مقدمة
الجهمية ومؤسسيها ونشأتها وأفكارها
المعتزلة ومؤسسيها ونشأتها وأفكارها
المتفرع منهما
خاتمة
مقدمة
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، فمن يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادى له، وأشهد أن لا اله الا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم صل على محمد وآله وصحبه كما صليت على ابراهيم وآله انك حميد مجيد ، وبارك على محمد وآله وصحبه كما باركت على ابراهيم وآله انك حميد مجيد،أما بعد،
فأن أصدق الكلام كلام الله عز وجل ، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار ،
ثم أما بعد ،
العقل مطية النقل، والنقل هو كلام رب العالمين سبحانه وتعالى بحرف وصوت متلو ومكتوب فى صحافنا بمداد ونقل الينا بالتواتر، أنزله رب العزة وكلم به جبريل عليه السلام فبلغه لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكذا النقل أقوال وأفعال وتقريرات الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم، فالقرآن مجمل والسنة مفصلة وقاصمة، هذا وحول نبينا صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام رضى الله عنهم أجمعين، قالنقل بفهم السلف الصالح ففهمهم عصمة للأمة، وهم أهل البلاغة والفصاحة والنجابة، وتابعهم من كان لسنته وهدى الخلفاء الراشدين مهديا بهم ، وعقول السلف كانت لتصديق الخبر وتنفيذ الأمر ممتثلين طائعين، لله مخلصين خاضعين متذللين محبين، وكانت للتدبر والتأمل فأعملوا العقل حيث أمرهم الشرع وبين لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم،
فكانت العقيدة نقية صافية فهى كالمحجة البيضاء ليلها كنهارها،
ثم جدت أمور وأحوال لظهور بعض الحاقدين وأشعلوا الفتن وألقوا شبه مثل عبد الله بن سبأ ذلك اليهودى،
فكانت هناك أمور لسوء الفهم مع حسن النية، وكذلك اجتهادات، وحدث ماحدث من مقتل عثمان من الغوغائية الذين جهلوا فحركتهم الفتنة، وعثمان رضى الله عنه صبر على بلوى أصابته، حتى ينال الجنة وحتى يقمع الفتنة، ثم خرج من خرج على على لسوء الفهم، ثم اله على ، وجاءت موقعتى الجمل وصفين، وغيره من أمور الا أن العقيدة النقية على حالها، والتى توالت من أحداث أمرها الى الله وحكمها له، كل هذا ونحن لازلنا فى الخيرية والعقيدة النقية،
حتى بدأ يظهر أمر الحاقدين الذين لايألون جهدا فى التتدبير لأهل الاسلام،
فأصلهم لقديم من الزمن فاليهود بأحقادهم منهم لبيد بن الأعصم وماكان منه من سحر للنبى صلى الله عليه وسلم، وكما روى البخارى فى صحيحه فى كتاب بدء الخلق: حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت سحر النبي صلى الله عليه وسلم وقال الليث كتب إلي هشام أنه سمعه ووعاه عن أبيه عن عائشة قالت سحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله حتى كان ذات يوم دعا ودعا ثم قال أشعرت أن الله أفتاني فيما فيه شفائي أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما للآخر ما وجع الرجل قال مطبوب قال ومن طبه قال لبيد بن الأعصم قال فيما ذا قال في مشط ومشاقة وجف طلعة ذكر قال فأين هو قال في بئر ذروان فخرج إليها النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع فقال لعائشة حين رجع نخلها كأنه رءوس الشياطين فقلت استخرجته فقال لا أما أنا فقد شفاني الله وخشيت أن يثير ذلك على الناس شرا ثم دفنت البئر .
