السلام عليكم
قال الشاطبي حاكيا عن غربته بين اهله
فرأيت ان الهلاك في اتباع السنة هو النجاة
قال رحمه الله في مقدمة كتابه الاعتصام
"وجدت نفسي غريبا في جمهور أهل الوقت; لكون خططهم قد غلبت عليها العوائد، ودخلت على سننها الأصلية شوائب من المحدثات الزوائد، ولم يكن ذلك بدعا في الأزمنة المتقدمة، فكيف في زماننا هذا؟!
فتردد النظر بين أن أتبع السنة على شرط مخالفة ما اعتاد الناس ; فلا بد من حصول نحو مما حصل لمخالفي العوائد، ولا سيما إذا ادعى أهلها أن ما هم عليه هو السنة لا سواها، إلا أن في ذلك العبء الثقيل ما فيه من الأجر الجزيل، وبين أن أتبعهم على شرط مخالفة السنة والسلف الصالح، فأدخل تحت ترجمة الضلال عائذا بالله من ذلك، إلا أني أوافق المعتاد، وأعد من المؤالفين لا من المخالفين؟!
فرأيت أن الهلاك في اتباع السنة هو النجاة، وأن الناس لن يغنوا عني من الله شيئا،
فأخذت في ذلك على حكم التدريج في بعض الأمور، فقامت علي القيامة، وتواترت علي الملامة، وفوق إلي العتاب سهامه، ونسبت إلى البدعة والضلالة، وأنزلت منزلة أهل الغباوة والجهالة.
وإني لو التمست لتلك المحدثات مخرجا; لوجدت؛ غير أن ضيق العطن والبعد عن أهل الفطن رقى بي مرتقى صعبا وضيق علي مجالا رحبا، وهو كلام يشير بظاهره إلى أن اتباع المتشابهات، لموافقات العادات، أولى من اتباع الواضحات، وإن خالفت السلف الأول. وربما ألموا في تقبيح ما وجهت إليه وجهتي بما تشمئز منه القلوب، أو خرجوا بالنسبة إلى بعض الفرق الخارجة عن السنة شهادة ستكتب ويسألون عنها يوم القيامة:
فتارة نسبت إلى القول بأن الدعاء لا ينفع ولا فائدة فيه كما يعزى إلى بعض الناس، بسبب أني لم ألتزم الدعاء بهيئة الاجتماع في أدبار الصلاة حالة الإمامة. وسيأتي ما في ذلك من المخالفة للسنة وللسلف الصالح والعلماء.
وتارة نسبت إلى الرفض وبغض الصحابة رضي الله عنهم، بسبب أني لم ألتزم ذكر الخلفاء الراشدين منهم في الخطبة على الخصوص، إذ لم يكن ذلك من شأن السلف في خطبهم، ولا ذكره أحد من العلماء المعتبرين في أجزاء الخطب وقد سئل (أصبغ) عن دعاء الخطيب للخلفاء المتقدمين؟ فقال: هو بدعة ولا ينبغي العمل به، وأحسنه أن يدعو للمسلمين عامة.
قيل له: فدعاؤه للغزاة والمرابطين؟ قال: ما أرى به بأسا عند الحاجة إليه، وأما أن يكون شيئا يصمد له في خطبته دائما، فإني أكره ذلك. ونص أيضا عز الدين بن عبد السلام: على أن الدعاء للخلفاء في الخطبة بدعة غير محبوبة.
وتارة أضيف إلي القول بجواز القيام على الأئمة، وما أضافوه إلا من عدم ذكري لهم في الخطبة، وذكرهم فيه محدث لم يكن عليه من تقدم.
وتارة حمل علي التزام الحرج والتنطع في الدين، وإنما حملهم على ذلك أني التزمت في التكليف والفتيا الحمل على مشهور المذهب الملتزم لا أتعداه، وهم يتعدونه ويفتون بما يسهل على السائل ويوافق هواه، وإن كان شاذا في المذهب الملتزم أو في غيره، وأئمة أهل العلم على خلاف ذلك، وللمسألة بسط في كتاب (الموافقات).
