(( وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ))
أيها الأحبة:
هل أنزل الله تعالى السحر؟؟؟
هل الملائكة كانت تعلم الناس السحر؟؟؟
هل هاروت وماروت ملائكة؟؟؟
وهل يجوز وهم ملائكة أن يعلموا الناس السحر؟؟؟
أم هما من البشر ويعلمون غيرهم السحر؟؟؟
أم كانت الشياطين هي التي تعلم الناس السحر؟؟؟
قال الله تعالى: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ
وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ
وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }البقرة102
أختلف المفسرين في تفسير هذه الآية اختلافاً كبيرا
وهذا الأختلاف كان على حسب ما فسروا به
(ما)
هل هي نافية؟؟؟
أم هي موصولة؟؟؟
قال تقي الدين الهلالي-رحمه الله:
))لا أعلم أية في كتاب الله تعالى تحيرت في تفسيرها كما تحيرت في تفسير هذه الآية؛
لأن الناس من زمان الصحابة إلى يومنا هذا اختلفوا في تفسيرها،
وأنا أستعين بالله وأختار القول الذي أراه صحيحا مطابقاً للأصول،وما أبريء نفسي من الخطأ،فأقول وبالله التوفيق:
أكثر المفسرين على أن
(ما)،موصولة،
فمعناها أن الشياطين كانوا يعلمون الناس السحر ويعلمونهم ما أنزل على الملكين (1)اللذين أنزلهما الله في بابل بأرض العراق يعلمان الناس السحر
فتنة لهم،
للتمييز بين من يؤمن بالله ويطيع الله ويلتزم حدوده،
وبين من اتبع هواه وكفر بالله وعصى أمره،
وكانا لا يعلمان أحداً حتى ينصحاه ويخبراه بالعاقبة الوخيمة لمن يتعلم السحر المشتمل على الكفر،
فإذا أبى إلا التعلم والعمل به علماه،
قالوا:
ولا مانع أن يبتلي الله عباده بمثل هذا.
وقال آخرون-منهم ابن جرير الطبري سيد المفسرين في زمانه-:
أن )،ما)،نافية؛
أي:لم ينزل الله السحر على الملكين،
وهما جبريل وميكائيل،
أو هما
ملكان آخران؛
لأن الله حرم السحر وجعله كفراً وشراً وفساداً،
فكيف ينزله على الملكين ليعلماه الناس،
وقد أخبر أن الشياطين هم الذين كفروا،
وهم الذين يعلمون الناس السحر،
فكيف يفعل الملكان ما تفعله الشياطين،
والله لطيف بعباده؟)
وهذا القول هو الذي انشرحت له نفسي،واطمأن إليه قلبي،
أما هاروت وماروت،
فعلى القول الأول،
هما اسمان للملكين،
وعلى القول الذي اخترته وتبعت فيه ابن جرير،
هما اسمان لرجلين من أهل بابل(2)
كانا يفعلان ذلك
وكانا مع ذلك ينصحان الناس بعدم التعلم،فمن أبى علماه وأدليا حبله على غاربه وحملاه إثم ذلك)).
(سبيل الرشاد) للعلامة الهلالي-رحمه الله-(1\164-166)
(الحاشية من تعليقات الشيخ مشهور-هداه الله وثبته- على سبيل الرشاد)
(1)- وقريء(على الملكين) بكسر اللام،وهي قراءة شاذة ولكنها صحيحة السند،ولا إشكال في القول بالنفي على هذه القراءة،أما على قراءة الفتح فقد قيل:إنهما كانا رجلين يشبهان الملائكة في صلاحهما.(انظر حاشية الجمل على الجلالين).
قال أبو عبيدة:المَلِكان-على هذه القراءة-يعني به:رجلين من بني آدم،وهي قراءة رويت عن ابن عباس والحسن بن علي وأبي الأسود الدؤلي والضحاك وابن أبزي وسعيد بن جبير والزهري وقتيبة عن الكسائي،ورد هذه القراءة الطبري وخطأها.
(2)- وعليه فإن هاروت وماروت بدل من الشياطين،وهذا-كما قال القرطبي-
أولى ما حملت عليه الآية وأصح،قال: (ولا يلتفت إلى ما سواه) وتبناه ابن كثير،وجوده شيخنا محمد نسيب الرفاعي-رحمه الله- في (تيسير العزيز الحميد)(1\84)فقال: (قلت:إننا مع ابن كثير في تبنيه تأويل القرطبي...
إلا في ما ذهب إليه القرطبي من أن هاروت وماروت بدل من الشياطين لأن الشياطين ليس من فطرتهم النصح لبني آدم حتى يقولوا لهم:
{إنما نحن فتنةٌ فلا تكفر}بل إن من أولى مهماتهم وفطرهم التي جبلوا عليها أن يفتنوا بني آدم ويغووهم.
لذا فإنني أرجح أن يكون هاروت وماروت بدلاً من الناس وعلى هذا....
يكون تأويل الآية:وما كفر سليمان وما أنزل على الملكين السحر،ولكن الشياطين كفروا بتعليمهم السحر للناس؛أي يعلمون هاروت وماروت اللذين هما رجلان من الناس ثم يعلم هذان الناس...وما يعلمان أحداً منهم حتى يقولا له:{ إنما نحن فتنةٌ فلا تكفر}.
فيكون هاروت وماروت بدلاً من الناس الذين من فطرتهم النصح
،وفي هذا ينزه الله عن تنزيل السحر على الملكين ثم ننزهما من تعليم السحر للناس
،والسحر هو في أساسه كفر فلن يستطيع أحد أن يعلم السحر إلا أن يكفر،ولا يستطيع المتعلم أن يتعلم إلا أن يكفر والملائكة منزهون عن الكفر وتعلمه وتعليمه.وإن الله لا يرضى لعباده الكفر).
وانظر لتفسير هذه الآيات: (جواهر الأفكار ومعادن الأسرار)للعلامة عبد القادر بن بدران-رحمه الله-(281-290)فقد أجاد وأفاد في ذلك.
أخوكم المحب:عماد الحديدي
تعليق