ثم أخذ منه أبن أخته طالوت الذى بدوره علم تلميذه ابان بن سمعان الذى خرج علي يديه والذى سمع لخلاصة شبه اليهود واعمال العقل فى كل الأمور
خرج الجعد بن درهم،
وعلى ذلك فإن الصراع بين الحق والباطل قائم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فأهل الباطل يسعون قديماً وحديثاً لطمس نور الحق الذي أنزله الله لعباده، ولكن الله عز وجل حفظ هذا النور لتقوم الحجة على العباد
وقد قال عز من قائل {وَمَنْ أَظْلَم مِمّن افْتَرَىْ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَهُو يُدْعَى إِلَى الإسْلامِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظّالمِين يُرِيْدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِم وَاللهُ مُتمّ نُورِه وَلَو كَرِه الكَافِرُون هُوَ الذِي أَرْسَلَ رَسُوْلَهُ بِالهُدَى وَدِيْنِ الحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُوْنَ} الآيات 7-8-9 من سورة الصف.
فهذه الآيات جسدت حقيقة الصراع القائم وأوضحت وكشفت بجلاء عن محاولات أهل الباطل لصد الناس عن الحق وسعيهم الحثيث في إطفاء نوره.
ومن بين حلقات الصراع الدائر بين أهل الحق وخصومهم ما يتعلق بأهم مسائل الدين وقضاياه ألا وهي مسألة الإيمان بالله عز وجل.
فقد سعى أعداء هذا الدين من اليهود والمجوس والمشركين في طمس الحقائق الشرعية التي وردت بها النصوص، وأخذ ذلك السعي أنماطاً مختلفة ومن بين تلك الأنماط والأشكال ما يسمى عند أهل العلم بمقالة التعطيل التي أخذ أصحابها الأوائل على عاتقهم الكيد والدس والكذب والافتراء على الله في هذا الأصل العظيم من أصول هذا الدين ، وقصدهم في ذلك حجب العباد عن المعرفة الصحيحة بالله عز وجل التي جاءت بها نصوص الوحي.
الجهمية ومؤسسيها ونشأتها وأفكارها
وتعد مقالة التعطيل من أكثر المقالات خطورة نظراً لأبعادها الخطيرة التي تشكلها على الإسلام وأهله:
فالبعد الأول الذي يدلل على خطورة هذه المقالة كونها تمس أعظم جوانب هذا الدين وأكبر مسائله ألا وهو الإيمان بالله عز وجل الذي هو أول أركان الإيمان وأعظم مبانيه.
فأصحاب هذه المقالة الأوائل سعوا في صد الناس عن هذا الدين من طريق الوقوف على بابه الذي يدخل منه، ذلك لأن من عرف الله عرف ما سواه، ومن جهل ربه فهو لما سواه أجهل. فأرادوا بتعطيلهم لأسماء الله وصفاته قطع الطريق من أوله.
ولله در سليمان التيمي (143هـ) إذ قال: "ليس قوم أشد نقضاً للإسلام من الجهمية والقدرية، وأما الجهمية فقد بارزوا الله؛ وأما القدرية فقد قالوا في الله عز وجل"
وأما البعد الثاني في خطورة هذه المقالة فهو كونها أول مقالة تعارض الوحي بالعقل، فلم تكن المقالات السابقة لهذه المقالة تطعن في الدين من هذا الجانب، فالخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة عند ظهورهم لم يدع أحد منهم أن عنده عقليات تعارض النصوص، وإنما أتوا من سوء الفهم للنصوص والاستبداد بما ظهر لهم منها دون من قبلهم، فكانوا ينتحلون النصوص ويستدلون بها على قولهم، ولا يدعون أنهم عندهم عقليات تعارض النصوص.
فأصحاب مقالة التعطيل هم الذين فتحوا هذا الباب العظيم من أبواب الشر إذ طعنوا في نصوص الوحي وقدموا شبههم العقلية عليها.
وأما البعد الثالث لهذه المقالة فهو ما أفرزته هذه المقالة من الفرق والآراء المنحرفة، فقد تولد عن هذه المقالة أنماط مختلفة وطروحات غريبة عن جوهر الإسلام وصفائه.
و ضربت هذه المقالة أطنابها في الفكر الإسلامي، ولا يتصور مدى الضرر الذي الحقته بحياة المسلمين وعقيدتهم.
فالتيار الفلسفي والكلامي بتفرعاته ومدارسه وطوائفه إنما هو نتاج هذه المقالة الخبيثة التي تولى كبر إظهارها شيخ المعطلة النفاة الجعد بن درهم، وتبعه في ذلك تلميذه الجهم بن صفوان ثم توالت طوائف الباطل تذكى نار هذه المقالة وتنفث من خلالها سمومها إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه.
