بسم الله الرحمن الرحيم
الانتكاسة إلى الكفر نماذج ممن حل بظلمة الكفر ورحل عن نور التوحيد
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فالمسلم ما دام في هذه الحياة فهو في امتحان، والمؤمن ما عاش في هذه الدنيا ولم يحط رحله في الجنة فهو في ابتلاء واختبار.
فمالنا أمنا وكأننا نتقلب في قصور الجنة ونتفيأ في ظلالها ونشرب من أنهارها ونأكل من ثمارها، ومالنا اطمأننا لإيماننا وضمنا أن لا ينتزع من قلوبنا.
ألم يعش أناس مع الرسول عليه الصلاة والسلام وآمنوا بما جاء به وصدقوا ثم بعد وفاته ارتدوا وغيروا وبدلوا، وقصة قتال أبو بكر الصديق رضي الله عنه مشهورة ومعروفة.
وهؤلاء جاء فيهم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: ((إنكم محشورون حفاة عراة غرلا: {كما بدأنا أول خلق نعيده} [الأنبياء: 104] الآية، وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم، وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: {وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم} [المائدة: 117]- إلى قوله - {الحكيم} [البقرة: 32] قال: فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم)).
متفق عليه.
بل لقد كان أحدهم ممن يكتب الوحي فنكص على عقبيه وتنصر بعد الإسلام وزعم كذبا أنه هو من كان يؤلفه ويكتبه.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (كان رجل نصرانيا فأسلم، وقرأ البقرة وآل عمران، فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فعاد نصرانيا، فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له فأماته الله فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم، نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له فأعمقوا، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه، فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا، فأصبح وقد لفظته الأرض، فعلموا: أنه ليس من الناس، فألقوه).
أخرجه الشيخان واللفظ للبخاري.
فالخوف من الوقوع في الكفر سنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35].
قال إبراهيم التيمي رحمه الله: (ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم).
وهذا ما كان عليه أمير المؤمنين عمر الفارق رضي الله عنه يخاف على نفسه النفاق.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((شرح رياض الصالحين)): ((وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لشدة خوفه من الله، يلتقى بحذيفة فيقول: أنشدك الله هل سماني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع من سمى من المنافقين؟ هذا وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي هو أفضل هذه الأمة بعد نبيها وأبي بكر رضي الله عنهم أجمعين، فهو الثاني بعد الرسول عليه الصلاة والسلام في هذه الأمة، وله من اليقين والمقامات العظيمة ما هو معلوم، حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((إن يكن فيكم محدثون فعمر)) يعني إن كان فيكم أحد ملهم للصواب فهو عمر، يمدحه ويثني عليه لموافقته للصواب، وإيمانه رضي الله عنه معروف مشهور ومع ذلك يقول: " أنشدك الله هل سماني لك رسول الله مع من سماهم من المنافقين؟ فيقول حذيفة: لا. ولا أزكي بعدك أحداً)) اهـ.
وهذا أيضا ما جاء عن سلفنا الصالح من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ومن تبعهم بإحسان.
قال ابن أبي مليكة رحمه الله: (أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل).
وقال الجعد أبو عثمان: قلت لأبي رجاء العطاردي: هل أدركت من أدركت من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخشون النفاق قال: نعم، إني أدركت بحمد الله منهم صدرا حسنا، نعم شديدا نعم شديدا. وكان قد أدرك عمر.
وقال ابن سيرين رحمه الله: ما علي شيء أخوف من هذه الآية {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة 8] .
وقال أيوب: كل آية في القرآن فيها ذكر النفاق أخافها على نفسي.
وقال معاوية بن قرة: كان عمر يخشاه وآمنه أنا ؟ .
وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله في ((فتح الباري)) بعدما ساق ما سبق من أقوال: ((وكذلك كلام أئمة الإسلام بعدهم)) اهـ.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((الداء والدواء)) (ص: 177): ((فإنْ استمرّ على الذنوب وأصرّ عليها خيف عليه أن يرين على قلبه، فيخرجه عن الإِسلام بالكلية. ومن هنا اشتدّ خوفُ السلف، كما قال بعضهم: أنتم تخافون الذنوب، وأنا أخاف الكفر!)) اهـ.
وأختم بقصة ليست من القصص التي نسمعها ممن يرتد عن الإسلام ممن ألقي سمعه عبر الشاشات والمواقع العنكبوتية من أمثال عبدة الشيطان وغيرهم ممن هب ودب.
إنما هي قصة لرجل بزغ نجمه وذاع صيته في وقت غير بعد، وألف الكتب في نصرة الدين والدفاع عن الإسلام، ومحاربة الشرك والبدع والخرافات، ورد في وقت الطلب على أحد أبرز مشايخ الأزهر في تخبطه في مسألة التوسل، وبعدما علا كعبه وكان من أفاضل أهل العلم في زمنه، سقط على أم رأسه وطمس نجمه و ذهب نوره وانتكس من الإيمان إلى الكفر وارتد عن الحق إلى الباطل، إنه عبدالله القصيمي كان ممن يشار إليه بالبنان، وكتب مجموعة من الكتب في نصرة الإسلام، ومما كتبه في الدفاع عن دين الإسلام (الصراع بين الإسلام والوثنية) في مجلدين، وقد أثنى على هذا الكتاب كبار العلماء، وممن مدحه بقصيدة الشيخ العلامة عبدالظاهر أبو السمح رحمه الله إمام وخطيب المسجد الحرام ومدير دار الحديث بمكة حرسها الله قال في هذه القصيدة:
ألا في الله ماخط اليراع *** لنصر الدين واحتدم الصراع
صراع لا يماثله صراع *** تميد به الأباطح والتلاع
صراع بين إسلام وكفر *** يقوم به القصيمي الشجاع
خبير بالبطولة عبقري *** له في العلم برهان وباع
يقول الحق لا يخشى ملاما *** وذلك عنده نعم المتاع
يريك صراعه أسدا هصورا *** له في خصمه أمر مطاع
كأن بيانه سيل أتي *** تفيض به المسالك والبقاع
لقد أحسنت في رد عليهم *** وجئتهم بما لا يستطاع
صراع لا يماثله صراع *** تميد به الأباطح والتلاع
صراع بين إسلام وكفر *** يقوم به القصيمي الشجاع
خبير بالبطولة عبقري *** له في العلم برهان وباع
يقول الحق لا يخشى ملاما *** وذلك عنده نعم المتاع
يريك صراعه أسدا هصورا *** له في خصمه أمر مطاع
كأن بيانه سيل أتي *** تفيض به المسالك والبقاع
لقد أحسنت في رد عليهم *** وجئتهم بما لا يستطاع
فبعد هذا طوى صفحاته المشرقة ورحل عن نور الايمان إلى ظلمات الكفر، ودخل نفقا مظلما، وقيد نفسه بأغلاله، فسود كتابه (هذه هي الأغلال)، فجعل الدين أغلالا ونقض ما بنى وهدم الصرح الذي شيده.
وممن رد عليه العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في كتابه الموسوم (تنزيه الدين وحملته ورجاله مما افتراه القصيمي في أغلاله)، ففكك أغلاله ونقض غزله وأتي على بنيانه {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ}.
فالأمر جد خطير وعلى المرء أن يوطن نفسه على الإيمان والإخلاص.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رضي الله عنه: (ليوطِّننَّ المرء نفسه على أنَّه إن كفر مَن في الأرض جميعًا لم يكفر).
هذا، والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الخميس 15 ذي القعدة سنة 1440 هـ
الموافق لـ: 18 يوليو سنة 2019 ف
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الخميس 15 ذي القعدة سنة 1440 هـ
الموافق لـ: 18 يوليو سنة 2019 ف