خواطر في العقيدة
لأبي عبد الرحمن ضياء بن محفوظ الشميري
عفاالله عنه وعن والديه
مبحث الإخلاص
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد :
﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ﴾ ،﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأَرحام إن الله كان عليكم رقيباً ﴾ ،﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللهَ وقولوا قولا سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً﴾ أما بعد :
إعلموا رحمنا الله وإياكم أن من أهم المهمات التي خلق الله الثقلين لأجلها ، وأرسل الرسل لتبليغها وتعليمها والعمل بها ، وخلق الجنة لمن أقامها ، وخلق النار لمن هو دون ذلك ، هي العبادة .
يقول الله سبحانه وتعالى : ﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾ .
والعبادة هي كما عرفها شيخ الإسلام رحمه الله فقال :
اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة .
وقال بعض أهل العلم :
العبادة عبارة عن توحيدالله والتزام شرائع دينه .
فإذا تقرر ذلك عُلِم أنه يتوجب على كِلا الثقلين أن يؤديا تلك العبادة على الوجه الذي أمرا الله به .
ولايعرف هذا الوجه إلا من خلال الواسطة المُبَلِغة عنه سبحانه إلى عبيده .
فكان أن إصطفى من عباده رسلاً ، مبلغين دعوة توحيده ، ومبشرين عباده بجنة عرضها السماوات والأرض أعتدت لمن إتبعهم ونهج نهجهم ، ومنذرين بنارٍ حرها شديد وعذابها أليم لمن خالفهم بعد أن بينوا لهم الحق من الضلال .
فالرسول حجة الله على العبيد ، والمُوّقِع عنه في أرضه ، والميزان الذي يقاس به أعمال قومه من طاعة وعصيان .
ولهذا كان لزاماً على من أجاب داعي الله أن يأتمر بما أُمر وينتهي عما نهي عنه ، فكان الإخلاص والإتباع هما ما أَمر الله بهما وأرسل الرسل لأجلهما .
قال سبحانه وتعالى:
﴿ بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ ، فإسلام الوجه هو الإخلاص ، والإحسان هو متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما بيّن ذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى .
ويقول الله سبحانه وتعالى :
﴿ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين، ألا لله الدين الخالص﴾ .
فالإخلاص ركن لقبول هذه العبادة ، والإخلال به ولو بأمر يسير منه إبطال للعبادة سواء كانت بالقلب أم القول أو العمل .
وحينها تخرج العبادة من معناها الشرعي المطلوب إلى المعنى اللفظي فقط والذي على ضوءه يحكم على العبد إما بالإشراك أو النفاق أو ماشابه ذلك .
أخرج الأمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه الحديث القدسي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : يقول الله تعالى:
﴿ أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه﴾ .
وتحقيق الإخلاص نيةً وقولاً وعملاً واجب على كل باغٍ للخير حريص على ثمرة جهده .وفي الحديث المتفق عليه من حديث عمر رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل إمرئٍ مانوى).
ولهذا نجد أنه صلى الله عليه وسلم يحرص على مسألة الإخلاص منذ أن تنشأ النية في القلب .
فقد جاء عند مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
(إن الله لا ينظر إلى صوركم ، وأَموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) .
نعم فالبداية من القلب لأنه محل عقد النية أولا ثم محل الإخلاص ثانيا ثم يأتي بعد ذلك التنفيذ إما قولاً أو عملاً .
ومن ذلك لايدخل الإنسان أو الجني إلى الإسلام إلا بعد تحقيق الإخلاص ، ألم تروا أن الأعجمي ينطق الشهادتين وهو لايعرف مايقوله ، لكنه كان قد عقد النية على دخول الدين ثم أخلص في قلبه أن لامعبود بحق إلا الله وأن محمداً عبد الله وخاتم رسله .
