السلام عليكم هذه اول مشاركة معكم ونقدم لكم ماكتبه الشيخ توفيق عمروني في مجلة الاصلاح الجزائرية حفضه الله ورعاهلا شكَّ أنَّنا نعيش عصرًا لم يسبق له مثيل في تاريخ البَشر من حيث التَّطور الصِّناعي والمعرفي الهائل، إذ سهلت فيه وسائل العلم والتَّعلم والاتصال بصورة عجيبة ورهيبة لم يعرفها النَّاس من قبل أبدًا، إلاَّ أنَّ ذلك لم يمنع من أن تنطمس معالمُ الشَّرع الحكيم، ويُتناسى كثيرٌ من العلم الصَّحيح، ورانَ الجهلُ بالدِّين وأحكامِه على عقولِ كثير من المسلمين، وصاروا لا يفرَِّقون بين الحقِّ الثَّابت بالدَّليل، وبين الباطل العاري من الدَّليل.
ومن أسباب خفاء الحقِّ والتباسه على النَّاس، أنَّ حِكمة الله عز وجل اقتضت أنَّه ما أوجَد من يَدعُو النَّاس إلى الحقِّ ويدافعُ عنه إلاَّ وأوجَدَ أيضًا من يُقاومُهُ ويَدفعُهُ، وإذا رُفِعت رايةُ الإصْلاحِ وشِعارُ هَدم الباطِلِ، فإنَّ مِنَ النَّاس مَن يَبني له المعالمَ، ويرفَعُ له الصُّروحَ، فهذِه حكمَةُ الله في كونِه وخَلقِه، ولا تزيدُ المحِقَّ إلا تثبيتًا وشدَّةً وعزمًا وسدَادًا، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُون﴾[الأنعام:112]، وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾[الفرقان:31].
فالدَّعوة السَّلفية المباركة كَثُر مناوئوها وتسلَّط مخالفُوها واجتمعت كلمة معارضيها من أهل القبلة وغيرهم على رميها عن قوس واحدة، وأطلقُوا العَنان لألسنتهم وأقلامهم، فلَم يدَعوا عيبًا ولا سبَّةً ولا منقصَةً ولا شيئًا يَشين ولا يزين إلاَّ وألصقوه بالسَّلفية والسَّلفيِّين، حتَّى أوهموا السُّذَّجَ من النَّاس أنَّ هذه الدَّعوة المباركة هي سبب كلِّ مصيبةٍ وبليَّةٍ لحقَت بالأمَّة الإسلاميَّة، وأنَّها دعوةٌ للتَّخلُّف وترك أسباب الحضارة، وقتل المواهب وأنَّها حرب على العقل والإبداع، ورمز للتَّطرُّف والغُلوِّ إلى غير ذلك من الاتِّهامات الباطلة والافتراءات السَّافلة.
وليس هذا بمُستغرب؛ فدعوة الحقِّ عبر جميع العصور تجابَه بالعداء السَّافر والمعارضَة الشَّديدة من أصحاب الشُّبهات وأتباع الشَّهوات وأسارى الهوى؛ لأنَّها بالنِّسبة لهم خطر داهم يقضُّ مضاجعهم ويزيل عروشهم ويكسر شوكتهم؛ لأنَّها تفكُّ قلوبَ الناس وتحرِّر عقولهم من أسر الهوى وفتنة الشبهة والخرافة، وتأخذ بها إلى أفُق التَّوحيد والعبودية لله ربِّ العالمين ورَحابة الاتِّباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون سواه.
ولو تأنَّى هؤلاء المتحاملون الجاهلون أو المتجاهلون الَّذين يتكلَّمون ويكتبون بنفسيَّات استفزازيَّة انفعاليَّة خالية من روح العلم وآداب أهله، لظَهر لهم أنَّ هذه الدَّعوة لا تعدو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ومن تبعهم من الأئمَّة الأعلام؛ لأنَّ معنى السَّلفيَّة ـ باختصار ـ هي الدَّعوة إلى الإسلام الذي أَرسل الله تعالى به رسُولَه الكريم صلى الله عليه وسلم وطبَّقه مع صحابته الأجلاء رضي الله عنهم، ونبذ كلِّ ما خالف هذا الإسلام الصَّحيح النَّقي الصَّافي؛ فمِن المستهجن جدًّا أن يسوِّد أحدهم القرطاس بقوله: «هذه السَّلفيَّة التي يريدُ القومُ أن نتركَ إسلامَنا لأجلِها» وهل السَّلفيَّة شيءٌ غيرَ الإسلام!؟ وهل دعاة السَّلفيَّة يريدون منك غير الإسلام!؟ بل دعوتهم كما قال الشَّيخ ابن باديس رحمه الله في بعض ما كتبه عن الجمعيَّة: «ونحنُ إنَّما ندعو إلى قديم من الدِّين أساسُه الوحيُ الصَّادق والرَّأيُ المعصوم، لا إلى جديد من محدَثاتِ الآراء، ومضلاَّتِ الأهوَاء».
