عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قَال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يِأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الْقَابِضُ عَلَى دينه كالقابض على الجمر".(1)
قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "وهذا الحديث أيضا يقتضي خبرا وإرشادا.
أما الخبر، فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنه في آخر الزمان يقل الخير وأسبابه، ويكثر الشر وأسبابه، وأنه عند ذلك يكون المتمسك بالدين من الناس أقل القليل، وهذا القليل في حالة شدة ومشقة عظيمة، كحالة القابض على الجمر، من قوة المعارضين، وكثرة الفتن المضلة، فتن الشبهات والشكوك والإلحاد، وفتن الشهوات وانصراف الخلق إلى الدنيا وانهماكهم فيها، ظاهرا وباطنا، وضعف الإيمان، وشدة التفرد لقلة المعين والمساعد.
ولكن المتمسك بدينه، القائم بدفع هذه المعارضات والعوائق التي لا يصمد لها إلا أهل البصيرة واليقين، وأهل الإيمان المتين، من أفضل الخلق، وأرفعهم عند الله درجة، وأعظمهم عنده قدرا.
وأما الإرشاد، فإنه إرشاد لأمته، أن يوطنوا أنفسهم على هذه الحالة، وأن يعرفوا أنه لا بد منها، وأن من اقتحم هذه العقبات، وصبر على دينه وإيمانه - مع هذه المعارضات - فإن له عند الله أعلى الدرجات، وسيعينه مولاه على ما يحبه ويرضاه، فإن المعونة على قدر المؤونة.
وما أشبه زماننا هذا بهذا الوصف الذي ذكره صلى الله عليه وسلم، فإنه ما بقي من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، إيمان ضعيف، وقلوب متفرقة، وحكومات متشتتة، وعداوات وبغضاء باعدت بين المسلمين، وأعداء ظاهرون وباطنون، يعملون سرا وعلنا للقضاء على الدين، وإلحاد وماديات، جرفت بخبيث تيارها وأمواجها المتلاطمة الشيوخ والشبان، ودعايات إلى فساد الأخلاق، والقضاء على بقية الرمق ثم إقبال الناس على زخارف الدنيا، بحيث أصبحت هي مبلغ علمهم، وأكبر همهم، ولها يرضون ويغضبون، ودعاية خبيثة للتزهيد في الآخرة، والإقبال بالكلية على تعمير الدنيا، وتدمير الدين واحتقاره والاستهزاء بأهله، وبكل ما ينسب إليه، وفخر وفخفخة، واستكبار بالمدنيات المبنية على الإلحاد التي آثارها وشررها وشرورها قد شاهده العباد.
فمع هذه الشرور المتراكمة، والأمواج المتلاطمة، والمزعجات الملمة، والفتن الحاضرة والمستقبلة المدلهمة (المظلمة) - مع هذه الأمور وغيرها - تجد مصداق هذا الحديث.
ولكن مع ذلك، فإن المؤمن لا يقنط من رحمة الله، ولا ييأس من روح الله، ولا يكون نظره مقصورا على الأسباب الظاهرة، بل يكون متلفتا في قلبه كل وقت إلى مسبب الأسباب، الكريم الوهاب، ويكون الفرج بين عينيه، ووعده الذي لا يخلفه، بأنه سيجعل له بعد عسر يسرا، وأن الفرج مع الكرب، وأن تفريج الكربات مع شدة الكربات وحلول المفظعات.
فالمؤمن من يقول في هذه الأحوال: "لا حول ولا قوة إلا بالله" و"حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا، اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى وأنت المستعان، وبك المستغاث. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" ويقوم بما يقدر عليه من الإيمان والنصح والدعوة. ويقنع باليسير، إذا لم يمكن الكثير. وبزوال بعض الشر وتخفيفه، إذا تعذر غير ذلك: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}، سورة الطلاق:2؛ {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}، سورة الطلاق:3؛ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}، سورة الطلاق:4.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. المصدر: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار، صفحة:259،260.
(1) حديث صحيح: أخرجه الترمذي: كتاب الفتن، باب 73، 2260. وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وإسناده ضعيف. إلا أن الحديث له شواهد من حديث أبي ثعلبة وأبي هريرة، وابن مسعود، وانظر صحيح الجامع برقم (8002) والسلسلة الصحيحة (2-957) للعلامة الألباني رحمه الله.
قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "وهذا الحديث أيضا يقتضي خبرا وإرشادا.
أما الخبر، فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنه في آخر الزمان يقل الخير وأسبابه، ويكثر الشر وأسبابه، وأنه عند ذلك يكون المتمسك بالدين من الناس أقل القليل، وهذا القليل في حالة شدة ومشقة عظيمة، كحالة القابض على الجمر، من قوة المعارضين، وكثرة الفتن المضلة، فتن الشبهات والشكوك والإلحاد، وفتن الشهوات وانصراف الخلق إلى الدنيا وانهماكهم فيها، ظاهرا وباطنا، وضعف الإيمان، وشدة التفرد لقلة المعين والمساعد.
ولكن المتمسك بدينه، القائم بدفع هذه المعارضات والعوائق التي لا يصمد لها إلا أهل البصيرة واليقين، وأهل الإيمان المتين، من أفضل الخلق، وأرفعهم عند الله درجة، وأعظمهم عنده قدرا.
وأما الإرشاد، فإنه إرشاد لأمته، أن يوطنوا أنفسهم على هذه الحالة، وأن يعرفوا أنه لا بد منها، وأن من اقتحم هذه العقبات، وصبر على دينه وإيمانه - مع هذه المعارضات - فإن له عند الله أعلى الدرجات، وسيعينه مولاه على ما يحبه ويرضاه، فإن المعونة على قدر المؤونة.
وما أشبه زماننا هذا بهذا الوصف الذي ذكره صلى الله عليه وسلم، فإنه ما بقي من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، إيمان ضعيف، وقلوب متفرقة، وحكومات متشتتة، وعداوات وبغضاء باعدت بين المسلمين، وأعداء ظاهرون وباطنون، يعملون سرا وعلنا للقضاء على الدين، وإلحاد وماديات، جرفت بخبيث تيارها وأمواجها المتلاطمة الشيوخ والشبان، ودعايات إلى فساد الأخلاق، والقضاء على بقية الرمق ثم إقبال الناس على زخارف الدنيا، بحيث أصبحت هي مبلغ علمهم، وأكبر همهم، ولها يرضون ويغضبون، ودعاية خبيثة للتزهيد في الآخرة، والإقبال بالكلية على تعمير الدنيا، وتدمير الدين واحتقاره والاستهزاء بأهله، وبكل ما ينسب إليه، وفخر وفخفخة، واستكبار بالمدنيات المبنية على الإلحاد التي آثارها وشررها وشرورها قد شاهده العباد.
فمع هذه الشرور المتراكمة، والأمواج المتلاطمة، والمزعجات الملمة، والفتن الحاضرة والمستقبلة المدلهمة (المظلمة) - مع هذه الأمور وغيرها - تجد مصداق هذا الحديث.
ولكن مع ذلك، فإن المؤمن لا يقنط من رحمة الله، ولا ييأس من روح الله، ولا يكون نظره مقصورا على الأسباب الظاهرة، بل يكون متلفتا في قلبه كل وقت إلى مسبب الأسباب، الكريم الوهاب، ويكون الفرج بين عينيه، ووعده الذي لا يخلفه، بأنه سيجعل له بعد عسر يسرا، وأن الفرج مع الكرب، وأن تفريج الكربات مع شدة الكربات وحلول المفظعات.
فالمؤمن من يقول في هذه الأحوال: "لا حول ولا قوة إلا بالله" و"حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا، اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى وأنت المستعان، وبك المستغاث. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" ويقوم بما يقدر عليه من الإيمان والنصح والدعوة. ويقنع باليسير، إذا لم يمكن الكثير. وبزوال بعض الشر وتخفيفه، إذا تعذر غير ذلك: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}، سورة الطلاق:2؛ {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}، سورة الطلاق:3؛ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}، سورة الطلاق:4.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. المصدر: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار، صفحة:259،260.
(1) حديث صحيح: أخرجه الترمذي: كتاب الفتن، باب 73، 2260. وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وإسناده ضعيف. إلا أن الحديث له شواهد من حديث أبي ثعلبة وأبي هريرة، وابن مسعود، وانظر صحيح الجامع برقم (8002) والسلسلة الصحيحة (2-957) للعلامة الألباني رحمه الله.