قال العلامة محمد السفاريني الحنبلي رحمه الله: "ومن نهى عما له قد ارتكب فقد أتى مما به يقضى العجب"،"فلو بدا بنفسه فذادها عن غيها لكان قد أفادها".
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله شارحا لها": قوله: "ومن نهى عما له قد ارتكب"، أي: عن الذي هو يرتكبه، وهنا يقصد المؤلف أن من ينهي عن شيء وهو يرتكبه، فإنه فعل ما يدعو إلى العجب؛ إذا نهى الإنسان عن شيء يرتكبه، مثل أن يرى رجلاً يتعامل بالربا فيقول له: يا فلان اتق الله ولا تتعامل بالربا، فإن الربا من كبائر الذنوب، وهو نفسه له محل يتعامل بالربا فيه، هذا عجب، وهذا يقضى به العجب، إذ كيف ينهى عن شيء هو يفعله؟! ولو كان باطلاً ما فعله، وإن فعله وهو يعتقد أنه باطل فهو سفيه، لقول الله تبارك وتعالى في بني إسرائيل: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} البقرة: 44، وقال تعالى لهذه الأمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} الصف: 2،{كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} الصف: 3، فهذا من كبائر الذنوب. (1)
وقد ورد التحذير عن مثل ذلك كما في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار ، فتندلق أقتاب بطنه -أي أمعاؤه ومعنى تندلق أي تخرج- فيدور فيها كما يدور الحمار في الرحى ، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك ، ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول: "بلي كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه". رواه البخاري ومسلم. (2)
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "وهذا وعيد شديد نسأل الله العافية، وفضيحة وعار، وكذلك يكون هو أول من تسعر به النار يوم القيامة. نسأل الله العافية.
ويقول الشاعر: لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم.
والمهم أن الإنسان الذي يأتي بشيء ينهى عنه، هذا أتى مما به يقضى العجب، أو بما به يقضى العجب، إذ كيف يأمر بما لا يفعل أو ينهى عما يفعل.
وإتيان المؤلف رحمه الله بهذا البيت أو بهذا الحكم بعد ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يفيد أن من فعل ذلك لا يسقط عنه الأمر والنهي، فلو كان مبتلى بهذا الأمر ويفعله فلينته عنه، ولو أن إنساناً مبتلى بشرب المخدرات، وشارب المخدرات لا يكاد يقلع، وهو ينهى الناس عن المخدرات، فلا يقال له: ما دمت أنك تفعل اسكت، بل نقول له: اِنهَ الناس.
إذاً لا يسقط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون الإنسان مخالفاً؛ لأنه إذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع المخالفة، يكن قد ترك واجبين: الأول: ترك المعصية التي يفعلها، والثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنقول: وإن كنت لا تفعل المعروف فأمر به، وإن كنت تفعل المنكر فإن فعلك إياه لا يسقط عنك النهي عنه. فإنه عنه.
فإذا قال قائل: كيف أنهى عنه وأُعرضُ نفسي للفضيحة وللوعيد في قول النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يلقى في النار فتندلق اقتاب بطنه.
فالجواب: إنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تحذيراً من أن يأمر الإنسان ولا يفعل أو أن ينهى ويفعل، وليس مراده أن يحذر من أن يأمر بما لا يفعل وأن ينهى عما يفعل.
قال المؤلف رحمه الله: (لو بدا بنفسه فذادها عن غيها) ولم يقل: فلو اعتنى بنفسه؛ يعني وترك الآخرين، لأن البداية لها نهاية، فيبدأ أولاً بنفسه ثم بغيره، وهذه هي الحكمة وهذا هو الترتيب الصحيح،لكن لو أصر هو على فعل المعصية فلا يمنعنه ذلك من ترك النهي عنها. (3)
فالشرط السادس من شروط الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر: أن يكون هذا الآمر أو الناهي قائماً بما يأمر به منتهياً عما ينهي عنه، وهذا على رأي بعض العلماء، فإن كان غير قائم بذلك، فإنه لا يأمر بالمعروف ولا ينهي عن المنكر، لأن الله تعالى قال لبني إسرائيل: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} البقرة: 44، فإذا كان هذا الرجل لا يصلي، فلا يأمر غيره بالصلاة، وإن كان يشرب الخمر، فلا ينهي غيره عنها، ولهذا قال الشاعر: لا تنه عن خلق وتأتي مثله ** عار عليك إذا فعلت عظيم؛ فهم استدلوا بالأثر والنظر، ولكن الجمهور علي خلاف ذلك، وقالوا: يجب أن يأمر بالمعروف، وإن كان لا يأتيه، وينهي عن المنكر، وإن كان يأتيه، وإنما وبخ الله تعالى بني إسرائيل، لا على أمرهم بالبر، ولكن على جمعهم بين الأمر بالبر ونسيان النفس.
وهذا القول هو الصحيح، فنقول: أنت الآن مأمور بأمرين: الأول: فعل البر، والثاني: الأمر بالبر.
منهي عن أمرين: الأول: فعل المنكر، والثاني: ترك النهي عن فعله.
فلا تجمع بين ترك المأمورين وفعل المنهيين، فإن ترك أحدهما لا يستلزم سقوط الآخر. (4)
(1) شرح العقيدة السفارينية - الشريط الثلاثون - الباب السادس في ذكر الإمامة ومتعلقاتها
(2) أخرجه البخاري (3904)، ومسلم (2989).
