ترويج كتب أهل الزيغ والضلال مسلك الشياطين
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فالصراع بين الحق والباطل إلى أن تقوم الساعة، وأهل البدع والضلال في عمل دؤوب وفي جد واجتهاد، ولهم طرق وسبل لنشر باطلهم، ومن هذه الطرق تروج كتب أهل البدع والضلال، وذلك بتأليفها وطباعتها وتوزيعها ونشرها، ويزداد الطين بلة بنسبتها لأهل السنة والجماعة، وهذا ما فعلته الشياطين عندما روجت كتب السحر ونسبتها لنبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام.
قال الله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 102].
أخرج النسائي في ((السنن الكبرى)) واللفظ له وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (كان آصف كاتب سليمان بن داود عليه السلام، وكان يعلم الاسم الأعظم، كان يكتب كل شيء يأمره به سليمان عليه السلام ويدفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان أخرجته الشياطين، فكتبوا بين كل سطرين من سحر وكذب وكفر، فقالوا: هذا الذي كان يعمل سليمان بها، فأكفره جهال الناس وسفهاؤهم وسبوه، ووقف علماؤهم، فلم يزل جهالهم يسبونه حتى أنزل الله جل وعز: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا}.
قال المحدث أحمد شاكر رحمه الله في ((عمدة التفسير)):إسناده صحيح، وهذا موقوف من كلام ابن عباس.
وأخرج ابن جرير الطبري في ((تفسيره)) ابن إسحاق قال: عمدت الشياطين حين عرفت موت سليمان بن داود عليه السلام، فكتبوا أصناف السحر: (من كان يحب أن يبلغ كذا وكذا، فليفعل كذا وكذا). حتى إذا صنعوا أصناف السحر، جعلوه في كتاب ثم ختموا عليه بخاتم على نقش خاتم سليمان، وكتبوا في عنوانه: (هذا ما كتب آصف بن برخيا الصديق للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم)، ثم دفنوه تحت كرسيه. فاستخرجته بعد ذلك بقايا بني إسرائيل حين أحدثوا ما أحدثوا، فلما عثروا عليه قالوا: ما كان سليمان بن داود إلا بهذا! فأفشوا السحر في الناس وتعلموه وعلموه، فليس في أحد أكثر منه في يهود. فلما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما نزل عليه من الله، سليمان بن داود وعده فيمن عده من المرسلين، قال من كان بالمدينة من يهود: ألا تعجبون لمحمد! يزعم أن سليمان بن داود كان نبيا! والله ما كان إلا ساحرا! فأنزل الله في ذلك من قولهم على محمد صلى الله عليه وسلم: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا}.
هذا الأثر إسناده ضعيف ابن حميد شيخ الطبري حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه كما في ((التقريب)) وفيه سلمة وهو: ابن الفضل الأبرش الأنصاري صدوق كثير الخطأ كما في ((التقريب))، ثم إن ابن إسحاق وهو: محمد بن إسحاق بن يسار لم يبين ممن أخده.
وأخرج ابن جرير الطبري في ((تفسيره)) عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: (انطلقت الشياطين في الأيام التي ابتلي فيها سليمان، فكتبت فيها كتبا فيها سحر وكفر، ثم دفنوها تحت كرسي سليمان، ثم أخرجوها فقرءوها على الناس).
قال الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)): وأخرج بسند صحيح.
قال الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)): واختلف في المراد بالآية فقيل إن سليمان كان جمع كتب السحر والكهانة فدفنها تحت كرسيه فلم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي فلما مات سليمان وذهبت العلماء الذين يعرفون الأمر جاءهم شيطان في صورة إنسان فقال لليهود هل أدلكم على كنز لا نظير له قالوا نعم قال فاحفروا تحت الكرسي فحفروا وهو متنح عنهم فوجدوا تلك الكتب فقال لهم إن سليمان كان يضبط الإنس والجن بهذا ففشا فيهم أن سليمان كان ساحرا فلما نزل القرآن بذكر سليمان في الأنبياء أنكرت اليهود ذلك وقالوا إنما كان ساحرا فنزلت هذه الآية.