اسمه ونسبه
لم تذكر المصادر والمراجع التي وقفت عليها إلا اسمه واسم أبيه فقط فهو "الجعد بن درهم"
وأشارت المصادر إلى أنه من الموالي وليس من العرب ولعل في كونه من الموالي ما يبرر اقتصار نسبه على اسمه واسم أبيه، فالعجم في الغالب لم تكن لهم عناية بحفظ أنسابهم بخلاف ما كان عليه الحال عند العرب.
وقد اختلف في ولائه لأي قبائل العرب:
فقال السمعاني والزبيدي وابن الأثير: (الجعد بن درهم مولى سويد بن غفلة)
وقال ابن كثير (ويقال إنه من موالي بني مروان)
وكذا قال الثعالبي نسبه إلى مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، أحد خلفاء بني أمية. وقال ابن نباتة (هو مولى بني الحكم) نسبة إلى الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي.
وهذه الأقوال متضاربة فالسمعاني والزبيدي وابن الأثير جزموا بولائه لسويد بن غفلة بن عوسجة الجعفي. والجعفي: بطن من سعد العشيرة، من القحطانية وهذا يتعارض مع ما ذكره ابن كثير ولم يجزم به والثعالبي حيث قالا: (ويقال إنه من بني مروان) وكذا قول ابن نباتة إنه مولى بني الحكم.
ولعل الصواب الذي يترجح عندي ما ذكره السمعاني والزبيدي وابن الأثير، فهم أدرى بهذا الجانب وعنايتهم به أكبر وقد جزموا بنسبته إلى سويد بن غفلة.
ويساورني الشك أن هناك تصحيفاً في كلام ابن كثير في البداية، عند قوله: (بني مروان) فلعل الصواب (بني مران) بدون واو، ولو كان الأمر كذلك فإن الأقوال تجتمع (فبنوا مران) بطن من جعفي، من سعد العشيرة والله أعلم بالصواب
أصول الجعد
هناك معلومة ذكرها ابن نباتة إن صحت فإن فيها إشارة إلى أصول الجعد العرقية التي يرجع إليها.
قال ابن نباتة: (ويروى أن أم مروان كانت أمة، وكان الجعد أخاها) فهذه المعلومة إن ثبتت فإنها تفيد أن الجعد يرجع في نسبه إلى أصول كردية. لأن أم مروان بن محمد كانت أم ولد كردية كما ذكر ذلك غير واحد من المؤرخين.
قال الطبري وابن الأثير في ترجمة مروان بن محمد: (وكانت أمه أم ولد كردية، كانت لإبراهيم ابن الأشتر أخذها محمد بن مروان يوم قتل إبراهيم فولدت مروان)
وقال ابن كثير: (وأمه أمة كردية يقال لها لبابة، وكانت لإبراهيم ابن الأشتر النخعي، أخذها محمد بن مروان يوم قتله، فاستولدها مروان هذا، ويقال إنها كانت لمصعب بن الزبير) وقال البلاذري: (وأمه كردية أخذها أبوه من عسكر ابن الأشتر، فيقال إنه أخذها وبها حَبَل فولدت مروان على فراشه)
وقال القلقشندي: (وأمه لبابة جارية إبراهيم بن الأشتر وكانت كردية)
ولكن ابن كثير يرى أن الجعد بن درهم يرجع إلى أصول فارسية حيث قال: "وأصله من خراسان" دون أن يذكر اسم المدينة التي ينتسب إليها. ويدعم هذا الرأي حادثة وقعت للجعد انتصر فيها لفارسيته.
قال ابن الأثير: (وقيل إن الجعد كان زنديقاً وعظه ميمون بن مهران (117هـ). فقال: "لشاة قباذ" أحب إلى مما تدين له) فكلمة "شاة قباذ" كلمة فارسية فـ"شاة": معناها "ملك" و"قُباذ": ملك من ملوك الفرس وهو قباذ بن فيروز والد كسرى أنوشروان.
