من حقوق الوالدين – الأرحام – الزوج – الزوجة- الأولاد – الجار – ولاة الأمر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد سيد ولد آدم أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
إن الحقوق التي شرعها الله لعباده منها حقوق له سبحانه وتعالى علينا وأعظمها إفراده بالعبادة، ومنها حقوق لبعض العباد، ومنها حقوق للنفس التي أعطيتها أمانة عندك لا تتصرف فيها إلا في حدود ما أذن لك فيه، وقد رأيت في هذه الرسالة الموجزة أن أذكر نفسي ومن يطلع عليها ببعض الحقوق التي شرعها الله للوالدين والأولاد والأزواج والأرحام والجيران وولاة الأمر، فذكرت تحت كل قسم بعض حقوقه مع جملة مباركة من نصوص الكتاب والسنة والله الموفق.
1 ـ من حقوق الوالدين:
أعظم الناس حقاً عليك من حيث البر والصلة والداك، فهما سبب وجودك، وهما رعياك وسهرا عليك رعاية لك ورحمة بك أيام ضعفك أيام كنت لا تحسن أن تطعم نفسك إذا جعت، ولا أن تشرب إذا ظمئت ، ولا تطهر نفسك من بول أو غائط، ولا تعالج نفسك إن مرضت. فعلا ذلك وهما لا يريدان منك جزاء ولا شكوراً، لذا فقد أوصاك الله بهما إحساناً، والإحسان والبر كلمتان جامعتان لكل خير، لكل ما يدخل السرور على قلبيهما، لكل ما فيه مصلحتهما مما تقدر على فعله وبذله مما ليس فيه معصية لله، كما نهاك ربك عن عقوقهما، والعقوق كلمة تشمل كل ما يسوؤهما من قول أو فعل أو إشارة أو غير ذلك، واعلم أن آكد البر ما كان عند بلوغهما الكبر، حيث تعظم حاجتهما إلى الأبناء، وحيث ينشغل عنهما أكثر الأبناء.
ولبر الوالدين صور كثيرة ومنها على سبيل المثال: طاعتهما فيما يأمران به ما لم يكن معصية. وخدمتهما فيما يحتاجان إليه والنفقة عليهما إذا كان محتاجين. والدعاء لهما سراً وجهراً.وإكرام صديقهما بعد موتهما.وترك ما يؤذيهما من معصية لأمرهما، أو رفع صوت، أو إظهار تضجر من خدمتهما.
ومما جاء في الأمر ببر الوالدين والتحذير من عقوقهما الآيات والأحاديث التالية: قال تعالى (ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً) وقال تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أوكلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يجزي ولد والداً ألا أن يجده مملوكاً فيعتقه) رواه مسلم. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله تعالى ؟ قال الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي ؟ قال : بر الوالدين. قلت ثم أي قال الجهاد في سبيل الله متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (رغم أنف. ثم رغم أنف. ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة ) رواه مسلم وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: قدمت علي أمي وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال: نعم صلي أمك. متفق عليه.
2 ـ من حقوق الأرحام:
الرحم كل من بينك وبينهم قرابة بسبب الولادة كالأجداد والجدات، والإخوة والأخوات، والأعمام والعمات والأخوال والخالات وأولادهم، وحق الرحم عظيم عند الله تعالى فقد أوجب الله صلتها وحرم قطيعتها وصلة الرحم تكون بالزيارة، أو بالاتصال، أو بالهدية، ونحو ذلك، مما يعده الناس صلة. وفي صلة الرحم طول العمر وبركته، و سعة الرزق ووفرته. وفي قطيعة الرحم الوعيد بلعنة الله وتحريم دخول الجنة، والخذلان يوم العبور على الصراط والعياذ بالله ومن النصوص الواردة في شأن الرحم قوله تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى) وقوله تعالى (واتقوا الله الذي تسآلون به والأرحام) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال نعم. أما ترضين أن أصل من وصلك وأن أقطع من قطعك؟ قالت بلى قال فذلك لك ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرؤوا إن شئتم فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) متفق عليه. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) متفق عليه. وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يدخل الجنة قاطع) أي قاطع رحم متفق عليه.
