الحمد لله وكفى والصلاة على الحبيب المصطفى القائل : (( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النّار )) والقائل : (( كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع )) وعلى آله وصبحه وسلم .
أما بعد :
فهذه نصيحة مشفق يقدمها لكم فإن الدنيا فانية ، وإن القدوم على الله قريب ، وأن المسئولية جسيمة ، والفضيحة عظيمة ، ولا مفر لكم من المساءلة أمام الله فقد فتحتم الباب إلى هذا الظالم لنفسه يعبث في دين الله ويحرف الكلم عن مواضعه ، ويكذب على الله ورسوله ، ويكذب على العلماء والكذب به ألصق ، وقد جمعت في الرد عليه كتابا حافلا بالأخطاء العلمية وقد نشرت الجزء الأول منه ، بعنوان " القول المبين في الرد على أباطيل بروبي شمس الدين " واليوم خرج علينا كعادته يحرف كلام الله ليستدل على جواز المظاهرات وكل ما جاء به باطل وكذب وتتحملون شيئا من الوزر معه لأنكم أنتم من فتحتم له الباب فأنتم السبب المباشر لنشر الكذب والتأويل الباطل لكلام الله تعالى فاتقوا الله وأغلقوا الباب دونه .
فقد استمعت إلى مقطع فيديو للمدعو شمس الدين بوروبي يتكلم فيه على جواز المظاهرات ، ويرد على من منعها ، ويتهم السلفيين بالكذب وهو به ألصق من باب رمتني بدائها وانسلت .
والمشكل ليس في رده وانتقاده ولو كان بالسب والشتم ، فهذا قد ألفناه منه ولكن المشكل والعجيب فيما يستدل به على جواز المظاهرات ؛ حيث استدل بآية من القرآن ، وقصة من السيرة النبوية ، وبكثرة الخارجين في المظاهرات ، ولتفنيد ما جاء به من الباطل والقول العاطل أقول له ولمن على شاكلته أو اغتر بكلامه .
يا شمس الدين اتق الله لا تحرف القرآن الكريم ، ولا تخرج على العام في هذه القنوات بوجه صفيق لا تستح من الله تعالى ولا من خلقه بعد هذا الشيب الذي غزاك ـ وتكذب في تأويل كلام الله ، وتفسيره ، وتكذب على رسول الله ، وعلى الصحابة ، وعلى طلبة العلم والعلماء ، وتتهمهم بالكذب ،وأنت أكبر كذاب في وضح النّهار في قناة النهار ..
يا شمس الدين ؛ تستدل على المظاهرات والمسيرات بقوله تعالى :{ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ} (1-2) المدثر .
وتفسرها بأنها نزلت على رسول الله وهو في دار الأرقم ابن أبي أرقم ، أما تستحي من الله في هذا السن وأنت تقول ذلك ؟ ألا تعلم أن ذلك سُجل عليك في كتابك وهو كذب؟؟
ألم تكلف نفسك قليلا فترجع إلى تفسير من التفاسير وتنقل للنّاس أن ذلك نزل عليه وهو مدثر في قطيفة في بيت خديجة بعدما رجع إليها وقد رأى الملك الذي جاءه في حراء بين السماء والأرض جالس على كرسي .. وهذا لا يكاد يختلف فيه أهل التفسير .
فلماذا اختلفت عليهم وحرفت ذلك ؟ وأنت تعلم أنه خلاف الحق الذي أراده الله تعالى ، من رسوله ، ونقله العلماء، وأنا أعلم أنك لم تفعل ذلك عن جهل وإنما فعلته عن علم لترضي به بعض الخلق ..
يا شمس الدين ؛ من سبقك من أهل العلم إلى هذا التفسير ؟ بل أقول من سبقك من أهل الجهل والضلال من أئمة الباطنية الذين تشيد بمذاهبهم وتذهب إليها في بعض ما يوافق هواك ؟ لم يقل أحد منهم في تفسير الآية بما قلت به ؟؟.
اسمع يا شمس الذين واقرأ تأويل العلماء ، ولا تحرف تفسير القرآن الكريم فإنه سوأة كبيرة تسجل عليك ليس من السهل التخلص منها أمام الله تعالى .
أخرج ابن جرير في تفسيره (23/7): عن جابر بن عبد الله الأنصاري – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحدّث عن فترة الوحي: (( بَيْنا أنا أمْشِي سَمِعْت صَوْتا مِنَ السَّماءِ، فَرَفَعْتُ رأسِي، فإذَا المَلَك الَّذِي جاءَنِي بحرَاءَ جالِسٌ عَلى كُرْسِي بَينَ السَّماءِ والأرْضِ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَجُثِثْتُ مِنْهُ فَرَقا ، وجِئْتُ أهْلِي فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فدَثَّرُونِي" فأنزل الله (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ..) إلى قوله: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) قال: ثم تتابع الوحي.
وقوله: (قُمْ فَأَنْذِرْ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: قم من نومك فأنذر عذاب الله قومك الذين أشركوا بالله، وعبدوا غيره.تفسير ابن جرير(23/9).
وروى البخاري (4922) ومسلم(161) واللفظ له عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ: "فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بصري قبَلَ السماء، فإذا الملك الذي جاءني بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَجَثَثْتُ مِنْهُ حَتَّى هَوَيتُ إِلَى الْأَرْضِ، فَجِئْتُ إِلَى أَهْلِي، فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي. فَزَمَّلُونِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} إِلَى: {فَاهْجُرْ}.
قال ابن عطية الأندلسي (5/392): وقوله تعالى: قُمْ فَأَنْذِرْ بعثة عامة إلى جميع الخلق. قال قتادة، المعنى أنذر عذاب الله ووقائعه بالأمم، وقوله تعالى: وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ معناه عظمه بالعبادة وبث شرعه.
وقال الرازي (30/697): (( قم فأنذر )). في قوله: قم وجهان أحدهما: قم من مضجعك ، والثاني: قم قيام عزم وتصميم.. وفي قوله: فأنذر وجهان أحدهما: حذر قومك من عذاب الله إن لم يؤمنوا. وقال ابن عباس : قم نذيرا للبشر، احتج القائلون بالقول الأول بقوله تعالى:{وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} [الأنعام: 51] .
واحتج القائلون بالقول الثاني بقوله تعالى :{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28] .
وهاهنا قول ثالث : وهو أن المراد فاشتغل بفعل الإنذار، كأنه تعالى يقول له تهيأ لهذه الحرفة، فإنه فرق بين أن يقال تعلم صنعة المناظرة، وبين أن يقال: ناظر زيدا.