ثم قال:
أخرجه الطبري وغيره عن السدي ومن طريق سعيد بن جبير بسند صحيح نحوه.
وأخرج النسائي وابن جرير الطبري في ((تفسيره)) عن شهر بن حوشب قال: لما سلب سليمان ملكه كانت الشياطين تكتب السحر في غيبة سليمان، فكتبت: من أراد أن يأتي كذا وكذا فليستقبل الشمس وليقل كذا وكذا، ومن أراد أن يفعل كذا وكذا فليستدبر الشمس وليقل كذا وكذا . فكتبته وجعلت عنوانه: " هذا ما كتب آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم " ثم دفنته تحت كرسيه . فلما مات سليمان قام إبليس خطيبا، فقال: يا أيها الناس إن سليمان لم يكن نبيا، وإنما كان ساحرا، فالتمسوا سحره في متاعه وبيوته . ثم دلهم على المكان الذي دفن فيه، فقالوا: والله لقد كان سليمان ساحرا، هذا سحره، بهذا تعبدنا، وبهذا قهرنا . فقال المؤمنون: بل كان نبيا مؤمنا، فلما بعث الله النبي محمدا صلى الله عليه وسلم جعل يذكر الأنبياء حتى ذكر داود وسليمان، فقالت اليهود: انظروا إلى محمد يخلط الحق بالباطل، يذكر سليمان مع الأنبياء، وإنما كان ساحرا يركب الريح . فأنزل الله عذر سليمان: واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان الآية .
هذا الأثر في إسناده ضعف فيه أبي بكر وهو: ليث بن أبي سليم بن زنيم القرشي صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه فترك كما في ((التقريب))، الحسين وهو: سنيد بن داود المصيصي أبو علي المحتسب وسنيد لقب غلب عليه ضعف مع إمامته ومعرفته لكونه كان يلقن حجاج بن محمد شيخه كما في ((التقريب))، شهر بن حوشب لا يعلم ممن أخده.
قال العلامة ابن الجوزي رحمه الله في ((زاد المسير في علم التفسير)): ((وفي كيفية ما تلت الشياطين على ملك سليمان ستة أقوال:
أحدها: أنه لما خرج سليمان عن ملكه كتبت الشياطين السحر، ودفنته في مصلاه، فلما توفي استخرجوه، وقالوا: بهذا كان يملك الملك، ذكر هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس، وهو قول مقاتل.
والثاني: أن آصف كان يكتب ما يأمر به سليمان، ويدفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان، استخرجته الشياطين، فكتبوا بين كل سطرين سحراً وكذباً، وأضافوه إلى سليمان، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والثالث: أن الشياطين كتبت السحر بعد موت سليمان، ثم أضافته إليه، قاله عكرمة.
والرابع: أن الشياطين ابتدعت السحر، فأخذه سليمان، فدفنه تحت كرسيه لئلا يتعلمه الناس، فلما قبض استخرجته، فعلمته الناس وقالوا: هذا علم سليمان، قاله قتادة.
والخامس: أن سليمان أخذ عهود الدواب، فكانت الدابة إذا أصابت إنساناً طلب إليها بذلك العهد، فتخلّي عنه، فزاد السحرة السجع والسحر، قاله أبو مجلز.
والسادس: أن الشياطين كانت في عهد سليمان تسترق السمع، فتسمع من كلام الملائكة ما يكون في الأرض من موت أو غيث أو أمر، فيأتون الكهنة فيخبرونهم، فتحدث الكهنة )) اهـ.
فمن وقع في ترويج كتب أهل الزيغ والضلال تشبه بالشيطان.
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
✍️ كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
الجزائر العاصمة: يوم الأثنين 20 شوال سنة 1440 هـ
الموافق لـ: 24 يونيو سنة 2019 ف
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
الجزائر العاصمة: يوم الأثنين 20 شوال سنة 1440 هـ
الموافق لـ: 24 يونيو سنة 2019 ف