3ـ من الحقوق الزوجية:
الحياة الزوجية في الإسلام تقوم على العشرة بالمعروف ، قال تعالى (وعاشروهن بالمعروف)، وقوله سبحانه (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).
ولا تتهيأ العشرة بالمعروف إلا بأمرين الأول أن يقوم كل طرف بالحقوق التي عليه للطرف الآخر، والثاني: أن تقوم العشرة والعلاقة بين الزوجين على أساس متين من المسامحة والتغاضي عن بعض ما يقع من النقص وعدم الحرص على استيفاء كل الذي له قال صلى الله عليه وسلم (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقاً رضي منها آخر) رواه مسلم.
فمن حق الزوج على زوجته أن تسمع له وتطيع في غير مصلحة، وأن تقوم بشؤون بيتها على الوجه المتعارف عليه، وأن لا تدخل بيته إلا من يرضاه، وأن تجيبه إذا دعاها لفراشه. وأن تحفظه في نفسها وماله، وولده. ولتتذكر الزوجة قوله صلى الله عليه وسلم (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، لعظم حقه عليها) رواه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقوله صلى الله عليه وسلم (إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح) متفق عليه.
ومن حقوق الزوجة على زوجها:أن يبذل لها المهر، وأن ينفق عليها بالمعروف، وما اشترطت عليه من شرط لنكاحها وجب أن يوفي به ما لم يكن حراماً إلا إن أسقطته عنه. وليتذكر الزوج قوله (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) رواه الترمذي وغيره. وقوله صلى الله عليه وسلم (استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوانٍ عندكم) رواه ابن ماجه.
وعلى كل من الزوجين أن يبذل الحقوق التي عليه دون تكره أو تذمر، وأن يزيل ما يحصل بسببه أذى أو نفرة من ريح كريهة أو نحو ذلك.
وعليه أن يبيت عندها على الأقل ليلة من كل أربع ليال، وإذا كان عنده أكثر من امرأة وجب عليه العدل بينهن في النفقة والمبيت، وله أن يزور زوجته في غير يومها لكن لا يجامع والله عز وجل أباح التعدد بشرط العدل فإن لم يعدل كان آثماً. قال تعالى (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة).
والزوج قوام على زوجه فيجب أن يحملها على طاعة الله من إقام الصلاة والحفاظ على الحجاب ويحملها على اجتناب معصية خالقها وذلك بمنعها عن التبرج والسفور، والسفر من غير محرم، وأن يصونها ويحفظها من أسباب الفسوق قال تعالى (الرجال قوامون على النساء).
4- من حقوق الأولاد:
الأولاد نعمة من الله يمن بها على من يشاء من عباده قال تعالى فسورة النحل التي تسمى بسورة النعم لكثرة النعم التي امتن الله بها على عباده في هذه السورة (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة). وإنما تتم النعمة بالأولاد إذا صلحوا، ولا شك أن الصلاح بيد الله وحده، ولكن من الأسباب القيام بحقوقهم التي دعت إليها الشريعة، ومنها حسن اختيار الأم ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على اختيار ذات الدين فالأم الصالحة من أعظم أسباب صلاح الأبناء، ذكر الله عز وجل بالذكر الوارد عند الجماع فله أثر في حفظ الولد من الشيطان، وحسن اختيار الاسم وللاسم أثر على المسمى، ومنها ذبح العقيقة عنه فلها أثر طيب على المولود ومنها تعاهده بالتربية الحسنة، وتعليمه الآداب الشرعية، وأمره بالصلاة إذا بلغ سبعاً وإذا بلغوا العاشرة أدبهم على ترك الصلاة وفرق بينهم في المضاجع وقاية لهم. وتجنيبهم رفاق السوء، وتعليمهم والإنفاق عليهم، وتزويجهم إذا أرادوا النكاح مع وجود القدرة.
