قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "ما أمر به ولاة الأمور على ثلاثة أقسام:
القسم الأول : ما أمر الله به.
القسم الثاني : ما نهى الله عنه.
القسم الثالث : ما لم يرد به أمر ولا نهي.
أما ما أمر الله به (القسم الأول) فإن ولاة الأمور إذا أمروا به صارت طاعتهم واجبة من وجهين:
الوجه الأول: طاعة الله.
الوجه الثاني: طاعة ولاة الأمر.
مثال ذلك: أن يأمروا بإعلان الأذان، أو بإقامة الصلاة جماعة في المساجد، أو بأداء الزكاة، فهذا واجب الطاعة.
وأما القسم الثاني: أن يأمروا بما نهى الله عنه: مثل أن يقولوا للناس: افتحوا خانات الخمر، فهذا لا يطاعون فيه، أو يأمروا بقتل شخص لا يحل قتله، ونحن نعلم أنه لا يحل قتله، وإنما أمروا بقتله عدواناً وظلماً؛ فهنا لا طاعة لهم، أما إذا أمروا بقتله بحق كقصاص أو ردة، أو فساد في الأرض أو تعزير يسوغ لهم التعزير به؛ فإن طاعتهم في ذلك واجبة، لكن إذا كنا نعلم أنه ظلم بغير حق فإننا لا نطيعهم.
كذلك أيضاً لو أمروا بإدخال حدود الأراضي على الجيران ظلماً وعدواناً، فإننا لا نوافقهم على ذلك ونعصيهم؛ لأن طاعتهم تابعة لطاعة الله ورسوله.
ومن ذلك قصة أمير السرية الذي أمَّره النبي صلّى الله عليه وسلّم على سرية، فخرج بهم، وغاضبهم يوماً من الأيام، فأمرهم أن يجمعوا حطباً، فجمعوا حطباً امتثالاً لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه أمرهم بطاعته، ثم قال: "أضرموا فيه النار، فأضرموها"، ثم قال لهم: "ألقوا أنفسكم في النار، فتوقفوا" وقالوا: "نحن من النار فررنا ولم نؤمن إلا خوفاً من النار" ـ فكيف نقحم أنفسنا فيها؟ فلما رجعوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وحكوا له ذلك، قال: "لو دخلوها ما خرجوا منها" ؛ لأنهم قتلوا أنفسهم "إنما الطاعة في المعروف".(1) يعني: في شيء لا ينكره الشرع.
لو نهى الأمير الناس عن الأمور المستحبة فليس له ذلك لكن إذا قال لشخص معين: لا تتكلم في هذا، فله ذلك؛ إذا كان يرى أن في كلامه مضرة للناس، أما إذا كان لا يرى ذلك فلا يجوز له أن يمنع الناس من شرع الله، ولهذا امتثل الإمام أحمد رحمه الله حين منعوه أن يحدث. وقال أبو موسى لعمر رضي الله عنهما: "إن شئت ألا أحدث به فعلت".
وأما القسم الثالث: أن يأمر ولاة الأمور بما لم يتعلق به أمر ولا نهي، فهنا معترك القول، فالمتمردون على ولاة الأمور يقولون: لا سمع ولا طاعة، هات دليلاً على أن هذا واجب، والمؤمنون يقولون: سمعاً وطاعة؛ لأننا لو لم نطعهم إلا في أمر ورد فيه الشرع بعينه لكانت الطاعة ليست لهم، بل للأمر الشرعي، فمثلاً: لو قال انسان أنا لا أخضع للتنظيم، فلو سد المرور هذا الطريق وقال للناس: سيروا في الجهة الأخرى، فقال: أنا لا أخضع لهذا الأمر، ثم جاء ليجادل ويقول: أين الدليل؟ هل قال الله تعالى: إذا قال لك المرور: لا تمش في هذا الخط فلا تمش؟
الجواب: لم يقل، لكن على سبيل العموم، قال الله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ}؛ فيجب أن تمتثل. فإذا قال: ليس في هذا مصلحة، فلماذا أمتثل؟ قلنا: لو جعلنا المصلحة مربوطة برأي كل واحد من الناس ما عملنا بمصلحة قط؛ لأن أهواء الناس متباينة مختلفة، فالرأي لولي الأمر قبل كل شيء، فإذا كان عندك رأي ترى فيه مصلحة، وجب عليك من باب النصيحة أن ترفعه لولي الأمر، وتقول: نحن نمتثل أمرك سمعاً وطاعة لله عزّ وجل قبل كل شيء، ولكن نرى أن المصلحة في كذا كذا، وحينئذ تكون ناصحاً لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. المصدر:تفسير قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم - سورة النساء - الشريط العشرون من تفسير سورة النساء - الوجه الأول - الدقيقة 41.00
(1) عَنْ زُبَيْدٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ عَلِيٍّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ جَيْشًا ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا ، فَأَوْقَدَ نَارًا ، وَقَالَ : ادْخُلُوهَا ، فَأَرَادَ نَاسٌ أَنْ يَدْخُلُوهَا ، وَقَالَ الْآخَرُونَ : إِنَّا قَدْ فَرَرْنَا مِنْهَا ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا : لَوْ دَخَلْتُمُوهَا لَمْ تَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَقَالَ لِلْآخَرِينَ قَوْلًا حَسَنًا ، وَقَالَ : لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ". رواه البخاري، كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، حديث رقم (6726)؛ ومسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية، حديث رقم (1840) عن علي بن أبي طالب.
