بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي –رحمه الله- في كتابه الرياض الناظرة :
الفصل السادس والثلاثون
فيما ينبغي سلوكه في معاشرة المؤمنين
فيما ينبغي سلوكه في معاشرة المؤمنين
أصل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً , وقوله لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأ خيه ما يحب لنفسه , واعلم أن الناس في معاشرة بعضهم لبعض درجات في الخير والشر لا تنضبط درجاته , وأغلب المعاشرات قليلة الجدوى عديمة الفائدة , بل كثير منها مؤد الخسران والأضرار الدينية والدنيوية .
ونذكر في هذا الموضع أعلى الأقسام وأنفعها وأبقاها ثمرة , فإن أدركها المؤمن بتوفيق الله وجدّه واجتهاده , فقد أدرك كل خير , وإن لم تقو نفسه على بلوغها فليجاهدها ولو على بعضها , وهي يسيرة على من يسرها الله عليه , فأصل ذلك أن تعتقد عزماً جازماً وعقيدة صادقة على محبة جميع المؤمنين والتقرب إلى الله في هذه المحبة , وتجتهد على تحقيقها على وجه العموم , وعلى وجه الخصوص , وعلى قلع ما يضادها أو يناقضها , فتعتقد أن تحقق القلب بمحبة المؤمنين عبادة من أجلّ العبادات وأفضل الطاعات , فتتخذ جميع المؤمنين إخواناً , تحب لهم ما تحب لنفسك من الخير , وتكره لهم ما تكرهه لنفسك من الشر , وتفقد قلبك في تحقيق هذا الأمر الجليل والاتصاف به , والاحتراز من ضده , من الغل والحقد والحسد , والبغض لأحدمنهم , ومتى رأيت من قلبك شيئاً من ذلك فبادر بقلعه , وسل الله أن لا يجعل في قلبك غلاً على أحد من المؤمنين , خاصتهم وعامتهم , وميز من له في الإيمان مقام جليل , كعلماء المسلمين وعبادهم بزيادة محبة بحسب مقاماتهم لتكون موافقاً لله في محبته , وتعاهد ذلك بالتحبب إلى المؤمنين بطلاقة الوجه , وحسن الخلق , والمعاملة الجميلة , فإنها في نفسها عبادة , وهي جالبة لتحقق القلوب بينك وبين المؤمنين بالمودة والرحمة .
ووطن نفسك على ما ينالك من الناس من أذى قولي ، أو أذى فعلي أو معاملة منهم بضد ما عاملتهم به من الإحسان ، فإن توطين النفس على ذلك يسهل عليك الأمر وتتلقى أذاهم بضده ، وليكن التقرب إلى الله عند ذلك على بالك ، فإن التقرب إلى الله هو الذي يهون عليك هذا الأمر الذي هو شديد على النفس ، واعلم أن هذا الوصف من أوصاف الكمل من أولياء الله وأصفيائه فبادر للاتصاف به ، فمن أبغضك و عاداك و هجرك فعامله بضد ذلك لتكسب الثواب ، وتكسب هذا الخلق الفاضل و تتعجل راحة قلبك ، و تخفف عن نفسك هم المعاداة ، وربما انقلب العدو صديقاً ، و المبغض محباً ، كما هو الواقع ، واعف عما صدر منهم لله ، فإن من عفى عن عباد الله عفى الله عنه ، و من سامحهم سامحه الله و من تفضل عليهم تفضل الله عليه ، والجزاء من جنس العمل ؛ و لينصبغ قلبك كل وقت بالإنابة إلى الله ، ومحبة الخير لعباد الله ، فإن من كان كذالك فقد تأصلت في قلبه أصول الخير التي تؤتي أكلها و ثمراتها كل حين بإذن ربها ، وبهذا يكون العبد أواباً ، إنه كان للأوابين غفوراً.
وإذا إجتمعت مع الناس فخالقهم على حسب درجاتهم ، الصغير والكبير والوضيع ، والعالم والجاهل ، كل أحد تكلم معه بالكلام الذي يناسبه ويليق بحاله ، ويدخل السرور عليه ، وبالكلام الذي له به ميدان ، معلماً للجاهل متعلماً ممن هو أعرف منك ، متشاوراً مع نظيرك فيما هو الأحسن والأصلح من الأمور الدينية والدنيوية ، آخذاً لخواطرهم موافقاً لهم على مطالبهم التي لا محذور فيها ، حريصاً على تأنيسهم وإدخال السرور بكل طريق مضمناً كلامك لكل أحد بما يناسبه من النصائح التي تنفع الدين والدنيا ومن الآداب الجميلة وحثهم على قيام كل منهم بما هو بصدده من الحقوق التي لله والتي للخلق ، موضحاً لهم الطرق المسهلة لفعل الخير والأسباب الصارفة عن الشر ، واقنع بالقليل إذا عجزت عن الكثير ، واعلم أن قبولهم وانقيادهم مع الرفق والسهولة أبلغ بكثير من سلوك طريق الشدة والعنف ، إلا حيث تلجئ الضرورة إلى ذلك فللضرورة أحكام .
وإذا إجتمعت مع الناس فخالقهم على حسب درجاتهم ، الصغير والكبير والوضيع ، والعالم والجاهل ، كل أحد تكلم معه بالكلام الذي يناسبه ويليق بحاله ، ويدخل السرور عليه ، وبالكلام الذي له به ميدان ، معلماً للجاهل متعلماً ممن هو أعرف منك ، متشاوراً مع نظيرك فيما هو الأحسن والأصلح من الأمور الدينية والدنيوية ، آخذاً لخواطرهم موافقاً لهم على مطالبهم التي لا محذور فيها ، حريصاً على تأنيسهم وإدخال السرور بكل طريق مضمناً كلامك لكل أحد بما يناسبه من النصائح التي تنفع الدين والدنيا ومن الآداب الجميلة وحثهم على قيام كل منهم بما هو بصدده من الحقوق التي لله والتي للخلق ، موضحاً لهم الطرق المسهلة لفعل الخير والأسباب الصارفة عن الشر ، واقنع بالقليل إذا عجزت عن الكثير ، واعلم أن قبولهم وانقيادهم مع الرفق والسهولة أبلغ بكثير من سلوك طريق الشدة والعنف ، إلا حيث تلجئ الضرورة إلى ذلك فللضرورة أحكام .
تعليق