إن الأولاد مسؤولية عظيمة والأبوان مسؤولان عنهم فالواجب أن يبذلا الجهد في حسن التربية، بأمرهم بما فيه رضا الله ونهيهم عما فيه سخطه وتجنيبهم ما يعينهم على الفساد والانحراف.
5 ـ من حقوق الجار:
للجار حق عظيم في الإسلام، وقد أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بإكرام الجار سواء كان الجار مسلماً أو كافراً وسواء كان صاحب قرابة أم لا. والإحسان إلى الجار يبدأ أولاً بكف الأذى عنه، ثم يترقى إلى الإحسان إليه، وذلك بكل ما تشمله كلمة الإحسان من معنى يقدر عليه الجار تجاه جاره، كزيارته وبذل الهدية له، وتعاهد منزله في غيبته، وخدمة أهله إذا احتاجوا، وحفظه في أهله، ومشاركته في أفراحه، وتسليته في مصابه، وعيادته في مرضه إلى غير ذلك من صور الإحسان ومما جاء في نصوص الوحي الكريم فيما يتعلق بالجار وحقوقه قول الله تعالى (وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب) الآية. وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) متفق عليه. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك) رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره) رواه الترمذي وحسنه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل من يا رسول الله قال الذي لا يأمن جاره بوائقه متفق عليه.
6 ـ من حقوق ولاة الأمور:
ولي الأمر هو الإمام الأعظم، ومن يوليهم على شيئ من أمور الدولة فهم ولاة أمر فيما ولوا فيه، وولاة الأمر لهم مقام عظيم في الإسلام إذ بهم تجتمع الكلمة، ويأمن الناس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، وبهم تقام الجمعة والجماعة والأعياد، وتحفظ البلاد، وبهم تقام الحدود ويأمن الناس بعضهم شر بعض، فيسعى الناس في الأرض يطلبون العلم ويطلبون الأرزاق والمعايش، ولعظم أثرهم على الأمة فقد جاءت الشريعة الإسلامية بتقرير الحقوق العظيمة لهم ما داموا مسلمين ولو كانوا فساقاً أو ظلمة لأن الصلاح الذي يجريه الله على أيديهم أعظم من فسادهم في أنفسهم: فمن حقوق ولاة الأمر على الرعية اعتقاد بيعتهم، والسمع والطاعة لهم في المعروف، وبذل النصيحة لهم، والدعاء لهم بالصلاح والعافية، و جمع القلوب عليهم، وستر معايبهم، وترك الدعاء عليهم، وترك تنقصهم والطعن فيهم والحج والجهاد معهم، وقتال البغاة والخوارج الذين يبغون على ولي الأمر ويخرجون عن طاعته.
يقول تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
وعن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال: (دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن ترو كفرا بواحاً عندكم من الله فيه برهان) رواه البخاري ومسلم وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اسمع وأطع في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك إلا أن يكون معصية) رواه ابن حبان
وعن وائل بن حجر قال سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله فقال يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم). مسلم
وعن حذيفة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس قال فلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع) مسلم
وعن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه أنه سمع رجلاً من الخوارج يسب الأمير فقال له: اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب.
وعن أنس بن مالك قال نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله قال: "لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله، واصبروا فإن الأمر قريب".
"وقال الفضيل بن عياض لو كانت لي دعوة مستجابة لم أجعلها إلا في إمام لأنه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد".
