بسم الله الرحمن الرحيم
الإضراب عن الطعام جاهلية
الإضراب عن الطعام جاهلية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فتاريخ الإضراب عن الطعام من زمن طويل من عهد الجاهلية الأولى.
عن مصعب بن سعد، عن أبيه، أنه نزلت فيه آيات من القرآن قال: حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبدا حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب، قالت: زعمت أن الله وصاك بوالديك، وأنا أمك، وأنا آمرك بهذا. قال: مكثت ثلاثا حتى غشي عليها من الجهد، فقام ابن لها يقال له عمارة، فسقاها، فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله عز وجل في القرآن هذه الآية: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك على أن تشرك بي} وفيها {وصاحبهما في الدنيا معروفا} [لقمان: 15] قال: وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنيمة عظيمة، فإذا فيها سيف فأخذته، فأتيت به الرسول صلى الله عليه وسلم، فقلت: نفلني هذا السيف، فأنا من قد علمت حاله، فقال: (رده من حيث أخذته) فانطلقت، حتى إذا أردت أن ألقيه في القبض لامتني نفسي، فرجعت إليه، فقلت: أعطنيه، قال فشد لي صوته (رده من حيث أخذته) قال فأنزل الله عز وجل: {يسألونك عن الأنفال} [الأنفال: 1] قال: ومرضت فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتاني، فقلت: دعني أقسم مالي حيث شئت، قال فأبى، قلت: فالنصف، قال فأبى، قلت: فالثلث، قال فسكت، فكان، بعد الثلث جائزا. قال: وأتيت على نفر من الأنصار والمهاجرين، فقالوا: تعال نطعمك ونسقك خمرا، وذلك قبل أن تحرم الخمر، قال فأتيتهم في حش - والحش البستان - فإذا رأس جزور مشوي عندهم، وزق من خمر. قال فأكلت وشربت معهم، قال فذكرت الأنصار والمهاجرين عندهم. فقلت: المهاجرون خير من الأنصار. قال فأخذ رجل أحد لحيي الرأس فضربني، به فجرح بأنفي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته فأنزل الله عز وجل في - يعني نفسه - شأن الخمر: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان} [المائدة: 90].
أخرجه مسلم.
ثم تجدد الإضراب عن الطعام في العصر الحديث في الدول الكافرة، حتى وصل إلينا فوقع بعض المسلمين في مشابهة هؤلاء الكفار، بل تسبب في موت بعض المضربين.
قال العلامة محمد الخضر حسين رحمة الله كما في ((موسوعة الأعمال الكاملة)): ((ومما ينبغي لجمهور الأمة أن يكون على علم به: أن كل ما طرأ علينا من عدوى أجنبية في حياتنا الاجتماعية؛ كالإضراب عن الطعام احتجاجاً على أمر من الأمور، أو الإضراب عن العمل لاختلاف بين العمال وأصحاب الأعمال، فإنه مما لا يليق ببلد إسلامي؛ لأن الإضراب عن الطعام انتحار، والانتحار يسخطه الله، وصاحبه يبتعد عن حياة الدنيا وحياة الرضا في الآخرة، والإضراب عن العمل قتل للوقت، وسخط للرزق، وتعطيل لمصالح الأمة، وما دامت أبواب العدل مفتوحة، ومرافق الدولة مستعدة للنظر في الشكاوى، والتوفيق بين المصالح، فذلك هو الطريق للوصول إلى الحقوق العادلة، وإن هذا الشرق الإسلامي في حاجة إلى أن يأخذ عن غيره أسباب القوة، لا وسائل التعطيل والانتحار، ومن أدق موازين الحكم على الوعي القومي، والنضوج الاجتماعي: مراقبة ما تأخذه الأمة عن غيرها من خير، وما تتجنبه مما لا خير فيه، ونحن اليوم في هذا الطور من أطوار التاريخ، والتاريخ يراقبنا في هذا الامتحان ليرى ما نأخذ وما ندع)) اهـ.
وقد حكم بعض العلماء على من أضرب عن الطعام ومات بالانتحار وأنه قاتل نفسه.
قال العلامة ابن عثيمين رحمة الله في ((فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام)): ((إذن فليس هناك سنة في نفس الأكل؛ لأن الإنسان يتناوله بمقتضى الطبيعة، لكن لو فرض أنه أضرب عن الطعام صار الأكل في حقه حينئذٍ واجبًا لإنقاذ نفس، وإذا مات في حال إضرابه فقد قتل نفسه، فيكون في النار خالدًا فيها مخلدًا)) اهـ.
وقال رحمة الله كما في ((مجموع فتاواه ورسائله)): ((حُكم من توفي وهو مضرب عن الطعام، أَنَّه قاتل نفسه وفاعل ما نهى عنه الله تعالى، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، ومن المعلوم أن من امتنع عن الطعام والشراب لابدَّ أن يموت، وعلى هذا فيكون قاتلاً لنفسه، ولا يحلُّ لإنسان أن يُضرِبَ عن الطعام والشراب لمدة يموت فيها، أما إذا أضرب عن ذلك لمدة لا يموت فيها، وكان هذا السبب الوحيد لخلاص نفسه من الظلم، أو لاسترداد حقه فإنَّه لا بأس به إذا كان في بلد يكون فيه هذا العملُ للتخلص من الظلم، أو لحصول حقِّه، فإنَّه لا بأس به، أما أن يَصِلَ إلى حدِّ الموت فهذا لا يجوز بكل حال)) اهـ.
فاحذر أخي المسلم من مشابهة الكفار في عملية الإضراب عن الطعام وتعرض نفسك للخطر وللقتل.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
العلوص ليبيا: يوم الجمعة 6 جمادي الآخر سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 31 يناير سنة 2020 ف
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
العلوص ليبيا: يوم الجمعة 6 جمادي الآخر سنة 1441 هـ
الموافق لـ: 31 يناير سنة 2020 ف