ولهذا كان كفار قريش عندما يدعوهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى النطق بالشهادتين ، يرفضون أيما رفض ، ولو لمجرد النطق بها ، لأنهم يعلمون مقتضاها ويعلمون أنهم ملزمون بآدائها ، وهم بذلك على فطرة في جانب أن أقوالهم لا تخرج منهم إلا بإعتقاد خلاف لأهل الدجل والنفاق والكذب ، ويشهد لقولي هذا دخولهم أفواجاً بعد الفتح وبعد أن علموا أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يصل إلى ماوصل إليه من العزة والتمكين لا بحولٍ منه ولابقوة أنصاره من المهاجرين والأنصار ولكن بتوفيق من الله ولأمر أراده الله وقدره .
خلافاً للمنافقين الذين يُعتَّبَرون مَسخاً لهذه الفطرة التي فطر الله بها العباد ، فكان أن قدموا النطق والعمل و تعمدوا إهمال منبع التحكم بهما ، فالتعمد هنا هو من جعلهم حطب جهنم وفي الدرك الأسفل منها ، وتعمدهم هو نفاق إعتقادي كما هو مقرر عند أهل السنة والجماعة .
فالإخلاص بارك الله فيكم مطلب رباني لتحيقق السعادة في الدارين ، وقد جاء في كتاب الله قوله سبحانه :
﴿ قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون ﴾ .
أي أن الأعمال الظاهرة والتي تشمل الأقوال أيضا ، مشتركة بين الفريقين ، لكن المحك الحقيقي هنا هو الإخلاص ،ولذا نجد أن الله قد أمر كل الأمم السابقة بذلك المحك فقال سبحانه :
﴿ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ﴾ .
كذلك قوله سبحانه :
﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ﴾ .
وقوله سبحانه وتعالى:
﴿ وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ﴾ .
وقد نبّه اللهُ سبحانه رسولَه إلى مغبة الغلو ، والذي هو البذرة والخطوة الأولى المؤدي للشرك ، فقد قال سبحانه :
﴿ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ﴾ .
أي أنهم إنحرفوا عن الطريق الحق وعن ما أُمِروا به منذ بداية خلق الخلق ، لكن المسخ المتمثل بالغلو طالهم فوقعوا في حبال الشرك في أنواع العبادة التي لاتجوز صرفها إلا لله سبحانه ، وقد جاءت الآيات تترى لتحث على هذه المسألة الجليلة وهي مسألة الإخلاص لله سبحانه ، وقد دعا الله أهل الكتاب مرة أخرى للرجوع والأوبة إليه بشرط الإخلاص ، يقول الله عزوجل :
﴿ يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ﴾ .
فكانت الكلمة التي على أساسها تنعقد الوحدة وتتساوى الصفوف هي كلمة التوحيد عند قوله (ألا نعبد إلا الله ) ملازمة ً مع إخلاصه في قوله (ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ) ، وهو الفيصل الخلق بين أهل الحق و أهل الباطل ، نجد ذلك عند قوله تعالى ( فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) .
والتخلي عن هذا الإخلاص الصافي خطر عظيم وزغل جسيم ، إذ يترتب عليه إنفاذ ما توعده الله به من عدم استحقاق العبد للمغفرة وطرده من رحمة الله .
يقول الله سبحانه :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ .
وقد قرر شيخ الإسلام رحمه الله بأن الإسلام هو :
أن يستسلم العبد لله وحده ، فيعبده وحده بما أمر به ، فمن استسلم له ولغيره كان مشركا ، والله لا يغفر أن يشرك به ، ومن لم يستسلم له بل استكبر عن عبادته كان ممن قيل فيه :
﴿ ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ﴾ .
قال أبو عبدالرحمن : وهذا تقرير ممن كانت عقيدته صافية وفطرته لم تتلوث بأبخرة الصوفية والغلاة المخنقة في الدنيا والآخره .
................................
إنتهى بحث الإخلاص ويليه بإذن الله بحث الإتباع قريبا إن شاء الله ..
لتحميل نسخة منسقة على الوورد إضغط على الرابط أدناه ..
