قال العلامة الألباني رحمه الله: "لا بُدَّ هُنا مِن بيان أمرٍ مهمٍّ جدَّاً يَغفلُ عنه الكثيرون، فأقولُ : ليسَت عِلَّة ُ بقاء ِ المُسلمين فيما هم عليه مِن الذُّلِّ واستعبادِ الكُفَّارِ -حتى اليَهود- لبَعض الدُّوَل الإسلاميَّة، هي جهلَ الكثيرين مِن أهل العلم بفقهِ الواقع، أو عَدمَ الوقوفِ على مُخَطَّطاتِ الكُفارِ وَمُؤامراتِهم، كما يُتوهمُّ!
ولذلك فأنا أرى أنَّ الاهتمامَ بفقه الواقع اهتماماً زائداً بحَيث يكونُ منهجاً للدُّعاةِ والشبابِ، يُرَبُّونَ وَيَتَربَّونَ عليه، ظانَّينَ أنَّهُ سبيلُ النَّجِاةِ: خَطأُ ظاهِرٌ وَغَلَطٌ واضحٌ!والأمرُ الذي لا يَختِلَفُ فيه مِن الفُقهاء اثنان ، ولا يَنتطحُ فيه عَنزان: أنَّ العلَّةَ الأساسيَّة للذُّلِّ الذي حَطَّ في المُسلمين رِحاَلهُ :
أوَّلاً : جَهلُ المُسلمين بالإسلام الذي أنزَلَهُ اللهُ على قَلبِ نبيَّنا عليه الصَّلاةُ والسَّلام .
وثانياً : أنَّ كثيراً مِن المُسلمين الذين يَعرفونَ أحكامَ الإسلام ِ في بَعض شؤوِنهم لا يَعملونَ بها.
فإذاً: مِفتاحُ عَودَةِ مَجـِد الإسلام: تَطبيقُ العلم النَّافِع ، والقيامُ بالعَمَل الصَّالح، وهو أمرٌ جليلٌ لا يُمِكنُ للمُسلمين أن يَصِلوا إليه إلا بإعمال ِمَنهج التَّصفيةِ والتَّربَيةِ، وهُما واجبان مُهمَّان عَظيمان: وأرَدتُ بالأوَّل منهما أموراً :
الأوَّل: تصفيَة العَقيدةِ الإسلاميَّة مِمَّا هو غـَريبٌ عنها:كالشركِ، وجَحُدِ الصَّفاتِ الإلهيَّة، وتأويلها، وردّ الأحاديث الصَّحيحةِ لتعلُّقها بالعَقيدة وَنحوِها.
الثَّاني : تصفيَة ُ الفقهِ الإسلاميِّ مِن الاجتهاداتِ الخاطئةِ المُخالِفةِ للكتابِ والسُّنَّة، وتحريرُ العقول مِن آصارِ التَّقليد، وظُلمات التعصُّب.
الثَّالث : تصفية ُ كتب التفسيرِ، والفقهِ، والرَّقائق، وغيرها مِن الأحاديث الضَّعيفة والمَوضوعَة ، والإسرائيليَّات والمنُكَرات .
وأمَّا الواجبُ الآخرُ : فأريدُ بهِ تربَية الجيل النَّاشئ على هذا الإسلام المُصفَّى مِن كلِّ ما ذكَرنا ؛ تربية ً إسلامية ً صحيحة ً منذ نُعومَةِ أظفارِهِ، دونَ أيِّ تأثرٍ بالتربَّيةِ الغربَّيةِ الكافِرَةِ.
ومِمَّا لا رَيبَ فيه أنَّ تحقيقَ هذين الواجبَين يَتطّلَّبُ جُهوداً جبَّارة مُخلصَة بينَ المُسلمين كاَّفة: جماعاتٍ وأفراداً؛ من الذين يَهُمُّهُم حقَّاً إقامَة ُ المُجتمع الإسلاميِّ المَنشودِ، كل في مَجالهِ واختِصاصِهِ.
فلا بُدَّ -إذاّ- مِن أن يُعنى العُلماءُ العارِفونَ بأحكام الإسلام الصَّحيح بَدَعوَةِ المُسلمين إلى هذا الإسلام الصَّحيح، وتفهيمهم إيَّاهُ ثم تربيتهم عليهِ، كما قال اللهُ تعالى :{وَلكنْ كُونوا رَبَّانيَّين بـِما كُنْتُمْ تُعَلَّمونَ الكِتابَ وبما كُنْتُم تَدْرُسونَ}[آل عمران: 79].
هذا هو الحلُّ الوحَيدُ الذي جاءَت به نُصوصُ الكتابِ والسُّنَّة ، كما في قوله تـَعالى :{إنْ تَنْصُروا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبَّتْ أقْدامَكُم}[محمد: 7]، وغيره كثير".
المصدر: سؤال وجواب حول فقه الواقع الألباني، صفحة 18