وقال القرطبي (19/61) قوله تعالى: (قم فأنذر) أي خوف أهل مكة وحذرهم العذاب إن لم يسلموا. وقيل: الإنذار هنا إعلامهم بنبوته، لأنه مقدمة الرسالة. وقيل: هو دعاؤهم إلى التوحيد، لأنه المقصود بها.
فهذا قول عامة المفسرين في الآية لا يخرج عن هذا التأويل ؛ فأين ما تدعيه بأن قوله تعالى : {قم فأنذر } أي أخرج وتظاهر في مسيرات أنت وأتباعك ؟؟.
إن هذا لعجب العجاب ؛ فاتق الله يا رجل أنت على حافة القبر ، تكذب على الله فتفسر كلامه على غير مراده سبحانه ، وتكذب على رسول الله أنه خرج في مظاهرة ، وأبو بكر عن يمينه وعمر عن شماله في صفين .. هذا افتراء وهو أكذب القول .
اتحداك يا شمس الدين أن تثبت ذلك في شيء من كتب العلم المعتبرة ، فهذه كتب السنة ، والسيرة ، والتاريخ أمامك فأخرج لنا ذلك بالسند الصحيح؛ بل الضعيف ، أخرج الكتاب الذي نقلت منه ، صوره وأبرزه للنّاس إن استطعت حتى تكذبنا ، وأثبت أن الرسول خرج في مسيرة أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره ..
أما القصة التي أردت أن تستدل بها في هذا الباب - ولم تحسن - فهي قصة إسلام عمر وحمزة رضي الله عنهما ، والقصة ضعيفة وردت بسند معضل وبسند آخر فيه راو أجمعوا على ضعفه ، وقال الإمام أحمد لا يحل الرواية عنه ؛فلا تصح أن تنسب إلى رسول الله .. فلما التلبيس والتدليس على النّاس ؟؟
و على فرض صحتها جدلا - وهي لا تصح - فليس فيها أدنى دليل على جواز المظاهرات ، فغاية ما فيها إظهار الدعوة إلى الله جهرا والخروج بها إلى العلن .
فهل خروج الملايين الذين تستدل بهم على صحة المظاهرات التي خرجوا فيها خرجوا من أجل إظهار الحق ، وإبرازه ، أم خرجوا من أجل إسقاط ولاية الوالي ( الرئيس ومن معه ))؟؟.
ألا تعلم أنهم هم الذين بالأمس خرجوا في مظاهرات عارمة مليونية – كما يقولون - يهتفون بحياته من أجل تنصيبه رئيسا عليهم ، فماذا تمسي هذا يا شمس الدين إن لم يكن خروجا عليه ؟؟
هذا أولا ؛ وثانيا : على فرض التسليم لك بأن القصة وردت بسند ضعيف والعمل بالضعيف في فضائل الأعمال جائز عند بعض العلماء ، فهذه القصة الضعيفة ليست من فضائل الأعمال ، فهي مسألة منهجية في باب الدعوة إلى الله والمراحل التي مرت بها ، وهي واقعة عين لا تصلح أن تكون قاعدة مطردة ليقاس عليها ما يجري من مظاهرات ، من وسائل غير شرعية تلقفها القوم من تتبعهم لسنن الأمم الكافرة .. فلم تتكرر هذه الواقعة البتة في عصر التشريع والقرون المفضلة وما بعدها..
فلو كانت مشروعة لعمل بها السلف ، ولسبقونا إلى ما فيها من الخير ، ولاستدلوا بها على كثير من الحوادث التي جرت عبر تاريخ هذه الأمة ، فلم ينقل من ذلك شيء ولم تستفيض هذه القصة وتشتهر بين دواوين الإسلام حتى تستخرجها أنت في هذا الزمان فتستدل بها على وسائل سنها أعداء الإسلام .
والذي نقل يا شمس الدين أن الخوارج الثوار هم من تظاهروا أمام بيت الخلافة أو الخليفة أمير المؤمنين عثمان - رضي الله عنه – واعتصموا أمام بيته من أجل تنحيته عن الخلافة أو يقتل ، فلمّا لم يجبهم إلى ترك الخلافة قتلوه والمصحف في حجره وهو يتلو كتاب الله .. هذا الذي نقل ، فمن يفعل ذلك ويذهب إلى قصر الحكم أو بيت الحاكم ليطالبوه بالتنحي عن الولاية فهم يفعلون فعل الخوارج .
ثالثا : على فرض صحتها تنازلا معك ، فالصحابة خرجوا يظهرون إسلامهم وأنهم على الحق ، ويعلنون به ، ولم يخرجوا ليطالبوا بحقوقهم في الحكم ، وأن الحكم لهم ، وأن يقرروا مصيرهم بأنفسهم من شعارات الجاهلية ، فلوا كان ذلك كذلك لخف الخطب ؛ فقد عرضت قريش على النبي صلى الله عليه وسلم الملك ورفضه كما نقلوا ذلك في السيرة ..
رابعا : على فرض التسليم بصحتها ، فخروج الصحابة ليس فيه شعارات جاهلية ، السيادة للشعب ، والحكم للشعب واتركوا الشعب يحكم بنفسه ويقرر مصيره ، وأنها سلمية ديمقراطية حضارية يخرج فيها الرجال والنساء من كل العمار جنبا إلى جنب ،مختلطة بالسفور والتبرج والزحام والاحتكاك بين الجنسين .
أو شعار من أجل الحرية ، مع العلم عند كل عاقل أنه لا يوجد عبد واحد ، أو جارية واحدة ، في الجزائر بمعنى العبودية فالكل يتكلم بما شاء متى ما شاء ، حتى السب والشتم ، ويدخل ويخرج ويسافر ، ويتاجر ويملك ويتزوج و..و..
فهل تدري يا شمس الدين الحرية التي يطالب بها هؤلاء المتظاهرون ويؤزهم أولئك الأوباش المتغربين الذين تأثروا بنظم بلاد الكفر التي يعشون فيها ورضعوا من لبان عولمتهم هي الحرية الإباحية التي لا حدود لها في نظام العولمة والدولة المدنية ..
لقد رفع المتظاهرون شعارات كثيرة حتى السب والشتم ؛ فهل هذه الشعارات الضالة المنحرفة ، وغيرها مما يرفعه المتظاهرون من الدعوة إلى الدين حتى نصبغها بلباس الشرع ، وهل هي من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونقيسها بتلك القصة الضعيفة ؟؟
ناهيك عن الفساد الذي ينتج عنها ، من التخريب ، والحرق ، والتدمير ، والضرب والجروح ، والاقتتال ، وتضييع للأوقات ، ونهب الموال العامة والخاصة ، وفتح باب الفتن على مصراعيه في الربيع العبري ، يا شمس الدين كن عاقلا وانظر إلى المصالح والمفاسد ، وأنت تعلم القاعدة العظيمة في الشرع درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وباب سد ذرائع الفساد ؛ فلو لم يكن من مفاسدها إلا الإخلال بالأمن لكان كافيا عند العقلاء أن لا يبيحوا هذه المظاهرات وأن ينهوا عنها .