معنى كلامه للملك قباذ أحب إلى من دين الإسلام. وفي هذا انتصار واضح للمجوسية الفارسية.
وعلى كل حال فإن الرجل ثبتت أعجميته، وعلى القول بأن أصول الجعد فارسية، فإن ذلك يدعم مقولة ابن حزم التي يقول فيها: (الأصل في أكثر خروج هذه الطوائف عن ديانة الإسلام أن الفرس كانوا من سعة الملك وعلو اليد على جميع الأمم وجلالة الخطر في أنفسهم، حتى إنهم يسمون أنفسهم الأحرار والأبناء، وكانوا يعدون سائر الناس عبيداً لهم؛ فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب، وكانت العرب أقل الأمم عند الفرس خطراً، تعاظمهم الأمر، وتضاعفت لديهم المصيبة، وراموا كيد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى، ففي كل ذلك يظهر الله سبحانه وتعالى الحق، فرأوا أن كيده على الحيلة أنجح، فأظهر قوم منهم الإسلام) وبلا شك أن الإسلام وأهله كانوا في تلك العصور في عزة ومنعة وتمكين، ولم يكن يجترئ كافر ولا منافق متعوذ بالإسلام من أبناء اليهود والنصارى وأنباط العراق أن يظهر ما في نفسه من الكفر وإنكار النبوة، فرقاً من السيف، وتخوفاً من الافتضاح. بل كانوا يتقلبون مع المسلمين بغم ويعيشون فيهم على رغم.
ولو استقرينا أهل البدع لوجدنا أكثرهم من العجم فالجهم بن صفوان خليفة الجعد ووارث بدعته من العجم، وكذا غيلان الدمشقي وهو من أوائل من تكلم في القدر كان من العجم، وكذا واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وغيرهم. وليس هذا غضاً من شأن العجم، ولكن أهل البدع منهم قد اجتمع فيهم الحقد على الإسلام وأهله، وجهلهم بهذا الدين ولغته التي نزل فيها، وقلة علمهم.
يتبع
الجهمية ومؤسسيها ونشأتها وأفكارها
المعتزلة ومؤسسيها ونشأتها وأفكارها
المتفرع منهما
خاتمة
مقدمة
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، فمن يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادى له، وأشهد أن لا اله الا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم صل على محمد وآله وصحبه كما صليت على ابراهيم وآله انك حميد مجيد ، وبارك على محمد وآله وصحبه كما باركت على ابراهيم وآله انك حميد مجيد،أما بعد،
فأن أصدق الكلام كلام الله عز وجل ، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار ،
ثم أما بعد ،
العقل مطية النقل، والنقل هو كلام رب العالمين سبحانه وتعالى بحرف وصوت متلو ومكتوب فى صحافنا بمداد ونقل الينا بالتواتر، أنزله رب العزة وكلم به جبريل عليه السلام فبلغه لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكذا النقل أقوال وأفعال وتقريرات الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم، فالقرآن مجمل والسنة مفصلة وقاصمة، هذا وحول نبينا صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام رضى الله عنهم أجمعين، قالنقل بفهم السلف الصالح ففهمهم عصمة للأمة، وهم أهل البلاغة والفصاحة والنجابة، وتابعهم من كان لسنته وهدى الخلفاء الراشدين مهديا بهم ، وعقول السلف كانت لتصديق الخبر وتنفيذ الأمر ممتثلين طائعين، لله مخلصين خاضعين متذللين محبين، وكانت للتدبر والتأمل فأعملوا العقل حيث أمرهم الشرع وبين لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم،
فكانت العقيدة نقية صافية فهى كالمحجة البيضاء ليلها كنهارها،
ثم جدت أمور وأحوال لظهور بعض الحاقدين وأشعلوا الفتن وألقوا شبه مثل عبد الله بن سبأ ذلك اليهودى،
