لقاء الشيخ ربيع -حفظه الله (عبر الهاتف) مع الشباب السلفي
(بولاية فيلادلفيا الأمريكية)
26/7/1427هـ الموافق 20/8/2006م
..................................................(بولاية فيلادلفيا الأمريكية)
26/7/1427هـ الموافق 20/8/2006م
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن مُحمَّدًا عبده ورسوله.{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } .
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
مرحباً بالإخوة الكرام في هذا اللقاء الذي –نسأل الله- تبارك وتعالى- أن يجعله مباركاً طيباً ونافعاً، وإني لأوصي نفسي وإياهم بما أوصى الله به الأوليين والآخرين ألا وهو تقوى الله -تبارك وتعالى- .
قال الله تعالى:( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ) النساء:131.
فهذه وصية الله عز وجل للأولين والآخرين بأن يتقوا الله، وتقوى الله أمر جامع لكل ما يشرعه الله وما يحظره وما يحرمه.
فمن تقوى الله أن تقوم بالواجبات التي شرعها الله على الوجه المطلوب الموافق لكتاب الله ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن تقوى الله أن تجتنب المحارم التي نهاك الله عنها في كل مجالاتها.
فإذا قمت بالأوامر على الوجه المطلوب واجتنبت النواهي على الوجه المطلوب فأنت –إن شاء الله- تصير في عداد المتقين الذين أثنى الله عليهم ثناءً عاطراً في كثير من الآيات وبين أنه يحبهم ووعدهم بجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. قال الله تعالى: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً{31} حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً{32} وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً{33} وَكَأْساً دِهَاقاً{34} لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا كِذَّاباً{35}) النبأ: (31-35).
وكم من الوعود الطيبة المباركة للمتقين ذكرها الله في كتابه، وذكرها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، فعلينا جميعاً أن نتمسك بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونقوم بما فيها من أوامر، ونجتنب ما فيها من نواه، ونعتقد ما فيها من عقائد تتعلق بالله تبارك وتعالى، وبأسمائه وصفاته وباليوم الآخر وبالملائكة والأنبياء، تتعلق بكل تشريعات الله، فنقوم بالأوامر ونجتنب النواهي، ونصدق بالأخبار وما فيها من الوعد والوعيد، على ما أشرت إليه ونصدق بما توعّد الله به غير المتقين من الكفار والمجرمين والفاسقين والعصاة.
نصدق بكل ذلك ونؤمن به، وما كان من وعد وخير وجزاء عظيم نحرص عليه، ونبذل كل الأسباب للوصول إليه – إن شاء الله- لنكون من المتقين الذين وعدهم الله هذه الوعود الطيبة المباركة، ونجتنب ما في القرآن والسنة من الوعيد للكافرين بالنار وبالعذاب الشديد وبالهلاك المبيد –والعياذ بالله- نجتنبه أشد الاجتناب، حتى نكون من المتقين.
وبالعلم النافع الذي نقرؤه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ونفهمه ونطبقه نبلغ درجة التقوى، ونستحق هذا الوعد العظيم الذي وعد به المتقين فنستحقه، ولكن لا يتأتى لنا ذلك إلا إذا عرفنا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فإذاً علينا بالعلم النافع، ندرس كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وندرس تفسير القرآن السلفي.
مثل:
1- تفسير ابن جرير الطبري
2- تفسير أبي مسعود البغوي
3- تفسير ابن كثير القرشي
4- تفسير عبدالرحمن السعدي
ومثل :
1 - تفسير ابن أبي حاتم
2 - تفسير عبدالرزاق
وقد وجد شيء منها كل هذه تفاسير سلفية مأمونة الجانب ليس فيها زلل ولا خطأ ولا انحراف في العقائد، وندرس سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ دراسة الراغب الجاد الحريص أن يصدق عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين).
ودراسة من يحرص أن يكون ممن يرفعه الله درجات، قال الله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) المجادلة:11.
ودراسة من يريد أن يتسنم مرتبة التقوى وذلك بخشية الله، قال الله تعالى: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء). فاطر:28.
لا يخشاه ويتقيه إلا العلماء، لأنهم يعرفون ما يجب عليهم فيقومون به ويعرفون ما حرمه الله عليهم فيجتنبونه.
وإّذا خلا الإنسان من العلم تخبط كثيراً وضيع كثيراً من الواجبات وارتكب كثيراً
من المحرمات.، من حيث يدري أو لا يدري.
هذه شهادة من الله –تبارك وتعالى- للعلماء العاملين بأنهم هم الذين يخشونه: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)، نسأل الله –تبارك وتعالى- أن يرزقنا خشيته ومراقبته سبحانه وتعالى.
وعَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ:
(وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ )
فترون في هذا الحديث العظيم الجامع، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم، وقد طلبوا منه النصيحة، نصيحة مودع، فأوصاهم بتقوى الله وأوصاهم بالسمع والطاعة لولاة أمور المسلمين، عادلين أو غير عادلين، ما داموا في دائرة الإسلام تجب طاعتهم في طاعة الله وتحرم طاعتهم في معصية الله، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ثم أوصاهم بالتمسك بالمنهج السديد الذي يعصم من الضلال – والعياذ بالله – فقال: (فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا) وهذا أمر حصل! فما هو سبيل النجاة في خضم هذه الاختلافات والصراعات؟!
الطريق الصحيح والسديد للنجاة هو أن تنظر ما الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العقائد والأعمال.
وماذا تضمنت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من العقائد والأعمال وما كان عليه الخلفاء الراشدون المهديون، الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرشاد ووصفهم بالهداية، فهم أهل رشد وأهل هداية فالأخذ بما هم عليه من أعظم وسائل النجاة من الضلال والضياع في الدنيا والخسران في الآخرة.
فالآن ومن قبل كثرت الاختلافات بين المسلمين، وكل يدّعي أنه على الحق ولو كان من أبعد الناس منه، ولكن المقياس الصحيح لمن هو على الحق أن يجعل ما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون حكماً في هذه الخلافات كما قال الله تبارك وتعالى: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)النساء:59.
فالمؤمن الصادق يحكِّم الله ورسوله في كل شيء في قضايا الخلاف وغيرها، ولكن كثيراً من الناس لا تسمح لهم نفوسهم أن يحتكموا إلى الله؛ بل يصرون على ما هم عليه كائناً ما كان ولا يسلكون هذا المسلك السديد الرشيد، الاحتكام إلى الله والأخذ بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، هذا الذي ينجي المؤمن الصادق المخلص.
و من أسباب الهلاك هذه الاختلافات التي تختلف وتخالف منهج الله تبارك وتعالى إلا من حكّم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الخلفاء الراشدون.
شيء آخر أوصيكم به هو أن تتآخوا في ذات الله، وأن تتحابوا فيه عز وجل فالمتحابون في الله في ظل عرش الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله، هذه المودة والمحبة في الله من أعظم أسباب السعادة –إن شاء الله- ومن أرجى الأعمال التي ترجي التي تنجي المؤمنين الصادقين إذا أخلص لله، وأحب أخاه في الله، ووالاه في الله، ونصره في الله، وعاونه من أجل الله، (وتعاونو على البر والتقوى)
عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا)
وعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ).
هذه الوصايا كلها؛ أرجو أن ينفعنا الله وإياكم بها وأن نلاحظها فإنها تضمنت وصايا كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم، ومن حاد عنها فقد عرّض نفسه للضياع .
كذلك مجانبة البدع والضلالات التي حذر الله منها، وحذر منها رسوله فلا يكون الرجل مؤمناً تقياً صادقاً في إيمانه إلا إذا جانب هذه البدع والضلالات التي كثيراً ما حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفها بأنها شر الأمور بل كان في جل خطبه أو كلها يحذر منها فيقول:
(أما بعد :فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها).
فلا تكون متقياً لله ملتزماً بكتب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا إذا جانبت كل ما خالف كتاب الله، ومن أضر وأشر ما خالف كتاب الله هذه البدع التي يتخبط فيها كثير من أهل الخلافات والاختلاف، من الفرق الضالة المنحرفة فيجب على المسلم أن يجتنبها وأن يربأ بنفسه عنها، فإن البدع عند أصحابها من حيث لا يشعرون اتهام لله ولكتابه ولرسوله، قال الله تعالى: (أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) المائدة:3.
قال مالك –رحمه الله- من ابتدع بدعة فقد اتهم الله واتهم دين الله بأنه غير كامل، ودين الله كامل كما في هذه الآية وكما في قوله صلى الله عليه وسلم (تركتم على البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك ) ويؤيد هذا الحديث قول الله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى{124} قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً{125} قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى{126}) طه:(124-126).
أسأل الله أن يوفقنا وإياكم للتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يجعلنا وإياكم من المتقين ومن المطيعين لله ومن المتبعين لهدي محمد صلى الله عليه وسلم وهدي خلفائه الراشدين وإن يجنبنا وإياكم سبل الضلال.
– إن ربنا لسميع الدعاء-
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
.................................................. .
وقد تفضل الشيخ / ربيع - حفظه الله -
بمراجعة هذا التفريغ :
بتاريخ (2/8/1427هـ الموافق 26/8/2006م
تعليق