فاتق الله يا شمس الدين ، ولا ترمي غيرك بما أنت واقع فيه من الجهل والكذب ، وإليك القصة التي استدللت بها مخرجة وما قال أهل العلم في سندها .
فقد أخرجها أبو نعيم في دلائل النبوة (1/241)(192) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَأَلْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيتَ الْفَارُوقَ؟ قَالَ: " أَسْلَمَ حَمْزَةُ قَبْلِي بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَخَرَجْتُ بَعْدَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِذَا فُلَانٌ ابْنُ فُلَانٍ الْمَخْزُومِيُّ قُلْتُ لَهُ: أَرَغِبْتَ عَنْ دِينِ آبَائِكَ وَاتَّبَعْتَ دِينَ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ:
إِنْ فَعَلْتُ فَقَدْ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ حَقًّا مِنِّي عَلَيْكَ قُلْتُ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: خَتَنُكَ وَأُخْتُكَ قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَوَجَدْتُ الْبَابَ مُغْلَقًا وَسَمِعْتُ هَمْهَمَةً قَالَ: فَفُتِحَ لِيَ الْبَابُ فَدَخَلْتُ فَقُلْتُ: مَا هَذَا الَّذِي أَسْمَعُ عِنْدَكُمْ؟ قَالُوا: مَا سَمِعْتَ شَيْئًا فَمَا زَالَ الْكَلَامُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ حَتَّى أَخَذْتُ رَأْسَ خَتَنِي فَضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً فَأَدْمَيْتُهُ فَقَامَتْ أُخْتِي فَأَخَذَتْ بِرَأْسِي فَقَالَتْ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى رَغِمَ أَنْفِكَ قَالَ: فَاسْتَحْيَيْتُ حِينَ رَأَيْتُ الدِّمَاءَ فَجَلَسْتُ وَقُلْتُ: أَرُونِي هَذَا الْكِتَابَ فَقَالَتْ أُخْتِي: إِنَّهُ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَقُمْ فَاغْتَسِلْ قَالَ: فَقُمْتُ فَاغْتَسَلْتُ وَجِئْتُ فَجَلَسْتُ فَأَخْرَجُوا إِلَيَّ الصَّحِيفَةَ فِيهَا: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» ، قُلْتُ: أَمَّا ظَاهِرُهُ طَيِّبٌ: {طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 2] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 8] قَالَ: فَتَعَظَّمَتْ فِي صَدْرِي وَقُلْتُ: مِنْ هَذَا فَرَّتْ قُرَيْشٌ؟ ثُمَّ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلْإِسْلَامِ فَقُلْتُ: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، قَالَ: فَمَا فِي الْأَرْضِ نَسَمَةٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قُلْتُ: أَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: عَلَيْكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ أَنْ لَا تَجْبَهَهُ بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَتْ: فَإِنَّهُ فِي دَارِ أَرْقَمَ بْنِ أَبِي أَرْقَمْ فِي دَارٍ عِنْدَ الصَّفَا فَأَتَيْتُ الدَّارَ وَحَمْزَةُ فِي أَصْحَابِهِ جُلُوسٌ فِي الدَّارِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْتِ فَضَرَبْتُ الْبَابَ فَاسْتَجْمَعَ الْقَوْمُ فَقَالَ لَهُمْ حَمْزَةُ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: افْتَحُوا لَهُ الْبَابَ فَإِنْ قَبِلَ قَبِلْنَا مِنْهُ، وَإِنْ أَدْبَرَ قَتَلْنَاهُ، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا لَكُمْ» قَالُوا: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ:
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ ثِيَابِهِ ثُمَّ نَتَرَهُ نَتْرَةً فَمَا تَمَالَكَ أَنْ وَقَعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ قَالَ : مَا أَنْتَ بِمُنْتَهٍ يَا عُمَرُ؟
قَالَ: قُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ: فَكَبَّرَ أَهْلُ الدَّارِ تَكْبِيرَةً سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ . قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ إِنْ مِتْنَا وَإِنْ حَيِينَا؟ قَالَ: (( بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى الْحَقِّ إِنْ مُتُّمْ وَإِنْ حَيِيتُمْ)). قَالَ: فَقُلْتُ: فَفِيمَ الِاخْتِفَاءُ؟ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَتَخْرُجَنَّ فَأَخْرَجْنَاهُ فِي صَفَّيْنِ حَمْزَةُ فِي أَحَدِهِمَا وَأَنَا فِي الْآخَرِ لَهُ كَدِيدٌ كَكَدِيدِ الطَّحِينِ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، قَالَ: فَنَظَرَتْ إِلَيَّ قُرَيْشٌ وَإِلَى حَمْزَةَ فَأَصَابَتْهُمْ كَآبَةٌ لَمْ يُصِبْهُمْ مِثْلُهَا فَسَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَارُوقَ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ )) .
قال الشيخ الألباني في الضعيفة (6531) قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، إسحاق بن عبد الله - وهو: ابن أبي فروة -، قال البخاري: "تركوه". وقال أحمد:"لا تحل - عندي - الرواية عنه". وكذبه بعضهم.
ثم أخرجه أبو نعيم، وكذا البزار (3/169 -171) من طريق إسحاق بن إبراهيم الحنيني: ثنا أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال: قال لنا عمر رضي الله عنه: أتحبون أن أعلمكم أول إسلامي؟ قلنا: نعم. قال: ... فذكر قصة إسلامه مطولة جداً، وليس فيها سبب تسميته بـ (الفاروق) ، ولا ذكر لـ (الصفين).
قلت : وهي كذلك في فضل الصحابة (1/279)(371) للإمام أحمد في قصة إسلام عمر لم يذكر خروجهم في صفين مع أنه ذكر قصة أخرى لإسلام عمر (1/283) (374) وقال الراوي في آخرها وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.أي أي القصتين كانت صحيحة .
وكذلك هي في مسند البزار المنشور باسم البحر الزخار (1/400). والآجري في الشريعة (ح1347) لم يذكر أحد منهم قصة تسميته بالفاروق ولا خروجهم في صفين .
وهذه الرواية هي من طريق إسحاق بن عبد الله وإسحاق بن عبد الله - وهو ابن أبي فروة - متروك شديد الضعف، فلا يفرح بحديثه. قال علي بن المديني: اسحاق بن عبد الله بن أبي فروة- يعني منكر الحديث-.