لأبي عبد الرحمن ضياء بن محفوظ الشميري
عفاالله عنه وعن والديه
مبحث الإخلاص
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد :
﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ﴾ ،﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأَرحام إن الله كان عليكم رقيباً ﴾ ،﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللهَ وقولوا قولا سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً﴾ أما بعد :
إعلموا رحمنا الله وإياكم أن من أهم المهمات التي خلق الله الثقلين لأجلها ، وأرسل الرسل لتبليغها وتعليمها والعمل بها ، وخلق الجنة لمن أقامها ، وخلق النار لمن هو دون ذلك ، هي العبادة .
يقول الله سبحانه وتعالى : ﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾ .
والعبادة هي كما عرفها شيخ الإسلام رحمه الله فقال :
اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة .
وقال بعض أهل العلم :
العبادة عبارة عن توحيدالله والتزام شرائع دينه .
فإذا تقرر ذلك عُلِم أنه يتوجب على كِلا الثقلين أن يؤديا تلك العبادة على الوجه الذي أمرا الله به .
ولايعرف هذا الوجه إلا من خلال الواسطة المُبَلِغة عنه سبحانه إلى عبيده .
فكان أن إصطفى من عباده رسلاً ، مبلغين دعوة توحيده ، ومبشرين عباده بجنة عرضها السماوات والأرض أعتدت لمن إتبعهم ونهج نهجهم ، ومنذرين بنارٍ حرها شديد وعذابها أليم لمن خالفهم بعد أن بينوا لهم الحق من الضلال .
فالرسول حجة الله على العبيد ، والمُوّقِع عنه في أرضه ، والميزان الذي يقاس به أعمال قومه من طاعة وعصيان .
ولهذا كان لزاماً على من أجاب داعي الله أن يأتمر بما أُمر وينتهي عما نهي عنه ، فكان الإخلاص والإتباع هما ما أَمر الله بهما وأرسل الرسل لأجلهما .
قال سبحانه وتعالى:
﴿ بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ ، فإسلام الوجه هو الإخلاص ، والإحسان هو متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما بيّن ذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى .
ويقول الله سبحانه وتعالى :
﴿ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين، ألا لله الدين الخالص﴾ .
فالإخلاص ركن لقبول هذه العبادة ، والإخلال به ولو بأمر يسير منه إبطال للعبادة سواء كانت بالقلب أم القول أو العمل .
وحينها تخرج العبادة من معناها الشرعي المطلوب إلى المعنى اللفظي فقط والذي على ضوءه يحكم على العبد إما بالإشراك أو النفاق أو ماشابه ذلك .
أخرج الأمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه الحديث القدسي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : يقول الله تعالى:
﴿ أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه﴾ .
وتحقيق الإخلاص نيةً وقولاً وعملاً واجب على كل باغٍ للخير حريص على ثمرة جهده .وفي الحديث المتفق عليه من حديث عمر رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل إمرئٍ مانوى).
ولهذا نجد أنه صلى الله عليه وسلم يحرص على مسألة الإخلاص منذ أن تنشأ النية في القلب .
فقد جاء عند مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
(إن الله لا ينظر إلى صوركم ، وأَموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) .
نعم فالبداية من القلب لأنه محل عقد النية أولا ثم محل الإخلاص ثانيا ثم يأتي بعد ذلك التنفيذ إما قولاً أو عملاً .
ومن ذلك لايدخل الإنسان أو الجني إلى الإسلام إلا بعد تحقيق الإخلاص ، ألم تروا أن الأعجمي ينطق الشهادتين وهو لايعرف مايقوله ، لكنه كان قد عقد النية على دخول الدين ثم أخلص في قلبه أن لامعبود بحق إلا الله وأن محمداً عبد الله وخاتم رسله .