(3) شرح العقيدة السفارينية - الشريط الثلاثون - الباب السادس في ذكر الإمامة ومتعلقاتها
(4) شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - الجزء الثاني، صفحة 330
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله شارحا لها": قوله: "ومن نهى عما له قد ارتكب"، أي: عن الذي هو يرتكبه، وهنا يقصد المؤلف أن من ينهي عن شيء وهو يرتكبه، فإنه فعل ما يدعو إلى العجب؛ إذا نهى الإنسان عن شيء يرتكبه، مثل أن يرى رجلاً يتعامل بالربا فيقول له: يا فلان اتق الله ولا تتعامل بالربا، فإن الربا من كبائر الذنوب، وهو نفسه له محل يتعامل بالربا فيه، هذا عجب، وهذا يقضى به العجب، إذ كيف ينهى عن شيء هو يفعله؟! ولو كان باطلاً ما فعله، وإن فعله وهو يعتقد أنه باطل فهو سفيه، لقول الله تبارك وتعالى في بني إسرائيل: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} البقرة: 44، وقال تعالى لهذه الأمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} الصف: 2،{كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} الصف: 3، فهذا من كبائر الذنوب. (1)
وقد ورد التحذير عن مثل ذلك كما في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار ، فتندلق أقتاب بطنه -أي أمعاؤه ومعنى تندلق أي تخرج- فيدور فيها كما يدور الحمار في الرحى ، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك ، ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول: "بلي كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه". رواه البخاري ومسلم. (2)
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "وهذا وعيد شديد نسأل الله العافية، وفضيحة وعار، وكذلك يكون هو أول من تسعر به النار يوم القيامة. نسأل الله العافية.
ويقول الشاعر: لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم.
والمهم أن الإنسان الذي يأتي بشيء ينهى عنه، هذا أتى مما به يقضى العجب، أو بما به يقضى العجب، إذ كيف يأمر بما لا يفعل أو ينهى عما يفعل.
وإتيان المؤلف رحمه الله بهذا البيت أو بهذا الحكم بعد ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يفيد أن من فعل ذلك لا يسقط عنه الأمر والنهي، فلو كان مبتلى بهذا الأمر ويفعله فلينته عنه، ولو أن إنساناً مبتلى بشرب المخدرات، وشارب المخدرات لا يكاد يقلع، وهو ينهى الناس عن المخدرات، فلا يقال له: ما دمت أنك تفعل اسكت، بل نقول له: اِنهَ الناس.
إذاً لا يسقط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون الإنسان مخالفاً؛ لأنه إذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع المخالفة، يكن قد ترك واجبين: الأول: ترك المعصية التي يفعلها، والثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنقول: وإن كنت لا تفعل المعروف فأمر به، وإن كنت تفعل المنكر فإن فعلك إياه لا يسقط عنك النهي عنه. فإنه عنه.
فإذا قال قائل: كيف أنهى عنه وأُعرضُ نفسي للفضيحة وللوعيد في قول النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يلقى في النار فتندلق اقتاب بطنه.
فالجواب: إنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تحذيراً من أن يأمر الإنسان ولا يفعل أو أن ينهى ويفعل، وليس مراده أن يحذر من أن يأمر بما لا يفعل وأن ينهى عما يفعل.
قال المؤلف رحمه الله: (لو بدا بنفسه فذادها عن غيها) ولم يقل: فلو اعتنى بنفسه؛ يعني وترك الآخرين، لأن البداية لها نهاية، فيبدأ أولاً بنفسه ثم بغيره، وهذه هي الحكمة وهذا هو الترتيب الصحيح،لكن لو أصر هو على فعل المعصية فلا يمنعنه ذلك من ترك النهي عنها. (3)
فالشرط السادس من شروط الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر: أن يكون هذا الآمر أو الناهي قائماً بما يأمر به منتهياً عما ينهي عنه، وهذا على رأي بعض العلماء، فإن كان غير قائم بذلك، فإنه لا يأمر بالمعروف ولا ينهي عن المنكر، لأن الله تعالى قال لبني إسرائيل: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} البقرة: 44، فإذا كان هذا الرجل لا يصلي، فلا يأمر غيره بالصلاة، وإن كان يشرب الخمر، فلا ينهي غيره عنها، ولهذا قال الشاعر: لا تنه عن خلق وتأتي مثله ** عار عليك إذا فعلت عظيم؛ فهم استدلوا بالأثر والنظر، ولكن الجمهور علي خلاف ذلك، وقالوا: يجب أن يأمر بالمعروف، وإن كان لا يأتيه، وينهي عن المنكر، وإن كان يأتيه، وإنما وبخ الله تعالى بني إسرائيل، لا على أمرهم بالبر، ولكن على جمعهم بين الأمر بالبر ونسيان النفس.
وهذا القول هو الصحيح، فنقول: أنت الآن مأمور بأمرين: الأول: فعل البر، والثاني: الأمر بالبر.
منهي عن أمرين: الأول: فعل المنكر، والثاني: ترك النهي عن فعله.
فلا تجمع بين ترك المأمورين وفعل المنهيين، فإن ترك أحدهما لا يستلزم سقوط الآخر. (4)
(1) شرح العقيدة السفارينية - الشريط الثلاثون - الباب السادس في ذكر الإمامة ومتعلقاتها
(2) أخرجه البخاري (3904)، ومسلم (2989).
(3) شرح العقيدة السفارينية - الشريط الثلاثون - الباب السادس في ذكر الإمامة ومتعلقاتها
(4) شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - الجزء الثاني، صفحة 330