قال أبو أمية الأحوص بن المفضل بن غسان الغلابي: حدثنا أبي قال: حدثنا يحيى بن معين قال: اسحاق بن أبي فروة، والحكم الأيلي، وابن أبي يحيى لا يكتب حديثهم.
وقال مرة : اسحاق بن أبي فروة وليس بثقة عند يحيى بن معين.
وقال الحافظ أبو طاهر السلفي قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا أبو الحسن الحربي قال: أخبرنا أبو محمد الصفار قال: أخبرنا عبد الباقي بن قانع أن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة مولى عثمان بن عفان نزل المدينة، ضعيف .بغية الطلب في تاريخ حلب (3/1481-1483).
قال محمد بن سعد في الطبقات : الطبقة الخامسة من أهل المدينة : كتب إسحاق بن عبد الله ابن أبي فروة إلى عمر بن عبد العزيز يستأذنه في القدوم عليه، فكتب ( إليه عمر): الشقة بعيدة، والوطأة ثقيلة، والنيل قليل، ولا أنا عنك راض.
وكان أبو فروة يرى رأي الخوارج ، وكان كثير الحديث، يروي أحاديث منكرة، ولا يحتجون بحديثه.
وقال عتبة بن أبي حكيم، قال: جلس إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة بالمدينة في مجلس الزهري قريب منه، فجعل يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال مالك: قاتلك الله، ما جرأك على الله يا ابن أبي فروة! ألا تسند أحاديثك؟ تحدثون بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة!
وكذلك يقال لك : قاتلك الله، ما جرأك على الله يا شمس الدين بروبي! ألا تسند أحاديثك؟ تحدث بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة! وقال أحمد بن حنبل: لا تحل الرواية عن إسحاق بن أبي فروة.مختصر تاريخ دمشق (4/302).
وقال صلاح الدين الصفدي :في الوافي بالوفيات (8/271): وَهُوَ مجمع على ضعفه.
فقد سقطت هذه القصة سندا ومضمونا ، فهل يصح بعدها أن تستدل بها على جواز المظاهرات التي جاءتنا من الكفار ليشعلوا بيننا الفتن ويفرقوا بين المسلمين ، ويدمروا أوطاننا وندخل في حروب لا يعلم نهايتها ونتيجتها والدمار الذي يحصل من ورائها إلا الله تعالى ، ولا إخالها تجهل العشرية السوداء التي مرت ببلادنا وأنك انكويت بنارها ومسك ضررها فهلاّ تعقلت ودعوت إلى ترك هذه الأعمال المخالفة لشرع رب العالمين .
أما الكثرة التي تستدل بها على جواز المظاهرات ، فالحق على يعرف بالملايين ، بل اعرق الحق تعرف المتسم به ، وقد ذم الله تعالى الكثرة في كتابه ، وقد كتبت في ذلك رسالة بعنوان " إتحاف الجلة بالعبرة ليست بالكثرة ولا بالقلة " وهي منشورة في مواقع التواصل الاجتماعي . شبهة وجوابها : يقولون أن ولي الأمر هو من قنن جواز المظاهرات في الدستور ، فمن حقنا أن نتظاهر ، وأنها سلمية .. والجواب على هذا من وجوه .
أولا : أن هذه المظاهرات ليست من ديننا ، بل هي من نظم الكفار وأهل الأهواء الضلال ، فلم يفعلها الصحابة رضوان الله عليهم ولا التابعون ، ولا كانت في عصر القرون المفضلة ، والخير كل الخير في اتباع من سلف .
ثانيا : أنتم بهذا القول تقرون أن المظاهرات من تقنين الحكام في دساتيرهم ، ولكن لو تتبعوا ذلك وتبحثوا عمن أخذوها ودليلهم في ذلك فلم تجدوا إلا أنهم أخذوها من الكفار وليس من الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح .
ثالثا : أنتم بهذا القول وقعتم في مخالفتين ، المخالفة الأولى للشرع ، حيث أن هذه المظاهرات ليس منه كما أقررتم ، وكما بينه علماء أهل السنة الموثوق بعلمهم ودينهم .
والمخالفة الثانية هي للقانون الذي تحتجون به أنه هو من قنن ذلك ، لأنه ضبطها ذلك القانون بمادة أخرى وهي : أنه لا يجاوز لأحد أن يخرج ليتظاهر إلا برخصة وترخيص من الإدارة ؛ فأين الرخصة لكم في هذه المظاهرات ؟؟
ورابعا : أما قولهم : سليمة ويزد بعضهم سلمية حضارية ، هذا من التعميه والتضليل الإعلامي ، أي حضارة في الصراخ في الشوارع ، والسب والشتم ، والتخريب ، والحرق والاعتداء على الآخرين بقطع الطرقات والتهديد لمن يخالف الإضراب ويفتح محلاته ؟؟ ومتى كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالصراخ في الشوارع ، والسب والشتم والتعيير ، ومتى كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحرق والغرق ، والتخريب والاعتداء على الآخرين في أنفسهم وأملاكهم وأعراضهم ؟؟
وقد أثبت الواقع خلاف قولهم أنها سلمية ، فلو سقطت إلا نفس واحدة لم تكن سلمية ،فأن إراقة دم مسلم واحد أعظم عند الله من حرمة الكعبة ؛ بل لو اشترك من في السموات والأرض على قتل نفس مسلم واحد لأكبهم الله جميعا على وجوههم في النّار . الحديث ضعيف ، وبعضهم يحسنه بمجموع طرقه أنظر تحقيق تفسير سعيد بن منصور (4/1335-3لسعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حميد. وقد سقطت أنفس ، وجرح الكثير ، وخربت ، وحرقت بعض الممتلكات ، وسب فيها العلماء وطلاب العلم الذين أخذوا بما يرون أنه حق وشرع ، وخرج الناس من المساجد يوم الجمعة محدثين فتنا في المساجد والأئمة يخطبون فأين السلمية يا قوم؟
وختاما اعلموا يرحكم الله أن السلفيين ليسوا أحدية للنظام ، وإنما يقومون بما يملي عليه دينهم ، وأنهم على منهج سلفهم الصالح ؛ فهم أعلم النّاس بالحق وأرحمهم بالخلق ، فوقفتهم هذه هي من أجلكم سلامتكم ، وأجل أعراضكم وأنفسكم وأموالكم وأمنكم حتى تعيشون في أمن وأمان ،فأنتم تعلمون أن كثير من السلفيين مظلومين ومضطهدين ..
أسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، ويجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يجعل بلدنا هذا آمنا رخاء وسائر بلاد المسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . آمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــتين .
أما بعد :
فهذه نصيحة مشفق يقدمها لكم فإن الدنيا فانية ، وإن القدوم على الله قريب ، وأن المسئولية جسيمة ، والفضيحة عظيمة ، ولا مفر لكم من المساءلة أمام الله فقد فتحتم الباب إلى هذا الظالم لنفسه يعبث في دين الله ويحرف الكلم عن مواضعه ، ويكذب على الله ورسوله ، ويكذب على العلماء والكذب به ألصق ، وقد جمعت في الرد عليه كتابا حافلا بالأخطاء العلمية وقد نشرت الجزء الأول منه ، بعنوان " القول المبين في الرد على أباطيل بروبي شمس الدين " واليوم خرج علينا كعادته يحرف كلام الله ليستدل على جواز المظاهرات وكل ما جاء به باطل وكذب وتتحملون شيئا من الوزر معه لأنكم أنتم من فتحتم له الباب فأنتم السبب المباشر لنشر الكذب والتأويل الباطل لكلام الله تعالى فاتقوا الله وأغلقوا الباب دونه .
فقد استمعت إلى مقطع فيديو للمدعو شمس الدين بوروبي يتكلم فيه على جواز المظاهرات ، ويرد على من منعها ، ويتهم السلفيين بالكذب وهو به ألصق من باب رمتني بدائها وانسلت .
والمشكل ليس في رده وانتقاده ولو كان بالسب والشتم ، فهذا قد ألفناه منه ولكن المشكل والعجيب فيما يستدل به على جواز المظاهرات ؛ حيث استدل بآية من القرآن ، وقصة من السيرة النبوية ، وبكثرة الخارجين في المظاهرات ، ولتفنيد ما جاء به من الباطل والقول العاطل أقول له ولمن على شاكلته أو اغتر بكلامه .
يا شمس الدين اتق الله لا تحرف القرآن الكريم ، ولا تخرج على العام في هذه القنوات بوجه صفيق لا تستح من الله تعالى ولا من خلقه بعد هذا الشيب الذي غزاك ـ وتكذب في تأويل كلام الله ، وتفسيره ، وتكذب على رسول الله ، وعلى الصحابة ، وعلى طلبة العلم والعلماء ، وتتهمهم بالكذب ،وأنت أكبر كذاب في وضح النّهار في قناة النهار ..
يا شمس الدين ؛ تستدل على المظاهرات والمسيرات بقوله تعالى :{ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ} (1-2) المدثر .
وتفسرها بأنها نزلت على رسول الله وهو في دار الأرقم ابن أبي أرقم ، أما تستحي من الله في هذا السن وأنت تقول ذلك ؟ ألا تعلم أن ذلك سُجل عليك في كتابك وهو كذب؟؟
ألم تكلف نفسك قليلا فترجع إلى تفسير من التفاسير وتنقل للنّاس أن ذلك نزل عليه وهو مدثر في قطيفة في بيت خديجة بعدما رجع إليها وقد رأى الملك الذي جاءه في حراء بين السماء والأرض جالس على كرسي .. وهذا لا يكاد يختلف فيه أهل التفسير .
فلماذا اختلفت عليهم وحرفت ذلك ؟ وأنت تعلم أنه خلاف الحق الذي أراده الله تعالى ، من رسوله ، ونقله العلماء، وأنا أعلم أنك لم تفعل ذلك عن جهل وإنما فعلته عن علم لترضي به بعض الخلق ..
يا شمس الدين ؛ من سبقك من أهل العلم إلى هذا التفسير ؟ بل أقول من سبقك من أهل الجهل والضلال من أئمة الباطنية الذين تشيد بمذاهبهم وتذهب إليها في بعض ما يوافق هواك ؟ لم يقل أحد منهم في تفسير الآية بما قلت به ؟؟.
اسمع يا شمس الذين واقرأ تأويل العلماء ، ولا تحرف تفسير القرآن الكريم فإنه سوأة كبيرة تسجل عليك ليس من السهل التخلص منها أمام الله تعالى .
أخرج ابن جرير في تفسيره (23/7): عن جابر بن عبد الله الأنصاري – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحدّث عن فترة الوحي: (( بَيْنا أنا أمْشِي سَمِعْت صَوْتا مِنَ السَّماءِ، فَرَفَعْتُ رأسِي، فإذَا المَلَك الَّذِي جاءَنِي بحرَاءَ جالِسٌ عَلى كُرْسِي بَينَ السَّماءِ والأرْضِ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَجُثِثْتُ مِنْهُ فَرَقا ، وجِئْتُ أهْلِي فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فدَثَّرُونِي" فأنزل الله (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ..) إلى قوله: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) قال: ثم تتابع الوحي.
وقوله: (قُمْ فَأَنْذِرْ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: قم من نومك فأنذر عذاب الله قومك الذين أشركوا بالله، وعبدوا غيره.تفسير ابن جرير(23/9).
وروى البخاري (4922) ومسلم(161) واللفظ له عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ: "فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بصري قبَلَ السماء، فإذا الملك الذي جاءني بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَجَثَثْتُ مِنْهُ حَتَّى هَوَيتُ إِلَى الْأَرْضِ، فَجِئْتُ إِلَى أَهْلِي، فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي. فَزَمَّلُونِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} إِلَى: {فَاهْجُرْ}.
قال ابن عطية الأندلسي (5/392): وقوله تعالى: قُمْ فَأَنْذِرْ بعثة عامة إلى جميع الخلق. قال قتادة، المعنى أنذر عذاب الله ووقائعه بالأمم، وقوله تعالى: وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ معناه عظمه بالعبادة وبث شرعه.
وقال الرازي (30/697): (( قم فأنذر )). في قوله: قم وجهان أحدهما: قم من مضجعك ، والثاني: قم قيام عزم وتصميم.. وفي قوله: فأنذر وجهان أحدهما: حذر قومك من عذاب الله إن لم يؤمنوا. وقال ابن عباس : قم نذيرا للبشر، احتج القائلون بالقول الأول بقوله تعالى:{وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ} [الأنعام: 51] .
واحتج القائلون بالقول الثاني بقوله تعالى :{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28] .
وهاهنا قول ثالث : وهو أن المراد فاشتغل بفعل الإنذار، كأنه تعالى يقول له تهيأ لهذه الحرفة، فإنه فرق بين أن يقال تعلم صنعة المناظرة، وبين أن يقال: ناظر زيدا.
