
هذا كله و الشيخ مقبل-رحمه الله- مقرٌ لكلامه ، بل مادحا للكتاب يقول قد كفانا الرد فهل يصح أن ينسب الشيخ مقبل -رحمه الله- لمن يفرقون بين منهج المتقدمين و المتأخرين.
إنما قصد بهذا الفضل و العلم و الحفظ، لا أنّ هناك فرق في المنهج على ما يدعيه هؤلاء أو ما يقع من بعض طلبة العلم ممن لم يتعبوا أنفسهم لمعرفة مراد الشيخ و تتبع رأيه في المسألة، أو أقلها الاتصال بكبار طلبة كالشيخ يحي و الشيخ محمد الإمام و الشيخ عبدالعزيز و الشيخ عبدالرحمن أو طلبة العلم الكبار في دماج من المتخصيين في الحديث مثل الباحث الفاضل حسن المروعي و الباحث الفاضل علي الرازحي ، لكن وقفوا صامتين يسمعون ما ينشر حتى دخل الشك إلى قلوبهم، و قد قيدت كلامي بالبعض فلا أتهم طلبة العلم عموما و إنما قلت (البعض).
وبهذا ينتهي الاقتباس وتم المقصود فأسأل الله أن يكتب الأجر و يخلص النية و يظهر الحق لا إله إلا هو و الله المستعان على ما يصفون.
نقله أخوكم: أبوصهيب عاصم بن علي الأغبري..
تعليق