● الشحاتة التقنية ●
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
ففي هذا العالم التقني من المخالفات ما الله به عليم، ومن هذه المخالفات مهنة التسول، حيث اتخذها البعض حرفة، تجده يتنقل عبر مجموعات التواصل ليس له هم إلا معرفة أصحاب الخير و ليس له شغل إلا طلب الصداقة من أهل المعروف، واللعب على عاطفتهم الدينية، وحبهم للخير، ولهم في هذا طرق وأساليب لسلب الأموال، إما بنشر منشور فيه الحث على الصدقة لبناء مسجد في قعر بلاد الكفر الأوربية، أو حفر بئر في أدغال أفريقيا، أو مدرسة لتعليم أبناء المسلمين، ويختم هذه المناشير بقول والله لا يضيع أجر المحسنين، وبعضهم يراسل عبر الخاص، ويأتي بقصص مؤلمة من نسج الخيال، مرة يأتي بقصة مريض على الأسرة البيضاء يصارع مرض فتاكا، وأخرى بعائلة تقاسي الفقر المدقع، وواحد عنه غرم مفضع، وهكذا بمساعدة طالب علم رحل لتني الركب عند العلماء، وهذا حاله وهذا شغله، يتنقل من مجموعة إلى مجموعة ومن شخص إلى شخص يراسلهم عبر الخاص، لا يكل ولا يمل، فإذا افتضح أمره غير رقمه وبدل حسابه.
هذا حال البعض في هذا العالم التقني، وهو حال البعض في الواقع كما صوره العلامة مقبل الوادعي رحمه الله في كتابه ((ذم المسألة)) فقال: ((قوم يتلصّصون لأخذ الزكوات وليسوا مصرفًا، ثم يصرفونها في مصالحهم الشخصية.
وأقبح من هذا ما يحصل من بعض طلبة العلم يضيع وقته، ويهين العلم والدعوة، ركضًا من أرض الحرمين إلى الكويت، إلى قطر، إلى أبي ظبي، مالك يا فلان؟ فيقول: عليّ دين، أو أريد أن أبني مسجدًا وسكنًا للإمام (وهو نفسه الإمام)، وأريد سيارةً للدعوة، وأريد أن أتزوج.
آه آه، وإنّ طلب علم نهايته الشحاذة لا خير فيه:
ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم * ولو عظّموه في النّفوس لعظّما
ولكن أهانوه فهان ودنّسوا * محيّاه بالأطماع حتى تجهّما
ولم أر أحدًا أبصر في التلصص لاستخراج المال، من الإخوان المفلسين، فهم يصورون للناس أن القضية التي يدعون إليها هي الإسلام، وإذا لم يبذل المال في هذه القضية، انتصر الكفر على الإسلام، وهكذا القضية تلو القضية، وكلما انتهت تلك القضية ولم ير الناس لها أثرًا في نصرة الدين، بل ربما تكون عارًا على الإسلام، شغلوا الناس بقضية أخرى، فأين ثمرة تلكم المظاهرات التي يقلّدون فيها أعداء الإسلام، وأين ثمرات مؤتمر الوحدة والسلام؟ وأين ثمرات الانتخابات الطاغوتية؟ نحن نقول هذا حزنًا على الدين، وتألّمًا من قلب الحقائق، لا أننا نغبطهم على جمع الأموال، فهم سيسألون عنها يوم القيامة)) اهـ.
وإلى هؤلاء أذكرهم بما جاء من السنة في تحريم السؤال لغير حاجة [1].
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله لقد سمعت فلانًا وفلانًا يحسنان الثّناء، يذكران أنّك أعطيتهما دينارين.
قال: فقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لكنّ والله فلانًا ما هو كذلك، لقد أعطيته من عشرة إلى مائة فما يقول ذاك، أما والله إنّ أحدكم ليخرج مسألته من عندي يتأبّطها -يعني تكون تحت إبطه- نارًا)).
قال: قال عمر: يا رسول الله لم تعطيها إيّاهم؟
قال: ((فما أصنع، يأبون إلا ذاك، ويأبى الله لي البخل)).
أخرجه أحمد.
قال العلامة مقبل الوادعي رحمه الله في ((ذم المسألة)): هذا حديث صحيح، رجاله رجال الصحيح.
وعن حبشي بن جنادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من سأل من غير فقر فكأنّما يأكل الجمر)).
أخرجه أحمد والطبراني في ((الكبير)) وأبو نعيم الأصبهاني في ((معرفة الصحابة)) وصححه الألباني.
قال العلامة مقبل الوادعي رحمه الله في ((ذم المسألة)):هذا حديث صحيح.
وعن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، فسألاه فأمر لهما بما سألا، وأمر معاوية فكتب لهما بما سألا، فأمّا الأقرع فأخذ كتابه فلفّه في عمامته وانطلق، وأمّا عيينة فأخذ كتابه وأتى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم مكانه، فقال: يامحمّد أتراني حاملاً إلى قومي كتابًا لا أدري ما فيه كصحيفة المتلمّس.
فأخبر معاوية بقوله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من سأل وعنده ما يغنيه، فإنّما يستكثر من النّار)).
وقال النفيلي في موضع آخر: ((من جمر جهنّم)) فقالوا: يا رسول الله وما يغنيه؟. وقال النفيلي في موضع آخر: وما الغنى الّذي لا تنبغي معه المسألة؟ قال: ((قدر ما يغدّيه ويعشّيه)). وقال النفيلي في موضع آخر: ((أن يكون له شبع يوم وليلة، أو ليلة ويوم)).
أخرجه أبوداود وصححه الألباني.
قال العلامة مقبل الوادعي رحمه الله في ((ذم المسألة)):هذا حديث صحيح ورجاله رجال الصحيح.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من سأل وله قيمة أوقيّة، فقد ألحف)).
أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وحسنه الألباني.
وعن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((من سأل النّاس مسألةً وهو عنها غنيّ، كانت شينًا في وجهه)).
أخرجه أحمد والدارمي واللفظ له والطبراني في ((الكبير)) والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) وأبو نعيم في ((الحلية)).
قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)): رجاله رجال الصحيح.
وقال العلامة مقبل الوادعي رحمه الله في ((ذم المسألة)): هذا حديث صحيح.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إنّ الّرجل يأتيني منكم فيسألني فأعطيه، فينطلق وما يحمل في حضنه إلاّ النّار)).
أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة كما في ((المطالب العالية)) ومن طريقه ابن حبان في ((صحيحه)) وأخرجه عبد بن حميد في ((المسند)) وصححه الألباني.
وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((ليس على رجل نذر فيما لا يملك، ولعن المؤمن كقتله، ومن قتل نفسه بشيء في الدّنيا عذّب به يوم القيامة، ومن ادّعى دعوى كاذبةً ليتكثّر بها لم يزده الله إلاّ قلّةً، ومن حلف على يمين صبر فاجرة)).
أخرجه مسلم.
هذا وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
العلوص ليبيا: يوم الجمعة 21 ربيع الثاني سنة 1440 هـ
الموافق 28 ديسمبر 2018 فعزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
العلوص ليبيا: يوم الجمعة 21 ربيع الثاني سنة 1440 هـ
[1] هذا فضل ضمن كتاب ((ذم المسألة)) للعلامة مقبل الوادعي رحمه الله باختصار وتهذيب.