وقال القرطبي (19/61) قوله تعالى: (قم فأنذر) أي خوف أهل مكة وحذرهم العذاب إن لم يسلموا. وقيل: الإنذار هنا إعلامهم بنبوته، لأنه مقدمة الرسالة. وقيل: هو دعاؤهم إلى التوحيد، لأنه المقصود بها.
فهذا قول عامة المفسرين في الآية لا يخرج عن هذا التأويل ؛ فأين ما تدعيه بأن قوله تعالى : {قم فأنذر } أي أخرج وتظاهر في مسيرات أنت وأتباعك ؟؟.
إن هذا لعجب العجاب ؛ فاتق الله يا رجل أنت على حافة القبر ، تكذب على الله فتفسر كلامه على غير مراده سبحانه ، وتكذب على رسول الله أنه خرج في مظاهرة ، وأبو بكر عن يمينه وعمر عن شماله في صفين .. هذا افتراء وهو أكذب القول .
اتحداك يا شمس الدين أن تثبت ذلك في شيء من كتب العلم المعتبرة ، فهذه كتب السنة ، والسيرة ، والتاريخ أمامك فأخرج لنا ذلك بالسند الصحيح؛ بل الضعيف ، أخرج الكتاب الذي نقلت منه ، صوره وأبرزه للنّاس إن استطعت حتى تكذبنا ، وأثبت أن الرسول خرج في مسيرة أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره ..
أما القصة التي أردت أن تستدل بها في هذا الباب - ولم تحسن - فهي قصة إسلام عمر وحمزة رضي الله عنهما ، والقصة ضعيفة وردت بسند معضل وبسند آخر فيه راو أجمعوا على ضعفه ، وقال الإمام أحمد لا يحل الرواية عنه ؛فلا تصح أن تنسب إلى رسول الله .. فلما التلبيس والتدليس على النّاس ؟؟
و على فرض صحتها جدلا - وهي لا تصح - فليس فيها أدنى دليل على جواز المظاهرات ، فغاية ما فيها إظهار الدعوة إلى الله جهرا والخروج بها إلى العلن .
فهل خروج الملايين الذين تستدل بهم على صحة المظاهرات التي خرجوا فيها خرجوا من أجل إظهار الحق ، وإبرازه ، أم خرجوا من أجل إسقاط ولاية الوالي ( الرئيس ومن معه ))؟؟.
ألا تعلم أنهم هم الذين بالأمس خرجوا في مظاهرات عارمة مليونية – كما يقولون - يهتفون بحياته من أجل تنصيبه رئيسا عليهم ، فماذا تمسي هذا يا شمس الدين إن لم يكن خروجا عليه ؟؟
هذا أولا ؛ وثانيا : على فرض التسليم لك بأن القصة وردت بسند ضعيف والعمل بالضعيف في فضائل الأعمال جائز عند بعض العلماء ، فهذه القصة الضعيفة ليست من فضائل الأعمال ، فهي مسألة منهجية في باب الدعوة إلى الله والمراحل التي مرت بها ، وهي واقعة عين لا تصلح أن تكون قاعدة مطردة ليقاس عليها ما يجري من مظاهرات ، من وسائل غير شرعية تلقفها القوم من تتبعهم لسنن الأمم الكافرة .. فلم تتكرر هذه الواقعة البتة في عصر التشريع والقرون المفضلة وما بعدها..
فلو كانت مشروعة لعمل بها السلف ، ولسبقونا إلى ما فيها من الخير ، ولاستدلوا بها على كثير من الحوادث التي جرت عبر تاريخ هذه الأمة ، فلم ينقل من ذلك شيء ولم تستفيض هذه القصة وتشتهر بين دواوين الإسلام حتى تستخرجها أنت في هذا الزمان فتستدل بها على وسائل سنها أعداء الإسلام .
والذي نقل يا شمس الدين أن الخوارج الثوار هم من تظاهروا أمام بيت الخلافة أو الخليفة أمير المؤمنين عثمان - رضي الله عنه – واعتصموا أمام بيته من أجل تنحيته عن الخلافة أو يقتل ، فلمّا لم يجبهم إلى ترك الخلافة قتلوه والمصحف في حجره وهو يتلو كتاب الله .. هذا الذي نقل ، فمن يفعل ذلك ويذهب إلى قصر الحكم أو بيت الحاكم ليطالبوه بالتنحي عن الولاية فهم يفعلون فعل الخوارج .
ثالثا : على فرض صحتها تنازلا معك ، فالصحابة خرجوا يظهرون إسلامهم وأنهم على الحق ، ويعلنون به ، ولم يخرجوا ليطالبوا بحقوقهم في الحكم ، وأن الحكم لهم ، وأن يقرروا مصيرهم بأنفسهم من شعارات الجاهلية ، فلوا كان ذلك كذلك لخف الخطب ؛ فقد عرضت قريش على النبي صلى الله عليه وسلم الملك ورفضه كما نقلوا ذلك في السيرة ..
رابعا : على فرض التسليم بصحتها ، فخروج الصحابة ليس فيه شعارات جاهلية ، السيادة للشعب ، والحكم للشعب واتركوا الشعب يحكم بنفسه ويقرر مصيره ، وأنها سلمية ديمقراطية حضارية يخرج فيها الرجال والنساء من كل العمار جنبا إلى جنب ،مختلطة بالسفور والتبرج والزحام والاحتكاك بين الجنسين .
أو شعار من أجل الحرية ، مع العلم عند كل عاقل أنه لا يوجد عبد واحد ، أو جارية واحدة ، في الجزائر بمعنى العبودية فالكل يتكلم بما شاء متى ما شاء ، حتى السب والشتم ، ويدخل ويخرج ويسافر ، ويتاجر ويملك ويتزوج و..و..
فهل تدري يا شمس الدين الحرية التي يطالب بها هؤلاء المتظاهرون ويؤزهم أولئك الأوباش المتغربين الذين تأثروا بنظم بلاد الكفر التي يعشون فيها ورضعوا من لبان عولمتهم هي الحرية الإباحية التي لا حدود لها في نظام العولمة والدولة المدنية ..
لقد رفع المتظاهرون شعارات كثيرة حتى السب والشتم ؛ فهل هذه الشعارات الضالة المنحرفة ، وغيرها مما يرفعه المتظاهرون من الدعوة إلى الدين حتى نصبغها بلباس الشرع ، وهل هي من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونقيسها بتلك القصة الضعيفة ؟؟
ناهيك عن الفساد الذي ينتج عنها ، من التخريب ، والحرق ، والتدمير ، والضرب والجروح ، والاقتتال ، وتضييع للأوقات ، ونهب الموال العامة والخاصة ، وفتح باب الفتن على مصراعيه في الربيع العبري ، يا شمس الدين كن عاقلا وانظر إلى المصالح والمفاسد ، وأنت تعلم القاعدة العظيمة في الشرع درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وباب سد ذرائع الفساد ؛ فلو لم يكن من مفاسدها إلا الإخلال بالأمن لكان كافيا عند العقلاء أن لا يبيحوا هذه المظاهرات وأن ينهوا عنها .