فكانت هناك أمور لسوء الفهم مع حسن النية، وكذلك اجتهادات، وحدث ماحدث من مقتل عثمان من الغوغائية الذين جهلوا فحركتهم الفتنة، وعثمان رضى الله عنه صبر على بلوى أصابته، حتى ينال الجنة وحتى يقمع الفتنة، ثم خرج من خرج على على لسوء الفهم، ثم اله على ، وجاءت موقعتى الجمل وصفين، وغيره من أمور الا أن العقيدة النقية على حالها، والتى توالت من أحداث أمرها الى الله وحكمها له، كل هذا ونحن لازلنا فى الخيرية والعقيدة النقية،
حتى بدأ يظهر أمر الحاقدين الذين لايألون جهدا فى التتدبير لأهل الاسلام،
فأصلهم لقديم من الزمن فاليهود بأحقادهم منهم لبيد بن الأعصم وماكان منه من سحر للنبى صلى الله عليه وسلم، وكما روى البخارى فى صحيحه فى كتاب بدء الخلق: حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت سحر النبي صلى الله عليه وسلم وقال الليث كتب إلي هشام أنه سمعه ووعاه عن أبيه عن عائشة قالت سحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله حتى كان ذات يوم دعا ودعا ثم قال أشعرت أن الله أفتاني فيما فيه شفائي أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما للآخر ما وجع الرجل قال مطبوب قال ومن طبه قال لبيد بن الأعصم قال فيما ذا قال في مشط ومشاقة وجف طلعة ذكر قال فأين هو قال في بئر ذروان فخرج إليها النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع فقال لعائشة حين رجع نخلها كأنه رءوس الشياطين فقلت استخرجته فقال لا أما أنا فقد شفاني الله وخشيت أن يثير ذلك على الناس شرا ثم دفنت البئر .
ثم أخذ منه أبن أخته طالوت الذى بدوره علم تلميذه ابان بن سمعان الذى خرج علي يديه والذى سمع لخلاصة شبه اليهود واعمال العقل فى كل الأمور
خرج الجعد بن درهم،
وعلى ذلك فإن الصراع بين الحق والباطل قائم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فأهل الباطل يسعون قديماً وحديثاً لطمس نور الحق الذي أنزله الله لعباده، ولكن الله عز وجل حفظ هذا النور لتقوم الحجة على العباد
وقد قال عز من قائل {وَمَنْ أَظْلَم مِمّن افْتَرَىْ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَهُو يُدْعَى إِلَى الإسْلامِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظّالمِين يُرِيْدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِم وَاللهُ مُتمّ نُورِه وَلَو كَرِه الكَافِرُون هُوَ الذِي أَرْسَلَ رَسُوْلَهُ بِالهُدَى وَدِيْنِ الحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُوْنَ} الآيات 7-8-9 من سورة الصف.
فهذه الآيات جسدت حقيقة الصراع القائم وأوضحت وكشفت بجلاء عن محاولات أهل الباطل لصد الناس عن الحق وسعيهم الحثيث في إطفاء نوره.
ومن بين حلقات الصراع الدائر بين أهل الحق وخصومهم ما يتعلق بأهم مسائل الدين وقضاياه ألا وهي مسألة الإيمان بالله عز وجل.
فقد سعى أعداء هذا الدين من اليهود والمجوس والمشركين في طمس الحقائق الشرعية التي وردت بها النصوص، وأخذ ذلك السعي أنماطاً مختلفة ومن بين تلك الأنماط والأشكال ما يسمى عند أهل العلم بمقالة التعطيل التي أخذ أصحابها الأوائل على عاتقهم الكيد والدس والكذب والافتراء على الله في هذا الأصل العظيم من أصول هذا الدين ، وقصدهم في ذلك حجب العباد عن المعرفة الصحيحة بالله عز وجل التي جاءت بها نصوص الوحي.
الجهمية ومؤسسيها ونشأتها وأفكارها
وتعد مقالة التعطيل من أكثر المقالات خطورة نظراً لأبعادها الخطيرة التي تشكلها على الإسلام وأهله:
فالبعد الأول الذي يدلل على خطورة هذه المقالة كونها تمس أعظم جوانب هذا الدين وأكبر مسائله ألا وهو الإيمان بالله عز وجل الذي هو أول أركان الإيمان وأعظم مبانيه.
