السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والصلاة والسلام على من لا نبى بعده
والصلاة والسلام على من لا نبى بعده
قد ثبت في السنة عدد من الأحاديث تدور حول هذه المسألة وهي :
عن أبي مجلز قال : خرج معاوية رضي الله عنه على ابن الزبير وابن عامر فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير ، فقال معاوية لابن عامر : اجلس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من أحب - وفي رواية : من سرّه - أن يتمثل الناس له قياما ًفليتبوأ مقعده من النار " رواه أبو داود ، والبخاري في الأدب المفرد ، والترمذي ، وأحمد ، والطحاوي في مشكل الآثلر والطبراني ، والبغوي ، والخطيب البغدادي وغيرهم0 قال الترمذي : حديث حسن 0 فتعقبه أستاذنا المحدث الألباني بقـــــــوله : " بل هو حديث صحيح ،
ثم أورد المحدث الألباني – أعلى الله منزلته في المهديين – شاهداً مرسلاً ، أخرجه الخطيب البغدادي في ( تاريخ بغداد ) 13 / 193 من طريق عبدالرزاق عن سليمان بن علي بن الجعد قال : سمعتُ أبي يقول : " لما أحضر المأمون أصحاب الجوهر ، فناظرهم على متاع كان معهم ، ثم نهض المأمون لبعض حاجته ثم خرج ، فقام كل من كان في المجلس إلا ابن الجعد ؛ فإنه لم يقم ، قال : فنظر إليه المأمون كهيئة المغضب ، ثم استخــلاه ، فقال : يا شيخ ! ما منعك أن تقوم لي كما قام أصحابك ؟ قال : أجللتُ أمير المؤمنين للحديث الذي نأثره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وما هو ؟ قال علي بن الجعد : سمعت المبارك بن فضالة يقول : سمعت الحسن يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " مَن أحب أن يتمثل الناس له قياما ، فليتبوأ مقعده من النار " قال : فأطرق المأمون متفكراً في الحديث ، ثم رفع رأسه ، فقال : لا يُشتَرى إلا من هذا الشيخ 0 قال : فاشترى منه في ذلك اليوم بقيمة ثلاثين ألف دينار "
قلت – أي الألباني - : فصدق في علي بن الجعد – وهو ثقة ثبت – قول الله عزوجل : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) الطلاق 2 0[2]
قال الأستاذ أبوالحسن الحدائي بعد إيراده لهذا الشاهد في " تذكرته " : " قلت : والحديث مرسل من مراسيل الحسن البصري لكنه صحيح بما قبله ، والله أعلم " ؛؛؛؛؛؛؛
ونحو هذه القصة ما أخرج الدينوري في " المنتقى من المجالسة " : حدثنا أحمد بن علي البصري قال : " وجّهالمتوكل إلى أحمد بن العدل وغيره من العلماء ، فجمعهم في داره ، ثم خرج عليهم ، فقام الناس كلهم إلا أحمد بن العدل ، فقال المتوكل لعبيد الله : إنَّ هذا الرجل لا يرى بيعتــنا 0فقال له : بلى يا أمير المؤمنين !
ولكن في بصره سوء 0 فقال أحمد بن العدل : يا أمير المؤمنين ! ما في بصري من سوء ، ولكنّني نزَّهتك من عذاب الله تعالى 0 قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من أحب أن يتمثل له الرجال قياما ؛ فلتبوأ مقعده من النار " ، فجاء المتوكل ، فجلس إلى جنبه " وروى ابن عساكر في " تاريخ دمشق " بسنده عن الأوزاعي : حدثني بعض حرس عمر بن عبدالعزيز قال :
" خرج علينا عمر بن عبدالعزيز ونحن ننتظره يوم الجمعة ، فلما رأيناه قمنا ، فقال : إذا رأيتمــوني ؛ فلا تقوموا ، ولكن توسعوا "
قال المحدث الألباني – أمتع الله بعلمه– مبينا ما دلّ عليه حديث معاوية رضي الله عنه :
(( دلنا هذا الحديث على أمرين : الأول : تحريم حب الداخل على الناس القيام منهم له ، وهو صريح الدلالة ، بحيث إنه لا يحتاج إلى بيان 0
الآخر : كراهة القيام من الجالسين للداخل ، ولو كان لا يحب القيام ، وذلك من باب التعاون على الخير ، وعدم فتح باب الشر ، وهذا معنى دقيق ، دلّنا عليه راوي الحديث معاويةرضي الله عنه ، وذلك بإنكاره على عبدالله بن عامر قيامه له ، واحتجّ عليه بالحديث ، وذلك من فقهه في الدين ، وعلمه بقواعد الشريعة ، التي منها سد الذرائع ، ومعرفته بطبائع البشر ، وتأثرهم بأسباب الخير والشر ، فإنك إذا تصورت مجتمعا صالحا كمجتمع السلف الأول ، لم يعتادوا القيام بعضهم لبعض ، فمن النادر أن تجد فيهم مَن يحب هذا القيام الذي يرديه في النار ، وذلك لعدم وجود ما يُذكِّر به ، وهو القيام نفسه ، وعلى العكس من ذلك ، إذا نظرت إلى مجتمع كمجتمعنا اليوم ، قد اعتادوا القيام المذكور ؛ فإن هذه العادة ، لا سيما مع الاستمرار عليها ، فإنها تُذكر به ، ثم إن النفس تتوق إليه وتشتهيه حتى تحبّه ، فإذا أحبه هلك ، فكان من باب التعاون على البر والتقوى أن يترك هذا القيام ، حتى لمن نظنه أنه لا يحبُّه ، خشية أن يجرّه قيامنا له إلى أن يحبه ، فنكون قد ساعدناه على إهلاك نفسه وذا لا يجوز
مسألة القيام للداخل
لفضيلة الشيخ حفظالله
محمد بن أحمد الفيفي
###
###
تعليق