ومهما كانت الدَّوافع لهؤلاء المتحاملين، فإنَّ ذلك لا يسوِّغ تهجُّمهم وتشكيكهم في سلامة منهج هذه الدَّعوة، والطَّعن في أعلامها وتسفيه علمائها والقدح في المنتسبين إليها، فيتربَّصون الدَّوائر ويتتبَّعون الهفوات ويترقَّبون السَّقطات، ليبنوا عليها العوالي وناطحات السَّحاب، فليس من العدل في شيء أن نحمِّل السَّلفيَّةَ زلَّةً زلَّت بها قدمُ عالم سلفي، ولا خطأ وقع فيه داعية من دعاتها، ولا تصرُّف غير سديد سلكه أحد عوام السَّلفيِّين، ثمَّ ليس كلُّ من تسمَّى بالسَّلفيَّة عدَّ سلفيًّا؛ ولو كان مجانبًا لأصول هذه الدَّعوة وقواعدها ومنهجها، فنقول لهم: إنَّ هذه الدَّعوة المبارَكة لا يضرُّها أبدًا تقصير مقصِّر ولا خطأ مخطئ، ولا ذنب مذنِب، فالدِّيانة والموضوعيَّة تملي عليكم أيُّها المناوؤون الحانقون أن تنصِفوا وتعدِلوا في أقوالكم وأحكامِكم حتَّى لا تجوروا وتظلموا، فتصدروا حكمًا على الدَّعوة على ضوء تصرُّف بعض أفرادها المنتسبين إليها، إذ لو كان الأمر كذلك لحكمنا على الإسلام حكما غير مرضيٍّ لسوء تصرُّف بعض أفراده الَّذين شوَّهوا جماله وصفاءه وحرَّفوا عقائدَه وأصولَه، فالحكم على الإسلامِ شيءٌ، والحكم على المنتسبين إليه شيء آخر، إذ منهم الظالم لنفسه، ومنهم المقتصد، ومنهم السابق بالخيرات.
فالسَّلفية براء من كلِّ حزبيَّة مقيتة، ومن كلِّ نعرة عصبيَّة مُنتنة مفرِّقة.
والسَّلفيَّة براء من كلِّ من يطعن في أئمَّة الدين وعلماء المسلمين المتقدِّمين والمتأخِّرين.
والسَّلفية براء من كلِّ فكر تكفيريٍّ خارجي مارق.
والسَّلفية براء من كلِّ فكر غال متطرِّف يدعو لتقتيل المسلمين وإراقة دمائهم واستباحة أعراضهم وأموالهم.
والسَّلفية براء أيضًا من كلِّ مميِّع للدِّين مستهتر بأحكام الشَّرع المطهَّر.
فمن أراد أن ينتقد أو أن يعترض وجب عليه قبل كلِّ شيء أن يستحضر وقوفَه بين يدي ربِّه عز وجل؛ لأنَّ الله تعالى سائلُه لا محالة عن قصده وهو أعلمُ به، ثمَّ ينبغي له أن يتكلَّم بعلمٍ ـ والعلم إمَّا نقلٌ مصدَّق عن معصوم، وإمَّا قول عليه دليل معلوم ـ وتثبُّتٍ وبعدلٍ وإنصاف، وأن يتصوَّر الأمر قبل الحكم عليه، فلا يتكلَّف ما لا يحسن، ولا يتعنَّى ما لا يُتقِن، ويتجنَّب الغمز واللَّمز، ويترك الطَّعن واللَّعن جانبًا، ويدع التَّهويل والتَّشنيع والسِّباب، قال تعالى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾[الأنعام: 152]، فالحجَّة تُقارَع بالحجَّة، والدَّليل يقابَل بالدَّليل، وقالوا قديما: تكلَّم بعلم أو اسكُت بحِلم.
وإنَّ هذه الدَّعوة المباركة الميمونة دلائلها معلومة، وأعلامها منشورة ظاهرة، وحججها قاهرة، وماضية إلى قيام السَّاعة، ولن يصدَّ مُضيَّها تشغيب المشاغبين، ولا كلام المتعسِّفين، وأمَّا سكوت أهل الحقِّ عن ردِّ تلك الأباطيل والأراجيف فليس عن جهلِ وعيٍّ، وإنَّما لحكمةٍ وحاجة في النُّفوس، ولله درُّ من قال:
فعلى كلِّ من يريدُ الخيرَ لنفسه ولأمَّته أن يسلك في جميع أحواله سبيل الرُّشد والإنصاف، ويعدل عن طريق التَّعدي والاعتساف، وليعلم أن الباطل لا يدوم، كتب إسحاق بن راهويه إلى أبي زرعة: «لا يهولنَّك الباطل؛ فإنَّ للباطل جولةٌ ثمَّ يتلاشَى» [«مقدمة الجرح والتعديل» ص342].