فأصحاب هذه المقالة الأوائل سعوا في صد الناس عن هذا الدين من طريق الوقوف على بابه الذي يدخل منه، ذلك لأن من عرف الله عرف ما سواه، ومن جهل ربه فهو لما سواه أجهل. فأرادوا بتعطيلهم لأسماء الله وصفاته قطع الطريق من أوله.
ولله در سليمان التيمي (143هـ) إذ قال: "ليس قوم أشد نقضاً للإسلام من الجهمية والقدرية، وأما الجهمية فقد بارزوا الله؛ وأما القدرية فقد قالوا في الله عز وجل"
وأما البعد الثاني في خطورة هذه المقالة فهو كونها أول مقالة تعارض الوحي بالعقل، فلم تكن المقالات السابقة لهذه المقالة تطعن في الدين من هذا الجانب، فالخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة عند ظهورهم لم يدع أحد منهم أن عنده عقليات تعارض النصوص، وإنما أتوا من سوء الفهم للنصوص والاستبداد بما ظهر لهم منها دون من قبلهم، فكانوا ينتحلون النصوص ويستدلون بها على قولهم، ولا يدعون أنهم عندهم عقليات تعارض النصوص.
فأصحاب مقالة التعطيل هم الذين فتحوا هذا الباب العظيم من أبواب الشر إذ طعنوا في نصوص الوحي وقدموا شبههم العقلية عليها.
وأما البعد الثالث لهذه المقالة فهو ما أفرزته هذه المقالة من الفرق والآراء المنحرفة، فقد تولد عن هذه المقالة أنماط مختلفة وطروحات غريبة عن جوهر الإسلام وصفائه.
و ضربت هذه المقالة أطنابها في الفكر الإسلامي، ولا يتصور مدى الضرر الذي الحقته بحياة المسلمين وعقيدتهم.
فالتيار الفلسفي والكلامي بتفرعاته ومدارسه وطوائفه إنما هو نتاج هذه المقالة الخبيثة التي تولى كبر إظهارها شيخ المعطلة النفاة الجعد بن درهم، وتبعه في ذلك تلميذه الجهم بن صفوان ثم توالت طوائف الباطل تذكى نار هذه المقالة وتنفث من خلالها سمومها إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه.
اسمه ونسبه
لم تذكر المصادر والمراجع التي وقفت عليها إلا اسمه واسم أبيه فقط فهو "الجعد بن درهم"
وأشارت المصادر إلى أنه من الموالي وليس من العرب ولعل في كونه من الموالي ما يبرر اقتصار نسبه على اسمه واسم أبيه، فالعجم في الغالب لم تكن لهم عناية بحفظ أنسابهم بخلاف ما كان عليه الحال عند العرب.
وقد اختلف في ولائه لأي قبائل العرب:
فقال السمعاني والزبيدي وابن الأثير: (الجعد بن درهم مولى سويد بن غفلة)
وقال ابن كثير (ويقال إنه من موالي بني مروان)
وكذا قال الثعالبي نسبه إلى مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، أحد خلفاء بني أمية. وقال ابن نباتة (هو مولى بني الحكم) نسبة إلى الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي.
وهذه الأقوال متضاربة فالسمعاني والزبيدي وابن الأثير جزموا بولائه لسويد بن غفلة بن عوسجة الجعفي. والجعفي: بطن من سعد العشيرة، من القحطانية وهذا يتعارض مع ما ذكره ابن كثير ولم يجزم به والثعالبي حيث قالا: (ويقال إنه من بني مروان) وكذا قول ابن نباتة إنه مولى بني الحكم.
ولعل الصواب الذي يترجح عندي ما ذكره السمعاني والزبيدي وابن الأثير، فهم أدرى بهذا الجانب وعنايتهم به أكبر وقد جزموا بنسبته إلى سويد بن غفلة.
ويساورني الشك أن هناك تصحيفاً في كلام ابن كثير في البداية، عند قوله: (بني مروان) فلعل الصواب (بني مران) بدون واو، ولو كان الأمر كذلك فإن الأقوال تجتمع (فبنوا مران) بطن من جعفي، من سعد العشيرة والله أعلم بالصواب
أصول الجعد
هناك معلومة ذكرها ابن نباتة إن صحت فإن فيها إشارة إلى أصول الجعد العرقية التي يرجع إليها.
