قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص :"إنك إن تذر ذريتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكفّفون الناس "
عندا أسمع برجل من الذين أعرفهم بأنه توفي وأنه ترك ذرية صغارا ، أتساءل في نفسي كيف سيكون مستقبل هذه الأسرة ؟ وماذا ستفعل هذه الأرملة ؟ ومن سينفق عليها وعلى أولادها؟ ، أتساءل فبماذا ستفكر هذه الأرملة بعد انقضاء العدة ؟ ، هل تفكر في البحث عن عمل ؟ أو تفكر في البحث عن زوج ينفق عليها وعلى صبيانها ويحضنها لكي لا تقع في الحرام في يوم من الأيام؟
هذه بعض الأسئلة التي يقل منا من يفكر فيها قبل الموت ،من منا فكر وقال : إذا توفاني الله كيف سيكون مصير أولادي ؟ وهذه الزوجة الضعيفة التي تجد نفسها وحيدة من سينفق عليها ؟ ومن هذا الذي يقبلها عاملة بدون مقالب يغضب الله عز وجل ويوسخ اسمي وأنا في القبر ؟ ، نعم يوسخ اسمي الذي طالما كنت أسعى في أن يبقى مرفوعا حتى بعد الموت لأن هذه المرأة ستكون مضطرة إلى النفقة هي والصغار اليتامى ، وإذا لم تجد الحلال فلا يبقى إلا الطريق الثاني إذا كانت ضعيفة في إيمانها ولعياذ بالله
هذا واقعنا مع للأسف الشديد نقرؤه في الجرائد ولانترنت ونسمعه في المذياع ويشاهد بمرارة في التلفاز
فانهض أخي الكريم واحذر من التسويف ، قال بن عمر :" إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك "
انهض وفكر أنت وزوجك في طريق لا يغضب الله عز وجل ، ويترك اسمك واسم صغارك نظيفا ، فكر في طريق يخلص زوجك من التفكير المرير الذي تتخلله وساوس شياطين الإنس والجن ، " يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا "
هل قلت لزوجك في يوم من الأيام يا أيتها الزوجة الكريمة : إذا قدر الله وأصابني مرض مزمن أقعدني الفراش ، كيف ستكون حالنا وحال أولادنا ؟ وهل من عدة لذالك اليوم ؟
يا أيتها الزوجة الكريمة : كيف ستكون حالكم إذا وسدت التراب ؟ بماذا ستعيشين أنت وأولادك ؟
يا أيتها الزوجة : لسنا في زمن الصحابة ، الذي كان الرجل يسارع فيه إلى الزواج بأرملة صاحبه أو فريبه ،حتى ولو كان له زوجة أو زوجتان ، وإنما نحن في زمن تكثر فيه الأنياب الرخيصة التي لا تراك إلا فريسة
أقول بعد هذه الأسئلة : هل بدأت أنت وزوجك تفكران في الخروج من هذا المشكل الخطير ، هنا كل واحد منكما سيقول شيئا ، أنت الزوج ربما تقول : سأترك لكم كذا وكذا لكي تعيشوا حياة الكفاف والعفاف ، وهي تقول : سأتعلم كذا وكذا من المهن الطيبة وأستعين بها على العيش مع أولادي ، ربما تقول هذا أو نحوه
ولكن هناك طراز آخر من النساء تأثرن بالصالحات من نساء الصحابة ونساء التابعين اللواتي كانت إحداهن تقول لزوجها إذا خرج لطلب العيش ، يا أيها الرجل : اتق الله فينا ولا تطعمنا من الحرام ، فإنا نصبر على جوع الدنيا ولا نصبر على نار الآخرة ، هذا النوع من النساء يحتاج نساءنا إلى أن يجلسن ويتعلمن منهن ، أن التفكير في الأخلاق قبل التفكير في الأرزاق ، إن المرأة من هذا الطراز العالي ترضى أن تموت جوعا ولا ترضى أن تأكل بثدييها ، تجدها وهي مع زوجها في جلسة التفكير ، تدعوه إلى أن يتقي الله وتذكره بقول الله عز وجل الذي في سورة النساء :" وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا " ، تجدها تقول : ألم تقرأ قصة الغلامين اليتيمين ابني الرجل الصالح في سورة الكهف ؟ وكيف حفظهما الله تعالى بسبب صلاح والدهما ؟ قال الله تعالى :" وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك "
فإنني أدعوك إلى أن تفكر في هذا أولا ، وتعلم أن تقوى الله سبب قوي يحفظ الله تعالى بها أولادك ، فكن خليفة في الأرض كما أرادك الله ، يكن الله خليفة في أهلك ، قال الله تعالى :" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " ، وتأكد أنه لن يضيع أولادك هنا ، حال والدهم
ولنقرأ قصص من قبلنا وأولادهم تكن لنا عبرة نستفيد منها ، ونتعظ بها ، هؤلاء منهم من ترك لأولاده القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ، ولكن بعد مدة أصبحوا عالة يتكففون الناس ، ومنهم من لم يترك لأولاده شيئا ولكن بعد حين أصبحوا من الأغنياء ، لأن هذا الأخير كان يتقي الله في حياته فحفظ الله أولاده وأغناهم ولم يضيعهم ، بخلاف الأول الذي كان لا يتقي الله في هذه الدنيا :" نسوا الله فنسيهم " ، ثم تجدها تقول : يا أبا فلان وهل تساءلت يوما كيف سيتربى هؤلاء الصبيان ؟