والله المسؤول أن يرينا الحقَّ حقًّا ويوفِّقنا لاتِّباعه، وأن يرينا الباطلَ باطلاً ويُعينَنا على اجتنابه، إنه خير مسؤول وأكرم مأمول، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
ومن أسباب خفاء الحقِّ والتباسه على النَّاس، أنَّ حِكمة الله عز وجل اقتضت أنَّه ما أوجَد من يَدعُو النَّاس إلى الحقِّ ويدافعُ عنه إلاَّ وأوجَدَ أيضًا من يُقاومُهُ ويَدفعُهُ، وإذا رُفِعت رايةُ الإصْلاحِ وشِعارُ هَدم الباطِلِ، فإنَّ مِنَ النَّاس مَن يَبني له المعالمَ، ويرفَعُ له الصُّروحَ، فهذِه حكمَةُ الله في كونِه وخَلقِه، ولا تزيدُ المحِقَّ إلا تثبيتًا وشدَّةً وعزمًا وسدَادًا، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُون﴾[الأنعام:112]، وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾[الفرقان:31].
فالدَّعوة السَّلفية المباركة كَثُر مناوئوها وتسلَّط مخالفُوها واجتمعت كلمة معارضيها من أهل القبلة وغيرهم على رميها عن قوس واحدة، وأطلقُوا العَنان لألسنتهم وأقلامهم، فلَم يدَعوا عيبًا ولا سبَّةً ولا منقصَةً ولا شيئًا يَشين ولا يزين إلاَّ وألصقوه بالسَّلفية والسَّلفيِّين، حتَّى أوهموا السُّذَّجَ من النَّاس أنَّ هذه الدَّعوة المباركة هي سبب كلِّ مصيبةٍ وبليَّةٍ لحقَت بالأمَّة الإسلاميَّة، وأنَّها دعوةٌ للتَّخلُّف وترك أسباب الحضارة، وقتل المواهب وأنَّها حرب على العقل والإبداع، ورمز للتَّطرُّف والغُلوِّ إلى غير ذلك من الاتِّهامات الباطلة والافتراءات السَّافلة.
وليس هذا بمُستغرب؛ فدعوة الحقِّ عبر جميع العصور تجابَه بالعداء السَّافر والمعارضَة الشَّديدة من أصحاب الشُّبهات وأتباع الشَّهوات وأسارى الهوى؛ لأنَّها بالنِّسبة لهم خطر داهم يقضُّ مضاجعهم ويزيل عروشهم ويكسر شوكتهم؛ لأنَّها تفكُّ قلوبَ الناس وتحرِّر عقولهم من أسر الهوى وفتنة الشبهة والخرافة، وتأخذ بها إلى أفُق التَّوحيد والعبودية لله ربِّ العالمين ورَحابة الاتِّباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون سواه.
ولو تأنَّى هؤلاء المتحاملون الجاهلون أو المتجاهلون الَّذين يتكلَّمون ويكتبون بنفسيَّات استفزازيَّة انفعاليَّة خالية من روح العلم وآداب أهله، لظَهر لهم أنَّ هذه الدَّعوة لا تعدو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ومن تبعهم من الأئمَّة الأعلام؛ لأنَّ معنى السَّلفيَّة ـ باختصار ـ هي الدَّعوة إلى الإسلام الذي أَرسل الله تعالى به رسُولَه الكريم صلى الله عليه وسلم وطبَّقه مع صحابته الأجلاء رضي الله عنهم، ونبذ كلِّ ما خالف هذا الإسلام الصَّحيح النَّقي الصَّافي؛ فمِن المستهجن جدًّا أن يسوِّد أحدهم القرطاس بقوله: «هذه السَّلفيَّة التي يريدُ القومُ أن نتركَ إسلامَنا لأجلِها» وهل السَّلفيَّة شيءٌ غيرَ الإسلام!؟ وهل دعاة السَّلفيَّة يريدون منك غير الإسلام!؟ بل دعوتهم كما قال الشَّيخ ابن باديس رحمه الله في بعض ما كتبه عن الجمعيَّة: «ونحنُ إنَّما ندعو إلى قديم من الدِّين أساسُه الوحيُ الصَّادق والرَّأيُ المعصوم، لا إلى جديد من محدَثاتِ الآراء، ومضلاَّتِ الأهوَاء».