فاتق الله يا شمس الدين ، ولا ترمي غيرك بما أنت واقع فيه من الجهل والكذب ، وإليك القصة التي استدللت بها مخرجة وما قال أهل العلم في سندها .
فقد أخرجها أبو نعيم في دلائل النبوة (1/241)(192) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَأَلْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيتَ الْفَارُوقَ؟ قَالَ: " أَسْلَمَ حَمْزَةُ قَبْلِي بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَخَرَجْتُ بَعْدَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِذَا فُلَانٌ ابْنُ فُلَانٍ الْمَخْزُومِيُّ قُلْتُ لَهُ: أَرَغِبْتَ عَنْ دِينِ آبَائِكَ وَاتَّبَعْتَ دِينَ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ:
إِنْ فَعَلْتُ فَقَدْ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ حَقًّا مِنِّي عَلَيْكَ قُلْتُ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: خَتَنُكَ وَأُخْتُكَ قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَوَجَدْتُ الْبَابَ مُغْلَقًا وَسَمِعْتُ هَمْهَمَةً قَالَ: فَفُتِحَ لِيَ الْبَابُ فَدَخَلْتُ فَقُلْتُ: مَا هَذَا الَّذِي أَسْمَعُ عِنْدَكُمْ؟ قَالُوا: مَا سَمِعْتَ شَيْئًا فَمَا زَالَ الْكَلَامُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ حَتَّى أَخَذْتُ رَأْسَ خَتَنِي فَضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً فَأَدْمَيْتُهُ فَقَامَتْ أُخْتِي فَأَخَذَتْ بِرَأْسِي فَقَالَتْ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى رَغِمَ أَنْفِكَ قَالَ: فَاسْتَحْيَيْتُ حِينَ رَأَيْتُ الدِّمَاءَ فَجَلَسْتُ وَقُلْتُ: أَرُونِي هَذَا الْكِتَابَ فَقَالَتْ أُخْتِي: إِنَّهُ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَقُمْ فَاغْتَسِلْ قَالَ: فَقُمْتُ فَاغْتَسَلْتُ وَجِئْتُ فَجَلَسْتُ فَأَخْرَجُوا إِلَيَّ الصَّحِيفَةَ فِيهَا: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» ، قُلْتُ: أَمَّا ظَاهِرُهُ طَيِّبٌ: {طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 2] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 8] قَالَ: فَتَعَظَّمَتْ فِي صَدْرِي وَقُلْتُ: مِنْ هَذَا فَرَّتْ قُرَيْشٌ؟ ثُمَّ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلْإِسْلَامِ فَقُلْتُ: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، قَالَ: فَمَا فِي الْأَرْضِ نَسَمَةٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قُلْتُ: أَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: عَلَيْكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ أَنْ لَا تَجْبَهَهُ بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَتْ: فَإِنَّهُ فِي دَارِ أَرْقَمَ بْنِ أَبِي أَرْقَمْ فِي دَارٍ عِنْدَ الصَّفَا فَأَتَيْتُ الدَّارَ وَحَمْزَةُ فِي أَصْحَابِهِ جُلُوسٌ فِي الدَّارِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْتِ فَضَرَبْتُ الْبَابَ فَاسْتَجْمَعَ الْقَوْمُ فَقَالَ لَهُمْ حَمْزَةُ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: افْتَحُوا لَهُ الْبَابَ فَإِنْ قَبِلَ قَبِلْنَا مِنْهُ، وَإِنْ أَدْبَرَ قَتَلْنَاهُ، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا لَكُمْ» قَالُوا: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ:
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ ثِيَابِهِ ثُمَّ نَتَرَهُ نَتْرَةً فَمَا تَمَالَكَ أَنْ وَقَعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ قَالَ : مَا أَنْتَ بِمُنْتَهٍ يَا عُمَرُ؟
قَالَ: قُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ: فَكَبَّرَ أَهْلُ الدَّارِ تَكْبِيرَةً سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ . قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ إِنْ مِتْنَا وَإِنْ حَيِينَا؟ قَالَ: (( بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى الْحَقِّ إِنْ مُتُّمْ وَإِنْ حَيِيتُمْ)). قَالَ: فَقُلْتُ: فَفِيمَ الِاخْتِفَاءُ؟ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَتَخْرُجَنَّ فَأَخْرَجْنَاهُ فِي صَفَّيْنِ حَمْزَةُ فِي أَحَدِهِمَا وَأَنَا فِي الْآخَرِ لَهُ كَدِيدٌ كَكَدِيدِ الطَّحِينِ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، قَالَ: فَنَظَرَتْ إِلَيَّ قُرَيْشٌ وَإِلَى حَمْزَةَ فَأَصَابَتْهُمْ كَآبَةٌ لَمْ يُصِبْهُمْ مِثْلُهَا فَسَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَارُوقَ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ )) .
قال الشيخ الألباني في الضعيفة (6531) قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، إسحاق بن عبد الله - وهو: ابن أبي فروة -، قال البخاري: "تركوه". وقال أحمد:"لا تحل - عندي - الرواية عنه". وكذبه بعضهم.
ثم أخرجه أبو نعيم، وكذا البزار (3/169 -171) من طريق إسحاق بن إبراهيم الحنيني: ثنا أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال: قال لنا عمر رضي الله عنه: أتحبون أن أعلمكم أول إسلامي؟ قلنا: نعم. قال: ... فذكر قصة إسلامه مطولة جداً، وليس فيها سبب تسميته بـ (الفاروق) ، ولا ذكر لـ (الصفين).
قلت : وهي كذلك في فضل الصحابة (1/279)(371) للإمام أحمد في قصة إسلام عمر لم يذكر خروجهم في صفين مع أنه ذكر قصة أخرى لإسلام عمر (1/283) (374) وقال الراوي في آخرها وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ.أي أي القصتين كانت صحيحة .
وكذلك هي في مسند البزار المنشور باسم البحر الزخار (1/400). والآجري في الشريعة (ح1347) لم يذكر أحد منهم قصة تسميته بالفاروق ولا خروجهم في صفين .
وهذه الرواية هي من طريق إسحاق بن عبد الله وإسحاق بن عبد الله - وهو ابن أبي فروة - متروك شديد الضعف، فلا يفرح بحديثه. قال علي بن المديني: اسحاق بن عبد الله بن أبي فروة- يعني منكر الحديث-.