وتارة نسبت إلى معاداة أولياء الله، وسبب ذلك أني عاديت بعض الفقراء المبتدعين المخالفين للسنة المنتصبين بزعمهم لهداية الخلق، وتكلمت للجمهور على جملة من أحوال هؤلاء الذين نسبوا أنفسهم إلى الصوفية ولم يتشبهوا بهم.
وتارة نسبت إلى مخالفة السنة والجماعة، بناء منهم على أن الجماعة التي أمر باتباعها وهي الناجية ما عليه العموم، ولم يعلموا أن الجماعة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان. وسيأتي بيان ذلك بحول الله.
وكذبوا علي في جميع ذلك، أو وهموا، والحمد لله على كل حال.
فكنت على حالة تشبه حالة الإمام الشهير عبد الرحمن بن بطة الحافظ مع أهل زمانه (قلت فذكر حكايته ثم قال)هذا تمام الحكاية،
فكأنه رحمه الله تكلم على لسان الجميع
، فقلما تجد عالما مشهورا أو فاضلا مذكورا، إلا وقد نبذ بهذه الأمور أو بعضها، لأن الهوى قد يداخل المخالف، بل سبب الخروج عن السنة الجهل بها والهوى المتبع الغالب على أهل الخلاف، فإذا كان كذلك، حمل على صاحب السنة، أنه غير صاحبها، ورجع بالتشنيع عليه والتقبيح لقوله وفعله، حتى ينسب هذه المناسب.
وقد نقل عن سيد العباد بعد الصحابة (أويس) القرني أنه قال: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدعا للمؤمن صديقا: نأمرهم بالمعروف، فيشتمون أعراضنا، ويجدون في ذلك أعوانا من الفاسقين، حتى والله لقد رموني بالعظائم، وايم الله، لا أدع أن أقوم فيهم بحقه.
فمن هذا الباب يرجع الإسلام غريبا كما بدأ، لأن المؤالف فيه على وصفه الأول قليل، فصار المخالف هو الكثير، فاندرست رسوم السنة حتى مدت البدع أعناقها، فأشكل مرماها على الجمهور، فظهر مصداق الحديث الصحيح."
[الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الاعتصام للشاطبي ت الهلالي، 39/1وما قبلها باخصار قليل]
قال الشاطبي حاكيا عن غربته بين اهله
فرأيت ان الهلاك في اتباع السنة هو النجاة
قال رحمه الله في مقدمة كتابه الاعتصام
"وجدت نفسي غريبا في جمهور أهل الوقت; لكون خططهم قد غلبت عليها العوائد، ودخلت على سننها الأصلية شوائب من المحدثات الزوائد، ولم يكن ذلك بدعا في الأزمنة المتقدمة، فكيف في زماننا هذا؟!
فتردد النظر بين أن أتبع السنة على شرط مخالفة ما اعتاد الناس ; فلا بد من حصول نحو مما حصل لمخالفي العوائد، ولا سيما إذا ادعى أهلها أن ما هم عليه هو السنة لا سواها، إلا أن في ذلك العبء الثقيل ما فيه من الأجر الجزيل، وبين أن أتبعهم على شرط مخالفة السنة والسلف الصالح، فأدخل تحت ترجمة الضلال عائذا بالله من ذلك، إلا أني أوافق المعتاد، وأعد من المؤالفين لا من المخالفين؟!
فرأيت أن الهلاك في اتباع السنة هو النجاة، وأن الناس لن يغنوا عني من الله شيئا،
فأخذت في ذلك على حكم التدريج في بعض الأمور، فقامت علي القيامة، وتواترت علي الملامة، وفوق إلي العتاب سهامه، ونسبت إلى البدعة والضلالة، وأنزلت منزلة أهل الغباوة والجهالة.
وإني لو التمست لتلك المحدثات مخرجا; لوجدت؛ غير أن ضيق العطن والبعد عن أهل الفطن رقى بي مرتقى صعبا وضيق علي مجالا رحبا، وهو كلام يشير بظاهره إلى أن اتباع المتشابهات، لموافقات العادات، أولى من اتباع الواضحات، وإن خالفت السلف الأول. وربما ألموا في تقبيح ما وجهت إليه وجهتي بما تشمئز منه القلوب، أو خرجوا بالنسبة إلى بعض الفرق الخارجة عن السنة شهادة ستكتب ويسألون عنها يوم القيامة:
فتارة نسبت إلى القول بأن الدعاء لا ينفع ولا فائدة فيه كما يعزى إلى بعض الناس، بسبب أني لم ألتزم الدعاء بهيئة الاجتماع في أدبار الصلاة حالة الإمامة. وسيأتي ما في ذلك من المخالفة للسنة وللسلف الصالح والعلماء.
