بسم الله الرحمن الرحيم
من اعتبر الحساب الفلكي [ شرطًا ] لصحة الرؤية فقد استدرك على الله ورسوله
سماحة الإمام الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز : الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه ، أما بعد : فقد اطلعت على ما نشرته صحيفة " الدستور " الأردنية في عددها الصادر يوم 17/9/1407 هـ بقلم الدكتور / علي عبندة مدير الأرصادات العامة ، وعضو لجنة المواقيت في وزارة الأوقاف الأردنية . وما نشر في صحيفة " الشرق الأوسط " بتاريخ 15/11/1407 هـ بقلم المهندس / أمين عامر ، والخبر المنسوب للدكتور / رشاد قبيص مدير معهد البحوث الفلكية ، الذي نشرته جريدة " الأخبار " المصرية غرة رمضان سنة 1407 هـ - عفا الله عنا وعنهم - من جزمهم باعتماد الحساب في إثبات الأهلة .
وزعم الدكتور / علي عبندة بأن الحقائق العلمية تؤكد عدم إمكانية رؤية هلال رمضان مساء الاثنين 27/4/1987 م مطلقًا ، حيث قال : بغيابه قبل غروب الشمس بحوالي 20 دقيقة بناء على ما ذكره قبل ذلك من أن الحسابات الفلكية الدقيقة ، وجداول التقويم الهجري الإسلامي الذي أقرته معظم البلدان الإسلامية ومن بينها الأردن على آخر ما ذكر .
وبناء على ذلك رأيت أن أوضح للقراء ما في هذا الكلام من الخطر العظيم والجرأة على دين الله ورسوله ، ونبذ ما صحت به السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وراء الظهر ، وتقديم أقوال الفلكيين وأصحاب التقاويم على ما دل عليه كتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - من تعليق إثبات دخول الشهر وخروجه برؤية الهلال أو إكمال العدة .
وحكمه - صلى الله عليه وسلم - يعم زمانه وما بعده إلى يوم القيامة ؛ لأن الله - عز وجل - بعثه إلى العالمين بشريعة كاملة لا يعتريها نقص بوجه من الوجوه ، كما قال - سبحانه - : ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِينًا ﴾ . [ المائدة : 3 ] .
وهو - سبحانه - يعلم أن الفلكيين قد يخالفون ما يشهد به الثقات من رؤية الأهلة ، ولم يأمر عباده في كتابه أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالاعتماد على الحساب الفلكي ، أو اعتباره شرطاً في صحة الرؤية ، ومن اعتبر ذلك فقد استدرك على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - وألزم المسلمين بشرط لا أصل له في شرع الله المطهر ، وهو ألا تخالف الرؤية ما يدعيه الفلكيون من عدم ولادة الهلال أو عدم إمكان رؤيته .
وقد صرحت الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإبطال هذا الشرط والاعتماد على الرؤية أو إكمال العدة .
وقد أمر الله عباده عند التنازع أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى كتابه الكريم ، أو سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وأن يردوا ما اختلفوا فيه إلى حكمه وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ . [ النساء : 59 ] . وقال - عز وجل - : ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذَلِكُمُ اللهُ ﴾ . [ الشورى : 10 ] . وقال - عز وجل - : ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ . [ النساء : 65 ] .
وقد صحت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجوب اعتماد الرؤية في إثبات الأهلة أو إكمال العدد ، وهي أحاديث مشهورة مستفيضة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في " الصحيحين " وغيرهما ، وحكمه - صلى الله عليه وسلم - لا يختص بزمانه فقط ، بل يعم زمانه وما يأتي بعده إلى يوم القيامة ؛ لأنه رسول الله إلى الجميع .
والله - سبحانه - أرسله إلى الناس كافة وأمره أن يبلغهم ما شرعه لهم في إثبات هلال رمضان وغيره . وهو العالم بغيب السماوات والأرض والعالم بما سيحدث بعد زمانه - صلى الله عليه وسلم - من المراصد وغيرها ، ولم يثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قيد العمل بالرؤية بموافقة مرصد أو عدم وجود مخالفة لحساب الفلك . وهو - سبحانه - لا يعزب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء لا فيما سبق من الزمان ، ولا فيما يأتي إلى يوم القيامة ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إنا أمة امية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا ) وخنس إبهامه في الثالثة ، ( والشهر هكذا وهكذا وهكذا ) ، وأشار بأصابعه العشر ، ( فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ؛ فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين ) ، وفي لفظ آخر ( فأكملوا العدة ) يرشد بذلك أمته - عليه الصلاة والسلام - إلى أن الشهر تارة يكون تسعًا وعشرين وتارة يكون ثلاثين .
وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ) .
ولم يأمر بالرجوع إلى الحساب ، ولم يأذن في إثبات الشهور بذلك ، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في رسالة صنفها في هذه المسألة كما في المجلد (25) من " الفتاوى " - صفحة 132 - : الإجماع على أنه لا يجوز العمل بالحساب في إثبات الأهلة وهو - رحمه الله - من أعلم الناس بمسائل الإجماع والخلاف .
ونقل الحافظ في " الفتح " : (4/127) عن أبي الوليد الباجي إجماع السلف على عدم الاعتداد بالحساب ، وأن إجماعهم حجة على من بعدهم .
والأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كلها تدل على ما دل عليه الإجماع المذكور . ولست أقصد من هذا منع الاستعانة بالمراصد والنظارات على رؤية الهلال . ولكني أقصد منع الاعتماد عليها ، أو جعلها معيارًا للرؤية لا تثبت إلا إذا شهدت لها المراصد بالصحة أو بأن الهلال قد ولد . فهذا كله باطل .
ولا يخفى على كل من له معرفة بأحوال الحاسبين من أهل الفلك ما يقع بينهم من الاختلاف في كثير من الأحيان في إثبات ولادة الهلال أو عدمها . وفي أماكن الرؤية للهلال أو عدم ذلك . ولو فرضنا إجماعهم في وقت من الأوقات على ولادته أو عدم ولادته لم يكن إجماعهم حجة ؛ لأنهم ليسوا معصومين بل يجوز عليهم الخطأ جميعًا ، وإنما الإجماع المعصوم الذي يحتج به ، هو إجماع سلف الأمة في المسائل الشرعية ؛ لأنهم إذا أجمعوا دخلت فيهم الطائفة المنصورة التي شهد لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنها لا تزال على الحق إلى يوم القيامة .
وأما غيرهم فليس إجماعهم حجة تعارض بها الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ، كما يعلم ذلك من كتب الأصول وعلم مصطلح الحديث .
والرؤية لهلال رمضان هذا العام أعني عام 1407 هـ ليلة الثلاثاء قد ثبتت لدى " مجلس القضاء الأعلى " في المملكة العربية السعودية بهيئته الدائمة ، فهي رؤية شرعية يجب الاعتماد عليها ؛ لموافقتها للأدلة الشرعية ، وبطلان ما يعارضها . وبموجبها يكون يوم الثلاثاء أول يوم من رمضان للأحاديث السابقة ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( الصوم يوم تصومون ، والفطر يوم تفطرون ، والأضحى يوم تضحون ) .
ولو فرضنا أن المسلمين أخطأوا في إثبات الهلال دخولاً أو خروجًا وهم معتمدون في إثباته على ما صحت به السنة عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - لم يكن عليهم في ذلك بأس ، بل كانوا مأجورين ومشكورين من أجل اعتمادهم على ما شرعه الله لهم وصحت به الأخبار عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ، ولو تركوا ذلك من أجل قول الحاسبين مع قيام البينة الشرعية برؤية الهلال دخولاً أو خروجًا لكانوا آثمين وعلى خطر عظيم من عقوبة الله - عز وجل - ، لمخالفتهم ما رسمه لهم نبيهم وإمامهم محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - التي حذر الله منها في قوله - عز وجل - : ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ . [ النور : 63 ] ، وفي قوله - عز وجل - : ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ . [ الحشر : 7 ] ، وقوله - سبحانه - : ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ . [ النساء : 14 ] .
وأرجو أن يكون فيما ذكرته مقنع لطالب الحق وكشف للشبهة التي ذكرها الدكتور / علي عبندة وغيره ممن يعتمد على أقوال الحاسبين ، ويعطل الرؤية الشرعية ، والله - سبحانه - المسؤول أن يوفق هؤلاء الكاتبين وجميع المسلمين لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد والتمسك بشرع الله المطهر ، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، ومن القول على الله - سبحانه وتعالى - وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بغير علم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، وصلى الله وسلم على رسوله وخليله نبينا محمد وآله وصحبه ومن عظم سنته ، واهتدى بهديه إلى يوم الدين .