قال أبو أمية الأحوص بن المفضل بن غسان الغلابي: حدثنا أبي قال: حدثنا يحيى بن معين قال: اسحاق بن أبي فروة، والحكم الأيلي، وابن أبي يحيى لا يكتب حديثهم.
وقال مرة : اسحاق بن أبي فروة وليس بثقة عند يحيى بن معين.
وقال الحافظ أبو طاهر السلفي قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا أبو الحسن الحربي قال: أخبرنا أبو محمد الصفار قال: أخبرنا عبد الباقي بن قانع أن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة مولى عثمان بن عفان نزل المدينة، ضعيف .بغية الطلب في تاريخ حلب (3/1481-1483).
قال محمد بن سعد في الطبقات : الطبقة الخامسة من أهل المدينة : كتب إسحاق بن عبد الله ابن أبي فروة إلى عمر بن عبد العزيز يستأذنه في القدوم عليه، فكتب ( إليه عمر): الشقة بعيدة، والوطأة ثقيلة، والنيل قليل، ولا أنا عنك راض.
وكان أبو فروة يرى رأي الخوارج ، وكان كثير الحديث، يروي أحاديث منكرة، ولا يحتجون بحديثه.
وقال عتبة بن أبي حكيم، قال: جلس إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة بالمدينة في مجلس الزهري قريب منه، فجعل يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال مالك: قاتلك الله، ما جرأك على الله يا ابن أبي فروة! ألا تسند أحاديثك؟ تحدثون بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة!
وكذلك يقال لك : قاتلك الله، ما جرأك على الله يا شمس الدين بروبي! ألا تسند أحاديثك؟ تحدث بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة! وقال أحمد بن حنبل: لا تحل الرواية عن إسحاق بن أبي فروة.مختصر تاريخ دمشق (4/302).
وقال صلاح الدين الصفدي :في الوافي بالوفيات (8/271): وَهُوَ مجمع على ضعفه.
فقد سقطت هذه القصة سندا ومضمونا ، فهل يصح بعدها أن تستدل بها على جواز المظاهرات التي جاءتنا من الكفار ليشعلوا بيننا الفتن ويفرقوا بين المسلمين ، ويدمروا أوطاننا وندخل في حروب لا يعلم نهايتها ونتيجتها والدمار الذي يحصل من ورائها إلا الله تعالى ، ولا إخالها تجهل العشرية السوداء التي مرت ببلادنا وأنك انكويت بنارها ومسك ضررها فهلاّ تعقلت ودعوت إلى ترك هذه الأعمال المخالفة لشرع رب العالمين .
أما الكثرة التي تستدل بها على جواز المظاهرات ، فالحق على يعرف بالملايين ، بل اعرق الحق تعرف المتسم به ، وقد ذم الله تعالى الكثرة في كتابه ، وقد كتبت في ذلك رسالة بعنوان " إتحاف الجلة بالعبرة ليست بالكثرة ولا بالقلة " وهي منشورة في مواقع التواصل الاجتماعي . شبهة وجوابها : يقولون أن ولي الأمر هو من قنن جواز المظاهرات في الدستور ، فمن حقنا أن نتظاهر ، وأنها سلمية .. والجواب على هذا من وجوه .
أولا : أن هذه المظاهرات ليست من ديننا ، بل هي من نظم الكفار وأهل الأهواء الضلال ، فلم يفعلها الصحابة رضوان الله عليهم ولا التابعون ، ولا كانت في عصر القرون المفضلة ، والخير كل الخير في اتباع من سلف .
ثانيا : أنتم بهذا القول تقرون أن المظاهرات من تقنين الحكام في دساتيرهم ، ولكن لو تتبعوا ذلك وتبحثوا عمن أخذوها ودليلهم في ذلك فلم تجدوا إلا أنهم أخذوها من الكفار وليس من الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح .
ثالثا : أنتم بهذا القول وقعتم في مخالفتين ، المخالفة الأولى للشرع ، حيث أن هذه المظاهرات ليس منه كما أقررتم ، وكما بينه علماء أهل السنة الموثوق بعلمهم ودينهم .
والمخالفة الثانية هي للقانون الذي تحتجون به أنه هو من قنن ذلك ، لأنه ضبطها ذلك القانون بمادة أخرى وهي : أنه لا يجاوز لأحد أن يخرج ليتظاهر إلا برخصة وترخيص من الإدارة ؛ فأين الرخصة لكم في هذه المظاهرات ؟؟
ورابعا : أما قولهم : سليمة ويزد بعضهم سلمية حضارية ، هذا من التعميه والتضليل الإعلامي ، أي حضارة في الصراخ في الشوارع ، والسب والشتم ، والتخريب ، والحرق والاعتداء على الآخرين بقطع الطرقات والتهديد لمن يخالف الإضراب ويفتح محلاته ؟؟ ومتى كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالصراخ في الشوارع ، والسب والشتم والتعيير ، ومتى كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحرق والغرق ، والتخريب والاعتداء على الآخرين في أنفسهم وأملاكهم وأعراضهم ؟؟
وقد أثبت الواقع خلاف قولهم أنها سلمية ، فلو سقطت إلا نفس واحدة لم تكن سلمية ،فأن إراقة دم مسلم واحد أعظم عند الله من حرمة الكعبة ؛ بل لو اشترك من في السموات والأرض على قتل نفس مسلم واحد لأكبهم الله جميعا على وجوههم في النّار . الحديث ضعيف ، وبعضهم يحسنه بمجموع طرقه أنظر تحقيق تفسير سعيد بن منصور (4/1335-3لسعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حميد. وقد سقطت أنفس ، وجرح الكثير ، وخربت ، وحرقت بعض الممتلكات ، وسب فيها العلماء وطلاب العلم الذين أخذوا بما يرون أنه حق وشرع ، وخرج الناس من المساجد يوم الجمعة محدثين فتنا في المساجد والأئمة يخطبون فأين السلمية يا قوم؟
وختاما اعلموا يرحكم الله أن السلفيين ليسوا أحدية للنظام ، وإنما يقومون بما يملي عليه دينهم ، وأنهم على منهج سلفهم الصالح ؛ فهم أعلم النّاس بالحق وأرحمهم بالخلق ، فوقفتهم هذه هي من أجلكم سلامتكم ، وأجل أعراضكم وأنفسكم وأموالكم وأمنكم حتى تعيشون في أمن وأمان ،فأنتم تعلمون أن كثير من السلفيين مظلومين ومضطهدين ..
أسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، ويجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يجعل بلدنا هذا آمنا رخاء وسائر بلاد المسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . آمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــتين .