*****
مطـوية / بـدعة الإحتـفال بالمـولد النبـوي
لفضيلة الشيخ محمد بن عبد الله السبيل رحمه الله تعالى
----------------------------------------
نسخة للطبع المنزلي بالابيض والاسود
سهلة للطبع العادي او النسخ -فوتوكوبي-
*****
*****
نص المطوية :
بدعة الاحتفال بالمولد النبوي
محمد بن عبد الله السبيل
(9/3/1422 هـ)
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي هدانا لدينه القويم، ومنّ علينا ببعثة هذا النبي الكريم، وهدانا به إلى الصراط المستقيم، أحمده سبحانه على نعمه الغِزار، وأشكره على جوده المدرار. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد :
فيا أيها الناس: اتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في الجهر والنجوى، واشكروه أن منّ عليكم بالهداية لدين الإسلام، وجعلكم من أمة خير الأنام، الذي بعثه الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله.
أرسله بالآيات البينات، والمعجزات الواضحات، أنزل عليه هذا القرآن العظيم، الذي هو هدى وشفاء لما في الصدور، إنه شفاء لأمراض القلوب من الشكوك والشبهات، والمعاصي والشهوات، والجَور والجهالات، إنه النور الذي يضيء لك الطريق، ويهديك للتحقيق، { إِنَّ هَـذَا الْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّـالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيراً } [الإسراء:9].
لقد أنزل الله تعالى هذا القرآن العظيم على أفضل رسله، وخير أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمرنا بالتأسي به صلى الله عليه وسلم ، واتباع هديه، والتمسك بسنته، يقول عز وجل : { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }الأحزاب:21].
إنه القدوة في كل شيء، إذ لا خير إلا دلّ الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه، لقد دعا صلى الله عليه وسلم إلى كل خير بأفعاله وأقواله وتقريراته، وإن الله تعالى قد ملأ به القلوب علماً ويقيناً وإيماناً، وشمل به العباد عدلاً ورحمة وحناناً، وطهّر الله به الأخلاق من جميع الرذائل، واستكملت به جميع الفضائل، استبدل المؤمنون به بعد الشرك إخلاصاً لله وتوحيداً، وبعد الانحراف عن الحق هداية واستقامة وتوفيقاً، وبعد الفتن والافتراق الفةً واعتصاماً، وبعد القطيعة والعقوق براً وصلة وتعاطفاً، وبعد الظلم والجور وسوء المعاملات عدلاً ووفاءً بجميع الحقوق والواجبات.
إنه رحمة للعالمين، وهدى للناس أجمعين، جعل الله به بعد الفساد صلاحاً، وبعد الشقاء فلاحاً، إن شريعته السمحة وتعاليمه القيمة هي الكفيلة بجمع الشمل، واستتباب الأمن، وحصول الطمأنينة، وهذه حال المسلمين حينما كانوا مطبقين لها، عاملين بها، مستضيئين بنورها، فلما استبدل كثير منهم بنور الوحيين سواهما، وانفصلوا أو كادوا ينفصلون من حبله المتين، وتقاطعوا وتدابروا وتباغضوا وتنافروا، وضعفت فيهم الغيرة الدينية، والأخوة الإيمانية، وتباينت الآراء، وكثرت الأهواء، وأعجب كل ذي رأي برأيه، ورأى أن الحق فيما يراه ويهواه، واكتفى كثير منهم من دينهم بالمظاهر عن الحقائق، فجاءهم ما كانوا يوعدون، وتكالب عليهم الأعداء، وتشتت الأصدقاء، فلم يزالوا في بعد وافتراق، وتنازع وشقاق، نتج عن هذا ضعف البصيرة في الدين، والإعراض عن سنة سيد المرسلين.
فاتقوا الله عباد الله، وتمسكوا بسنة نبيكم تفلحوا، وإياكم والمحدثات في الدين، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
عباد الله : إن مما أحدثه بعض الناس هذه الأعياد التي يسمونها أعياد الموالِد، وليس في الإسلام سوى عيد الفطر وعيد الأضحى، وإن هذه الأعياد التي أحدثت بعد القرون المفضلة كلها من الأمور المحدثة، دخلت على هذه الأمة بسبب المتابعة لأهل الكتاب، والتأثر بهم وتقليدهم، ولقد حذرنا من ذلك، وأخبر أن هذه الأمة لا بد وأن تعمل عملهم، فقد قال : ((لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القُذّة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ))[1]، والنبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا بما سيكون تخويفاً وتحذيراً لنا من متابعتهم.
وإن مما أحدث بعض الناس في هذا الشهر من المحدثات الاحتفاء بمولده صلى الله عليه وسلم مشابهة لأهل الكتاب في إقامة عيد ميلاد المسيح عليه السلام، كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من العلماء رحمهم الله .
وإن مما لا شك فيه أن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم لا يزيده شرفاً ولا رفعةً، فإن شرفه وفضله في القمة بين البشر أجمعين، فهو سيد الأولين والآخرين، وأكرم الخلق على رب العالمين، وإن محبته صلى الله عليه وسلم دين يدان الله بها، ولا يصح إسلام المرء حتى يحب نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولا يكمل إيمانه حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين، بل حتى يكون أحب إليه من نفسه التي بين جنبيه، كما في قصة عمر رضي الله عنه[2].
ومن المعلوم أن سلف هذه الأمة أكمل وأتمّ محبة منا له عليه الصلاة والسلام ومع ذلك لم يفعلوا شيئاً من هذه الاحتفالات، بل حذروا ونهوا عنها لعدم الدليل على مشروعيتها، وليس عنوان المحبة بإقامة الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم ، ولكن محبته باتباع أمره، والاهتداء بهديه، والاقتداء بسنته، وتفهم سيرته كل وقت وحين، وسلوك طريقته التي كان عليها هو صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومتابعته على ذلك.
فاتقوا الله عباد الله، وتمسكوا بكتاب ربكم تهتدوا، واعملوا بسنة نبيكم تفلحوا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { وَمَا ءاتَـاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـاكُمْ عَنْهُ فَاتَهُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الحشر:7].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
------------------------
[1] أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء [3456]، ومسلم في العلم [2669] من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بنحوه.
[2] قصة عمر أخرجها البخاري في كتاب الأيمان والنذور [6632] عن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك))، فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((الآن يا عمر)).
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه سبحانه، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه.اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون : اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وامتثلوا أمره ولا تعصوه، واعلموا أن هذا الشهر، شهر ربيع الأول قد كان فيه مولده صلى الله عليه وسلم ، وفيه هجرته ووفاته، فلا يجوز أن نجعله موسماً للأفراح، ولا للأتراح، بل الواجب أن نتذكر حالته صلى الله عليه وسلم على الدوام، وأن نقتدي به في قيامه بعبادة ربه، ودعوته إلى دين الله، وتبليغ رسالة ربه، وجهاده في سبيل إعلاء كلمة الله، حتى أكمل الله به الدين، وأتمّ به النعمة على الخلق أجمعين، فلتقتدوا به صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله، فذلك سبب محبته لكم ومغفرته تعالى لذنوبكم، كما قال عز وجل : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [آل عمران:31].
فاتقوا الله عباد الله، وامتثلوا أمر بكم، واقتدوا بهدي نبيكم صلى الله عليه وسلم تفلحوا وتسعدوا.
وصلوا وسلموا على الهادي النذير والسراج المنير، كما أمركم بذلك ربكم في محكم التنزيل في قوله عز من قائل عليم : { إِنَّ اللَّهَ وَملائكته يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً } [الأحزاب:56].
اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد أزكى البرية أجمعين ورسول رب العالمين.وارض اللهم على الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة اجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين ..
*****
( المقطع الصوتي في المرفقات )
تعليق