وعن عياض بن غنم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ولكن يأخذ بيده فيخلوا به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه). رواه ابن أبي عاصم بإسناد صحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (فطاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد وطاعة ولاة الأمور واجبة على كل أحد، ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية والمال فإن أعطوه أطاعهم وإن منعوه عصاهم فما له في الآخرة من خلاق) مجموع الفتاوى 35/16-17
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
علي بن يحيى الحدادي
إمام وخطيب جامع عائشة بالرياض
22/7/1425هـ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد سيد ولد آدم أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
إن الحقوق التي شرعها الله لعباده منها حقوق له سبحانه وتعالى علينا وأعظمها إفراده بالعبادة، ومنها حقوق لبعض العباد، ومنها حقوق للنفس التي أعطيتها أمانة عندك لا تتصرف فيها إلا في حدود ما أذن لك فيه، وقد رأيت في هذه الرسالة الموجزة أن أذكر نفسي ومن يطلع عليها ببعض الحقوق التي شرعها الله للوالدين والأولاد والأزواج والأرحام والجيران وولاة الأمر، فذكرت تحت كل قسم بعض حقوقه مع جملة مباركة من نصوص الكتاب والسنة والله الموفق.
1 ـ من حقوق الوالدين:
أعظم الناس حقاً عليك من حيث البر والصلة والداك، فهما سبب وجودك، وهما رعياك وسهرا عليك رعاية لك ورحمة بك أيام ضعفك أيام كنت لا تحسن أن تطعم نفسك إذا جعت، ولا أن تشرب إذا ظمئت ، ولا تطهر نفسك من بول أو غائط، ولا تعالج نفسك إن مرضت. فعلا ذلك وهما لا يريدان منك جزاء ولا شكوراً، لذا فقد أوصاك الله بهما إحساناً، والإحسان والبر كلمتان جامعتان لكل خير، لكل ما يدخل السرور على قلبيهما، لكل ما فيه مصلحتهما مما تقدر على فعله وبذله مما ليس فيه معصية لله، كما نهاك ربك عن عقوقهما، والعقوق كلمة تشمل كل ما يسوؤهما من قول أو فعل أو إشارة أو غير ذلك، واعلم أن آكد البر ما كان عند بلوغهما الكبر، حيث تعظم حاجتهما إلى الأبناء، وحيث ينشغل عنهما أكثر الأبناء.
ولبر الوالدين صور كثيرة ومنها على سبيل المثال: طاعتهما فيما يأمران به ما لم يكن معصية. وخدمتهما فيما يحتاجان إليه والنفقة عليهما إذا كان محتاجين. والدعاء لهما سراً وجهراً.وإكرام صديقهما بعد موتهما.وترك ما يؤذيهما من معصية لأمرهما، أو رفع صوت، أو إظهار تضجر من خدمتهما.
ومما جاء في الأمر ببر الوالدين والتحذير من عقوقهما الآيات والأحاديث التالية: قال تعالى (ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً) وقال تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أوكلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يجزي ولد والداً ألا أن يجده مملوكاً فيعتقه) رواه مسلم. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله تعالى ؟ قال الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي ؟ قال : بر الوالدين. قلت ثم أي قال الجهاد في سبيل الله متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (رغم أنف. ثم رغم أنف. ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة ) رواه مسلم وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: قدمت علي أمي وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال: نعم صلي أمك. متفق عليه.
2 ـ من حقوق الأرحام:
الرحم كل من بينك وبينهم قرابة بسبب الولادة كالأجداد والجدات، والإخوة والأخوات، والأعمام والعمات والأخوال والخالات وأولادهم، وحق الرحم عظيم عند الله تعالى فقد أوجب الله صلتها وحرم قطيعتها وصلة الرحم تكون بالزيارة، أو بالاتصال، أو بالهدية، ونحو ذلك، مما يعده الناس صلة. وفي صلة الرحم طول العمر وبركته، و سعة الرزق ووفرته. وفي قطيعة الرحم الوعيد بلعنة الله وتحريم دخول الجنة، والخذلان يوم العبور على الصراط والعياذ بالله ومن النصوص الواردة في شأن الرحم قوله تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى) وقوله تعالى (واتقوا الله الذي تسآلون به والأرحام) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال نعم. أما ترضين أن أصل من وصلك وأن أقطع من قطعك؟ قالت بلى قال فذلك لك ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرؤوا إن شئتم فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) متفق عليه. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) متفق عليه. وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يدخل الجنة قاطع) أي قاطع رحم متفق عليه.
