قال البخاري في صحيحه : حدثنا إسماعيل حدثني مالكٌ عن أبي الزِّناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى يمرَّ الرجلُ بقبرِ الرجلِ فيقول: يا ليتني مكانه "
(كتاب الفتن/ باب لا تقوم الساعة حتى يُغبطَ أهل القبور/ حديث 7115)
قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث (13/75): قوله: " باب لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور ": بضم أوله وفتح ثالثه على البناء للمجهول بغين معجمة ثم موحدة ثم مهملة قال بن التين: غبطه بالفتح يغبطه بالكسر غبطاً وغبطة بالسكون والغبطة تمني مثل حال المغبوط مع بقاء حاله.. قوله: "حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه" أي كنت ميتاً، قال ابن بطال: تغبط أهل القبور وتمنى الموت عند ظهور الفتن إنما هو خوفُ ذهابِ الدينِ بغلبة الباطل وأهله وظهور المعاصي والمنكر، انتهى. وليس هذا عاماً في حق كل أحد وإنما هو خاص بأهل الخير، وأما غيرهم فقد يكون لما يقع لأحدهم من المصيبة في نفسه أو أهله أو دنياه وإن لم يكن في ذلك شيء يتعلق بدينه، ويؤيده ما أخرجه في رواية أبي حازم عن أبي هريرة عند مسلم: " لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجلُ على القبر فيتمرغ عليه ويقول: يا ليتني مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدين إلا البلاء " وذِكرُ الرجلِ فيه للغالب وإلا فالمرأة يتصور فيها ذلك، والسبب في ذلك ما ذكر في رواية أبي حازم أنه يقع البلاء والشدة حتى يكون الموت - الذي هو أعظم المصائب- أهون على المرء، فيتمنى أهون المصيبتين في اعتقاده، وبهذا جزم القرطبي وذكره عياض احتمالاً .. وقال ابن عبد البر: ظنَّ بعضهم أن هذا الحديث معارضٌ للنهي عن تمني الموت، وليس كذلك، وإنما في هذا أن هذا القدر سيكون لشدةٍ تنزلُ بالناس من فساد الحال في الدين أو ضعفه أو خوف ذهابه، لا لضرر ينزل في الجسم. كذا قال، وكأنه يريد أن النهي عن تمني الموت هو حيث يتعلق بضرر الجسم وأما إذا كان لضرر يتعلق بالدين فلا، وقد ذكره عياض احتمالاً أيضاً، وقال غيره: ليس بين هذا الخبر وحديث النهي عن تمني الموت معارضة لأن النهي صريح وهذا إنما فيه إخبار عن شدة ستحصل ينشأ عنها هذا التمني وليس فيه تعرض لحكمه، وإنما سيق للإخبار عما سيقع. قلت: ويمكن أخذ الحكم من الإشارة في قوله: " وليس به الدين إنما هو البلاء" فإنه سيق مساق الذم والإنكار، وفيه إيماء إلى أنه لو فعل ذلك بسبب الدين لكان محموداً، ويؤيده ثبوت تمني الموت عند فساد أمر الدين عن جماعة من السلف، قال النووي: لا كراهة في ذلك بل فعله خلائق من السلف منهم: عمر بن الخطاب، وعيسى الغفاري، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم، ثم قال القرطبي: كأن في الحديث إشارة إلى أن الفتن والمشقة البالغة ستقع حتى يخف أمر الدين ويقلَّ الاعتناء بأمره ولا يبقى لأحد اعتناء إلا بأمر دنياه ومعاشه نفسه وما يتعلق به ومن ثم عظُمَ قدرُ العبادة أيام الفتنة كما أخرج مسلم من حديث معقل بن يسار رفعه: " العبادة في الهرج كهجرة إليّ " ويؤخذ من قوله حتى يمر الرجل بقبر الرجل أن التمني المذكور إنما يحصل عند رؤية القبر وليس ذلك مرادا بل فيه إشارة إلى قوة هذا التمني لأن الذي يتمنى الموت بسبب الشدة التي تحصل عنده قد يذهب ذلك التمني أو يخف عند مشاهدة القبر والمقبور فيتذكر هول المقام فيضعف تمنيه فإذا تمادى على ذلك دل على تأكد أمر تلك الشدة عنده حيث لم يصرفه ما شاهده من وحشة القبر وتذكر ما فيه من الأهوال عن استمراره على تمني الموت، وقد أخرج الحاكم من طريق أبي سلمة قال: عدتُ أبا هريرة فقلت: اللهم اشف أبا هريرة فقال: اللهم لا ترجعها. إن استطعت يا أبا سلمةفمت والذي نفسي بيده ليأتينَّ على العلماء زمان الموت أحب إلى أحدهم من الذهب الأحمر وليأتين أحدهم قبر أخيه فيقول ليتني مكانه. وفي كتاب الفتن من رواية عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: يوشك أن تمر الجنازة في السوق على الجماعة فيراها الرجل فيهزُّ رأسه فيقول: يا ليتني مكان هذا قلت: يا أبا ذر إن ذلك لمن أمر عظيم؟ قال: أجل.