هل تساءلت من سيرعاهم ويهتم بهم ؟ فيذهب بهم إلى الكتاب ، ثم يجيء بهم إلى البيت آمنين ؟ هل تساءلت من سيأخذهم إلى المسجد ليحافظوا على الصلاة في الجماعة ولا يتركوها ؟، هل تساءلت من سيحبب إليهم طلب العلم الشرعي ؟ وعلى رأس ذالك العقيدة والتوحيد ؟ ، هل تساءلت من هذا الذي يتفقدهم بين الحين والآخر ؟ ليعرف مع من يمشون من الأصدقاء ؟ هل مع الطيبين ؟ أم مع المفسدين ؟
أسئلة كثيرة هذا شيء منها ، يعني علينا أن نفكر في أن يتربى أولادنا تربية بدنية وتربية دينية ، ثم ثانيا بعد الكلام على التقوى وفوائدها الجلية في حفظ المال والأهل والأولاد ، لنتأمل ونفكر في قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لو أنكم تتوكلون على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا "، هنا لم يقل عليه الصلاة والسلام : تنام خماصا وتستيقظ بطانا ، لأنه لا بد من الحركة تغدوا وتروح ، كما قال الله تعالى في قصة مريم :"وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا " تأمل قوله تعالى :هزي
يعني فيه دعوة إلى الأخذ بالأسباب مع ما لابد منه وهو التوكل على الله عز وجل ، وهذا الكلام موجه إلى النساء ، وكما تعلمون النساء لسن سواء ، فكل بلد له عاداته وتقاليده في طرق الكسب الأرزاق ، ففي الجزائر مثلا : عندنا الكثير من الصالحات ـ ثبتهن الله ـ يستعن على طلب العيش بالنسيج أو الخياطة أو التجارة بالتوكيل ، توكل أخاها أو أباها أو غيرهما من المحارم ، كما كانت تفعل أمنا خديجة ـ رضي الله عنها وأرضاها ـ والربح يقتسمانه نصفين أو يكون للموكل الثلث ولها هي الثلثان ، المهم على حسب ما يتفقان عليه ، وهذا النوع من البيع يسمى المضاربة وهو جائز والحمد لله ، إلى آخره من الطرق المباحة التي يستعن بها على طلب المعاش وهي كثيرة والحمد لله ، بعد هذا التأمل أيها العشير: فكر في أن تشجع زوجك في البيت على تعلم مهنة أو أكثر لكي تعيش منها هي والأولاد في حال ما إذا قدر الله وأتاك الموت ، أو إذا قدر الله ومرضت مرضا قعدت بسببه قعودا مستديما ، فكر في شيء يكون طيبا ومناسبا ، ولا يجعل المرأة تضيع دينها وأولادها واعلما أن ما عند الله إنما ينال بطاعته عز وجل
ثم بعد هذا أيها الكريم : إليك حديث آخر لنتأمل فيه ، وإنه ورب الكعبة من أعظم الأحاديث في هذا الموضوع ، هذا الحديث هو قوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه :" إنك إن تذر ذريتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس " فهل فكرت في شيء تتركه للأولاد يعيشون منه كالزرع مثلا أو الحرث ، أو سيارة أجرة أو متجرا أو نحو ذالك من أبوب الرزق لكي يعيشوا في عز وأمان وكفاف، إذن لنفكر ونعد العدة حتى لا يضيع أولادنا ، وتفترسهم أنياب الذئاب وليكن أمام أعيننا دائما هو الحديث العظيم :" إنك إن تذر ذريتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس "
قبل الختام هناك شبه لا بد من اقتلاع جذورها من رؤوس الناس ، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أبا بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ بعد أن تصدق بماله كله ذات يوم ، سأله قائلا : ماذا تركت لأولادك ؟ فقال أبو بكر ـ رضي الله عنه :" تركت لهم الله ورسوله" ،هنا يقول الضلال ومن قلدهم : سأنقطع في المسجد وأترك الله لأهلي يأتيهم بالأرزاق من حيث لا ندري ، وفات هؤلاء الجهال أن أبا بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ عندما قال هذه الكلمة العظيمة ، لم يذهب إلى فراشه وتغطى وقال لأهله تركت لكم الله ورسوله ، وإنما كان يقصد أني سأعمل لأنفق على أهلي وكلي ثقة بأن الله لن يضيعنا وهو نعم المعين جل جلاله ، ممتثلا قوله عليه الصلاة والسلام :" استعن بالله ولا تعجز"، امتثل هذا الحديث امتثالا وخير دليل على ذالك أنه كان يبيع ويشتري في الأسواق بعد قوله ذالك ، وهذا بخلاف الجهلاء الذين عملوا بقوله عليه الصلاة والسلام :"استعن بالله " وخالفوه في قوله : ولا تعجز ، قال تعالى :" فليحذر الذين يخالفون في أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم
وفقني الله وأهلي وذريتي وإياكم أيها القراء لما يحبه ويرضاه ، وهدانا وإياكم سواء السبيل آمين
كتبه أبو عائشة معلم قرآن