المصــــــــــــــــدر :
من اعتبر الحساب الفلكي [ شرطًا ] لصحة الرؤية فقد استدرك على الله ورسوله
سماحة الإمام الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز : الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه ، أما بعد : فقد اطلعت على ما نشرته صحيفة " الدستور " الأردنية في عددها الصادر يوم 17/9/1407 هـ بقلم الدكتور / علي عبندة مدير الأرصادات العامة ، وعضو لجنة المواقيت في وزارة الأوقاف الأردنية . وما نشر في صحيفة " الشرق الأوسط " بتاريخ 15/11/1407 هـ بقلم المهندس / أمين عامر ، والخبر المنسوب للدكتور / رشاد قبيص مدير معهد البحوث الفلكية ، الذي نشرته جريدة " الأخبار " المصرية غرة رمضان سنة 1407 هـ - عفا الله عنا وعنهم - من جزمهم باعتماد الحساب في إثبات الأهلة .
وزعم الدكتور / علي عبندة بأن الحقائق العلمية تؤكد عدم إمكانية رؤية هلال رمضان مساء الاثنين 27/4/1987 م مطلقًا ، حيث قال : بغيابه قبل غروب الشمس بحوالي 20 دقيقة بناء على ما ذكره قبل ذلك من أن الحسابات الفلكية الدقيقة ، وجداول التقويم الهجري الإسلامي الذي أقرته معظم البلدان الإسلامية ومن بينها الأردن على آخر ما ذكر .
وبناء على ذلك رأيت أن أوضح للقراء ما في هذا الكلام من الخطر العظيم والجرأة على دين الله ورسوله ، ونبذ ما صحت به السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وراء الظهر ، وتقديم أقوال الفلكيين وأصحاب التقاويم على ما دل عليه كتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - من تعليق إثبات دخول الشهر وخروجه برؤية الهلال أو إكمال العدة .
وحكمه - صلى الله عليه وسلم - يعم زمانه وما بعده إلى يوم القيامة ؛ لأن الله - عز وجل - بعثه إلى العالمين بشريعة كاملة لا يعتريها نقص بوجه من الوجوه ، كما قال - سبحانه - : ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِينًا ﴾ . [ المائدة : 3 ] .
وهو - سبحانه - يعلم أن الفلكيين قد يخالفون ما يشهد به الثقات من رؤية الأهلة ، ولم يأمر عباده في كتابه أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالاعتماد على الحساب الفلكي ، أو اعتباره شرطاً في صحة الرؤية ، ومن اعتبر ذلك فقد استدرك على الله وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - وألزم المسلمين بشرط لا أصل له في شرع الله المطهر ، وهو ألا تخالف الرؤية ما يدعيه الفلكيون من عدم ولادة الهلال أو عدم إمكان رؤيته .
وقد صرحت الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإبطال هذا الشرط والاعتماد على الرؤية أو إكمال العدة .
وقد أمر الله عباده عند التنازع أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى كتابه الكريم ، أو سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وأن يردوا ما اختلفوا فيه إلى حكمه وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ . [ النساء : 59 ] . وقال - عز وجل - : ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذَلِكُمُ اللهُ ﴾ . [ الشورى : 10 ] . وقال - عز وجل - : ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ . [ النساء : 65 ] .
وقد صحت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجوب اعتماد الرؤية في إثبات الأهلة أو إكمال العدد ، وهي أحاديث مشهورة مستفيضة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في " الصحيحين " وغيرهما ، وحكمه - صلى الله عليه وسلم - لا يختص بزمانه فقط ، بل يعم زمانه وما يأتي بعده إلى يوم القيامة ؛ لأنه رسول الله إلى الجميع .
والله - سبحانه - أرسله إلى الناس كافة وأمره أن يبلغهم ما شرعه لهم في إثبات هلال رمضان وغيره . وهو العالم بغيب السماوات والأرض والعالم بما سيحدث بعد زمانه - صلى الله عليه وسلم - من المراصد وغيرها ، ولم يثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قيد العمل بالرؤية بموافقة مرصد أو عدم وجود مخالفة لحساب الفلك . وهو - سبحانه - لا يعزب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء لا فيما سبق من الزمان ، ولا فيما يأتي إلى يوم القيامة ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إنا أمة امية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا ) وخنس إبهامه في الثالثة ، ( والشهر هكذا وهكذا وهكذا ) ، وأشار بأصابعه العشر ، ( فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ؛ فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين ) ، وفي لفظ آخر ( فأكملوا العدة ) يرشد بذلك أمته - عليه الصلاة والسلام - إلى أن الشهر تارة يكون تسعًا وعشرين وتارة يكون ثلاثين .
وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ) .
ولم يأمر بالرجوع إلى الحساب ، ولم يأذن في إثبات الشهور بذلك ، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في رسالة صنفها في هذه المسألة كما في المجلد (25) من " الفتاوى " - صفحة 132 - : الإجماع على أنه لا يجوز العمل بالحساب في إثبات الأهلة وهو - رحمه الله - من أعلم الناس بمسائل الإجماع والخلاف .
ونقل الحافظ في " الفتح " : (4/127) عن أبي الوليد الباجي إجماع السلف على عدم الاعتداد بالحساب ، وأن إجماعهم حجة على من بعدهم .
والأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كلها تدل على ما دل عليه الإجماع المذكور . ولست أقصد من هذا منع الاستعانة بالمراصد والنظارات على رؤية الهلال . ولكني أقصد منع الاعتماد عليها ، أو جعلها معيارًا للرؤية لا تثبت إلا إذا شهدت لها المراصد بالصحة أو بأن الهلال قد ولد . فهذا كله باطل .
ولا يخفى على كل من له معرفة بأحوال الحاسبين من أهل الفلك ما يقع بينهم من الاختلاف في كثير من الأحيان في إثبات ولادة الهلال أو عدمها . وفي أماكن الرؤية للهلال أو عدم ذلك . ولو فرضنا إجماعهم في وقت من الأوقات على ولادته أو عدم ولادته لم يكن إجماعهم حجة ؛ لأنهم ليسوا معصومين بل يجوز عليهم الخطأ جميعًا ، وإنما الإجماع المعصوم الذي يحتج به ، هو إجماع سلف الأمة في المسائل الشرعية ؛ لأنهم إذا أجمعوا دخلت فيهم الطائفة المنصورة التي شهد لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنها لا تزال على الحق إلى يوم القيامة .
وأما غيرهم فليس إجماعهم حجة تعارض بها الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ، كما يعلم ذلك من كتب الأصول وعلم مصطلح الحديث .
والرؤية لهلال رمضان هذا العام أعني عام 1407 هـ ليلة الثلاثاء قد ثبتت لدى " مجلس القضاء الأعلى " في المملكة العربية السعودية بهيئته الدائمة ، فهي رؤية شرعية يجب الاعتماد عليها ؛ لموافقتها للأدلة الشرعية ، وبطلان ما يعارضها . وبموجبها يكون يوم الثلاثاء أول يوم من رمضان للأحاديث السابقة ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( الصوم يوم تصومون ، والفطر يوم تفطرون ، والأضحى يوم تضحون ) .
ولو فرضنا أن المسلمين أخطأوا في إثبات الهلال دخولاً أو خروجًا وهم معتمدون في إثباته على ما صحت به السنة عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - لم يكن عليهم في ذلك بأس ، بل كانوا مأجورين ومشكورين من أجل اعتمادهم على ما شرعه الله لهم وصحت به الأخبار عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ، ولو تركوا ذلك من أجل قول الحاسبين مع قيام البينة الشرعية برؤية الهلال دخولاً أو خروجًا لكانوا آثمين وعلى خطر عظيم من عقوبة الله - عز وجل - ، لمخالفتهم ما رسمه لهم نبيهم وإمامهم محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - التي حذر الله منها في قوله - عز وجل - : ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ . [ النور : 63 ] ، وفي قوله - عز وجل - : ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ . [ الحشر : 7 ] ، وقوله - سبحانه - : ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ . [ النساء : 14 ] .
وأرجو أن يكون فيما ذكرته مقنع لطالب الحق وكشف للشبهة التي ذكرها الدكتور / علي عبندة وغيره ممن يعتمد على أقوال الحاسبين ، ويعطل الرؤية الشرعية ، والله - سبحانه - المسؤول أن يوفق هؤلاء الكاتبين وجميع المسلمين لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد والتمسك بشرع الله المطهر ، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، ومن القول على الله - سبحانه وتعالى - وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بغير علم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، وصلى الله وسلم على رسوله وخليله نبينا محمد وآله وصحبه ومن عظم سنته ، واهتدى بهديه إلى يوم الدين .
المصــــــــــــــــدر :