3ـ من الحقوق الزوجية:
الحياة الزوجية في الإسلام تقوم على العشرة بالمعروف ، قال تعالى (وعاشروهن بالمعروف)، وقوله سبحانه (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).
ولا تتهيأ العشرة بالمعروف إلا بأمرين الأول أن يقوم كل طرف بالحقوق التي عليه للطرف الآخر، والثاني: أن تقوم العشرة والعلاقة بين الزوجين على أساس متين من المسامحة والتغاضي عن بعض ما يقع من النقص وعدم الحرص على استيفاء كل الذي له قال صلى الله عليه وسلم (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقاً رضي منها آخر) رواه مسلم.
فمن حق الزوج على زوجته أن تسمع له وتطيع في غير مصلحة، وأن تقوم بشؤون بيتها على الوجه المتعارف عليه، وأن لا تدخل بيته إلا من يرضاه، وأن تجيبه إذا دعاها لفراشه. وأن تحفظه في نفسها وماله، وولده. ولتتذكر الزوجة قوله صلى الله عليه وسلم (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، لعظم حقه عليها) رواه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقوله صلى الله عليه وسلم (إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح) متفق عليه.
ومن حقوق الزوجة على زوجها:أن يبذل لها المهر، وأن ينفق عليها بالمعروف، وما اشترطت عليه من شرط لنكاحها وجب أن يوفي به ما لم يكن حراماً إلا إن أسقطته عنه. وليتذكر الزوج قوله (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) رواه الترمذي وغيره. وقوله صلى الله عليه وسلم (استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوانٍ عندكم) رواه ابن ماجه.
وعلى كل من الزوجين أن يبذل الحقوق التي عليه دون تكره أو تذمر، وأن يزيل ما يحصل بسببه أذى أو نفرة من ريح كريهة أو نحو ذلك.
وعليه أن يبيت عندها على الأقل ليلة من كل أربع ليال، وإذا كان عنده أكثر من امرأة وجب عليه العدل بينهن في النفقة والمبيت، وله أن يزور زوجته في غير يومها لكن لا يجامع والله عز وجل أباح التعدد بشرط العدل فإن لم يعدل كان آثماً. قال تعالى (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة).
والزوج قوام على زوجه فيجب أن يحملها على طاعة الله من إقام الصلاة والحفاظ على الحجاب ويحملها على اجتناب معصية خالقها وذلك بمنعها عن التبرج والسفور، والسفر من غير محرم، وأن يصونها ويحفظها من أسباب الفسوق قال تعالى (الرجال قوامون على النساء).
4- من حقوق الأولاد:
الأولاد نعمة من الله يمن بها على من يشاء من عباده قال تعالى فسورة النحل التي تسمى بسورة النعم لكثرة النعم التي امتن الله بها على عباده في هذه السورة (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة). وإنما تتم النعمة بالأولاد إذا صلحوا، ولا شك أن الصلاح بيد الله وحده، ولكن من الأسباب القيام بحقوقهم التي دعت إليها الشريعة، ومنها حسن اختيار الأم ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على اختيار ذات الدين فالأم الصالحة من أعظم أسباب صلاح الأبناء، ذكر الله عز وجل بالذكر الوارد عند الجماع فله أثر في حفظ الولد من الشيطان، وحسن اختيار الاسم وللاسم أثر على المسمى، ومنها ذبح العقيقة عنه فلها أثر طيب على المولود ومنها تعاهده بالتربية الحسنة، وتعليمه الآداب الشرعية، وأمره بالصلاة إذا بلغ سبعاً وإذا بلغوا العاشرة أدبهم على ترك الصلاة وفرق بينهم في المضاجع وقاية لهم. وتجنيبهم رفاق السوء، وتعليمهم والإنفاق عليهم، وتزويجهم إذا أرادوا النكاح مع وجود القدرة.