القسم الأول : ما أمر الله به.
القسم الثاني : ما نهى الله عنه.
القسم الثالث : ما لم يرد به أمر ولا نهي.
أما ما أمر الله به (القسم الأول) فإن ولاة الأمور إذا أمروا به صارت طاعتهم واجبة من وجهين:
الوجه الأول: طاعة الله.
الوجه الثاني: طاعة ولاة الأمر.
مثال ذلك: أن يأمروا بإعلان الأذان، أو بإقامة الصلاة جماعة في المساجد، أو بأداء الزكاة، فهذا واجب الطاعة.
وأما القسم الثاني: أن يأمروا بما نهى الله عنه: مثل أن يقولوا للناس: افتحوا خانات الخمر، فهذا لا يطاعون فيه، أو يأمروا بقتل شخص لا يحل قتله، ونحن نعلم أنه لا يحل قتله، وإنما أمروا بقتله عدواناً وظلماً؛ فهنا لا طاعة لهم، أما إذا أمروا بقتله بحق كقصاص أو ردة، أو فساد في الأرض أو تعزير يسوغ لهم التعزير به؛ فإن طاعتهم في ذلك واجبة، لكن إذا كنا نعلم أنه ظلم بغير حق فإننا لا نطيعهم.
كذلك أيضاً لو أمروا بإدخال حدود الأراضي على الجيران ظلماً وعدواناً، فإننا لا نوافقهم على ذلك ونعصيهم؛ لأن طاعتهم تابعة لطاعة الله ورسوله.
ومن ذلك قصة أمير السرية الذي أمَّره النبي صلّى الله عليه وسلّم على سرية، فخرج بهم، وغاضبهم يوماً من الأيام، فأمرهم أن يجمعوا حطباً، فجمعوا حطباً امتثالاً لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه أمرهم بطاعته، ثم قال: "أضرموا فيه النار، فأضرموها"، ثم قال لهم: "ألقوا أنفسكم في النار، فتوقفوا" وقالوا: "نحن من النار فررنا ولم نؤمن إلا خوفاً من النار" ـ فكيف نقحم أنفسنا فيها؟ فلما رجعوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وحكوا له ذلك، قال: "لو دخلوها ما خرجوا منها" ؛ لأنهم قتلوا أنفسهم "إنما الطاعة في المعروف".(1) يعني: في شيء لا ينكره الشرع.
لو نهى الأمير الناس عن الأمور المستحبة فليس له ذلك لكن إذا قال لشخص معين: لا تتكلم في هذا، فله ذلك؛ إذا كان يرى أن في كلامه مضرة للناس، أما إذا كان لا يرى ذلك فلا يجوز له أن يمنع الناس من شرع الله، ولهذا امتثل الإمام أحمد رحمه الله حين منعوه أن يحدث. وقال أبو موسى لعمر رضي الله عنهما: "إن شئت ألا أحدث به فعلت".
وأما القسم الثالث: أن يأمر ولاة الأمور بما لم يتعلق به أمر ولا نهي، فهنا معترك القول، فالمتمردون على ولاة الأمور يقولون: لا سمع ولا طاعة، هات دليلاً على أن هذا واجب، والمؤمنون يقولون: سمعاً وطاعة؛ لأننا لو لم نطعهم إلا في أمر ورد فيه الشرع بعينه لكانت الطاعة ليست لهم، بل للأمر الشرعي، فمثلاً: لو قال انسان أنا لا أخضع للتنظيم، فلو سد المرور هذا الطريق وقال للناس: سيروا في الجهة الأخرى، فقال: أنا لا أخضع لهذا الأمر، ثم جاء ليجادل ويقول: أين الدليل؟ هل قال الله تعالى: إذا قال لك المرور: لا تمش في هذا الخط فلا تمش؟
الجواب: لم يقل، لكن على سبيل العموم، قال الله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ}؛ فيجب أن تمتثل. فإذا قال: ليس في هذا مصلحة، فلماذا أمتثل؟ قلنا: لو جعلنا المصلحة مربوطة برأي كل واحد من الناس ما عملنا بمصلحة قط؛ لأن أهواء الناس متباينة مختلفة، فالرأي لولي الأمر قبل كل شيء، فإذا كان عندك رأي ترى فيه مصلحة، وجب عليك من باب النصيحة أن ترفعه لولي الأمر، وتقول: نحن نمتثل أمرك سمعاً وطاعة لله عزّ وجل قبل كل شيء، ولكن نرى أن المصلحة في كذا كذا، وحينئذ تكون ناصحاً لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. المصدر:تفسير قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم - سورة النساء - الشريط العشرون من تفسير سورة النساء - الوجه الأول - الدقيقة 41.00
(1) عَنْ زُبَيْدٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ عَلِيٍّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ جَيْشًا ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا ، فَأَوْقَدَ نَارًا ، وَقَالَ : ادْخُلُوهَا ، فَأَرَادَ نَاسٌ أَنْ يَدْخُلُوهَا ، وَقَالَ الْآخَرُونَ : إِنَّا قَدْ فَرَرْنَا مِنْهَا ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا : لَوْ دَخَلْتُمُوهَا لَمْ تَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَقَالَ لِلْآخَرِينَ قَوْلًا حَسَنًا ، وَقَالَ : لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ". رواه البخاري، كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، حديث رقم (6726)؛ ومسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية، حديث رقم (1840) عن علي بن أبي طالب.