(كتاب الفتن/ باب لا تقوم الساعة حتى يُغبطَ أهل القبور/ حديث 7115)
قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث (13/75): قوله: " باب لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور ": بضم أوله وفتح ثالثه على البناء للمجهول بغين معجمة ثم موحدة ثم مهملة قال بن التين: غبطه بالفتح يغبطه بالكسر غبطاً وغبطة بالسكون والغبطة تمني مثل حال المغبوط مع بقاء حاله.. قوله: "حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه" أي كنت ميتاً، قال ابن بطال: تغبط أهل القبور وتمنى الموت عند ظهور الفتن إنما هو خوفُ ذهابِ الدينِ بغلبة الباطل وأهله وظهور المعاصي والمنكر، انتهى. وليس هذا عاماً في حق كل أحد وإنما هو خاص بأهل الخير، وأما غيرهم فقد يكون لما يقع لأحدهم من المصيبة في نفسه أو أهله أو دنياه وإن لم يكن في ذلك شيء يتعلق بدينه، ويؤيده ما أخرجه في رواية أبي حازم عن أبي هريرة عند مسلم: " لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجلُ على القبر فيتمرغ عليه ويقول: يا ليتني مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدين إلا البلاء " وذِكرُ الرجلِ فيه للغالب وإلا فالمرأة يتصور فيها ذلك، والسبب في ذلك ما ذكر في رواية أبي حازم أنه يقع البلاء والشدة حتى يكون الموت - الذي هو أعظم المصائب- أهون على المرء، فيتمنى أهون المصيبتين في اعتقاده، وبهذا جزم القرطبي وذكره عياض احتمالاً .. وقال ابن عبد البر: ظنَّ بعضهم أن هذا الحديث معارضٌ للنهي عن تمني الموت، وليس كذلك، وإنما في هذا أن هذا القدر سيكون لشدةٍ تنزلُ بالناس من فساد الحال في الدين أو ضعفه أو خوف ذهابه، لا لضرر ينزل في الجسم. كذا قال، وكأنه يريد أن النهي عن تمني الموت هو حيث يتعلق بضرر الجسم وأما إذا كان لضرر يتعلق بالدين فلا، وقد ذكره عياض احتمالاً أيضاً، وقال غيره: ليس بين هذا الخبر وحديث النهي عن تمني الموت معارضة لأن النهي صريح وهذا إنما فيه إخبار عن شدة ستحصل ينشأ عنها هذا التمني وليس فيه تعرض لحكمه، وإنما سيق للإخبار عما سيقع. قلت: ويمكن أخذ الحكم من الإشارة في قوله: " وليس به الدين إنما هو البلاء" فإنه سيق مساق الذم والإنكار، وفيه إيماء إلى أنه لو فعل ذلك بسبب الدين لكان محموداً، ويؤيده ثبوت تمني الموت عند فساد أمر الدين عن جماعة من السلف، قال النووي: لا كراهة في ذلك بل فعله خلائق من السلف منهم: عمر بن الخطاب، وعيسى الغفاري، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم، ثم قال القرطبي: كأن في الحديث إشارة إلى أن الفتن والمشقة البالغة ستقع حتى يخف أمر الدين ويقلَّ الاعتناء بأمره ولا يبقى لأحد اعتناء إلا بأمر دنياه ومعاشه نفسه وما يتعلق به ومن ثم عظُمَ قدرُ العبادة أيام الفتنة كما أخرج مسلم من حديث معقل بن يسار رفعه: " العبادة في الهرج كهجرة إليّ " ويؤخذ من قوله حتى يمر الرجل بقبر الرجل أن التمني المذكور إنما يحصل عند رؤية القبر وليس ذلك مرادا بل فيه إشارة إلى قوة هذا التمني لأن الذي يتمنى الموت بسبب الشدة التي تحصل عنده قد يذهب ذلك التمني أو يخف عند مشاهدة القبر والمقبور فيتذكر هول المقام فيضعف تمنيه فإذا تمادى على ذلك دل على تأكد أمر تلك الشدة عنده حيث لم يصرفه ما شاهده من وحشة القبر وتذكر ما فيه من الأهوال عن استمراره على تمني الموت، وقد أخرج الحاكم من طريق أبي سلمة قال: عدتُ أبا هريرة فقلت: اللهم اشف أبا هريرة فقال: اللهم لا ترجعها. إن استطعت يا أبا سلمةفمت والذي نفسي بيده ليأتينَّ على العلماء زمان الموت أحب إلى أحدهم من الذهب الأحمر وليأتين أحدهم قبر أخيه فيقول ليتني مكانه. وفي كتاب الفتن من رواية عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: يوشك أن تمر الجنازة في السوق على الجماعة فيراها الرجل فيهزُّ رأسه فيقول: يا ليتني مكان هذا قلت: يا أبا ذر إن ذلك لمن أمر عظيم؟ قال: أجل.