ينبغي على من ينتقد غيرَه أن يسلك سبيلَ الأدب، وأن يقدّم على جدله تقوى الله عزّ وجلّ ليَزْكُوَ نظره، وأن يجتنب التهويل الذي ليس وراءَه تحصيلٌ، فإنَّ الحقَّ لا يُنصرُ بالسِّباب والشتم، ولا بالنَّبْزِ واللَّمْزِ، وإنما بالحُجج والبراهين، كما قال ابنُ جريرٍ الطبريُّ: «…فأمَّا الدعاوي فلا تتعذّر على أحد..» [«جامع البيان»: (6/17)]، وقال السخاوي: «وقد روينا عن المُزني قال: سمعني الشافعي يومًا وأنا أقول: «فلان كذاب»، فقال لي: يا إبراهيم أكسُ ألفاظَك أحسنها، لا تقل: كذَّاب، ولكن قل: حديثُه ليس بشيء». [«الإعلان بالتوبيخ» للسخاوي: (69)]، وأن يصلح منطقه ويهذّبه، فيجتنب الفحش في الخطاب، والتقعير في الكلام، والوحشي من الألفاظ، فإنه لا يضيف إلى الحجّة قوة ولا إلى الكلام حلاوة، بل يورث البلادة، ويقطع مادة الفهم والخاطر، وقد تنازع الأصمعي والمفضَّل يومًا في بيتٍ من الشعر، فرفع المفضَّل صوتَه، فقال له الأصمعي: «لو نفخت في الشّبور -أي: البوق- لم ينفعك، تكلَّم كلام النمل وأصب». [«الروض الأنف» للسهيلي: (1/240)]، وقال أبو الوليد الباجي: «ويجتنب إظهار العجب من كلام خصمه، والتشنيع عليه في جداله، فإنّ ذلك يفعله الضعفاء، ومن لا إنصاف عنده». [«المنهاج في ترتيب الحجاج»: (10)]، وقال أبو محمّد ابن حزم: «ولا تحقر أحدًا حتى تعرف ما عنده، فربما فاجأك منه ما لم تحتسب، وليس ذلك إلاّ من فِعل أهل النُّوك(١) الذين لا يحصِّلون». [«التقريب لحد المنطق»: (196)].
-------------------
١- النُّوك: الحمق. [«لسان العرب» لابن منظور: (4/334)].
للشيخ أبي عبد المعز محمد فركوس
http://www.ferkous.com/rep/J1.php
-------------------
١- النُّوك: الحمق. [«لسان العرب» لابن منظور: (4/334)].
للشيخ أبي عبد المعز محمد فركوس
http://www.ferkous.com/rep/J1.php
تعليق