الميزان الأكبر
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فالمقصد من الميزان الأكبر هو ما أخرجه الخطيب البغدادي في ((الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)) بسنده عن سفيان بن عيينة رحمه الله أنه كان يقول: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الميزان الأكبر، فعليه تعرض الأشياء، على خلقه وسيرته وهديه، فما وافقها فهو الحق، وما خالفها فهو الباطل).
وابن القيم رحمه الله يطلق عليه الميزان الراجح قال في ((الفروسية)): ((والواجب اتباع الدليل أين كان ومع من كان وهو الذي أوجب الله اتباعه وحرم مخالفته وجعله الميزان الراجح بين العلماء فمن كان من جانبه كان أسعد بالصواب قل موافقوه أو كثروا)) اهـ.
وقال رحمه الله في ((إعلام الموقعين عن رب العالمين)): ((وقرن اسمه باسمه فإذا ذكر ذكر معه كما في الخطب والتشهد والتأذين، وافترض على العباد طاعته ومحبته والقيام بحقوقه، وسد الطرق كلها إليه وإلى جنته فلم يفتح لأحد إلا من طريقه؛ فهو الميزان الراجح الذي على أخلاقه وأقواله وأعماله توزن الأخلاق والأقوال والأعمال، والفرقان المبين الذي باتباعه يميز أهل الهدى من أهل الضلال)) اهـ.
وقال رحمه الله في ((زاد المعاد في هدي خير العباد)): ((ومن هاهنا تعلم اضطرار العباد فوق كل ضرورة إلى معرفة الرسول وما جاء به، وتصديقه فيما أخبر به، وطاعته فيما أمر، فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل، ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من جهتهم، ولا ينال رضا الله البتة إلا على أيديهم، فالطيب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديهم وما جاءوا به، فهم الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم توزن الأقوال والأخلاق والأعمال، وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال)) اهـ.
وهذا معنى قول الله تعالى يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
وبهذا تعلم وفقك الله أن متابعة النبي عليه الصلاة والسلام هي الميزان الأكبر الراجح وعليه لا خلاف أن الإخلاص الميزان الأكبر الراجح، لأنهما شرطا قبول العمل.
كما قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: {ليبلونكم أيكم أحسن عملا} قال: أخلصه وأصوبه.
قالوا: يا ابا على: ما أخلصه وأصوبه؟
قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، فالخالص أن يكون لله، الصواب أن يكون على السنة.
أخرجه ابن أبي الدنيا في ((الإخلاص والنية)) ومن طريقه الثعلبي في ((الكشف والبيان)) وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)).
فالميزان الأكبر هو الميزان الحقيقي وخلافه باطل من الموازين، كميزان الوجد والذوق والعقل، والميزان الأكبر كفته راجحة وغير كفته مرجوح تطيش أمام الميزان الحقيقي الأكبر.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
الجزائر العاصمة: يوم الخميس 23 شوال سنة 1440 هـ
الموافق لـ: 27 يونيو سنة 2019 ف
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
الجزائر العاصمة: يوم الخميس 23 شوال سنة 1440 هـ
الموافق لـ: 27 يونيو سنة 2019 ف