ومهما كانت الدَّوافع لهؤلاء المتحاملين، فإنَّ ذلك لا يسوِّغ تهجُّمهم وتشكيكهم في سلامة منهج هذه الدَّعوة، والطَّعن في أعلامها وتسفيه علمائها والقدح في المنتسبين إليها، فيتربَّصون الدَّوائر ويتتبَّعون الهفوات ويترقَّبون السَّقطات، ليبنوا عليها العوالي وناطحات السَّحاب، فليس من العدل في شيء أن نحمِّل السَّلفيَّةَ زلَّةً زلَّت بها قدمُ عالم سلفي، ولا خطأ وقع فيه داعية من دعاتها، ولا تصرُّف غير سديد سلكه أحد عوام السَّلفيِّين، ثمَّ ليس كلُّ من تسمَّى بالسَّلفيَّة عدَّ سلفيًّا؛ ولو كان مجانبًا لأصول هذه الدَّعوة وقواعدها ومنهجها، فنقول لهم: إنَّ هذه الدَّعوة المبارَكة لا يضرُّها أبدًا تقصير مقصِّر ولا خطأ مخطئ، ولا ذنب مذنِب، فالدِّيانة والموضوعيَّة تملي عليكم أيُّها المناوؤون الحانقون أن تنصِفوا وتعدِلوا في أقوالكم وأحكامِكم حتَّى لا تجوروا وتظلموا، فتصدروا حكمًا على الدَّعوة على ضوء تصرُّف بعض أفرادها المنتسبين إليها، إذ لو كان الأمر كذلك لحكمنا على الإسلام حكما غير مرضيٍّ لسوء تصرُّف بعض أفراده الَّذين شوَّهوا جماله وصفاءه وحرَّفوا عقائدَه وأصولَه، فالحكم على الإسلامِ شيءٌ، والحكم على المنتسبين إليه شيء آخر، إذ منهم الظالم لنفسه، ومنهم المقتصد، ومنهم السابق بالخيرات.
فالسَّلفية براء من كلِّ حزبيَّة مقيتة، ومن كلِّ نعرة عصبيَّة مُنتنة مفرِّقة.
والسَّلفيَّة براء من كلِّ من يطعن في أئمَّة الدين وعلماء المسلمين المتقدِّمين والمتأخِّرين.
والسَّلفية براء من كلِّ فكر تكفيريٍّ خارجي مارق.
والسَّلفية براء من كلِّ فكر غال متطرِّف يدعو لتقتيل المسلمين وإراقة دمائهم واستباحة أعراضهم وأموالهم.
والسَّلفية براء أيضًا من كلِّ مميِّع للدِّين مستهتر بأحكام الشَّرع المطهَّر.
فمن أراد أن ينتقد أو أن يعترض وجب عليه قبل كلِّ شيء أن يستحضر وقوفَه بين يدي ربِّه عز وجل؛ لأنَّ الله تعالى سائلُه لا محالة عن قصده وهو أعلمُ به، ثمَّ ينبغي له أن يتكلَّم بعلمٍ ـ والعلم إمَّا نقلٌ مصدَّق عن معصوم، وإمَّا قول عليه دليل معلوم ـ وتثبُّتٍ وبعدلٍ وإنصاف، وأن يتصوَّر الأمر قبل الحكم عليه، فلا يتكلَّف ما لا يحسن، ولا يتعنَّى ما لا يُتقِن، ويتجنَّب الغمز واللَّمز، ويترك الطَّعن واللَّعن جانبًا، ويدع التَّهويل والتَّشنيع والسِّباب، قال تعالى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾[الأنعام: 152]، فالحجَّة تُقارَع بالحجَّة، والدَّليل يقابَل بالدَّليل، وقالوا قديما: تكلَّم بعلم أو اسكُت بحِلم.
وإنَّ هذه الدَّعوة المباركة الميمونة دلائلها معلومة، وأعلامها منشورة ظاهرة، وحججها قاهرة، وماضية إلى قيام السَّاعة، ولن يصدَّ مُضيَّها تشغيب المشاغبين، ولا كلام المتعسِّفين، وأمَّا سكوت أهل الحقِّ عن ردِّ تلك الأباطيل والأراجيف فليس عن جهلِ وعيٍّ، وإنَّما لحكمةٍ وحاجة في النُّفوس، ولله درُّ من قال:
أيُّها الموحـي إلينـا نَفثـةَ الصَّلِّ الصَّمُـوت
ما سكتنا عنك عِيًّـا ربَّ نطقٍ في السُّكـوت
لـك بيتٌ في البُيوت مثل بيتِ العَنكبُـوت
والله المسؤول أن يرينا الحقَّ حقًّا ويوفِّقنا لاتِّباعه، وأن يرينا الباطلَ باطلاً ويُعينَنا على اجتنابه، إنه خير مسؤول وأكرم مأمول، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.