إن الأولاد مسؤولية عظيمة والأبوان مسؤولان عنهم فالواجب أن يبذلا الجهد في حسن التربية، بأمرهم بما فيه رضا الله ونهيهم عما فيه سخطه وتجنيبهم ما يعينهم على الفساد والانحراف.
5 ـ من حقوق الجار:
للجار حق عظيم في الإسلام، وقد أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بإكرام الجار سواء كان الجار مسلماً أو كافراً وسواء كان صاحب قرابة أم لا. والإحسان إلى الجار يبدأ أولاً بكف الأذى عنه، ثم يترقى إلى الإحسان إليه، وذلك بكل ما تشمله كلمة الإحسان من معنى يقدر عليه الجار تجاه جاره، كزيارته وبذل الهدية له، وتعاهد منزله في غيبته، وخدمة أهله إذا احتاجوا، وحفظه في أهله، ومشاركته في أفراحه، وتسليته في مصابه، وعيادته في مرضه إلى غير ذلك من صور الإحسان ومما جاء في نصوص الوحي الكريم فيما يتعلق بالجار وحقوقه قول الله تعالى (وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب) الآية. وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) متفق عليه. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك) رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره) رواه الترمذي وحسنه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل من يا رسول الله قال الذي لا يأمن جاره بوائقه متفق عليه.
6 ـ من حقوق ولاة الأمور:
ولي الأمر هو الإمام الأعظم، ومن يوليهم على شيئ من أمور الدولة فهم ولاة أمر فيما ولوا فيه، وولاة الأمر لهم مقام عظيم في الإسلام إذ بهم تجتمع الكلمة، ويأمن الناس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، وبهم تقام الجمعة والجماعة والأعياد، وتحفظ البلاد، وبهم تقام الحدود ويأمن الناس بعضهم شر بعض، فيسعى الناس في الأرض يطلبون العلم ويطلبون الأرزاق والمعايش، ولعظم أثرهم على الأمة فقد جاءت الشريعة الإسلامية بتقرير الحقوق العظيمة لهم ما داموا مسلمين ولو كانوا فساقاً أو ظلمة لأن الصلاح الذي يجريه الله على أيديهم أعظم من فسادهم في أنفسهم: فمن حقوق ولاة الأمر على الرعية اعتقاد بيعتهم، والسمع والطاعة لهم في المعروف، وبذل النصيحة لهم، والدعاء لهم بالصلاح والعافية، و جمع القلوب عليهم، وستر معايبهم، وترك الدعاء عليهم، وترك تنقصهم والطعن فيهم والحج والجهاد معهم، وقتال البغاة والخوارج الذين يبغون على ولي الأمر ويخرجون عن طاعته.
يقول تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
وعن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال: (دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن ترو كفرا بواحاً عندكم من الله فيه برهان) رواه البخاري ومسلم وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اسمع وأطع في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك إلا أن يكون معصية) رواه ابن حبان
وعن وائل بن حجر قال سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله فقال يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم). مسلم
وعن حذيفة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس قال فلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع) مسلم
وعن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه أنه سمع رجلاً من الخوارج يسب الأمير فقال له: اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب.
وعن أنس بن مالك قال نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله قال: "لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله، واصبروا فإن الأمر قريب".
"وقال الفضيل بن عياض لو كانت لي دعوة مستجابة لم أجعلها إلا في إمام لأنه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد".
وعن عياض بن غنم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ولكن يأخذ بيده فيخلوا به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه). رواه ابن أبي عاصم بإسناد صحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (فطاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد وطاعة ولاة الأمور واجبة على كل أحد، ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية والمال فإن أعطوه أطاعهم وإن منعوه عصاهم فما له في الآخرة من خلاق) مجموع الفتاوى 35/16-17
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
علي بن يحيى الحدادي
إمام وخطيب جامع عائشة بالرياض
22/7/1425هـ