وتارة نسبت إلى الرفض وبغض الصحابة رضي الله عنهم، بسبب أني لم ألتزم ذكر الخلفاء الراشدين منهم في الخطبة على الخصوص، إذ لم يكن ذلك من شأن السلف في خطبهم، ولا ذكره أحد من العلماء المعتبرين في أجزاء الخطب وقد سئل (أصبغ) عن دعاء الخطيب للخلفاء المتقدمين؟ فقال: هو بدعة ولا ينبغي العمل به، وأحسنه أن يدعو للمسلمين عامة.
قيل له: فدعاؤه للغزاة والمرابطين؟ قال: ما أرى به بأسا عند الحاجة إليه، وأما أن يكون شيئا يصمد له في خطبته دائما، فإني أكره ذلك. ونص أيضا عز الدين بن عبد السلام: على أن الدعاء للخلفاء في الخطبة بدعة غير محبوبة.
وتارة أضيف إلي القول بجواز القيام على الأئمة، وما أضافوه إلا من عدم ذكري لهم في الخطبة، وذكرهم فيه محدث لم يكن عليه من تقدم.
وتارة حمل علي التزام الحرج والتنطع في الدين، وإنما حملهم على ذلك أني التزمت في التكليف والفتيا الحمل على مشهور المذهب الملتزم لا أتعداه، وهم يتعدونه ويفتون بما يسهل على السائل ويوافق هواه، وإن كان شاذا في المذهب الملتزم أو في غيره، وأئمة أهل العلم على خلاف ذلك، وللمسألة بسط في كتاب (الموافقات).
وتارة نسبت إلى معاداة أولياء الله، وسبب ذلك أني عاديت بعض الفقراء المبتدعين المخالفين للسنة المنتصبين بزعمهم لهداية الخلق، وتكلمت للجمهور على جملة من أحوال هؤلاء الذين نسبوا أنفسهم إلى الصوفية ولم يتشبهوا بهم.
وتارة نسبت إلى مخالفة السنة والجماعة، بناء منهم على أن الجماعة التي أمر باتباعها وهي الناجية ما عليه العموم، ولم يعلموا أن الجماعة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان. وسيأتي بيان ذلك بحول الله.
وكذبوا علي في جميع ذلك، أو وهموا، والحمد لله على كل حال.
فكنت على حالة تشبه حالة الإمام الشهير عبد الرحمن بن بطة الحافظ مع أهل زمانه (قلت فذكر حكايته ثم قال)هذا تمام الحكاية،
فكأنه رحمه الله تكلم على لسان الجميع
، فقلما تجد عالما مشهورا أو فاضلا مذكورا، إلا وقد نبذ بهذه الأمور أو بعضها، لأن الهوى قد يداخل المخالف، بل سبب الخروج عن السنة الجهل بها والهوى المتبع الغالب على أهل الخلاف، فإذا كان كذلك، حمل على صاحب السنة، أنه غير صاحبها، ورجع بالتشنيع عليه والتقبيح لقوله وفعله، حتى ينسب هذه المناسب.
وقد نقل عن سيد العباد بعد الصحابة (أويس) القرني أنه قال: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدعا للمؤمن صديقا: نأمرهم بالمعروف، فيشتمون أعراضنا، ويجدون في ذلك أعوانا من الفاسقين، حتى والله لقد رموني بالعظائم، وايم الله، لا أدع أن أقوم فيهم بحقه.
فمن هذا الباب يرجع الإسلام غريبا كما بدأ، لأن المؤالف فيه على وصفه الأول قليل، فصار المخالف هو الكثير، فاندرست رسوم السنة حتى مدت البدع أعناقها، فأشكل مرماها على الجمهور، فظهر مصداق الحديث الصحيح."
[الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الاعتصام للشاطبي ت الهلالي، 39/1وما قبلها باخصار قليل]