ولهذا كان كفار قريش عندما يدعوهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى النطق بالشهادتين ، يرفضون أيما رفض ، ولو لمجرد النطق بها ، لأنهم يعلمون مقتضاها ويعلمون أنهم ملزمون بآدائها ، وهم بذلك على فطرة في جانب أن أقوالهم لا تخرج منهم إلا بإعتقاد خلاف لأهل الدجل والنفاق والكذب ، ويشهد لقولي هذا دخولهم أفواجاً بعد الفتح وبعد أن علموا أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يصل إلى ماوصل إليه من العزة والتمكين لا بحولٍ منه ولابقوة أنصاره من المهاجرين والأنصار ولكن بتوفيق من الله ولأمر أراده الله وقدره .
خلافاً للمنافقين الذين يُعتَّبَرون مَسخاً لهذه الفطرة التي فطر الله بها العباد ، فكان أن قدموا النطق والعمل و تعمدوا إهمال منبع التحكم بهما ، فالتعمد هنا هو من جعلهم حطب جهنم وفي الدرك الأسفل منها ، وتعمدهم هو نفاق إعتقادي كما هو مقرر عند أهل السنة والجماعة .
فالإخلاص بارك الله فيكم مطلب رباني لتحيقق السعادة في الدارين ، وقد جاء في كتاب الله قوله سبحانه :
﴿ قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون ﴾ .
أي أن الأعمال الظاهرة والتي تشمل الأقوال أيضا ، مشتركة بين الفريقين ، لكن المحك الحقيقي هنا هو الإخلاص ،ولذا نجد أن الله قد أمر كل الأمم السابقة بذلك المحك فقال سبحانه :
﴿ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ﴾ .
كذلك قوله سبحانه :
﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ﴾ .
وقوله سبحانه وتعالى:
﴿ وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ﴾ .
وقد نبّه اللهُ سبحانه رسولَه إلى مغبة الغلو ، والذي هو البذرة والخطوة الأولى المؤدي للشرك ، فقد قال سبحانه :
﴿ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ﴾ .
أي أنهم إنحرفوا عن الطريق الحق وعن ما أُمِروا به منذ بداية خلق الخلق ، لكن المسخ المتمثل بالغلو طالهم فوقعوا في حبال الشرك في أنواع العبادة التي لاتجوز صرفها إلا لله سبحانه ، وقد جاءت الآيات تترى لتحث على هذه المسألة الجليلة وهي مسألة الإخلاص لله سبحانه ، وقد دعا الله أهل الكتاب مرة أخرى للرجوع والأوبة إليه بشرط الإخلاص ، يقول الله عزوجل :
﴿ يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ﴾ .
فكانت الكلمة التي على أساسها تنعقد الوحدة وتتساوى الصفوف هي كلمة التوحيد عند قوله (ألا نعبد إلا الله ) ملازمة ً مع إخلاصه في قوله (ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ) ، وهو الفيصل الخلق بين أهل الحق و أهل الباطل ، نجد ذلك عند قوله تعالى ( فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) .
والتخلي عن هذا الإخلاص الصافي خطر عظيم وزغل جسيم ، إذ يترتب عليه إنفاذ ما توعده الله به من عدم استحقاق العبد للمغفرة وطرده من رحمة الله .
يقول الله سبحانه :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ .
وقد قرر شيخ الإسلام رحمه الله بأن الإسلام هو :
أن يستسلم العبد لله وحده ، فيعبده وحده بما أمر به ، فمن استسلم له ولغيره كان مشركا ، والله لا يغفر أن يشرك به ، ومن لم يستسلم له بل استكبر عن عبادته كان ممن قيل فيه :
﴿ ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ﴾ .
قال أبو عبدالرحمن : وهذا تقرير ممن كانت عقيدته صافية وفطرته لم تتلوث بأبخرة الصوفية والغلاة المخنقة في الدنيا والآخره .
................................
إنتهى بحث الإخلاص ويليه بإذن الله بحث الإتباع قريبا إن شاء الله ..
لتحميل نسخة منسقة على الوورد إضغط على الرابط أدناه ..
__________________