قال ابن نباتة: (ويروى أن أم مروان كانت أمة، وكان الجعد أخاها) فهذه المعلومة إن ثبتت فإنها تفيد أن الجعد يرجع في نسبه إلى أصول كردية. لأن أم مروان بن محمد كانت أم ولد كردية كما ذكر ذلك غير واحد من المؤرخين.
قال الطبري وابن الأثير في ترجمة مروان بن محمد: (وكانت أمه أم ولد كردية، كانت لإبراهيم ابن الأشتر أخذها محمد بن مروان يوم قتل إبراهيم فولدت مروان)
وقال ابن كثير: (وأمه أمة كردية يقال لها لبابة، وكانت لإبراهيم ابن الأشتر النخعي، أخذها محمد بن مروان يوم قتله، فاستولدها مروان هذا، ويقال إنها كانت لمصعب بن الزبير) وقال البلاذري: (وأمه كردية أخذها أبوه من عسكر ابن الأشتر، فيقال إنه أخذها وبها حَبَل فولدت مروان على فراشه)
وقال القلقشندي: (وأمه لبابة جارية إبراهيم بن الأشتر وكانت كردية)
ولكن ابن كثير يرى أن الجعد بن درهم يرجع إلى أصول فارسية حيث قال: "وأصله من خراسان" دون أن يذكر اسم المدينة التي ينتسب إليها. ويدعم هذا الرأي حادثة وقعت للجعد انتصر فيها لفارسيته.
قال ابن الأثير: (وقيل إن الجعد كان زنديقاً وعظه ميمون بن مهران (117هـ). فقال: "لشاة قباذ" أحب إلى مما تدين له) فكلمة "شاة قباذ" كلمة فارسية فـ"شاة": معناها "ملك" و"قُباذ": ملك من ملوك الفرس وهو قباذ بن فيروز والد كسرى أنوشروان.
معنى كلامه للملك قباذ أحب إلى من دين الإسلام. وفي هذا انتصار واضح للمجوسية الفارسية.
وعلى كل حال فإن الرجل ثبتت أعجميته، وعلى القول بأن أصول الجعد فارسية، فإن ذلك يدعم مقولة ابن حزم التي يقول فيها: (الأصل في أكثر خروج هذه الطوائف عن ديانة الإسلام أن الفرس كانوا من سعة الملك وعلو اليد على جميع الأمم وجلالة الخطر في أنفسهم، حتى إنهم يسمون أنفسهم الأحرار والأبناء، وكانوا يعدون سائر الناس عبيداً لهم؛ فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب، وكانت العرب أقل الأمم عند الفرس خطراً، تعاظمهم الأمر، وتضاعفت لديهم المصيبة، وراموا كيد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى، ففي كل ذلك يظهر الله سبحانه وتعالى الحق، فرأوا أن كيده على الحيلة أنجح، فأظهر قوم منهم الإسلام) وبلا شك أن الإسلام وأهله كانوا في تلك العصور في عزة ومنعة وتمكين، ولم يكن يجترئ كافر ولا منافق متعوذ بالإسلام من أبناء اليهود والنصارى وأنباط العراق أن يظهر ما في نفسه من الكفر وإنكار النبوة، فرقاً من السيف، وتخوفاً من الافتضاح. بل كانوا يتقلبون مع المسلمين بغم ويعيشون فيهم على رغم.
ولو استقرينا أهل البدع لوجدنا أكثرهم من العجم فالجهم بن صفوان خليفة الجعد ووارث بدعته من العجم، وكذا غيلان الدمشقي وهو من أوائل من تكلم في القدر كان من العجم، وكذا واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وغيرهم. وليس هذا غضاً من شأن العجم، ولكن أهل البدع منهم قد اجتمع فيهم الحقد على الإسلام وأهله، وجهلهم بهذا الدين ولغته التي نزل فيها، وقلة علمهم.
يتبع
تعليق